وجوب أداء الأمانات
إلى أهلها
والحكم بين الناس
بالعدل
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
قال القرطبي([1]):
«هذه الآية من أمهات الأحكام تضمنت جميع الدين والشرع».
سبب
النزول:
نزلت هذه الآية في عثمان بن
أبي طلحة حين أخذ منه النبي r مفتاح الكعبة.
عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قال: نزلت
في ابن أبي طلحة قبض النبي r مفتاح الكعبة منه، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه
الآية، فدعا عثمان فرد إليه المفتاح، وقال: «خذوها يابني طلحة بأمانة الله لا
ينزعها منكم إلا ظالم»([2]).
وعن شيبة بن عثمان بن أبي
طلحة قال: «دفع النبي r المفتاح إليَّ وإلى عثمان، وقال: «خذوها
يابني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم»([3]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية([4]): «فإن النبي r لما فتح مكة، وتسلم مفاتيح الكعبة من بني
شيبة طلبها من العباس، ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت، فأنزل الله هذه
الآية، فدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة».
معاني المفردات والجمل:
قوله
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا}.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} «إن» حرف
توكيد ونصب، ولفظ الجلالة «الله» اسمها منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
وقد ذكر عز وجل اسمه ظاهرًا،
فقال: {إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ}، ولم يقل «إني
آمركم»، تعظيمًا لنفسه عز وجل، وتذكيرًا للخلق بعظمته ووجوب طاعته وتعظيمه، لأن له
الألوهية، فالأمر أمره، والشرع شرعه.
قوله {يَأْمُرُكُمْ} الأمر هو
طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
ومعنى على وجه الاستعلاء، أي:
ممن هو عال حقيقة، له أن يأمر من دونه، وكل أوامر الله عز وجل على هذا النحو، لأنه
عز وجل عال على خلقه، وهو خالقهم ومالكهم ومدبرهم، وأوامره لهم عز وجل محمولة على
الوجوب، وقد يخرج الأمر عن الوجوب بقرينة إلى الندب أو الإباحة، وأمر الله عز وجل
ينقسم إلى قسمين:
أمر شرعي، كما في هذه الآية،
وكما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}([5])([6]) وقوله
تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}([7]). وغير ذلك.
وأمر كوني، كما في قوله
تعالى: {إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}([8])، وقوله تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}([9])([10]).
والخطاب في قوله: {يَأْمُرُكُمْ} عام لجميع
المسلمين؛ ولاة الأمر من الحكام والأمراء وغيرهم من أصحاب الولايات الكبيرة
والصغيرة وعامة المسلمين([11]).
قوله: {أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا}.
قوله {أَنْ تُؤَدُّوا} «أن»
مصدرية، والفعل «تؤدوا» منصوب بها، وعلامة نصبه حذف النون. و«أن» والفعل بعدها في
تأويل مصدر في محل جر([12])
والتقدير: إن الله يأمركم بأداء الأمانات إلى أهلها.
الأمانات: جمع أمانة، وهي كل
ما اؤتمن عليه الإنسان([13])
من الأعمال والأقوال والأموال والأحوال، مأخوذة من الأمن، وهو طمأنينة النفس وعدم
الخوف، قال تعالى عن يعقوب أنه قال {هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا
أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}([14])، وقال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}([15])، سواء كانت الأمانات مما بين الله وبين خلقه، وهي الأمانة
العظمى، قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}([16]) أو مما
بين الخلق مع بعضهم البعض([17])
ويدخل في ذلك دخولًا أوليًا أمانات الولايات.
كما جاء في سبب نزول الآية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية([18]):
«أما أداء الأمانات ففيه نوعان: أحدهما: الولايات، وهو كان سبب نزول الآية...
والقسم الثاني من الأمانات: أمانات الأموال.. من الأعيان والديون الخاصة والعامة،
مثل رد الودائع، ومال الشريك، والموكل والمضارب، ومال اليتيم، ووفاء الديون وبدل
القرض وصدقات النساء، وأجور المنافع ونحو ذلك.. ».
وقال ابن كثير في كلامه على
الآية([19]):
«وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من
الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع
عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به
بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك».
ويدخل في ذلك أيضًا أمانة
تعليم العلم الذي علمه الله الإنسان، بل إن هذا من أعظم الأمانات قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}([20]) وغير ذلك([21]).
ومن ذلك أداء الشهادة، لأن
أداء الشهادة من الأمانة، ومن ذلك حفظ السر وغير ذلك.
قوله: {إِلَى أَهْلِهَا } أي: إلى من أمرتم بأدائها إليهم لا إلى غيرهم، فالعبادة
تؤدي خالصة لوجه الله تعالى، وهي الأمانة العظمى، فمن أشرك مع الله غيره أو كفر
بالله فقد خان الأمانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ([22])}.
