-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً PDF برابط ميديا فير



الفكرة ولدية تجربة عملية

اليوم تُبدِئ وسائل الإعلام وتُعِيد في الحديث عن معاناة شعب (البوسنة والهرسك)، ويتم إثارة العالَم وتهييج الشعوب وحفز الدول للمشاركة بالكلمة أو المال، وبتوظيف جميع وسائل الإعلام، مع التحفُّظ على فتح المجال للمشاركة بالنفس أو تقديم السلاح؛ لئلا ينقلب السحرُ على الساحر، كما حدث بالأمس.
بالأمس كان نفس الهياج، وتحت سمع العالم وبصره، جُنِّد المال والرجال، وتعاونت الشعوب والدول لاستخدام الحربة الأفغانية في القضاء على الكابوس الشيوعي، بعد هذا التنادي والتداعي اجتمع لخدمةِ هذه القضية من شباب الإسلام مجتمعٌ بشري فريد ومتميز، على بقعة صغيرة من الأرض، ولهدف عامٍّ مشترك، رغم تعدد المشارب وتباين الوسائل، واختلاف سُلَّم الأولويات.
وكان لهذه التجرِبة الجديدة الفريدة إيجابياتٌ لا يمكن إغفالها أو التقليل من أهميتها، كما كان لها سلبيات لا يمكن غضُّ الطرف عن خطورتها، وكان من أبرز هذه السلبيات - بنظري - عدم القدرة على التعايش في صورة فريق عمل منسجم، ومجتمع إسلامي متعاون، بحيث تُستَهلك الأوقات والأموال والجهود في البناء لا في الهدم، وفي التكامل لا في التضادِّ، وذلك خللٌ لا بدَّ من المصارحة فيه؛ لقطف العبرة من تجرِبة كبيرة ونادرة، كان يُؤمَّل منها أن تُقدِّم نموذجًا عمليًّا لأخوَّة الإسلام التي طال الحديث في وصفها وضرب أمثلتها نظريًّا.
كان يُتوقَّع للمبادئ والقيم التي تربَّى عليها الشباب أن تأخذ طريقَها إلى العمل والتنفيذ، وكان الذي نرجوه، أن تتحوَّل بصيرتنا بمداخل الشيطان ومصائده وحبائله إلى حذر شديد، واحتياط بالغ؛ لئلا يكون بأسنا بيننا.
وكان الشيطان يخترق الصفوف، ويُفرِّق بين الأحبة، ويشيع الدَّخَن بين القلوب، ولو أنه فعل ذلك بدواعي الهوى وشهوة المال أو حب الزعامة؛ لكان الأمر مفضوحًا مكشوفًا ظاهر العَوَر، لكنه كان يفعل فعله بدوافعَ ظاهرُها الخير، فتسأل الواحد من الناس: ما سر العداوة مع فلان؟ فتسمع عددًا من الإجابات منطلقها الظاهر الشرع - والله أعلم بخفايا الصدور وكيد الشياطين -: لأنه عميل، لأنه لا يوثق بدينه، لأنه لا يتَّبع السنة، ليس لديه علم، عقيدته فيها خلل، ولا نبرئ طرفًا ونتهم آخر، فقد ولغ الجميع في نفس البلاء بأقدار متفاوتة.
في وسط هذا الجو المغاير لِمَا ينبغي أن يكون، كان لا بدَّ من صمام أمان يُتيح لكل طرف أن يُنصِت لسماع رأي الطرف الآخر، وأن يرد الثاني بأدب ولطف، بغير تجريح ولا اتهام، وأن ينفض الجميع من مجلسهم متحابِّين متعاونين، يعذِرُ بعضهم بعضًا إذا لم يتَّفقوا.
وكان هذا الصمام المفقود هو (الأخلاق)، فالتربية الأخلاقية لكل شاب لم تكن قد أخذت حظها من الصقل والرعاية، بقدر ما تدرب الشاب على عرض فكرته، ونقض آراء المخالفين، من أجل سد هذه الثغرة كان لا بدَّ من الأخلاق؛ لأننا نتَّفق جميعًا على أن الصدق والحياء والتكافل والصبر من محاسن الأخلاق، كما نتفق على أن الخيانة والحسد والغيبة والكبر من مساوئ الأخلاق، فأردنا أن نتقي وساوس الشيطان، من الباب الذي قد يندر فيه الخلاف: (التربية الأخلاقية).


لماذا الأخلاق؟

منذ مطلع حياتنا في أجواء التربية الإسلامية، كانت تصطرع حولنا أفكار، نحفظ ألفاظها ولا ندري مبرِّر الاختلاف عليها، هؤلاء يقولون: التربية الفكرية أولًا لتحصين الشاب من الغزو الفكري، ومن اعتقاد تصورات خرافية حول سنن الله في الكون.
وآخرون يقولون: التربية الأخلاقية أولًا لحماية الشاب من الانجراف وراء سعير الشهوات، ومن الغرق في حمأة الرذيلة، فذاك يريد دفع الشبهات، وهذا يُحصَّن من الشهوات.
كنا يومها - بالفطرة - نشعر أننا مطالبون بكلا الأمرين إذا ما أردنا أن ندخل في السِّلْم كافَّة، وكنا نرى في واقع الحياة أن الشيطان يستعمل كلا السلاحين: الشهوات والشبهات.
ولكم رأينا من العابدين الذين نحسبهم من أهل العلم والصلاح لا يعيشون عصرهم، ولا يُدرِكون كيف يُواجهون الأفكار الدخيلة بأكثر من تَمْتَمات وتعاويذ وحَوْقَلة وتهليل، وبقي يسرح في عالمه، وبقيت الشبهة عالقة بقلوب الناس، لم تُزِلْها من قلوبهم تهويمات العابد ولا انفعالاته!
وكم رأينا من ذوي الفكر الرَّصين، والنظر الثاقب، والعرض الجذاب للإسلام، والقدرة الفائقة في بيان أوهام الأفكار الضالة والمذاهب الهدامة، الذين حين نُفتِّش في سلوكهم عن عناصر القدوة نجدها ضامرة، وإن واجه المخالف له بدأ يسخر ويطعن ويجرح، وإن لقي ندًّا هوَّن من أمره، وكشف من عيوبه ما يظهر فضله عليه، فتجد وراء هذا الفكر البرَّاق مرضًا أخلاقيًّا خطيرًا، فعلمنا - بفطرتنا - أيضًا أن في كلٍّ من الفريقين ميزة، كما في كل من الفريقين نقص وخلل.
ثم إن الكتابات التي خدمت الفكر الإسلامي وخاطبت العقل وسعت لنشر الوعي وتعميق المفاهيم، هذه الكتابات ملأت الساحة الثقافية، وأُتْخِمت بها المكتبات، وتدور بها المطابع كل يوم، بينما لم تحظَ التربية الأخلاقية بهذا القدر من الاهتمام، وكان ما يُكتَب فيها نادرًا، وربما كانت الكتابة في المجال الأخلاقي محدودةَ المواضيع لا تحتمل الكثير من التجديد لا في المحتوى ولا في الأسلوب، غير أن الهدف الأخلاقي يمكن أن يشارك في تعميق غورِه كلُّ كاتب إسلامي من خلال المقالة أو القصة أو الشعر، بحيث تغطي مسحة الأخلاق كل صور التعبير الأدبي والفكري. ولست أعني أن الكتابة عن الأخلاق هي التي ستعدِّل الأخلاق.
إن التربية الأخلاقية تؤخذ بالمعايشة والقدوة والمواقف الحياتية، وما الكتابة عن الأخلاق سوى إشاراتٍ تدل على الطريق، وتُذكِّر بالقيم، وترفع الأبصار إلى القمم، لنرى البون الشاسع بين ما نحن فيه وما ينبغي أن نكون عليه، وحين نحس بأزمتنا التربوية، ومشكلتنا الأخلاقية، وحاجتنا المُلِحَّة إلى التأديب والتهذيب، عندئذٍ قد نضع أقدامنا على بداية الطريق بمجاهدة النفس وحسن الصحبة والتناصح ومجالسه الصالحين.
إن الواقع العملي لحملة الفكر الإسلامي على اختلاف مشاربهم قد يُحدِث بينهم نوعًا من التقارب الفكري في أجواء الحوار الهادئ والتعامل المهذَّب والاحترام المتبادل إذا وجدت الأخلاق، وإن أصحاب الفكر الواحد قد يتقاذفون الاتهامات ويَفْجُرون في الخصومات، ويشقون الصفوف، وتحركهم الأهواء إذا ضعفت فيهم الأخلاق، فالخلق الفاضل يجمعهم على ما بينهم من اختلاف، وسوء الخلق يُفرِّقهم على ما بينهم من وحدة فكرية.
لقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى - قرون الخير - أعلى مستوى من التربية الأخلاقية، وكان الناس يدخلون في هذا الدين أفواجًا لِما يرون من حسن المعاملة وجميل الأخلاق أكثر مما كانوا يدخلونه بالمناظرات الكلامية والمنطق السديد في العرض.
كانوا يملكون من القدوة أكثر مما يملكون من قوة البيان، وخاصة في دعوة العجم؛ حيث لم يكونوا يملكون مزيد بيان، واستطاع ذلك الجيل أن يُدخل الناسَ في دين الله قبل أن يعرف منطق أرسطو والفلسفة اليونانية، وبعد أن دخلت إليه الفلسفة وعلم الكلام بدأت تضمُرُ التربية الأخلاقية، وبدأت تتنامى على حسابِها العلومُ العقلية.
إذا تحدَّثنا عن الأفكار تتعدد المواقف بتعدد المشارب.
وإن تحدثنا في قضية فقهية تجاذبتنا الخلافات المذهبية واختلفنا أكثر في الراجح والمرجوح، والمعتبر وغير المعتبر.
وإن حاولنا أن نتحدث في العقيدة لا يخلو الأمر من الفرق والملل والنِّحل، التفسيق والتبديع والتكفير.
أما إذا تحدثنا في الأخلاق، فالحسن منها تكاد تجمع على حسنه العقول البشرية، كما تجمع على قبح القبيح منها، وتضيق دائرة الخلاف حولها بين المؤمنين وحتى مع غير المسلمين، وإن أحب الناس إليك لينفضون عنك حين تكون فظًّا غليظ القلب، وإن أبغض الناس إليك ليحتكمون إليك حين تكون صادقًا وأمينًا.










