فصل
ومن
لطف الله ورحمته بهذه الأمة أنها لا تجتمع على ضلالة، كما في الحديث الذي رواه أبو
داود عن أبي مالك الأشعري t
قال: قال رسول الله r:
«إن الله
أجاركم من ثلاث خلال؛ لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل
على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة».
وفي حديث أبي بصرة
الغفاري t
أن رسول الله r
قال: «سألت الله
أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها» رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عمر -رضي
الله عنهما- أن رسول الله r
قال: «إن الله
لا يجمع أمتي -أو قال أمة محمد- على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ إلى
النار» رواه
الترمذي، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية، وقال الترمذي وأبو نعيم: حديث غريب.
وعن أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله r
يقول: «إن أمتي
لا تجتمع على ضلالة» الحديث رواه ابن ماجة.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-
قال: قال رسول الله r: «لا
يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا» رواه الحاكم في مستدركه.
فلا تزال -ولله الحمد
والمنة- طائفة من هذه الأمة على الحق والاستقامة حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قال
الله تعالى: }وَمِمَّنْ
خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ{ [الأعراف: 181]، قال علي t: هي التي تنجو من هذه الأمة. رواه محمد بن
نصر المروزي في كتاب (الاعتصام).
وروى ابن أبي حاتم، عن
الربيع بن أنس في هذه الآية قال: قال رسول الله r:
«إن من
أمتي قومًا على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل».
وفي سنن أبي داود([1])، ومستدرك
الحاكم، عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على
الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» قال الحاكم: صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وقال البخاري رحمه
الله تعالى في صحيحه: باب قول النبي r:
«لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» وهم أهل العلم: حدثنا عبيد الله
بن موسى، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة t
عن النبي r
قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون».
حدثنا إسماعيل، حدثنا ابن وهب، عن
يونس، عن ابن شهاب، أخبرني حميد، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب قال: سمعت
النبي r
يقول: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن
يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله».
ورواه في كتاب العلم
بلفظ: «لن تزال
هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
ورواه في باب علامات النبوة وفي
كتاب التوحيد من طريق عمير بن
هانئ أنه سمع معاوية t يقول: سمعت النبي r يقول: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذًا يقول: وهم بالشام.
هانئ أنه سمع معاوية t يقول: سمعت النبي r يقول: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذًا يقول: وهم بالشام.
وقد
روى مسلم في صحيحه حديث المغيرة من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن
المغيرة t
قال سمعت رسول الله r
يقول: «لن يزال
قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون».
وروى
أيضا حديث معاوية من طريق عمير بن هانئ قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت
رسول الله r
يقول: «لا تزال
طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله
وهم ظاهرون على الناس».
ورواه
أيضا من طريق يزيد بن الأصم، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان ذكر حديثًا رواه عن
النبي r
-لم أسمعه روى عن النبي r
على منبره حديثًا غيره- قال: قال رسول الله r:
«من يرد
الله به خيرًا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق
ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة».
وفي صحيحه أيضًا عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال:
سمعت رسول الله r يقول: «لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم:
تعال صل لنا،
فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة».
فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة».
وفي صحيحه أيضا عن ثوبان t قال: قال رسول الله r: «لا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم
كذلك».
ورواه الإمام أحمد، وأبو داود،
والترمذي، وابن ماجة، والبرقاني في صحيحه، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وفي صحيح مسلم أيضا
عن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- عن النبي r
قال: «لن يبرح
هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة»([2]).
وفيه أيضا عن عقبة بن
عامر، وعبد الله بن عمرو بن العاص نحوه، وسيأتي بلفظه.
وفيه أيضا عن سعد بن
أبي وقاص t
قال: قال رسول الله r:
«لا يزال
أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
وعن معاوية بن قرة عن أبيه t قال: قال رسول الله r: «لا
تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» رواه الإمام
أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
عن
عمر بن الخطاب t
أن رسول الله r
قال: «لا تزال
طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وعن
أبي هريرة t
أن رسول الله r
قال: «لا تزال
طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها» رواه ابن
ماجة.
فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله r أن أمته لا
تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال فيهم طائفة على الحق والاستقامة، ظاهرين على من ناوأهم
لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وفي هذا معجزة
ظاهرة للنبي r، وعلم من أعلام نبوته، فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى
موجودًا من زمن النبي r إلى زمننا هذا في آخر القرن الرابع عشر، ولا يزال كذلك حتى يأتي
أمر الله تعالى المذكور في هذا الأحاديث، وهو هبوب الريح الطيبة التي تقبض أرواح
المؤمنين في آخر الزمان عند اقتراب قيام الساعة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «إن الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير، فلا
تدع أحدًا في قلبه مثقال حبة، وفي رواية: مثقال ذرة
من إيمان إلا قبضته».