ومن أعظم الأمانات الولاية
على مصالح المسلمين قال r لأبي ذر في الولاية: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي
وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها([23])».
ومن كان مؤتمنًا على عمل من
أعمال الأمة ومصالحها وجب أن يؤدي إليها ما اؤتمن عليه بالقيام به على الوجه
المطلوب: كالحكام والقضاة والأمراء والمدرسين والموظفين وغيرهم، ومن أهم ذلك أن
تسند الأعمال في الأمة إلى من يصلح لذلك، لأن من أعظم الخيانة لله ولرسوله
وللمؤمنين أن يسند الأمر إلى غير أهله، وذلك من علامات الساعة.
قال r: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قيل: يا رسول الله وما
إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»([24]).
وإن ائتمنك زيد أو عمرو على
عمل وجب أن تؤديه إليه بأن تقوم به على الوجه المطلوب.
وإن ائتمنك على قول كسرٍّ أفضى
به إليك وجب أن تحفظه، قال r: «إن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي للمرأة وتفضي
إليه، ثم ينشر سرها»([25]).
وكذا إذا ائتمنك على قول
تحملته كشهادة، أو سلام أو نحو ذلك، وجب تأديته كما تحملته.
وإن ائتمنك على مال من نقود
أو غير ذلك وجب أداؤه إليه من الديون وغيرها، قال تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}([26]).
قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
الواو عاطفة، فالجملة معطوفة
على ما سبق، و«إذا» ظرفية شرطية متعلقة بـ «يأمركم».
أي: ويأمركم إذا حكمتم بين
الناس أن تحكموا بالعدل، وإنما ذكر الله الحكم بين الناس بالعدل بعد الأمر بتأدية
الأمانات إلى أهلها، لأن الحكم بين الناس بالعدل من أعظم الأمانات، لأن به إيصال
الحقوق إلى أهلها ولأنه يحتاج إليه عند وجود الخيانة في الأمانات([27])
ولأن إصلاح الإنسان لنفسه وحملها على أداء الأمانة مقدم على إصلاحه لغيره([28]).
والخطاب لولاة الأمر والحكام،
ومن كان أهلًا للحكم بين الناس([29]).
قوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ} أي: وإذا أردتم الحكم، وهو الفصل والقضاء في الخصومات في
الحقوق، وفي الحدود([30]).
بين الناس: أي: في خصوماتهم
ومشاجراتهم، والناس عام في كل الناس القريب والبعيد، والمسلم والكافر قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ
ذَا قُرْبَى([31])}. وقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}([32]).
قوله {أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. «أن» والفعل «تحكموا» في تأويل مصدر، في محل جر([33])
التقدير: إن الله يأمركم بالحكم بالعدل.
والعدل: في الأصل هو
الاستقامة، ومنه العصا المستقيمة التي ليس فيها ميل.
والحكم بالعدل: هو الحكم
بشريعة الله تعالى أي: بما في الكتاب والسنة وما يوافقهما من الاجتهاد والقياس،
لأنه لا حكم أعدل من حكم الله تعالى، ولا أحد أحسن من الله حكمًا قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([34]).
وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}([35]).
وضد العدل: الظلم والجور([36]).
فالمعنى: ويأمركم إذا أردتم
الفصل بين الناس في خصوماتهم بالحكم بينهم بشريعة الله.
قال الطبري([37]):
«أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه، وبينه على
لسان رسوله».
عن عبد الله بن عمرو بن العاص
يرفعه إلى النبي r قال: «إن
المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، هم
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا»([38]).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}.
قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي
بفتح النون وكسر العين (نَعِمّا).
وقرأ بقية العشرة بكسرهما
جميعًا (نِعِمَّا) ([39]).
وأصلها «نعم ما» من «نعم»
التي للمدح، و«ما» الموصولة التي بمعنى «الذي»([40])
فأدغمت الميم بالميم. قال ابن عطية([41]):
«سكنت الأولى، وأدغمت في الثانية، حركت العين لالتقاء الساكنين».
والمخصوص بالمدح محذوف
تقديره: نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانات والحكم بالعدل([42]).
ومعنى القراءتين واحد، أي:
نعم الذي يعظكم به، أو نعم الموعظة يعظكم بها من الأمر بتأدية الأمانات إلى أهلها
والحكم بين الناس بالعدل»([43]).
والموعظة:
ذكر الأحكام مقرونة بترغيب أو ترهيب.