منهج التربية بالأحداث

إن منهج التربية في القرآن قام على معالجة المشاكل القائمة، والتعليق على الأحداث الواقعة، والقطع فميا فيه الاختلاف، بحيث تتنَزَّل الآيات مُواكِبةً في تنَزُّلها مسيرة المجتمع الإسلامي الأول، فتنقش آثارها التي لا تُمحَى في القلوب، وقد قام على تتبع هذه الظاهرة علم (أسباب النزول).
وكذلك الأمر في سنة النبي r؛ حيث كان الحدثُ يجري أمام سمع وبصر رسول الله r فيكون له عليه تعليق، أو إقرار، أو استنكار، حتى تركت هذه التربيةُ العمليةُ بصماتِها على شخصية الصحابة، بحيث كان أحدهم يستحضر موقفَ رسول الله r من الأمر كلما تكرر مثيلُه أمام الصحابي، وحتى كان الواحد منهم حين يروي ما سمع أو رأى، كثيرًا ما كان يؤدي السنة مع الألفاظ والكلمات والحركات والإشارات وتشخيص الموقف وتمثيله، وهو ما سُمِّي في علم مصطلح الحديث بالحديث (المسلسل)، وجُمِعَت الأحاديث ذوات المناسبة تحت علم (أسباب الورود).
إن التجرِبة التي عشناها دهرًا في هذا المجتمع البشري ذي المواصفات والظروف الخاصة - بحلوِها ومرِّها - كانت تُملِي علينا ضرورة العودة إلى صقل المفاهيم، وأهمية مراجعة النفس لتحديد معالم الطريق، ومعالم الشخصية الإسلامية كما ينبغي أن تكون، لا كما هي كائنة، وفي كل شهر كنا نراجع النفس لتحديد أكبر الأمراض ظهورًا لتكون الكتابة عن ضده من محاسن الأخلاق.
إن ذكر الحوادث الدافعة لكتابةِ كل موضوع فيه من الفضيحة ما لا ينبغي أن نُشارِك فيه، مما يسيء إلى الصديق ويسر العدو، غير أنه يكفينا أن نقطف العبرة؛ لتكون هذه الأخلاق حصنًا لأي تجمع مثيل، يمكن أن يقوم مرة أخرى بنفس الاتساع أو بصورة أصغر، فأمراضنا هي هي، نحملُها معنا حيث حلَلْنا، وتظهر بارزة حيث نكون مجتمعين، أكثر مما تظهر ونحن مُوزَّعون ومشتَّتون، وتظهر حيث نشعر بنوع من الحرية، أكثر مما تظهر حين نعيش في بلد ذي نظام صارم وقوة وسلطان.
كانت الفتن تدعونا إلى العودة إلى كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا r، وفهم القرون الأولى وسيرتهم؛ حتى نُعِيد صياغةَ عقولنا، وتعديل سلوكنا من جديد، فوجدنا كنوزًا مدفونة يجدها مَن يُنقِّب عنها، وحاولنا أن نبرز ما أسفر عنه التنقيب.


 





منهجنا في الكتابة والتوثيق

إن الكتابة عن الأخلاق من وراء مكتب فارهٍ، وبالنظر إلى عناوين وأسماء الأخلاق التي سبق أن كُتِب عنها أمر سهل ويسير، فالموضوعات محدودة، والأحاديث المشهورة في كل موضوع تكاد تكون مكررة في أكثر كتب الحديث، لقد كان اختيار الموضوع مستوحًى من واقع أليم لا من فهارس الكتب، ولقد كانت المادة المختارة - في كثير من الأحيان - مستخرَجة من غير مظانِّها في كتب الحديث، ولقد كان اختيار العناوين أيضًا بما يناسب الهدف والمحتوى.
حاولنا أن نتوسَّع في معنى الأخلاق، بحيث يشمل كل ما يمكن أن يتَّصِف به المسلم من الصفات المحمودة، التي إن التزم بها، ودوام عليها، صارت له خلقًا مميزًا.
ولقد كان تسلسل المواضيع تابعًا لِمَا يتوارد من أحداث - كما أشرنا - غير أنه لَمَّا انعقد العزم على إخراج هذه المواضيع في كتاب، تم تصنيف هذه الأخلاق على أبواب تشمل بمجموعها جوانب شخصية المسلم بنوع من التوازن، واقتضى الأمر إعادة النظر في المواضيع لاستبعاد ما ينبغي استبعاده، وإضافة ما يحسن إضافته، وتعديل ما يلزم تعديله، فإن الصفحة الواحدة من المجلة التي كنا ألزمنا أنفسنا بها، كانت تضطرنا إلى مزيد من الإيجاز، بحيث نترك الكلام لرسول الله r، أكثر مما نستأثر به لأنفسنا، وألا يكون كلامنا أكثر من تمهيد، أو تعليق، أو ربط بين النصوص.
إن طبيعة الكتابة في مجلة غير متخصصة، لم تكن تتيح لنا وضع الحواشي والتخريجات، فلما أن عزمنا على إخراج الكتاب إلى النور، كان لا بدَّ أن يُوثَّق بالمصادر والمراجع، وتخريجات الأحاديث.
ولقد حاولت ألا أعتمد على حديث ضعيف - قدر الاستطاعة - فما علمت ضعفه، ولم يُصحِّحه أحد من العلماء، استبعدته. وأشرت في الحاشية إلى المرجع الذي استخرجت منه لفظ الحديث، مشيرًا إلى الكتاب والباب ورقم الحديث - غالبًا - بحيث يعين الباحث - وإن اختلف رقم الصفحة باختلاف الطبعات.
وكان جلُّ اعتمادي على الصحيحين، وغالبًا أقدم رواية البخاري، وأقتبس من فهم ابن حجر في (فتح الباري)، كما أفدت كثيرًا من الكتب التي خدمها كل من الشيخين (الألباني والأرنؤوط) - رحمهما الله تعالى - والذي كان يتعبني ندرة المراجع في الغربة، وخصوصًا في محاولة توثيق (مسند أحمد)، واعتمدت في تخريج بعض أحاديثه على طبعة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله - التي لم تكتمل - وطبعة الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي في كتابه (نيل الأماني على الفتح الرباني) رغم عناء البحث وصعوبة الطلب.
واكتفيت في التوثيق بمجرد العزو إلى المراجع والمصادر، وأعفيت نفسي - لئلا يتأخر الكتاب - من شرح الألفاظ الغريبة، وإن كنت حاولت في تعبيري ألا أُغرِب، ونصوص الأحاديث يغلب عليها الوضوح.
كما أعفيت نفسي من الترجمة للرجال أو الأماكن، واكتفيت من نصوص كثير من الأحاديث بموضع الشاهد، حرصًا على الإيجاز وعدم الإطالة، وخشية من توزع الفكر وتشتت الذهن إذا تعددت مواضيع الحديث الواحد، فمَن أراد الحديث بتمامه رجع إلى موضعه المشار إليه في الحاشية، وما كان من الأحاديث الموقوفة أو المرسلة استبعدت ما علمت ضعفه، وما لم أعلم لسنده صحة ولا ضعفًا أبرأت الذمة بعزوه إلى مصدره، وارتياحًا مني بموافقة معناه لأصول صحيحة.