وفيه
أيضا عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- نحوه، وسيأتي.
وفيه
أيضا من حديث النواس بن سمعان الكلابي t
أن رسول الله r
قال: «فبينما هم
كذلك إذا بعث الله ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم».
ورواه
الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة وغيرهم، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وفي حديث
عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله r
قال: «ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في
قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته
عليه حتى تقبضه» قال: سمعتها من رسول الله r.
رواه مسلم، والنسائي.
ولمسلم
أيضا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله r
يقول: «لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى» فقلت: يا رسول الله،
إن كنت لأظن حين أنزل الله }هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {أن ذلك تامًا،
قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحًا طيبة فتوفَّى كل من في
قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم».
ففي هذه
الأحاديث الصحيحة دليل على أن المراد بقوله: «حتى يأتي أمر الله» أنه هبوب
الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين عند اقتراب قيام الساعة.
وأما قوله
في حديث يزيد بن الأصم، عن معاوية بن أبي سفيان: «إلى يوم القيامة»، ومثله
في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وكذلك
قوله في حديث حميد عن معاوية: «حتى تقوم الساعة»، ومثله عن جابر بن سمرة، وعقبة بن عامر، وسعد بن أبي وقاص، وقرة بن إياس، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ فيحتمل أن المراد بذلك دنو الساعة المتناهي في القرب منها، بحيث يعقبه قيامها ولا يتخلف عنه إلا زمنًا يسيرًا، وبهذا جزم النووي رحمه الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذكر القيامة والساعة على بابه، ويكون المراد بذلك قيامة الطائفة المنصورة وساعتهم، وهو وقت موتهم بهبوب الريح الطيبة، وبهذا جزم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، ويدل لهذا ما في الحديث الصحيح أن الأعراب كانوا يسألون رسول الله r عن الساعة، فينظر إلى أحدثهم سنا فيقول: «إن يعمر هذا لم يدرك الهرم حتى تقوم الساعة» أي ساعة أولئك الذين يسألونه.
قوله في حديث حميد عن معاوية: «حتى تقوم الساعة»، ومثله عن جابر بن سمرة، وعقبة بن عامر، وسعد بن أبي وقاص، وقرة بن إياس، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ فيحتمل أن المراد بذلك دنو الساعة المتناهي في القرب منها، بحيث يعقبه قيامها ولا يتخلف عنه إلا زمنًا يسيرًا، وبهذا جزم النووي رحمه الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذكر القيامة والساعة على بابه، ويكون المراد بذلك قيامة الطائفة المنصورة وساعتهم، وهو وقت موتهم بهبوب الريح الطيبة، وبهذا جزم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، ويدل لهذا ما في الحديث الصحيح أن الأعراب كانوا يسألون رسول الله r عن الساعة، فينظر إلى أحدثهم سنا فيقول: «إن يعمر هذا لم يدرك الهرم حتى تقوم الساعة» أي ساعة أولئك الذين يسألونه.
والاحتمال
الأول أولى، وحاصل الاحتمال الثاني يرجع إليه، والله أعلم.
والدليل
على أن المراد بما في الأحاديث التي سلفت دنو الساعة وقربها؛ أن الساعة العظمى
إنما تقوم على شرار الخلق، كما في حديث النواس بن سمعان t
أن النبي r
قال بعد ذكر موت الطائفة المنصورة: «ويبقى شرار الناس؛ يتهارجون فيها تهارج
الحمر، فعليهم تقوم الساعة» رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن وغيرهم، وفي
حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي r
نحوه، رواه مسلم، والنسائي.
وفي المسند،
وصحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود t
قال: سمعت النبي r
يقول: «من شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء».
وفي المسند
أيضًا، وصحيح مسلم عنه t
عن النبي r
قال: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
وفي سنن
ابن ماجة، والمعجم الصغير للطبراني، ومستدرك الحاكم عن أنس بن مالك t عن النبي r
نحوه.
وفي
المستدرك أيضا عن أبي أمامة t
عن النبي r
نحو ذلك أيضا.
وعن أنس t أن رسول الله r
قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» رواه الإمام أحمد، ومسلم،
والترمذي.
وفي رواية
لمسلم: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله».