وهذا
امتداح منه عز وجل لأوامره ونواهيه وشرعه لاشتمال ذلك على مصالح الدارين ودفع
مضارهما، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}([44]).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} هذه الجملة استئنافية، لهذا كسرت همزة «إن»، وفيها معنى
التهديد والتحذير من المخالفة لأمر الله.
كان: مسلوبة الزمان، أي: إنه
لم يزل سميعًا بصيرًا في جميع الأوقات والأحوال([45]).
قوله {سَمِيعًا} السميع اسم من أسماء الله تعالى على وزن «فعيل» صفة مشبهة،
أو صيغة مبالغة يدل على إثبات صفة السمع لله عز وجل، وأنه يسمع جميع الأصوات، كما
قالت عائشة رضي الله عنها: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت خولة إلى
رسول الله r تشكو زوجها،
فكان يخفي علي كلامها، فأنزل الله عز وجل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}([46]).
قال ابن القيم في «النونية»([47]):
وهو السَّميع يرى ويسمع كل ما
|
|
في الكون من سر ومن إعلان
|
ولكل صوت منه سمع حاضر
|
|
فالسر والإعلان مستويان
|
والسمع منه واسع الأصوات لا
|
|
يخفى عليه بعيدها والداني
|
قوله {بَصِيرًا} البصير اسم من أسماء الله تعالى على وزن «فعيل» صفة مشبهة،
أو صيغة مبالغة، يدل على إثبات البصر لله عز وجل، وأنه يبصر جميع الأشياء.
فالمعنى أنه عز وجل لم يزل سمعيًا لأقوالكم بصيرًا بأفعالكم([48])، كما قال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}([49])، يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء.
قال ابن القيم([50]):
وهو البصير يرى دبيب النملة السـ
|
|
ـوداء تحت الصخر والصوان
|
ويرى مجاري القوت في أعضائها
|
|
ويرى بياض عروقها بعيان
|
ويرى خيانات العيون بلحظها
|
|
ويرى كذاك تقلب الأجفان
|
وختم
الآية بهذين الاسمين فيه تهديد ووعيد وتحذير من المخالفة لأمر الله، ووعد بالثواب
لمن امتثل أمر الله فمن خالف ما أمر الله به فلم يؤد الأمانة إلى أهلها، وحكم بين
الناس بغير العدل فليحذر عقوبة الله.
ومن
امتثل أمر الله فليبشر بالعقبى الحسنة من الله، لأن الله يسمع أقوالهم، ويبصر
أفعالهم، وسيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفو بفضله([51]).
الفوائد والأحكام:
1-
بيان عظمة الله عز وجل لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} لأنه سبحانه ذكر نفسه بصيغة الغائب، وهذا يدل على التعظيم.
2-
وجوب أداء الأمانات إلى أهلها لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، وهو عام في جميع أمانات الأعمال والأقوال والأموال
والأحوال مما كان بين الله وبين خلقه، ومما بين العباد مع بعضهم البعض، قال تعالى:
{إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ
أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولًا}([52]).
فالأمانة
الكبرى هي عبادة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ولهذا وصف الله بها عباده
المؤمنين، فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}([53]).
3-
وجوب حفظ الأمانات العينية من النقود والأمتعة وغيرها في حرز مثلها، لأن
ذلك من لازم حفظها وأدائها إلى أهلها، فمن لم يحفظها في حرز مثلها وتلفت فهو ضامن
لها([54]).
4-
تحريم الخيانة لمفهوم قوله: {إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([55]).
وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ
لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}([56]).
وقال r: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»([57]).
وقال r في حديث أبي هريرة: »لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة
الجلحاء من الشاة القرناء»([58]).
وقال r: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها
يريد إتلافها أتلفه الله»([59]).
ونفى r الإيمان عمن لا أمانة له، فقال r: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»([60]).
وقال r: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن
خان»([61]).
وقال r: «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»([62]).
وقد قيل:
فأَخْلفنَ ميعادي وخن أمانتي
|
|
وليس لمن خان الأمانة دين([63])
|
5-
أن الواجب تأدية الأمانات إلى أهلها أو من يقوم
مقامهم من وكيل ونحوه، لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فلو أن شخصًا عنده أمانة لشخص آخر، فدفعها لشخص ثالث
ليدفعها لصاحبها فتلفت؛ ضمنها المؤتمن، لأنه لم يؤدها إلى صاحبها. وفي حديث عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله r قال: «أد الأمانة إلى من ائتمنك»([64]).
6-
سمو أحكام الإسلام وآدابه، حيث أمر بأداء الأمانات إلى أهلها.