من خصائص التربية الأخلاقية في الإسلام

1-             ربانية المصدر: الأخلاق الإسلامية ليست رأيًا بشريًّا، ولا نظامًا وضعيًّا، وإنما هي مستمدة من شرع ربِّ البشر، سواء منها ما أثبته الشرع ابتداءً، أو أقره مما قد تعارف عليه الناس، وحتى ما لم ينصَّ عليه الشرع من محاسن الأخلاق، فربانيته في اندراجه تحت أصل شرعي عام: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) فهي ربانية المصدر، وربانية الهدف والغاية والقصد، غير أن أصول الأخلاق وأمهاتها مستمدة من الشرع، ويبتغي المسلم بها رضا الله.
2-             عبادية القصد: مهما تخلَّق إنسان بالأخلاق الإسلامية، فإنها ستبقى صورة بلا روح، طالما لم يُرِد بها صاحبُها وجه الله ورضاه، فليس الغرضُ من الأخلاق الإسلامية وجودَ صورتها الخارجية، التي لا تعدو أن تكون طلاءً يسقط لأي حكَّة، وإنما تهدف الأخلاق الإسلامية إلى أن تملك على المسلم قلبه، فيدفعه إليها إيمانه، ويزيده الالتزام بها إيمانًا، فمصدرها قلبيٌّ، وأصلها صلاح الباطن، فالعدل مع العدو أقرب إلى التقوى؛ لأنها مسألة عبادية، ومهما حسنت أخلاف الكافر فهي هباء منثور؛ لأنها لم تكن خالصة لوجه الله، وما لم تكن الأخلاق خالصة، فإنها ستظهر نفاقًا أو لمصالح، ثم تزول ويظهر ما وراءها من سوء الخلق.
3-             مثالية واقعية: الأخلاق الإسلامية تدعو الناس إلى السمو، وتراعي نفسية البشر واحتياجاتهم وقدراتهم على الارتقاء، كما تراعي حقهم في ألا يُعتدَى عليهم، وفي أن يُقتص لهم، فلا تطالبهم بما فوق طاقتهم، عملًا بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}  [التغابن: 16] ولا يعد الجائع خائنًا للأمانة إن سرِق ليأكل، ولا يعتبر الخائف أو المكرَه ناقضًا للصدق إن كذب لينجو - حين لا ينجيه من البطش إلا الكذب - ولا يتعد طيشًا وخروجًا عن خلق الحلم إن غضب وثار من استفز أو استغضب.
4-             شمولية متكاملة: الأخلاق الإسلامية تشمل جميع جوانب حياة الإنسان: مع ربه، ومع الناس، في بيته وفي عمله، وفي خلوته، في البيع والشراء، في السلم والحرب، في الوجدان، وفي المجتمع، في الظاهر والباطن، ولكل هذه الجوانب أخلاق تدعو المسلم إلى التميز بالسلوك الفاضل في جميع مجالات الحياة وبصورة متكاملة.
5-             ثابتة: الأخلاق الإسلامية تكون أصيلة في نفس صاحبها، بحيث يصدر منه الخلق نفسه كلما تكرر الموقف نفسه الذي يقتضي ذلك الخلق، فلا يتغير خلقه مع الضعفاء ولا الأقوياء، ولا في حال فقره أو غناه، ولا في إقامته أو سفره، ولا في خلوته أو جلوته، ولا في حال رضاه أو غضبه، ولا في حال النعمة أو البلاء، لا فيما له أو عليه، ولا تختلف أخلاقه حين يكون أميرًا أو مأمورًا، ومصدر ثبات هذه الأخلاق أنها تعبُّدية، يدور صاحبها مع الحق حيث يدور، ومصدر تذبذب الأخلاق غير الإسلامية أنها تدور مع المصالح والأهواء، وهذه متقلبة؛ تدير صاحبها على حسب تقلبها.
6-             متوازنة: الأخلاق الإسلامية لا تُغلِّب جانبًا على جانب، فكل الأخلاق الإسلامية مطلوبة ودون تغليب بعضها وإغفال البعض، وإلا ستكون الشخصية ممسوخة، فإن غلبت على الشخص صفات القوة والشجاعة والتضحية والعزة والنصرة، فسيجأر الناس إلى الله من عدوانه وجبروته وتكبُّره، وإن غلبت عليه صفات العفو والسماحة والتواضع والسكينة، ربما وُجدت فيه شخصية الذليل المستكين، وإن غلبت عليه أخلاق الصراحة والجرأة والنصيحة والأمر بالمعروفة، ربما شكوا من سوء أدبه وقلة احترامه، فالخلاق الإسلامية مع تكاملها متوازنة، تدعو إلى العزة والتواضع، كما تدعو إلى الانتصار والعفو، فيها الصراحة والاحترام وفيها الكرم والاقتصاد، وهي شجاعة بغير تهور، ولين في غير ضعف، هذه بعض معالم الشخصية الإسلامية ذات الأخلاق المتوازنة.    
7-             تُنال بالمجاهدة: هنالك أخلاق يتفضل الله عز وجل على بعض خلقه فيجعلهم عليها، ويطبعهم بها، عن غير كسب منهم ولا جهد، فمثل هذه فضل ومنَّة على من أوتيها، ومَن لم يُؤتَها مكلَّف بمجاهدة نفسه؛ لكي يأطرها على الحق أطرًا، ويجرها إلى الجنة بالسلاسل، ويلزمها بكسر هواها، وتغليب رضا الرب على ما سواه، إلى أن تصبح هذه الصفات الفاضلة خلقًا مكتسبًا بعد الترويض والمجاهدة، وإلى أن يكتسبها يحتاج إلى أن يتكلف فعل هذه الأخلاق الفاضلة، فيؤدي تكراره لها، وتعوده عليها، إلى ترشحها في قلبه، وانقلابها مع الزمن إلى طبع ثابت، وخلق أصيل؛ ولذلك جاء في الحديث: «ومَن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يتصبر يُصبِّره الله»، وهكذا كل الأخلاق، بالتشجع يصبح شجاعًا، وبالتسامح يصبح سمحًا، وبالتورع يصبح ورعًا، والسعيد مَن وفَّقه الله للصبر على المجاهدة، إلى أن تتأصل فيه الأخلاق الفاضلة ويكتسبها.
8-             تؤخذ بالتأسي: من واقعية الأخلاق الإسلامية أنها لم تُقدِّم إلى الناس قائمة من مكارم الأخلاق النظرية ليعملوا بها، وهم في معزل عن النموذج البشري الذي يقيم عليهم الحجة بأن الارتقاء إليها في مقدور البشر، والذي يسهل على مَن يضعفون عن اكتساب الأخلاق بالمجاهدة - بأنفسهم - أن يكتسبوها بالاقتداء به، وباقتفاء أثره، وبالتأسي بسلوكه، إلى أن تصبح لهم عادة، والذي ينقش في أذهان الناس صورًا عملية لا تنسى للخُلُق الفاضل الذي يظهر في المواقف التي تقتضي ذاك الخُلُق، بينما قد ينسى الناس التعليمات النظرية، أو لا يدركون كيفية تطبيقها، أو يَحُول بينهم وبين العمل بها اعتقادُ مثاليتها، واستبعاد واقعيتها؛ ولذلك فإن الله لم ينزل كتبه إلا ومعها العامل بها، والقائم عليها من رسله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ...} [الأنعام: 90].
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ...} [الأحزاب: 21]
ولذلك أيضًا فإن فطرة الصبي تبدأ بالانحراف، حين يعيش بين والدينِ لا يلتزمان بمحاسن الأخلاق، أو في مجتمع تتفشى فيه مفاسد الأخلاق؛ ولأجل ذلك أيضًا كان من توبة قاتل المائة أن يهجر قرية السوء؛ ليعيش في قرية صالحة، بين قوم صالحين، يعينه التأسي بهم على الطاعة وعلى مكارم الأخلاق، وهكذا تتوارث الأجيال الأخلاق العالية بالنظر إلى أخلاق القرون الأولى، ويتوارث الأفراد مكارم الأخلاق بالتأسي بأحاسنهم أخلاقًا.
تراعي التدرج: ومن الواقعية أيضًا أن الأخلاق الإسلامية لا تُطلَب من الناس بكمها الكبير، وكليتها الشاملة، منذ الانخلاع من الجاهلية والولوج في بوابة الهداية، وإنما تقوم تربية الإسلام على التدرج في إلقاء الأوامر والواجبات، بتقديم الأهم والأوجب، واجتناب الأفحش والأكبر، وحتى في سُلَّم التحلية يمكن أن يتدرج في مستوى الصعود، فيطالب ابتداءً بالصدقة بما تجود به نفسه، ولا يطالب بالتنازل عن كل ماله كما فعل أبو بكر t ، ولا ننتظر منه أكثر من العفو عمن أساء إليه، أما أن يحسن إلى المسيء، فتلك مرتبة أعلى، ومقام أرفع، يمكن أن يرتقي إليها بالتربية، وحين أقسم رسول الله r على أن يُمثِّل بسبعين من المشركين؛ جزاءَ تمثيلهم بجثة سيدنا حمزة t أنزل الله عز وجل عليه مبادئ متدرجة: أدناها {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ... } [النحل: 126] وأرفع منها: {... وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] واللائق برسول الله r {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ...} [النحل: 127] ويبقى القفز إلى معالي الأخلاق من العزيمة التي يُوفَّق إليها ذَوُو الهمم الكبيرة، ولكن أغلب النفوس يربيها التدرج.
10 - ذات أثر اجتماعي: أخلاق الرهبنة تبقى بين العبد وربه، وفي إطار صومعته، وبما أن الإسلام دين الحياة، فإنك ستجد المسلم في كل مجالات الحياة متخلقا بأخلاق الإسلام، فالعبادات تنعكس على السلوك الاجتماعي {...إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ...} [العنكبوت: 45] {...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ...} [الحج: 37] ومعالجة آفات القلوب من (حقد، وحسد، ورياء، وعُجْب...) وكلها خفية، تنعكس معالجتها على السلوك الاجتماعي الظاهر؛ محبةً وإخلاصًا وتواضعًا وتنافسًا، فليس في الإسلام انفصامٌ بين عَلاقة المؤمن بربه، وعَلاقته بمجتمعه، وهو في كل حركة يصدر عن الإسلام.