وفي مستدرك
الحاكم عن عبد الله بن مسعود t
قال: سمعت رسول الله r يقول: «لا
تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» قال الحاكم: صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى أبو
نعيم في الحلية من طريق مجاهد، عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله
بن عمرو -رضي الله عنهم- أن رسول الله r
قال: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: لا إله إلا الله».
وفي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة بن مخلد
وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: «لا تقوم الساعة إلا على شرار
الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم» فبينما هم على
ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله! فقال عقبة:
هو أعلم، وأما أنا
فسمعت رسول الله r يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك»، فقال عبد الله: «أجل، ثم يبعث الله ريحًا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة».
فسمعت رسول الله r يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك»، فقال عبد الله: «أجل، ثم يبعث الله ريحًا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة».
والمراد
بالطائفة المذكورة في هذا الحديث والأحاديث قبله، أهل السنة والجماعة.
وجزم
البخاري في صحيحه أنهم أهل العلم كما تقدم ذكره قريبًا.
وقال أيضا:
باب قول الله تعالى: }وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا{ [البقرة:
143]، وما أمر النبي r
بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم. انتهى.
وقال الترمذي
رحمه الله تعالى في جامعه: قال محمد بن إسماعيل: قال علي بن المديني: هم أصحاب
الحديث. انتهى.
وكذا قال
ابن المبارك، وأحمد بن سنان، وابن حبان وغيرهم، وبوَّب عليه ابن حبان في صحيحه
فقال: ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة، ثم ساق حديث معاوية بن قرة
عن أبيه.
وقال يزيد
بن هارون، وأحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. رواه عنهما
الحاكم في علوم الحديث.
قال القاضي
عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
وعن علي بن
المديني رواية أنهم العرب، واستدل بحديث: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق
حتى تقوم الساعة» قال: والمراد بالغرب: الدلو؛ أي العرب؛ لأنهم أصحابها، لا
يستقي بها أحد غيرهم. ذكره يعقوب بن شيبة، ونقله عنه صاحب المشارق وغيره.
قلت: ويؤيد
ذلك ما رواه ابن ماجة من حديث أبي أمامة الباهلي t
في ذكر الدجال، وفيه: فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله، فأين العرب
يومئذ؟ قال: «هم قليل، وجُلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما
إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك
الإمام ينكص يمشي القهقرى؛ ليقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له:
تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم» الحديث.
وأصل هذه
القطعة ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أخبرتني
أم شريك أنها سمعت النبي r
يقول: «ليفرن الناس من الدجال في الجبال»، قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين
العرب يومئذ؟ قال: «هم قليل».
ورواه
الترمذي في جامعه وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وله أيضًا شاهد في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-
قال: سمعت رسول الله r يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول
أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله
هذه الأمة».
هذه الأمة».
وله أيضًا
شاهد في مسند الإمام أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص t
قال: سمعت رسول الله r
يقول: فذكر الحديث وفيه: «وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر، فيقول
له أميرهم: يا روح الله، تقدم صل، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم
أميرهم فيصلي» الحديث.
وفي
الصحيحين من حديث أبي هريرة t
أن رسول الله r
قال في بني تميم: «هم أشد أمتي على الدجال».
وبنو تميم
قبيلة كبيرة من العرب.
ففي هذين
الحديثين؛ حديث أبي أمامة، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنهما- دليل على أن العرب هم
الطائفة التي تقاتل المسيح الدجال، ويدخل مع العرب تبعًا من كان متمسكًا بالكتاب
والسنة من غيرهم.
قال النووي
رحمه الله تعالى: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان
مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن
المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون
متفرقين في أقطار الأرض، قال: وفيه دليل لكون الإجماع حجة، وهو أصح ما استدل به له
من الحديث. انتهى.
واحتج به
الإمام أحمد رحمه الله تعالى على أن الاجتهاد لا ينقطع ما
دامت هذه الطائفة موجودة.
دامت هذه الطائفة موجودة.
وقد اختلف
في محل هذه الطائفة؛ فقال ابن بطال: إنها تكون في بيت المقدس. كما رواه الطبراني
من حديث أبي أمامة t
قيل: يا رسول الله، أين هم؟ قال: «بيت المقدس».
وقال معاذ -رضي
الله عنه-: هم بالشام.