7-
وجوب الحكم بين الناس بالعدل، لقوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} أي: في كل الأحوال والأعمال، ومع كل الناس: القوي والضعيف،
والغني والفقير. قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا
فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}([65])، ومع الشريف والوضيع. قال r لما كلمه أسامة بن زيد في شأن المخزومية التي سرقت: «أتشفع في
حد من حدود الله! إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه،
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعت يدها»([66]).
فكل من له ولاية في المسلمين
فالواجب عليه العدل فيمن تحت ولايته، فالحاكم عليه العدل في رعيته، قال r: «سبعة
يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ...» ([67]).
وهذه
من أعظم الولايات والأمانات، فيجب على الحاكم تولية الأصلح على مصالح المسلمين في
الولايات الكبيرة والصغيرة، واختيار الأمثل فالأمثل للرعية في إقامة دينهم
ودنياهم، ممن يتوفر فيهم ركنا الولاية، وهما: القوة والأمانة([68])، قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ}([69]).
وقال صاحب مصر ليوسف: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}([70])، وقال تعالى في صفة جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي
قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}([71]).
والقوة في كل منصب بحسبه،
فالقوة في الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، والقدرة على أنواع القتال والخبرة بها ونحو
ذلك.
والقوة في الحكم ترجع إلى
معرفة الحكم والقدرة على تنفيذه.
والأمانة ترجع إلى خشية الله
تعالى.
ومع أن اجتماع هذين الركنين
وهما القوة والأمانة في الناس قليل، كما قال عمر ابن الخطاب t: «اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة» فليس على الوالي
إلا بذل جهده فيمن يختاره لمصالح الأمة، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ([72])، وقال r: «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم»([73]).
فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة،
والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية، فمثلًا في ولاية المال يقدم الأمين،
لأن الحاجة إلى الأمانة هنا أشد. وفي ولاية الحرب يقدم القوي لأن الحاجة إلى القوة
في الحرب أشد، وهكذا.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن
الرجلين يكونان قائدين في الغزو: أحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟
فقال: «أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف
فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، يُغزى مع القوي الفاجر».
وقد قال r: «وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»([74]).
وقال r لأبي ذر: «يا أبا ذر إنك إنسان ضعيف، وإني أحب لك ما أحب لنفسي،
لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم»([75]).
وإذا لم تتم المصلحة ولم تقع الكفاية
برجل واحد، جمع بين عدد، فإذا تعين رجل قوي ضممنا إليه رجلًا أمينًا، ليكمل أحدهما
الآخر، وهكذا.
ويقدم في ولاية القضاء الأعلم الأورع
الأكفأ، فإن لم تتوفر صفتا العلم والورع قدم فيما يظهر حكمه ويخاف فيه الهوى
الأورع، وقدم فيما دق حكمه، ويخاف فيه الاشتباه الأعلم.
وفي إمامة الصلاة يقدم من قدمه رسول
الله r في قوله: «يؤم القوم
أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة
سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سنًا، ولا يؤمن الرجل في
سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه»([76]).
فإن تكافأ رجلان أو خفي حالهما أقرع بينهما، كما
أقرع سعد بن أبي وقاص t يوم القادسية لما تشاجروا
على الأذان متابعة لقوله r: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف
الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا»([77]).
ولا يجوز تولية غير الأصلح أو استنابته على مصالح
المسلمين لقرابة أو صداقة أو نحو ذلك، فإن في ذلك خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين،
قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([78]).
وقال r في حديث معقل بن يسار: «ما من راع يسترعيه الله رعية يموت وهو
غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»([79]).
وفي رواية: «ما من أمير
يلي من أمر المسلمين شيئًا ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة»([80]).
وقال r في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن
رعيته»([81]).
ولا ينبغي تولية من طلب
الولاية، لأن قومًا دخلوا على رسول الله r فسألوه ولاية فقال: «إنا لا نولي أمرنا من طلبه ولا من حرص
عليه»([82]).
وقال r لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة،
فإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها»([83]).
وعن أبي ذر t قال: قلت يا
رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر إنك
ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي
عليه فيها»([84]).
كما
أن من الأمانة أن تؤدي الرعية ما يجب عليها لولي الأمر من الطاعة بالمعروف والنصح
له.
قال r: «على المرء السمع والطاعة
فيما أحب أو كره مالم يؤمر بمعصية»([85]).
وعن
تميم الداري t أن رسول الله r قال: «الدين النصيحة»
قيل: لمن يا رسول الله قال: «لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم»([86]).
وعن
عبد الله بن مسعود t أن رسول الله r قال: «إنكم سترون بعدي أثره
وأمورًا تنكرونها». قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم
حقهم، واسألوا الله حقكم»([87]).