ملاحظات على بعض الكتب في الأخلاق

لا أزال أذكر أننا كنا نُقبِل على قراءة الكتب الحديثة عن خلق المسلم وأخلاق المؤمنين والتربية الروحية، وبعض الكتب القديمة في مكارم الأخلاق ومدارج السالكين ومنهاج القاصدين، وكان لهذه الكتب بمجموعها أكبر الأثر في تربيتنا الأخلاقية وثقافتنا التربوية، ويلاحظ على هذه الكتب - قديمها وحديثها - التي تيسر لنا الاطِّلاع عليها بعض الملاحظات؛ منها:
1-             عدم الاقتصار على الصحيح:
فبعضها كتب تجمع لك نصوصًا من السنة، لا تميز بين صحيحها وضعيفها، مقتصرة على الأحاديث المشهورة في كل باب، حتى غدت بعض الأحاديث تتكرر في نفس الباب من كل كتاب، وكأنه لا يوجد في السنة غيرها.
2-             غلبة الأسلوب الإنشائي:
بعض كتب الأخلاق فيها استرسال في العرض الإنشائي حتى غدا مجموع الخواطر، والمواقف الحياتية، والأمثلة من الواقع، يغلب على مادة الكتاب، ويطغى على حظِّ السنة فيه.
3-             صعوبة الأسلوب والمصطلحات:
تجد بعضها قد ركز على آفات النفس، وأمراض القلوب، وعلاج هذه الأمراض والآفات، ووصف الخطوات والدرجات في سُلَّم الرقي بالمستوى الروحي، وهذه الكتب - غالبًا - لا تخلو من أحاديث ضعيفة، وإن سلمت منها فلا تخلو من مصطلحات صوفية، أو عبارات فلسفية، لها معانيها الخاصة عند أهلها، وفي زمن نشوئها، وكثيرًا ما يَحُول بينك وبين أن تستروح في الآفاق الروحية ما يعترضك من العبارات التي تُكد الذهن، وتُتعِب الفكر في مجرد محاولة تفكيكها، والوصول إلى المراد منها، عدا ما يواجهك من الحديث عن بعض الفرق، التي زال وباد أكثرها، ويمكن للمتخصص أن يراجعها في مظانِّها.
4-             نقول وقصص غير محققة:
بعضها تُكثر من نقل عبارات التابعين وغيرهم في تعريف الخُلُق الواحد، وكل منها تكون قد أخذت جانبًا من هذا الخُلُق، وحقيقتُه ربما تتَّسِع لكل التعريفات، فلا تعارض ولا تضاد بينها، ويحتار القارئ بأيها يأخذ، وعلى أيها يعتمد.
ثم إن هذه الأقوال أو القصص ربما نُقلت دون تعليق المحققين عليها، وبعضها إن دققت النظر فيه، ربما وجدته مخالفًا لهَدْي النبي r وصحابته الكرام؛ بما فيه من غلو في فرعية، أو تعارض مع نصوص شرعية، أو ابتداع لأحوال لم يكن عليها أخشانا لله وأتقانا لله r كما قد تجد صورًا من مجاهدة النفس أقرب ما تكون إلى طقوس ورياضات الهندوس والبوذيين.
5-             الإطالة:
كثير منها يغلب عليها التطويل إلى بضعة مجلدات حتى بدأ الناس يقبلون على المختصرات والتهذيبات، خاصة في عصر كلّت فيه الهمم، وكثرت فيه المشاغل.
6-             الحديث عن فلسفة الأخلاق:
بعضها قد يحمل اسم (الأخلاق الإسلامية) فتجده دراسة عن فلسفة الأخلاق، وعن معنى الأخلاق في القديم والحديث، عند المسلمين وعند غيرهم.
7-             المثالية:
كثير منها تركز على الأخلاق العالية والسامية المحلِّقة، دون إشارة للضعف البشري، ولا مراعاة قدرات الناس على المجاهدة، وتعرض المستوى الأخلاقي بصورة قد تشعر القارئ بأن البون بينه وبينها كبير جدًا، وأنه قد لا يصل إليها مهما جاهد نفسه؛ لأنها أخلاق خواصِّ الأولياء وكبار الزهاد، ومثل هذه الكتب تجدها غالبًا تُركِّز على أخلاق المؤمن مع ربه، ولا تكاد تهتمُّ بأخلاقه مع الخلق.
كل هذه الملاحظات لا تنفي ما في تلك الكتب من نقع، ولا تلغي أهميتها كمراجع ومصادر سابقة في هذا الميدان، ومَن يستطيع أن يدَّعي لنفسه الكمال! وإنما يتفاوت الناس بعدد أخطائهم لا بالعصمة منها.

مزايا هذه الدراسة

1-             الجمع: فقد جمعتُ قريبًا من ألف نص شرعي حول بضع وخمسين خلقًا، وقد كان التركيز على السنة أكثر؛ لأن فيها مادة ثرية تحتاج إلى تنقيب وإبراز، ولو أن القارئ اقتصر على مجرد قراءة النصوص، لكان بين يديه كتاب حديث في الأخلاق.
2-             الاقتصار على الصحيح: وقد تم ذلك ضمن القدرات المتاحة والمراجع المتيسرة، ولئن كتب الله عز وجل في العمر بقية يتم التدقيق والتحقيق والتحبير.
3-             الإيجاز: فإن تعبير رسول الله r أبلغ وأفصح، فنقدم بيانه على بياننا، وبعض القصص يطول عرضها، وموضع الشاهد فيها بضع كلمات، فيتم الاقتصار على ما يؤدي الغرض، ولذلك لم نسترسل في خواطرنا حول كل نص، وإلا لطال الأمر واتسع، ولكان مدعاة لملل القارئ.
4-             التوثيق: وهذا الذي أخذ الجهد الكبير لعزو النصوص إلى مواضعها في الطبعات المتوفِّرة، وبتفصيل يتيح للباحث العودة إلى مواضع النصوص المقتبسة، والتحقق منها، أو التوسع فيها.
5-             استقاء المواضيع من تجرِبة عملية: وهذا قد يعطي الطرح نوعًا من الواقعية، وقربًا من حقيقة حاجاتنا التربوية، من خلال حركتنا بهذا الدين وظهور جوانب ضعفِنا البشري عند التطبيق.
6-             البساطة والوضوح: حاولنا أن يكون التعبير مباشرًا، بعيدًا عن الإلغاز وغريب الألفاظ، يتسم بالبساطة، ويتميز بالوضوح؛ لأن الغرض تربوي، فأي عائق يحول دون توصيل الفكرة وتحقيق الهدف ينبغي اجتنابه؛ ليبقى القارئ مسترسلًا مع المعاني، ومعايشًا للنصوص.
وأخيرًا:
إنما هي بداية، قد تتكامل وتنضج مع الزمن، وهي بين يدي الخطيب والواعظ، والمطالع والمثقف، والمتصفح والمتسلي، ومحاولة لوضع بعض الخطوط المنهج التربية الأخلاقية في الإسلام، يستفيد منه المتأني والمتأمِّل، وينتفع به العامل والمبلِّغ، وتستمر رحلة التربية طول العمر ولا تتوقف، ويقدم كل جيل نتاج خبرته، وثمرات دراساته، ولعل الله ينفع بهذه الجهود، إنه نعم المولى ونعم النصير.













 





 


الباب الأول

من أخلاقنا في الجهاد


الفصل الأول: الثقة بنصر الله.
الفصل الثاني: الاستعداد للشهادة.
الفصل الثالث: النصرة.
الفصل الرابع: الانتصار.
الفصل الخامس: الشجاعة.
الفصل السادس: الصبر والمصابرة.