وفي كلام
الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائما، بل قد
تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم
الله تعالى: قلت: يشهد له الواقع، وحال أهل الشام، وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة
لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية t وأصحابه في القرن السابع وأول
الثامن، فإنهم في زمانهم على الحق، يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد
يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق والتمسك بالسنة، والله
على كل شيء قدير، ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة، وتوافر
العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار؛
في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق، واليمن، وكلهم على الحق
يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلامًا لأهل السنة وحجة على
كل مبتدع، فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع، وقد
تفترق، وقد تكون في الشام، وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها. انتهى.
تفترق، وقد تكون في الشام، وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها. انتهى.
قلت: الظاهر
من حديث أبي أمامة وقول معاذ -رضي الله عنهما- أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة
في آخر الزمان، عند خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
ويدل لذلك
ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة t
الذي رواه ابن ماجة وفيه: فقالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: «هم
قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح..» الحديث.
ويدل له
أيضا ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في تاريخه، والحاكم في مستدركه من
حديث عبد الله بن حوالة الأزدي t
قال: وضع رسول الله r
يده على رأسي أو هامتي، ثم قال: «يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض
المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس
من يدي هذه من رأسك».
قال
الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي المسند
أيضا، وجامع الترمذي، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: «ستخرج نار من حضرموت أو من نحو بحر
حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ فقال: «عليكم
بالشام» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي المسند
أيضا، وسنن أبي داود، وصحيح الحاكم، عن أبي الدرداء t
أن رسول الله r
قال: «فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة
يقال له دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ» قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم
يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ولفظ أبي
داود: «إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها دمشق،
من خير مدائن الشام».
قال
المنذري في (تهذيب السنن): قال يحيى بن معين، وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم
الروم، فقال يحيى: ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي r أنه قال: «معقل المسلمين أيام الملاحم
دمشق». انتهى.
ففي هذه الأحاديث دليل على أن جُل الطائفة المنصورة يكون بالشام في آخر
الزمان، حيث تكون الخلافة هناك، ولا يزالون هناك ظاهرين على الحق حتى يرسل الله
الريح الطيبة فتقبض كل من في قلبه إيمان، كما تقدم في الأحاديث الصحيحة أن النبي r قال: «حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» قال معاذ: وهم
بالشام؛ يعني أنهم يكونون بالشام حين يأتي أمر الله تعالى وهو هبوب الريح الطيبة، فأما
في زماننا وما قبله، فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من
حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم، ولا يختص بها
مصر من أمصار المسلمين دون الآخر، ولكنها تكثر في بعض الأماكن أحيانًا
ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله وتجديد الدين، كما في حديث أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» رواه أبو داود، والحاكم في مستدركه.
ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله وتجديد الدين، كما في حديث أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» رواه أبو داود، والحاكم في مستدركه.
ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة، شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن
عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني وأصحابه في آخر القرن السابع وأول
الثامن، فقد نفع الله بدعوته ومصنفاته الخلق الكثير، والجم الغفير، منذ زمانه إلى
زماننا هذا، وكذلك مصنفات تلاميذه وتلاميذهم قد نفع الله بها آخر هذه الأمة، جزاهم
الله جميعًا عن المسلمين خيرًا وأثابهم الجنة والرضوان. وجلالة كتبهم، وعظم قدرها،
وغزارة فوائدها معروف عند أتباع السنة النبوية والطريقة السلفية، ففيها يتنافس
المتنافسون، وعليها وعلى مثلها يعول المحققون، ومن طالع كتب شيخ الإسلام أبي
العباس وتلميذه ابن القيم رحمة الله عليهما ونظر فيها بعين العدل والإنصاف عرف
مالها من المزية والفضل على أكثر المصنفات، ورأى العجب العجاب من قوة تأثيرها في
النفوس وإزالة أدواء القلوب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،
وللشيخين اليد البيضاء والهمة العلياء في نصر السنة وعلوم السلف ونشرها، وقمع
البدع ومحدثات الخلوف وإخمادها وكسرها، فهما في هذا الباب فارسا الميدان، ومحرزا
قصب السبق على أكثر الفرسان.