وإن
من أشد أنواع الخيانة أن يأخذ الوالي ما لا يحل له، أو تمنع الرعية ما يجب عليها،
أو يضمنر أحدهما الغش للآخر، وعدم النصح له.
قال
عمر بن عبد العزيز t: «إن ولي الأمر كالسوق ما
نفق فيه جلب إليه».
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية([88]) بعد أن ذكر مقالة عمر هذه: «فإن
نفق فيه الصدق والبر والعدل والأمانة جلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والفجور
والخيانة جلب إليه ذلك».
وقال
أيضًا([89]): «والمقصود الواجب بالولايات صلاح
دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به في
الدنيا، وإصلاح مالا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم».
وقال
أيضًا([90]): «ومتى اهتمت الولاة بإصلاح دين
الناس صلح للطائفتين دينهم ودنياهم، وإلا اضطربت الأمور عليهم، وملاك ذلك صلاح
النية للرعية وإخلاص الدين كله لله والتوكل عليه، فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح
الخاصة والعامة.
وأعظم
عون لولي الأمر خاصة ولغيره عامة، ثلاثة أمور: أحدها الإخلاص لله، والتوكل عليه
بالدعاء وغيره، وأصل ذلك المحافظة على الصلوات بالقلب والبدن. الثاني الإحسان إلى
الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة. الثالث: الصبر على أذى الخلق وغيره من
النوائب..».
والقاضي
يجب عليه العدل بين الخصوم([91])، والاجتهاد في تحري الحق والصواب،
قال r: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب
فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر»([92]).
والأمير
يجب عليه العدل بين من تحت إمرته والرئيس يجب عليه العدل بين مرؤوسيه، والموظف يجب عليه العدل بين مراجعيه، والمدرس يجب عليه
العدل بين طلابه فيما لهم وما عليهم .
والوالد
يجب عليه العدل بين أولاده فيما لهم من حقوق عليه وفي أُعطياتهم([93]).
والزوج
يجب عليه العدل بين زوجاته بقدر استطاعته، والتاجر والصانع والمستأجر وكل من له
تعامل مع الناس، ينبغي أن يعدل في معاملته لهم، فيأخذ حقه كاملًا ويعطيهم حقوقهم
كاملة، ولا يكون مطففًا، فيبخس الناس حقوقهم، ويأخذ حقه كاملًا، قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا
اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ([94])}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية([95]):
«فعلى كل من ولي أمر الأمة، أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل والقسط، وأن يحكم
بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r وهذا هو الشرع المنزل من عند الله، قال الله
تعالى: {لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}...»([96]).
وهكذا ينبغي من كل إنسان العدل والإنصاف من نفسه في
تعامله مع الناس فيما يقول ويفعل؛ القريب مع أقاربه، والجار مع جيرانه، والأخ مع
إخوانه، كما قال r:
«من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم
الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه»([97]).
وقال
r: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه»([98]).
وقال
عليه الصلاة والسلام: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه
يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا»([99]).
وإن
من الظلم وعدم العدل أن يرى الإنسان عيوب الآخرين وينسى عيوبه، يرى القذاة في عين أخيه
ولا يرى الجذع في عينه.
وقد
قيل:
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه
|
|
ويذكر عيبًا في أخيه قد اختفى
|
ولو كان ذا فضل لما عاب غيره
|
|
وفيه عيوب لو رآها به اكتفى
|
8-
أنه يجب على من يتصدر للحكم بين الناس أن يكون
عالمًا بالشرع لقوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
والعدل هو ماشرعه الله في
الكتاب والسنة.
لأن من لم يكن على معرفة
بالكتاب والسنة لا يستطيع الحكم بالشرع، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
9-
أن الدين الإسلامي دين العدل، أوجب إعطاء كل ذي حق
حقه، ونزل كلاًّ منزلته، لقوله {أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
وفي هذا رد على القائلين بأن
الإسلام ظلم المرأة، حيث جعل نصيب الرجل ضعف نصيب الأنثى، وجعل شهادة امرأتين
بشهادة رجل، ونحو ذلك، لأن ما شرعه الله تعالى هو عين العدل، فيه تنزيل كل من
الجنسين منزلته، وإعطاء كل منهما حقه اللائق به.
10- كما شرع الله تعالى، لأن الله تعالى أثنى عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}.
وذلك لما اشتمل عليه من
الموعظة ومصالح الدارين وسعادتهما.
قال
تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وقال تعالى: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}([100]).
وقال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}([101]).
11- إثبات اسم الله «السميع»، وما تضمنه من صفة السمع الذي وسع جميع
الأصوات، لقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا}.