 

 

 

 

الفصل الأول

الثقة بنصر الله









الإسلام يعلو ولا يُعلى

تظهر حقيقة اليقين بالله في مراحل الضعف؛ إذ ليس صاحب اليقين من تنفرج أساريره، وينشرح صدره، ويتهلل وجهه حين يرى قوة الإسلام وعزة أهله وبشائر نصره، وإنما يكون اليقين لصاحب الثقة بالله مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم؛ لأن أمله بالله كبير، ويقينه بأن العاقبة للمتقين، وأن المستقبل لهذا الدين.
ولأن المجاهد يسعى لإقامة دين الله في الأرض، فإن سبيله إلى ذلك الصبر واليقين، يقول ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، ثم تلا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة: 24]([1]).
وأهم ما يؤتاه المرء اليقين، كما في الحديث: «وسلوا الله اليقين والمعافاة، فإنه لم يؤتَ أحدٌ بعد اليقين خيرًا من المعافاة» ([2]).
ولا تهلِكُ هذه الأمة إلا حين يبخَل أبناؤها بتقديم الجهود المتاحة لنصرتها، ثم يتجرَّعون كؤوس الأمل بلا عمل؛ لذلك قال رسول r: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلِك آخرها بالبخل والأمل» ([3]).
ولأن الله وحده هو عالم الغيب فلا ندري متى النصر؟ ولا نعلم أين الخير؟ ولكن الذي نعلمه أن أمتنا أمة خير - بإذن الله - يُرجَى لها النصر من الله - ولو بعد حين - ويشير رسول الله r إلى ذلك بقوله: «مَثَل أمتي مَثَل المطر، لا يُدرَى أوله خير أم آخره» ([4])، ولا ندري على يد أي جيل يكشف الله الغمة، ويرفع شأن هذه الأمة، ولكن الذي ندريه أن سنة الله في الكون كما أخبر رسول الله r: «لا يزال الله يغرِسُ في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» ([5]).
ولقد جاءت بشائر كثيرة في سنة رسول الله r، تجدد الأمل وتثبت اليقين، منها وعد الله بأن يبلغ مُلْك الأمة المشارق والمغارب، ومازالت هناك بقاع لم تقع تحت ملك المسلمين، ولابد أن يفتحها الإسلام، كما في الحديث: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها» ([6]).
فإذا عرَفنا أن الأصل في الإسلام العلوُّ والسيادة والتمكين، فلا نستيئس من ضعف المسلمين حينًا من الدهر، فقد قال رسول الله r: «الإسلام يعلو ولا يُعلى» ([7]).
وقد أخبر رسول الله r باستمرار زيادة الإسلام: «... ولا يزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيانِ إلا جورًا، والذي نفسي بيدِه لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم» ([8])، فالأمل باقٍ، وامتداد سلطان المسلمين مستمر - بإذن الله.
وقد بشَّر رسول الله r ببشريات تذيب كل يأس، وتدفع كل قنوط، وتثبِّت كل صاحب محنة، وتريح قلب كل فاقد للأمل بأبناء هذا الدين، حين لا يجد بصيص أمل يلمع له حيث قال: «بشَّر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكن في الأرض..» ([9]).
والجهاد مستمر إلى يوم القيامة، والطائفة الظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها، وهي مستمرة حتى يأتي أمر الله، وفي ذلك يقول r: «لن يبرح هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» ([10]).
والمقياس عند الله غير مقياس البشر، إن الله يجعل من الضعف قوة، وذلك واضح من التأمل في قول رسول الله r: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» ([11])، إن ذلك المسلم المَسُوق بالأغلال، المحبوس في الأَقْبِية، المُلاحق في كل مكان، الفاقد للسلاح، الفقير المُعدَم؛ بدعوته وصلاته وإخلاصه ينصرُ الله هذه الأمة، رغم كل صور الضعف التي تمثَّلت فيه، وكما أشار رسول الله r: «رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه» ([12]).
قد نرى القوةَ اليوم بيد أعدائنا، والغلبة لهم علينا، ولكن لا ننسى أن الله هو المتصرِّف بهذا الكون، وعينُه لا تغفُلُ عن عبادة المؤمنين، ولن يرضى لهم دوام الذلة واستمرار القهر، كما قال رسول الله r: «الميزان بيد الرحمن، يرفع أقوامًا، ويضع آخرين» ([13])، ولابد أن يرفعَنا بعد أن وضعنا؛ إذا رأى منا صدق السعي لمرضاته.
وفي كل قرنٍ يُعِيد الله اليقين إلى نفوس الأمة، بأن يجعل فيها سبَّاقين في الخير، لا يُبالون بالمحن، يتأسَّى الناس بهم كما في الحديث: «في كل قرن من أمتي سابقون» ([14])، كما يجعل في الأمة مَن يُصحِّح لها المفاهيم، ويسير بها على الجادَّة، ويقودها إلى الهداية، ويجدد لها أمر دينها، وقد بشَّر بذلك رسول الله r فقال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يُجدِّد لها دينها» ([15])، فإما أن يأتي الفرج على أيدي السابقين، وإما على أيدي المجددين، ولكنَّ الكرب لا يدوم.
وجميع أعداء الإسلام واقعون في دائرة تهديد الله لهم بالحرب، ومَن كان الله حربًا عليه فلا خوف منه ولا أمل باستمرار سلطانه علينا، كما جاء في الحديث القدسي: «مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب»([16]).
فلنتواصل بالصبر على البلاء، والثبات إذا وقع القضاء، ولنكن بشيرَ خيرٍ، ولا نكونن نذير شر، ولنقُلْ للمتشائمين بعد طول انتظار كما قال النبي r لأصحابه حينما اشتكوا من كثرة البلاء وشدته: «واللهِ ليُتِمَّن الله هذا الأمر.. ولكنكم تستعجلون» ([17]).
إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه وتعالى من عباده هي الثقة التي تحققت في أم موسى عمليًّا، حين قال عنها:
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي...}[القصص: 7] وهكذا ألقته في اليم ولم تخَفْ، ولم تحزن، مع أن اليم خطير على الطفل الرضيع عادة، وكتب الله له النجاة، وتلقَّى فرعونُ الطفل الرضيع، ولم يخَف من كفالته في قصرِه؛ لأن الطفل الرضيع لا يخيف من ربَّاه عادة، فكان هلاك فرعون على يديه، وهكذا تجري عجائب قدر الله.
وقد حدَّث رسول الله r عن ثلاثة أصناف من الناس لا خير فيهم: «ثلاثة لا تسأل عنهم... ورجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ([18])، ولذلك فإن الأمة التي نخرها الشك، ونهشها القنوط لا يُرجَى خيرها ما لم تستَعِدِ الثقةَ واليقين بنصر رب العالمين.
إن عقيدة الإيمان بالقدر مصدر من مصادر الثقة بأن العاقبة للمتقين، ولذلك قال رسول الله r: «إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» ([19]).
ليست المسألةُ مسألة تخلُّف وعد الله - حاشاه سبحانه - ولكنها مسألة التوقيت المقدور، والأجل المحدود، الذي لا يتقدَّم لاستعجال متعجِّلٍ، ولا يتأخر لهوى كسول، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز كثيرًا ما يدعو: (اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته) ([20])، وبهذه النفسية تزول ظاهرة الاستعمال، ويطمئن القلب بأن العاقبة للمتقين.
ولئن مرَّت الأمة بفترات ضعف، فلا ننسى أنها تقادير الله، الذي يقدر على إعادة عزٍّ ضاع، واسترجاع سيادة مضت، وشأن البشر الصعود والنزول، كما في الحديث: «مَثَل المؤمن مَثَل السنبلة؛ تميل أحيانًا وتقوم أحيانًا» ([21])، المهم أنها تقوم يومًا ما - وتلك سنة كونية - وهذا اليوم آتٍ لا محالة، إذا توفرت الأسباب.
وهكذا مضت سنة الله في الأمم، كما في الحديث: «عُرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد...» ([22]).
ومع ذلك استمرت الدعوة، وستبقى مهما لقيت من الضعف في بعض الأزمان، ولن يعيب النبيَّ الذي ليس معه أحد أنه لم يهتدِ على يديه أحد، رغم بذلِه جهدَه في دعوته، كما لا يعيب المجاهدَ ألا يصل إلى النصر رغم طول جهاده، إنما يَعيبُنا التقصير في أخذ الأسباب، والبخل بالجهد المستطاع - وإن قلَّ - والباقي تعهَّد به الله حين يشاء.
ولِمَا يخشاه الشهداء على مَن بعدهم من الأحياء من ضعفِ الثقة المُفضِي إلى الزهد بالجهاد، أو اليأس من ثماره، يقولون لربهم سبحانه وتعالى: «مَن يبلِّغ إخواننا عنَّا أنَّا أحياء في الجنة نُرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم..»([23]).
فلابد لليلِ أن ينجلي، ولابد للغثاء أن يذهب جفاءً، ولابد لِمَا ينفع الناس أن يمكث في الأرض، ويمضي قدر رب العالمين في أن تكون العاقبة للمتقين.
خلاصة هذا الفصل وعناصره:
-       صاحب اليقين واثق بالله مهما ضاقت عليه الدنيا.
-       بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
-       اليقين خير ما يُؤتاه المرء، وبه صلَحت الأمة.
-       لا يزال الله يغرِسُ لهذا الدين، والخير آتٍ بإذن الله.
-       من البشائر بنصر الله:
·       مُلك الأمة سيبلغ المشارق والمغارب.
·       الإسلام يعلو ولا يُعلى، وهو يزيد، والشرك ينقص.
·       الوعد بالتمكين، ولن يبرح الدين قائمًا.
·       ينصر الله الأمة بضعيفها، ويرفع أقوامًا ويضع آخرين.
·       في كل قرن سابقون ومجددونـ والله آذن أعداءه بالحرب.
·       النصر آتٍ ولكن الناس يستعجلون، أو يشكون ويضعف إيمانهم بالقدر.
·       الوعد آتٍ، ولكن الله هو الذي يحدِّد ميقاته.
·       لا حرج في قلة الأتباع، ولكن الحرج في التقصير في الأخذ بالأسباب.