تلك المكارم لا ما روي عن هرم
|
|
ولا الذي قيل عمن ضم غمدان
|
وللشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه مقامات مشهورة في الدعوة إلى
الله تعالى، وجهاده أعداءه من الكفار والمنافقين، وقد قام في قتال التتار مقامًا
لم يقمه غيره، وبذل نفسه وماله في جهادهم ودفعهم عن حوزة المسلمين حتى كسر الله
شوكتهم ويسر هزيمتهم على يد السلطان ومن معه من جنود مصر والشام، وكل ذلك بسبب
الشيخ قدس الله روحه، فإنه ذهب بنفسه إلى السلطان وجنود مصر مستصرخا بهم على
التتار، فاجتمع بأركان الدولة، وحضهم على الجهاد، وتلا عليهم الآيات والأحاديث، وأخبرهم
بما أعد الله للمجاهدين من الثواب؛ فلبوا دعوته وسارعوا إلى لقاء العدو، ولما التقى
الجمعان جعل الشيخ رحمه الله تعالى يوصي المسلمين بالصبر والثبات، ويحرضهم على
القتال، ويعدهم النصر والظفر إن صبروا ويقسم على ذلك؛ فحقق الله أمله، وأبر قسمه، وصدق
الله وعده، وأعز جنده، وهزم التتار وحده، ومنح المسلمين أكتافهم يقتلونهم كيف شاؤوا،
ولم يفلت منهم إلا القليل، }فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {.
فالله يجزيه الذي هو أهله
|
|
من جنة المأوى مع الرضوان
|
قال ذلك
فيه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية، وقال فيه أيضًا:
وله المقامات الشهيرة في الورى
|
|
قد قامها لله غير جبان
|
نصر الإلهَ ودينَه وكتابَه
|
|
ورسولَه بالسيف والبرهان
|
ولما اجتمع
أبو حيان -شيخ النحاة في زمانه- بشيخ الإسلام أبي العباس قال: ما رأت عيناي مثله، ثم
مدحه على البديهة في المجلس فقال:
لما أتينا تقي الدين لاح لنا
|
|
داع إلى الله فرد ماله وزر
|
على محياه من سيما الأولى صحبوا
|
|
خير البرية نور دونه القمرُ
|
حَـبْر تسربل منه دهره حِبرا
|
|
بحر تقاذف من أمواجه الدرر
|
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا
|
|
مقام سيد تيم إذ عصت مُضَرُ
|
فأظهر الدين إذا آثاره درست
|
|
وأخمد الشرك إذ طارت له شررُ
|
يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ
|
|
هذا الإمام الذي قد كان يُنتظر
|
قوله: مقام
سيد تيم؛ يعني بذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فإنه قام في جهاد
المرتدين أعظم قيام، حتى ردهم الله ببركة جهاده إلى الحق، وأدخلهم من الباب الذي
خرجوا منه.
وللشيخ تقي
الدين في بيان الحق، وتجديد الدين، والجهاد بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله ونصر
دينه شبه قوي بما فعله الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- أيام الردة؛ فلهذا شبه أبو
حيان فعله بفعله، وإن لم يكونا سواء.
وثناء
أكابر العلماء في آخر القرن السابع فما بعده نثرا ونظمًا على هذا الإمام المجدد
أكثر من أن يحصر، وقد صنفت في مناقبه كتب كثيرة شهيرة، فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل
جنة الفردوس منقلبه ومثواه، إنه جواد كريم.
ومن أعظم
المجددين بركة في آخر هذه الأمة أيضا شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام؛ محمد بن
عبد الوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، نشأ في أناس قد اندرست فيهم معالم الدين، ووقع
فيهم من الشرك وأنواع
البدع والخرافات ما عم وطم في كثير من البلاد إلا بقايا متمسكين بالدين يعلمهم الله تعالى، وأما الأكثرون فقد عاد المعروف بينهم منكرًا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وكان الأمر كما قال معاصره محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:
البدع والخرافات ما عم وطم في كثير من البلاد إلا بقايا متمسكين بالدين يعلمهم الله تعالى، وأما الأكثرون فقد عاد المعروف بينهم منكرًا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وكان الأمر كما قال معاصره محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:
طغى الماء من بحر ابتداع على الورى
|
|
.............................
|
إلى آخر
الأبيات التي تقدم ذكرها قريبا.
وكان سكان
الجزيرة العربية في ذلك الوقت على أسوأ الحالات في أمور دينهم ودنياهم.
أما في أمر
دينهم: فكان
كثير منهم في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء،
يدعون الأموات، ويعتقدون في الأشجار والأحجار والغيران وغيرها، ويطوفون
بقبور الصالحين ومن يظن صلاحه، ويرجون الخير والنصر ودفع الضر من هذه المعتقدات،
وفيهم من كفر الاتحادية والحلولية وجهالات الصوفية ما يرون أنه من الشعب الإيمانية
والطريقة المحمدية، وفيهم من إضاعة الصلوات، ومنع الزكاة، وإتيان المنكرات ما هو
معروف مشهور.