12- إثبات اسم الله «البصير»، وما تضمنه من صفة البصر لكل شيء، لقوله {بَصِيرًا}، وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} فرأيت رسول الله r يضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه،
ويقرأها»([102]).
13- التهديد لمن خالف أمر الله، فخان الأمانة أو
حكم بغير العدل، والتبشير لمن امتثل أمر الله، فأدى الأمانة إلى أهلها وحكم بين
الناس بالعدل، لقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} أي: يسمع أقوالكم
ويرى أفعالكم، وسيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
***
وجوب طاعة الله وطاعة رسول
([1]) في «الجامع لأحكام القرآن» 5/255.
([2]) أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص 105. وقد ذكره أيضًا برواية
أطول مما ذكر ص104-105 وأخرجه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
فيما ذكره السيوطي في «لباب النقول» ص 71 وهي طريق ضعيفة.
وقال
العجلوني في «كشف الخفاء» 1/449: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بسند فيه عبدالله بن المؤمل وثقه
ابن معين».
([3]) أخرجه الواحدي في الموضع السابق.
وقد
أخرج السبب مختصرًا الطبري عن ابن جريج وعن الزهري في «جامع البيان» 8/491-492
الآثار 9846، 9847، وقال ابن كثير: «ذكروا أن سبب نزول الآية في شأن عثمان بن أبي
طلحة وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك أولًا» تفسير ابن كثير» 2/299،
وانظر «السيرة النبوية» 4/55.
([4]) في «مجموع الفتاوى» 28/246.
([5]) سورة النحل، آية: 90.
([6]) انظر «مجموع الفتاوى» 10/24، «شرح الطحاوية» 2/657.
([7]) سورة الأعراف، آية: 29.
([8]) سورة يس، آية: 82.
([9]) سورة الإسراء، آية: 16.
([10]) انظر «مجموع الفتاوى» 10/24، «شرح الطحاوية» 2/657.
([11]) انظر «جامع البيان» 8/490-494، «النكت والعيون» 1/400، «المحرر
الوجيز» 4/157، «الجامع لأحكام القرآن» 5/256.
([12]) انظر «مشكل إعراب القرآن» 1/201.
([13]) انظر «الوسيط» 2/71، «أحكام القرآن» لابن العربي 1/450-451،
«المحرر الوجيز» 4/157، «الجامع لأحكام القرآن» 5/257.
([14]) سورة يوسف، آية: 64.
([15]) سورة آل عمران، آية: 75.
([16]) سورة الأحزاب، آية: 72.
([17]) انظر «جامع البيان» 8/493، «التفسير الكبير» 10/111.
([18]) في «مجموع الفتاوى» 28/246-265.
([19]) في «تفسيره» 2/298.
([20]) سورة آل عمران، آية: 187.
([21]) انظر «تفسير المنار» 5/ 170-171.
([22]) سورة الأنفال، آية: 27.
([23]) أخرجه مسلم في الإمارة 1826.
([24]) أخرجه البخاري في العلم 59، وأحمد 2/361 من حديث أبي هريرة،
وانظر «السياسة الشرعية، ص 16، «مجموع الفتاوى» 28/ 247-262.
([25])أخرجه مسلم في النكاح 1437، وأبو داود في الأدب 4870، وأحمد 3/69
– من حديث أبي سعيد t.
([26]) سورة البقرة، آية: 283.
([27]) انظر «تفسير المنار» 5/175 وهذا يذكرنا بما روي أن عمر تولى
القضاء أيام خلافة أبي بكر t ما فجلس سنة
لم يدخل عليه أحد فجاء إلى أبي بكر وأعطاه مفتاح دار القضاء، وقال له: «أنت وليتني
على أناس هم قضاة على أنفسهم».
([28]) انظر «التفسير الكبير» 10/113.
([29])انظر «أحكام القرآن» لابن العربي 1/ 450-451، «الجامع لأحكام
القرآن» 5/258.
([30]) انظر «السياسة الشرعية» ص 72.
([31]) سورة الأنعام، آية: 152.
([32]) سورة الممتحنة، آية: 8.
([33]) انظر «مشكل إعراب القرآن» 1/201.
([34]) سورة المائدة، آية: 50.
([35]) سورة التين، آية: 8.
([36]) انظر «اللسان» مادة «عدل».
([37]) في «جامع البيان» 8/494.
([38]) أخرجه مسلم في الإمارة 1827، والنسائي في آداب القضاة 5379، والبغوي
في «معالم التنزيل» 1/444.
([39]) انظر «العنوان» ص 75، «النشر» 2/235.
([40]) وقيل «ما» نكرة موصوفة بـ «يعظكم» التقدير: نعم شيئًا يعظكم.
انظر «مدارك التنزيل» 1/326.