 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

الاستعداد للشهادة









«.. فلا جهاد ولا صدقة، فلِمَ تدخُلُ الجنة إذًا؟!»

الموت قدرٌ محتوم على كل مخلوق، والشهادة أسمى صور الموت يصطفي الله لها مَن يشاء، والمؤمن مأمور على كل حال بالاستعداد للموت، فمَن كانت أمنيته الشهادة كان أولى بالاستعداد، وأحرى بالتطلع لاصطفاء الله له.
ولقد صدقَت فراسة كثيرين في إخوان لهم، توقَّعوا لهم الشهادة لمظاهرَ من سمتِ الصلاح بدَت عليهم، فقيل فيهم بالتوقيع ما قيل في طلحة بالوحي الصادق: «شهيدٌ يمشي على وجه الأرض»، وفي رواية: «هذا ممن قضى نحبه»([24])، فكيف نستعدُّ للشهادة ونتهيَّأ لها لنكون من أهلها حقًّا؟ لعل الله يرزقنا الشهادة في صورة من صورها.
أول العُدَّة للشهادة: التوبة الصادقة، وقد ورد في الحديث: «يضحك الله إلى رجلينِ يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة؛ يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتَل، ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهد» ([25])، فليس غريبًا أن ينال الشهادةَ مَن كان له ماضٍ جاهلي تاب منه، وقد رؤيت نماذج معاصرة من صدق جهادِ حديثِي الهداية، وقد ذهب بعض الصحابة إلى غزوة أُحُدٍ بعد ليلة من شرب الخمر: (اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قُتِلوا شهداء) ([26]) - وذلك قبل تحريم الخمر - وحتى الذين شرِبوها بعد تحريمها في قرون الخير، فإنها لم تكن تمنعهم من البحث عن الشهادة لعلها تُكفِّر عنهم ما بدر منهم.
ولابد في الاستعداد للموتِ في سبيل الله أن يستتبع التوبة إصلاح العمل، وقد كان ابن عمر يقول: (إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) ([27])، يقول ابن حجر في شرح الحديث: (أي اعمَل ما تلقى نفعه بعد موتك، وبادِر أيام صحتك بالعمل الصالح، فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل، فيُخشى على مَن فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد) ([28]).
كما جاء في تعليل النهي عن تمني الموت، قوله r: «لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب» ([29])، (وقوله: يستعتب أي يسترضي الله بالإقلاع والاستغفار، والاستعتاب طلب الإعتاب، والهمزة للإزالة؛ أي: يطلب إزالة العتاب) ([30])، وفي بيان توفيق الله للعبد إلى حسن الخاتمة يقول رسول الله r: «إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، قالوا: وكيف يستعملُه؟ قال: يُوفِّقه لعمل صالح قبل موته» ([31])، وإن الإكثار من ذكر الموت والحساب ليُجدِّدُ الدافع لإصلاح العمل، ولعل الله يستعملنا في طاعته، ويُحسِن خاتمتنا.
لا يثبت لامرئٍ صدقُ سعيِه للشهادة بغير التضحية؛ لأن الجهاد يكون بالنفس والمال، وكلاهما يحتاج إلى جود وتضحية، فمَن لم يعُدَّ نفسه ليُقدِم ويعطي فكيف يحلم بالجنة؟! وَرَد عن بشير بن الخصاصية أنه جاء لمبايعة النبي r، فأراد أن يستعفي من الالتزام بشرطين من شروط البيعة، فقال: (أما اثنتان، فوالله ما أُطِيقهما: الجهاد والصدقة، فإنهم زعموا أنه مَن ولى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي، وكرهت الموت، والصدقة؛ فوالله ما لي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم)، فعلَّل خوفه من الجهاد بالخوف من وقوعه في كبيرة الفرار، وعلَّل خوفه من الصدقة بقلة ما يملكه، فقبض رسول الله r يده، ثم حركها وقال: «فلا جهاد ولا صدقة، فلم تدخل الجنة إذًا؟!» يقول الصحابي: (فبايعتُ عليهن كلهن) ([32])، فالمسألة جد ولا تحتمل المساومة ولا التنازل.
ولا تضحية بغير جرأة، ولذلك عد من الشهداء مَن قتل دون دمه، أو عرضه، أو ماله كما في الحديث: «مَن قتل دون ماله فهو شهيد» ([33]) لتبقى روح رفض الظلم ومقاومته حية في النفوس، فإن لم يرزق صاحبها الشهادة لم يفته أجرها - بإذن الله - .
ثم كيف تحمل اسم المجاهد بغير بذل الجهد؟! إذ إن الجهاز بذل أكبر الطاقة وأقصى الجهد، وغاية الوسع في نصرة الإسلام، ويمثل هذا المعنى حديث ابن ماجه: «خير معايش الناس لهم: رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ويطير على متنِه، كلما سمع هَيْعَة أو فزعة طار عليه إليها، يبتغي الموت أو القتل مظانه..» ([34]).
وصورة أخرى للمجاهد الجاد في طلب الشهادة من غزوة خيبر؛ حيث قتل عامر بن الأكوع - خطأ - بارتداد سيفه على ركبته، فقال بعض الصحابة: (حبِط عمله) - لظنِّهم أنه قتل نفسه - فذهب أخوه سلمة بن الأكوع يسأل رسول الله r، فقال رسول الله r: «إن له لأجرين - وجمع بين أصبعيه - إنه لجاهدٌ مجاهد، قلَّ عربي مشي بها مثله» ([35])، (قال ابن دريد: رجل جاهدٌ؛ أي: جادٌّ في أموره، وقال ابن التين: الجاهد مَن يرتكب المشقة) ([36])، وكانت شهادةً من رسول الله r على نيلِه أجرَ القتل في سبيل الله، وأجر الجد والنشاط فيه رغم المشقة، وهذا شأن المتحفِّزين للشهادة.
وصورة من غزوة أحد لأنس بن النضر الذي لم يُكتَب له حضور غزوة بدر، فعاهد ربه أن يعوض ما فاته: (لئن أشهدني الله مع النبي r ليرين الله ما أجد)، وحضر غزوة أحد وتقدم بسيفه لما رأى الناس ينهزمون وقال لسعد بن معاذ: (أين يا سعد؟! إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فمضى فقتل، فما عُرِف، حتى عرَفته أخته بشامةٍ أو ببنانه، وبه بضع وثمانون: من طعنة، وضربة، ورمية بسهم) ([37])، وفي وصف شدة قتاله في أحد (قال سعد بن معاذ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع... ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضير؛ بحيث إن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر) ([38])، فلا تدَّخِر شيئًا من وقتك أو جهدك دون أن تنصر دينك على ثغرة من الثغرات، لتكون من الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واستعدوا لمقام الشهادة.
ليس الموت هدفًا لذاته، ولا ابتغاء مظانِّ الموت انتحارًا، ولا تمني الشهادة يأسًا من الحياة، كما أنه ليس من الجبن أن تحتمي بخندق، ولا من التعلق بالحياة أن تستكمل الأسباب، ولا من الجرأة عدم التحرز من الأخطار.
بل إن مزيدَ يوم في عُمر المسلم يزداد فيه طاعةً، وينكأ فيه عدوًا، ويَغيظ به كافرًا، ولقد عجب الصحابة رضي الله عنهم من رجلين أسلما معًا، وكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فاستشهد المجتهد، ومات الآخر بعده بسنة، فرأى طلحة بن عبيد الله أن الثاني دخل الجنة قبل صاحبه المجتهد، فقال رسول الله r: «من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله r: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله r: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» ([39]).
إن المستعدَّ للشهادة حقًّا يكون قد وطن نفسه لما قد يُصيبه من البلاء، وروض نفسه على الصبر عن الفرار، ولو أدى به هذا الصبر إلى الموت، يروي البخاري أن نافعًا سُئل على أي شيء بايع الصحابة رسول الله r؟ على الموت؟ (قال: لا، بل بايعهم على الصبر) ([40])، ويليه في صحيح البخاري حديثٌ عن سلمة يثبت البيعة على الموت، فربط ابن حجر بين الروايتين ربطًا لطيفًا؛ فقال: (ولا تنافِيَ بين قولهم بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة: ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولابد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: بل بايعهم على الصبر؛ أي على الثبات، وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا) ([41])، ويؤكد هذا المعنى أنا أبا أمامة t رجا رسول الله r - ثلاث مرات - في مواقف متفرِّقة، أن يدعو له بالشهادة، فكان رسول الله r لا يزيد على أن يقول: «اللهم سلمهم وغنمهم» ([42])، فالأصل أن حياة المسلم تزيد سوادَ المسلمين، وتُقوِّي شوكتهم وتَغيظ الكفار، ولكنه مع ذلك مهيأ للثبات، مستعدٌّ للصبر مهما عظم البلاء.
ومثل هذه التربية على الاستعداد للشهادة هي التي تجعل مَن ينشد الشهادة جريئًا في الحق، كما في قوله r: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ([43])، ويُعلِّق الغزالي على هذا المعنى فيقول: (ولَما علم المتصلِّبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد - كما وردت به الأخبار - قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك، ومحتملين أنواع العذاب، وصابرين عليه في ذات الله، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله)([44]).
وبغير هذه النفسية تكون الأمة غثاءً كغثاء السيل، وتكون نتيجة تلك الغثائية أن الله (ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن)، ولما سئل رسول الله r عن الوَهَن قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» ([45])، وذلك الوهن هو الذي يجعل الأمة تستمرئ الذل وترضى بالدنية.
ثم كيف تكون قاصدًا منزلةَ الشهداء إن لم تكن صادق التوكل على الله؟!
يروي البخاري عن عائشة في أجر الصابر على الطاعون قوله r: «...فليس من عبدٍ يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد» ([46]).
ثم يعلق ابن حجر
 فيقول: (صابرًا؛ أي: غير منزعج ولا قلق، بل مُسلِّمًا لأمر الله، راضيًا بقضائه - وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون - .. وقوله: يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له - قيد آخر - )([47]).
وملاك الأمر كله في الاستعداد للشهادة الإخلاص وتجريد النية من الشوائب.
وتأمَّل هذه الصورة من غزوة خيبر لرجل يقاتل المشركين: (رجل لا يدع لهم شاذَّة ولا فاذَّة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان)([48])، فأخبر رسول الله r أنه في النار؛ لما يعلم من نفاقه، وتبعه صحابي فوجده لم يصبر على جراحه فقتل نفسه، ولذلك جاء في الحديث: «إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفينِ اللهُ أعلم بنيته» ([49]).
فربما يموت رجل على فراشه ولا يُحرَم أجر الشهداء؛ لما يرى الله من صدقه، وربما يُحمل رجل مُضرَّج بدمائه من أرض المعركة، وهو عند الله من الخاسرين؛ لما شاب نيتَه من عُجب، أو فخر، أو عصبية، أو حب سمعة، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله r في صحيح مسلم: «من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه» ([50])، وأخرجه الحاكم بلفظ: «مَن سأل القتل في سبيل الله صادقًا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد»، وفي رواية أخرى للحاكم: «مَن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه» ([51])، والإخلاص لا يعلمه إلا الله، ولا تنقيه إلا محاسبة النفس، فحاسب نفسك، وراقب قلبك، وضع نفسك في الميزان، لترى مدى استعدادك للشهادة، عسى أن تكون {...مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}  [النساء: 69].
خلاصة هذا الفصل وعناصره:
-       من عدة الشهادة:
·       التوبة الصادقة.
·       إصلاح العمل.
·       البذل والتضحية.
·       الجرأة في دفع العدوان.
·       تقديم أقصى الجهد في خدمة الإسلام.
·       البيعة على الموت ماذا تعني؟
-       الموت ليس هدفًا لذاته، وزيادة العمر زيادة في الطاعة وإغاظة للعدو.
-       الجرأة في الحق تقتضي الزهد في الدنيا وكراهية الموت.
-       صدق التوكل على الله.
-       الإخلاص وتجريد النية.
-       طلب الشهادة بصدق طريق إلى نَيْلها أو نَيْل أجرها.