وأما في
أمر دنياهم: فكانوا
على غاية من الخوف والجوع والتفرق والشقاق، ليس لهم جماعة، ولا إمام يرون له طاعة،
قد غلبت عليهم الفوضى، وكثر فيهم الهرج، وصار ضعيفهم نهبة لقويهم.
ففتح الله تعالى بصيرة شيخ الإسلام، وألهمه
رشده، وسدده ووفقه
لمعرفة ما بعث به رسوله محمدًا r من الهدى ودين الحق، وشرح صدره لقبوله والعمل به، ثم قوى عزيمته
على الدعوة إليه، وتجديد أمر الإسلام، فشمر عن ساق الجد والاجتهاد، قام في هذا
الأمر العظيم أعظم قيام، فدعا الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح في باب العلم
والإيمان، وفي باب العمل الصالح والإحسان، دعاهم إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة
بجميع أنواعها لله وحده، ونهاهم عن التعلق بغير الله من الملائكة والأنبياء
والصالحين وعن عبادتهم من دون الله، ونهاهم عن الاعتقاد في القبور والأشجار
والأحجار والعيون والغيران وغيرها مما يعتقد فيه المشركون، ودعاهم إلى تجريد
المتابعة للرسول r في الأقوال والأعمال، ونهاهم عن الابتداع في الدين، وحذرهم عما
أحدث الخلوف من البدع والتقاليد والتعصبات التي أعمت الأكثرين، وأصمَّتهم وأضلتهم عن
سواء السبيل، ودعاهم إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات، ونهاهم عن
التهاون بالحج وصيام رمضان، ودعاهم إلى الجماعة والائتلاف والسمع والطاعة لإمام
المسلمين، والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك مما دعاهم إليه ورغبهم فيه من الأمور الدينية ومكارم الأخلاق، وما نهاهم عنه مما يضاد ذلك من المحظورات ومساوئ الأخلاق وسفسافها، وهو في كل ذلك متبع لا مبتدع، فجعل الله في قيامه أعظم البركة، ونفع الله
بدعوتهم ومصنفاته الخلق الكثير والجم الغفير من أهل نجد وغيرهم منذ زمانه إلى
يومنا هذا، ومحا الله بدعوته شعار الشرك ومشاهده، وهدم بيوت الكفر ومعابده، وكبت
الطواغيت والملحدين، وقمع الفجار والمفسدين، ورفع الله بدعوته أعلام الشريعة المحمدية والملة الحنيفية في أرجاء الجزيرة العربية، وصار لهم جماعة وإمام يدينون له بالسمع والطاعة في المعروف، وعقدت الألوية والرايات للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود الشرعية والتعزيرات الدينية، وحوفظ على الصلوات في الجماعات، وأخذت الزكاة من الأغنياء وفرقت في مستحقيها، وقام سوق الوعظ والتذكير وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها، ونشرت السنة وعلوم الصحابة والتابعين لهم بإحسان، واشتغل الناس بها، ورفعت رايات الجهاد بالحجة والبرهان لدحض المعاندين من المشركين وأهل البدع، وغيرهم من المبطلين المعارضين لهذه الدعوة العظيمة بالشبه الباطلة والإفك والبهتان، حتى سارت بحمد الله تعالى في الآفاق، وجعل الله لها من القبول ما لا يحد ولا يوصف، وجمع الله بسببها القلوب بعد شتاتها، وألف بينها بعد عداوتها، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين بجلال الله، متعاونين على البر والتقوى، وأعطاهم الله من الأمن والنصر والعز والظهور ما هو معروف مشهور، وفتح الله عليهم البلاد العربية من بحر فارس إلى بحر القلزم، ومن اليمن إلى أطراف الشام والعراق، فأصبحت نجد محطًا لرحال الوافدين، تُضرب إليها أكباد الإبل في طلب الدنيا والدين، وعاد دين الإسلام فيها بسبب هذه الدعوة غضًا طريًا، له شبه قوي بحالته في الصدر الأول، فجزى الله هذا الإمام المجدد عن المسلمين خيرًا، وأثابه الجنة والرضوان.