([41]) في «المحرر الوجيز» 4/ 157-158.
([42]) انظر «التفسير الكبير» 10/114.
([43]) انظر «جامع البيان» 8/494، «معالم التنزيل» 1/444، «التفسير
الكبير» 10/114، «مدارك التنزيل» 1/326، «تفسير ابن كثير» 2/300.
([44]) سورة النساء، آية: 82.
([45]) انظر «جامع البيان» 8/ 494-495.
([46]) أخرجه البخاري معلقًا في التوحيد باب قول الله تعالى: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} من حديث عائشة رضي الله عنها انظر «فتح الباري» 13/372.
وأخرجه موصولًا من حديث عائشة رضي الله عنها النسائي في
الطلاق 3460، وابن ماجه في المقدمة 188 وصححه الألباني.
([47]) ص 146.
([48]) انظر «جامع البيان» 8/ 494-495، «تفسير ابن كثير» 2/300.
([49]) سورة طه، آية: 46.
([50]) في «النونية» ص 146.
([51]) انظر «جامع البيان» 8/ 494-495.
([52]) سورة الأحزاب، آية: 72.
([53]) سورة المؤمنون، آية: 8، وسورة المعارج، آية: 32.
([54]) انظر في تفصيل الكلام على الحرز ما ذكرناه في كتابنا: «تفسير
آيات الأحكام في سورة المائدة» في الكلام على قوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية (38).
([55]) سورة الأنفال، آية: 27.
([56]) سورة النساء، آية: 105.
([57]) أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات 3535، والترمذي في البيوع
1264، والدارمي في البيوع 2597، من حديث أبي هريرة t.
وأخرجه
أبو داود أيضًا في البيوع 3534، وأحمد 3/414- من حديث يوسف بن ماهك، وهو حديث
صحيح. وصححه الألباني. انظر «الأحاديث الصحيحة» 424.
([58]) أخرجه مسلم في البر والصلة 2582، والترمذي في صفة القيامة 2420،
وأحمد 2/235- من حديث أبي هريرة t.
([59]) أخرجه البخاري في الاستقراض 2387، وابن ماجه في الأحكام 2411، من
حديث أبي هريرة t.
([60]) أخرجه أحمد 3/154، والبزار في زوائد كتاب الإيمان 1/68 حديث 100،
والبغوي في «معالم التنزيل» 1/444، من حديث أنس t، وصححه السيوطي في «الجامع الصغير» 2/189.
([61]) أخرجه البخاري في الإيمان 33، ومسلم في الإيمان 59، والنسائي في
الإيمان وشرائعه 5021، والترمذي في الإيمان 2631. من حديث أبي هريرة t.
([62]) أخرجه النسائي في الإيمان وشرائعه 4995، والترمذي في الإيمان
2627. من حديث أبي هريرة وصححه الترمذي وصححه الألباني.
([63]) انظر «الوسيط» 2/70.
([64]) سبق تخريجه ص 15.
([65]) سورة النساء، آية: 135.
([66]) أخرجه البخاري في الحدود 6788، ومسلم في الحدود 1688، وأبو داود
في الحدود 4373، 4374، والنسائي في قطع السارق 4895، والترمذي في الحدود 1430،
وابن ماجه في الحدود 2547.
([67]) أخرجه البخاري في الأذان 660، ومسلم في الزكاة 1031، والنسائي في
آداب القضاة 5380، والترمذي في الزهد 2391، وأحمد 2/435 من حديث أبي هريرة t.
([68]) انظر في هذا وما بعده «السياسة الشرعية» ص 12-50، «مجموع
الفتاوى» 28/ 246-247، 250-258، 262، 361.
([69]) سورة القصص، آية: 26.
([70]) سورة يوسف، آية: 54.
([71]) سورة التكوير، الآيات: 19-21.
([72]) سورة التغابن، آية: 16.
([73]) أخرجه البخاري في الاعتصام 7288، ومسلم في الحج 1337، والنسائي
في مناسك الحج 2619، والترمذي في العلم 2679، وابن ماجه في المقدمة 2 من حديث أبي
هريرة t.
([74]) أخرجه البخاري في الجهاد 3062، ومسلم في الإيمان 111، وأحمد
2/309 من حديث أبي هريرة t.
([75]) أخرجه مسلم في الإمارة 1825، وأبو داود في الوصايا 2868، وأحمد
5/73.
([76]) أخرجه مسلم في المساجد 673، وأبو داود في الصلاة 582-584،
والنسائي في الإمامة 780، والترمذي في الصلاة 235- من حديث أبي مسعود البدري t.