الفصل الثالث

النصرة






«انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا.. »

كم في المسلمين من ذوي الحاجة وأصحاب الهموم وصرعى المظالم وجرحى القلوب الذين لم يجدوا مَن يطرق بابهم، أو يسأل عن حالهم، أو يسعى في كشف الغم عنهم بدافع من خُلُق (النصرة).
نعني بالنصرة تلك الغَيْرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف، أو لمد يد العون إليه، وبقدر ما تمارس هذا الخلق في حياتك اليومية تكون أقدر على الاستجابة لنداء داعي الجهاد لمنازلة البغاة أو الكافرين.
الأخوة الإيمانية ضريبتها النصرة، والقائم بحق النصرة أو المتخاذل عنها؛ كل منهما يلقي ثمرة ذلك - في الدنيا قبل الآخرة - جزاءً وفاقًا كما جاء في قوله r: «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا عند موطِن تُنتهك فيه حرمتُه، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءًا مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» ([52]).
وقد أمر رسول الله r بسبعٍ، كان منها (نصر المظلوم)، ونصه: «أمرنا النبي r بسبع، ونهانا عن سبع، فذكر عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القسم» ([53]).
ويصف ابن الجوزي الظلم بأن المعصية فيه أشد من غيرها من المعاصي معلِّلًا ذلك بقوله: (لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار) ([54]).
وليس من شأن المسلم أن يرتضي لنفسه إيقاع الظلم بأخيه، أو أن يدع أخاه فريسةً بيد ظالم بذله، ورسول الله r يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلِمه، ومَن كان فيه حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» ([55]).
فهل بعد هذا ترى مصيبة واقعة بأخيك وتسلمه لها وتخذله فيها، أم تُحتَقن دماؤك في عروقك ولا يروق لك نوم حتى تبذل ما تستطيع من جهد لكشف ما نزل من ضرٍّ بأخيك؟
لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر، وأراد الإسلام لهذا الخلقِ أن يستمر بوجهه الخير معطيًا له معنًى جديدًا، فقال رسول الله r: «انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا.،فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره» ([56]).
فإن كنت تنصر قومك وعشيرتك وعُصْبتك، وتمنعُهم بكل الوسائل من إيقاع ظلم بمسلم - منهم أو من غيرهم - فتلك هي النصرة، وإلا فهي العصبية المقيتة المنتنة؛ التي أُمرنا بأن ندعها، وقد قال في ذلك رسول الله r مشبهًا حال صاحب العصبية ببعيرٍ هلك: "من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي، فهو ينزع بذنبه"([57]).
والقادر على النصرةِ لأخيه المسلم بكلمة أو شفاعة أو إشارة بخير، إن لم يقدمها مع قدرته على ذلك وهو يرى بعينه إذلال أخيه، ألبسه الله لباس ذل أمام الخلق يوم القيامة؛ لتقصيره في نصرة أخيه ورفع الذل عنه، وفي ذلك قال رسول الله r: «من أُذِل عنده مؤمنٌ فلم ينصره - وهو قادر على أن ينصره - أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة» ([58]).
لابد لكل دعوة من رجال متشبعين بخلق النصرة، وإلا فلن تكتب لها الحياة، وأدناها النصرة بالمعونة ورفع المظالم، وأعلاها النصرة في الجهاد، وحين كان رسول الله r يعرض دعوته في المواسم بمنى كان يقول: «مَن يُؤويني؟ مَن ينصرني؟» ([59]).
وحين بُويِع بيعة العقبة اشترط النصرة، فقال: «...وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تُؤونا، وتنصرونا، وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم» ([60]).
وحتى ورقة بن نوفل كان يقول له في مطلع الرسالة: (وإن يُدرِكني يومك أنصُرْك نصرًا مؤزرًا) ([61]).
والله عز وجل قادر على أن ينصر رسوله، لكنه ترك للمؤمنين حظًّا في النصرة يؤدُّونه، ويُسألون عنه ويؤجرون عليه، قال تعالى: {... هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] والمفلحون هم الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ...} [الأعراف: 157].
وقد شرع للمؤمن أن يدعو بالنصرة، كما في الحديث: «ربِّ أعنِّي ولا تُعِن عليَّ، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسِّر الهدى إلي، وانصرني على من بغى علي» ([62])، ولكن هذه النصرة لا تكون غالبًا بسبب غيبي، وإنما بتسخيرك يا صاحب خلق (النصرة) لتؤدي دورك بحميَّتك الإيمانية، وغيرتك للحق، أما الخذلان في ساعة الحاجة، فشأن المنافقين مع أوليائهم الذين قال الله فيهم: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ...} [الحشر: 12].
وقد اشترط رسول الله r على الجالسين على قارعة الطريق أن يتحمَّلوا ضريبة جلوسهم هذا، وشهودهم لمواقف تقتضي منهم التدخُّل وأداء الواجب، فقال لهم: «إن أبيتم إلا أن تجلسوا فاهدوا السبيل، وردُّوا السلام، وأعينوا المظلوم» ([63]).
والمبادرة إلى نصرة الأخ في الله في الدنيا - وخاصة في حال غيابه حيث تسقط المجاملات وتظهر حقيقة المشاعر، وتخلص النصرة لله - يكون من ثمرتها أن يسخر الله للناصر مَن يقف إلى جانبه وينصره في الدنيا ويتولاه الله في الآخرة، كما في الحديث: «من نصر أخاه بظهر الغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة» ([64]).
وأوجبُ صور النصرة ما يكون فيه دفع أذى من أمير أو ذي سلطان أو صاحب سطوة؛ لأن هؤلاء أذاهم شديد، وناصحوهم قليل، والمتملقون لهم كثير، فيضيع الحق في غمرة المجاملات والمداراة، ورسول الله r يتبرأ ممن يعينهم على ظلمهم، ولا ينصرهم على أنفسهم وأهوائهم بردعهم عن الظلم، وقد جاء هذا المعنى في قوله r: «إنه ستكون بعدي أمراء، من صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض» ([65]).
وإذا كان منع ظلم الملوك بنصرة المستضعفين خُلُقًا يتجمل به غير المسلمين، فالمسلمون به أولى وأحرى، وقد وصف عمرو بن العاص الروم بخصال استحسنها فيهم، فقال: (إنّ فيهم لخصالًا أربعًا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) ([66]).
ومن كانت نصرته بصورته الجاهلية نصرة على الباطل، ودورانًا مع العصبية، وإعانة على الظلم، فقد غضب الله عليه، كما في الحديث: «من أعان على خصومة بظلم - أو يعين على ظلم - لم يزل في سخط الله حتى ينزع» ([67]).
فكن نصيرًا للحق حيث كان، وإلا فلا تطمع بوسام الجهاد ولا شرف الاستشهاد.
خلاصة هذا الفصل وعناصره:
-       النصرة استعداد لنصرة المستضعف، وهي ضريبة الأخوة.
-        أ ممنيعينهم على ظلمهمأ