الطواغيت والملحدين، وقمع الفجار والمفسدين، ورفع الله بدعوته أعلام الشريعة المحمدية والملة الحنيفية في أرجاء الجزيرة العربية، وصار لهم جماعة وإمام يدينون له بالسمع والطاعة في المعروف، وعقدت الألوية والرايات للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود الشرعية والتعزيرات الدينية، وحوفظ على الصلوات في الجماعات، وأخذت الزكاة من الأغنياء وفرقت في مستحقيها، وقام سوق الوعظ والتذكير وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها، ونشرت السنة وعلوم الصحابة والتابعين لهم بإحسان، واشتغل الناس بها، ورفعت رايات الجهاد بالحجة والبرهان لدحض المعاندين من المشركين وأهل البدع، وغيرهم من المبطلين المعارضين لهذه الدعوة العظيمة بالشبه الباطلة والإفك والبهتان، حتى سارت بحمد الله تعالى في الآفاق، وجعل الله لها من القبول ما لا يحد ولا يوصف، وجمع الله بسببها القلوب بعد شتاتها، وألف بينها بعد عداوتها، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين بجلال الله، متعاونين على البر والتقوى، وأعطاهم الله من الأمن والنصر والعز والظهور ما هو معروف مشهور، وفتح الله عليهم البلاد العربية من بحر فارس إلى بحر القلزم، ومن اليمن إلى أطراف الشام والعراق، فأصبحت نجد محطًا لرحال الوافدين، تُضرب إليها أكباد الإبل في طلب الدنيا والدين، وعاد دين الإسلام فيها بسبب هذه الدعوة غضًا طريًا، له شبه قوي بحالته في الصدر الأول، فجزى الله هذا الإمام المجدد عن المسلمين خيرًا، وأثابه الجنة والرضوان.
وقد شهد له
أهل العلم والفضل من أهل عصره ومن بعدهم أنه أظهر
توحيد الله، وجدد دينه ودعا إليه، واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته ونصيحته لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بل قد اعترف أعداء الإسلام والمسلمين من عقلاء النصارى وغيرهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول.
توحيد الله، وجدد دينه ودعا إليه، واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته ونصيحته لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بل قد اعترف أعداء الإسلام والمسلمين من عقلاء النصارى وغيرهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول.
قال صاحب المنار محمد رشيد رضا في مقدمة كتاب (صيانة الإنسان عن وسوسة
دحلان): لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه
الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين،
وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد بن
عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين r، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة
المنهوكة، فنهدت لمناهضته واضطهاده القوى الثلاث: قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام
. وتصدى للطعن في الشيخ محمد بن عبد
الوهاب والرد عليه أفراد من أهل الأمصار
المختلفة، ومنهم رجل من أحد بيوت العلم في بغداد، قد عهدناه يفتخر بأنه من دعاة التعطيل والإلحاد، وكان
أشهر هؤلاء الطاعنين مفتي مكة المكرمة الشيخ
أحمد زيني دحلان المتوفى سنة 1304 هـ، ألَّفَ رسالة في ذلك تدور جميع مسائلها على
قطبين اثنين: قطب الكذب والافتراء على الشيخ،
وقطب الجهل بتخطئته فيما هو مصيب فيه، وكان نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله، فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين، ولأجله حاربتهم وخضدت شوكتهم، وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر، والاطلاع على تاريخ الجبرتي، وتاريخ الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها، ولا سيما تواريخ الإفرنج، الذي بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها، وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذًا لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفًا من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى، على أن العلامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت كان ألف كتابًا في تاريخ الإسلام ذكر فيه الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال إنها عين ما دعا إليه النبيون والمرسلون، ولكنه قال: إن الوهابيين في عهده متشددون، وقد عجبنا له كيف تجرأ على مدحهم في عهد السلطان عبد الحميد، ورأيت شيخنا محمد عبده في مصر على رأيه في هداية سلفهم وتشدد خلفهم، وأنه لولا ذلك لكان إصلاحهم عظيمًا ورجي أن يكون عامًا، وقد ربى الملك عبد العزيز غلاتهم المتشددين منذ سنتين بالسيف تربية يُرجى أن تكون تمهيدًا لإصلاح عظيم، وإن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل، فبحثوا وتثبتوا
وتبينوا كما أمر الله تعالى فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون، لا أمانة لهم، وأثنى عليه فُحُولهم في عصره وبعد عصره، وعدّوه من أئمة المصلحين المجددين للإسلام ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم، ولا تتسع هذه المقدمة لنقل شيء من ذلك. انتهى ملخصًا.