([77]) أخرجه البخاري في الأذان 615، ومسلم في الصلاة 437، وأبو داود في
الأدب 5245، والنسائي في المواقيت 540، والترمذي في الصلاة 225، وأحمد 2/332- من
حديث أبي هريرة t.
([78]) سورة الأنفال، آية: 27.
([79]) أخرجه البخاري في الأحكام 7151، ومسلم في الإيمان 242، وأحمد 5/
25، 26.
([80]) أخرجه البخاري في الأحكام 7150، ومسلم في الإيمان 142، والدارمي
في الرقاق 2796 من حديث معقل بن يسار t.
([81]) أخرجه البخاري في العتق 2558، ومسلم في الإمارة 1829، وأبو داود
في الخراج والإمارة 2928، والترمذي في الجهاد 1705، وأحمد 2/ 5، 54.
([82]) أخرجه البخاري في الأحكام 7149، ومسلم في الإمارة 1733- من حديث
أبي موسى الأشعري t.
([83]) أخرجه البخاري في الإيمان والنذور 6622، ومسلم في الإمارة 1652
وأبو داود في الخراج 2929، والنسائي في الإيمان 3784، والترمذي في النذور 1529.
([84]) أخرجه مسلم في الإمارة 1825.
([85]) أخرجه البخاري في الجهاد 2955، ومسلم في الإمارة 1839، وأبو داود
في الجهاد 2626، والترمذي في الجهاد 1707، وابن ماجه في الجهاد 2864- من حديث ابن
عمر رضي الله عنهما.
([86]) أخرجه مسلم في الإيمان 55، وأبو داود في الأدب 4944، والنسائي في
البيعة 4197.
([87]) أخرجه البخاري في الفتن 7052، ومسلم في الإمارة 1843، والترمذي
في الفتن 2190.
([88]) في «السياسة الشرعية» ص 40، وانظر «مجموع الفتاوى» 28/268.
([89]) في «السياسة الشرعية» ص 30، وانظر «مجموع الفتاوى» 28/262.
([90]) في «مجموع الفتاوى» 28/361.
([91]) قال الفقهاء: يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في دخولهما
عليه ومجلسهما منه، وفي الالتفات إليهما، وفي اللحظ والنظر إليهما، وفي لفظ خطابه
لهما، وفي استخلاص الحجة من كل منهما وفي الحكم بينهما وغير ذلك انظر «المغني»،
التفسير الكبير، 10/114، «تفسير المنارة» 5/175.
([92]) أخرجه البخاري في الاعتصام 7352، ومسلم في الأقضية 1056، 1716،
وأبو داود في الأقضية 3574، وابن ماجه في الأحكام 2314. من حديث عمرو بن العاص t.
([93]) هذا إذا كان هدية أو عطية، أما إذا كان لدفع حاجة فلا مانع أن
يعطي المحتاج دون غيره من الأولاد. أما إذا لم يكن لدفع حاجة فلا يجوز.
قال
r لوالد النعمان بن بشير لما جاء يشهده على عطية أعطاها للنعمان:
«أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» قال: لا قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»
وفي رواية فقال: «أكلَّ بينك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟» قال: لا، قال: «فأشهد
على هذا غيري» ثم قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟» قال: بلى،
قال: «فلا إذًا» أخرجه البخاري في الهبة 2586، 2587، ومسلم في الهبات 1623،
وأبو داود في البيوع 3542، والنسائي في النحل 3672-3687، والترمذي في الأحكام
1367، وابن ماجه في الأحكام 2375.
ومن
العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الانثيين على الصحيح من أقوال أهل العلم،
كما في قسمة الله عز وجل الميراث بينهم.
([94]) سورة المطففين، الآيات: 1-3.
([95]) في «مجموع الفتاوى» 35/389.
([96]) سورة الحديد، آية: 25.
([97]) أخرجه مسلم في الإمارة 1844، وأبو داود في الفتن والملاحم 4248،
والنسائي في البيعة 4191، وابن = ماجه في الفتن 3956- من حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما.
([98]) أخرجه البخاري في الإيمان 13، ومسلم في الإيمان 45، والنسائي في
الإيمان وشرائعه 5016، وابن ماجه في المقدمة 66، والدارمي في الرقاق 2740- من حديث
أنس بن مالك t.
([99]) أخرجه مسلم في الإمارة 1827، والنسائي في آداب القضاة 5279- من
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
([100]) سورة المائدة، آية: 3.
([101]) سورة النساء، آية: 82.
([102]) أخرجه أبو داود في السنة 4728. وقال الألباني: صحيح الإسناد.
لتحميل الكتاب كاملا بصيغة بي دي اف من الرابط اسفل المقال
تحميل كتاب وحوب أداء الأمانات إلى أهلها PDF برابط ميديا فير من هنا