-       صاحب (النصرة) ينصره الله في موطن يحب فيه نصرته.
-       الظلم لا يقع - غالبًا - إلا على الضعيف فهل تُسلمه أو تخذله؟
-       الجاهليون يتناصرون فكيف تكون النصرة للمسلم؟
-       الدعوات تقوى بالنصرة لمن يقوم بتبليغها.
-       يشرع للمؤمن أن يدعو ربه بأن ينصره.
-       تتوجب النصرة بشهود مواقف الظلم أو العلم بها.
-       حقيقة النصرة الخالصة نصرتك لأخيك في غَيبته.
-       أوجب صور النصرة بدفع ظلم ذوي السلطان.
-       مما استحسن عمرو بن العاص في الروم منعهم ظلم الملوك.
-       في النصرة للعصيبة، والإعانة على الباطل، سخط الله.









([1]) تهذيب مدارج السالكين - منزلة الصبر - ص 352.
([2]) صحيح الجامع برقم 4072 (صحيح).
([3]) صحيح الجامع برقم 3845 (حسن).
([4]) صحيح الجامع برقم 5854 (صحيح).
([5]) صحيح الجامع برقم 7692 (حسن).
([6]) صحيح مسلم - كتاب الفتن - باب 5 - الحديث 19/2889.
([7]) صحيح الجامع برقم 2778 (حسن).
([8]) صحيح الجامع برقم 1716 (صحيح) وطرفه «إن الله استقبل بي الشام ... ».
([9]) صحيح الجامع برقم 2825 (صحيح).
([10]) صحيح مسلم - كتاب الإمارة - باب 53 - الحديث 172/1922.
([11]) صحيح سنن النسائي للألباني - كتاب الجهاد -باب 43 - الحديث 2978.
([12]) صحيح مسلم - كتاب البر والصلة - باب 40 - الحديث 138/2622.
([13]) صحيح الجامع برقم 6737 (صحيح).
([14]) صحيح الجامع برقم 4267 (حسن).
([15]) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الملاحم - باب 1 - الحديث 3606/4291 (صحيح).
([16]) صحيح البخاري - كتاب الرقاق - باب 38 - الحديث 6502.
([17]) صحيح سنن أبي داود الألباني - الجهاد - باب 107 - الحديث 2307 / 2649 (صحيح).
([18]) صحيح الجامع برقم 3059 (صحيح).
([19]) صحيح الجامع برقم2150 (صحيح).
([20]) تهذيب مدارج السالكين -منزلة الرضا - ص 380.
([21]) صحيح الجامع برقم 5845 (صحيح)، وبرقم 5844 رواية: «تستقيم مرة، وتخر مرة» (صحيح).
([22]) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب 94 - الحديث 374/220 (ِشرح النووي 3/93).
([23]) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الجهاد - باب 27 - الحديث 2199/2520 (حسن). وفي صحيح الجامع برقم 5205 (صحيح).
([24]) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - المقدمة - باب 11 - الحديثات: (102 صحيح، 103 حسن).
([25]) صحيح البخاري - كتاب الجهاد -باب 28 - الحديث 2826 (فتح الباري 6/39).
([26]) صحيح البخاري - كتاب الجهاد -باب 19 - الحديث 2815 (فتح الباري 6/31).
([27])صحيح البخاري - كتاب الجهاد -باب 3 - الحديث 6416 (فتح الباري 11/233).
([28]) فتح الباري (11/235) عند شرحه للحديث 6416.
([29]) صحيح البخاري - كتاب التمني - باب 6 - الحديث 7235 (فتح الباري 13/220).
([30]) فتح الباري 6/122 عند شرحه للحديث 7235.
([31]) مسند أحمد 3/106، وصححه الترمذي ووافقه الأرناؤوط: (جامع الأصول الحديث 7588). والألباني: (صحيح الجامع برقم 305).
([32]) مسند أحمد 5/224، وفي أسد الغابة 1/230: ".. فبم تدخل الجنة.." في ترجمة بشير بن الخصاصية ط.كتاب الشعب.
([33]) صحيح البخاري - كتاب المظالم - باب 33 - الحديث 480.
([34]) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب الفتن - باب 13 - الحديث 3212/3977 (صحيح).
([35]) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 38 - الحديث 4196.
([36]) فتح الباري 7/467، عند شرحه للحديث 4196.
([37]) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 17 - الحديث 4048.
([38]) فتح الباري 7/355، عند شرحه للحديث 4048.
([39]) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب التعبير - باب 10 - الحديث 3171/3925 (صحيح).
([40]) صحيح البخاري - الجهاد - باب 110 - الحديث 2958. وحديث البيعة على الموت 2960.
([41]) فتح الباري 6/118، عند شرحه للحديث 2958.
([42]) مسند أحمد 5/248، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - بلوغ الأماني 22/392-.
([43]) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الملاحم - باب 17 - الحديث 3650/4344 (صحيح).
([44]) إحياء علوم الدين 2/343.
([45])صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الملاحم - باب 5 - الحديث 3610/4297 (صحيح).
([46]) صحيح البخاري - كتاب الطب - باب 31 - الحديث 5734.
([47]) فتح الباري 10/193، عند شرحه للحديث 5734.
([48]) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 38 - الحديث 4202.
([49]) مسند أحمد 1/397، استشهد به ابن حجر، وقال: رجال سنده موثقون - الفتح 10/194.
([50]) صحيح مسلم - كتاب الإكارة - باب 146 - الحديث 1908.
([51]) أدرج ابن حجر روايتي الحاكم بعد رواية مسلم في فتح الباري 6/16.
([52]) مسند أحمد 4/30، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5690.
([53]) صحيح البخاري - كتاب المظالم - باب 5 - الحديث 2445 (فتح الباري 5/99).
([54]) عن فتح الباري 5/100 - كتاب المظالم - باب 8 - من شرح الحديث 2447.
([55]) صحيح البخاري - كتاب المظالم - باب3 - الحديث 2442 (فتح الباري 5/97).
([56]) صحيح البخاري - كتاب الإكراه - باب 7 - الحديث 6952 (فتح الباري 12/323).
([57]) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الأدب - باب 121 الحديث 4270/ 5117 (صحيح).
([58]) مسند أحمد 3/487، وحسّنه عبد الرحمن البنا (بلوغ الأماني 19/69).
([59]) مسند أحمد 3/322، صحح الحاكم إسناده وأقره الذهبي، وقال ابن كثير في تاريخه: هذا إسناد جيد على شرط مسلم (عن بلوغ الأماني 30/270).
([60]) مسند أحمد 4/119، وفي بلوغ الأماني 20/276 (رجاله ثقات).
([61]) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - باب 3 - الحديث 3 (فتح الباري 1/23).
([62]) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب الدعاء - باب 2 - الحديث 3088/3830 (صحيح).
([63]) مسند أحمد 4/282، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1407.
([64]) صحيح الجامع برقم 6574 (حسن).
([65]) صحيح سنن النسائي للألباني - كتاب البيعة - باب 35 - الحديث 3923 (صحيح).
([66]) صحيح مسلم - كتاب الفتن - باب 10 - الحديث 35/2898 (شرح النووي 9/239).
([67]) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب الأحكام - باب 6 - الحديث 1878/2320 (صحيح).




لتحميل الكتاب كاملا بصيغة بي دي اف من الرابط اسفل المقال 

تحميل كتاب هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً PDF برابط ميديا فير من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016