وقطب الجهل بتخطئته فيما هو مصيب فيه، وكان نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله، فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين، ولأجله حاربتهم وخضدت شوكتهم، وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر، والاطلاع على تاريخ الجبرتي، وتاريخ الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها، ولا سيما تواريخ الإفرنج، الذي بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها، وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذًا لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفًا من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى، على أن العلامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت كان ألف كتابًا في تاريخ الإسلام ذكر فيه الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال إنها عين ما دعا إليه النبيون والمرسلون، ولكنه قال: إن الوهابيين في عهده متشددون، وقد عجبنا له كيف تجرأ على مدحهم في عهد السلطان عبد الحميد، ورأيت شيخنا محمد عبده في مصر على رأيه في هداية سلفهم وتشدد خلفهم، وأنه لولا ذلك لكان إصلاحهم عظيمًا ورجي أن يكون عامًا، وقد ربى الملك عبد العزيز غلاتهم المتشددين منذ سنتين بالسيف تربية يُرجى أن تكون تمهيدًا لإصلاح عظيم، وإن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل، فبحثوا وتثبتوا
وتبينوا كما أمر الله تعالى فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون، لا أمانة لهم، وأثنى عليه فُحُولهم في عصره وبعد عصره، وعدّوه من أئمة المصلحين المجددين للإسلام ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم، ولا تتسع هذه المقدمة لنقل شيء من ذلك. انتهى ملخصًا.
قلت:
التشدد الذي أشار إليه إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير نحو عشر سنين، وذلك
أنهم أقبلوا على الدين إقبالًا كليا مع الجهل الكثيف، وأقبلوا على العمل وأهملوا
التعلم، فصار التشدد غالبًا عليهم، حتى آل الأمر ببعضهم إلى أن خلعوا أيديهم من
الطاعة، وفارقوا الجماعة، وبغوا عليهم، وبدأوهم بالقتال، فقاتلهم الإمام ومن معه
من الحاضرة والبادية في عدة وقعات؛ أولها في منتصف شوال سنة ألف وثلاثمائة وسبع
وأربعين حتى أطفأ الله فتنتهم، وكفى المسلمين شرهم، فأما الحاضرة وكثير من البادية
فكانوا على الطريقة السلفية ولله الحمد والمنة، ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض
الناس، فإطلاق التشدد على العموم متعقب على من ادعاه كما لا يخفي على من له أدنى
إلمام ومعرفة بحال أهل نجد، والله الموفق.
وقال محمد
رشيد رضا في هامش (صيانة الإنسان): من المعلوم بالتواتر أن الشيخ رحمه الله جدد الإسلام
في نجد وغير نجد.
وقال أيضا
في مقدمة رسائل العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد
بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: لا نعرف في تاريخ الإسلام شعبًا دخل في جميع
الأطوار التي دخل فيها الإسلام في نشأته الأولى غربة وجهادًا وهجرة وحجاجًا وقوة
غير هذا الشعب النجدي؛
فقد ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في وقت كان حال أهله شرًا من حال المشركين وأهل الكتاب في زمن البعثة؛ من شرك وخرافات وبدع وضلالات وجهالة غالبة، فدعا إلى عبادة الله وحده، والرجوع إلى أصل الإسلام الذي كان عليه النبي r وأصحابه رضي الله عنهم، فعاداه في بلاده الأكثرون، ووالاه فيها الأقلون، فنصر الله تعالى أولياءه من أمراء آل سعود وأتباعهم على أعدائهم، ثم تصدى لعداوتهم الترك وأعوانهم فكانت الحرب سجالا بينهم، وعاقب الله السعوديين زمنا بما كان من تخاذل بينهم، وتقصير في إقامة بعض سنن الله في دولتهم، ثم كانت العاقبة الحسنى لهم عندما تابوا من ذنبهم ورجعوا إلى وحدتهم واعتبروا بقوله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ [الشورى: 30]، وقوله في أصحاب رسول الله r عندما ظهر عليهم المشركون في غزوة أحد: }أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ{ [آل عمران: 165]، وقوله: }وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ [الأنفال: 46].
فقد ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في وقت كان حال أهله شرًا من حال المشركين وأهل الكتاب في زمن البعثة؛ من شرك وخرافات وبدع وضلالات وجهالة غالبة، فدعا إلى عبادة الله وحده، والرجوع إلى أصل الإسلام الذي كان عليه النبي r وأصحابه رضي الله عنهم، فعاداه في بلاده الأكثرون، ووالاه فيها الأقلون، فنصر الله تعالى أولياءه من أمراء آل سعود وأتباعهم على أعدائهم، ثم تصدى لعداوتهم الترك وأعوانهم فكانت الحرب سجالا بينهم، وعاقب الله السعوديين زمنا بما كان من تخاذل بينهم، وتقصير في إقامة بعض سنن الله في دولتهم، ثم كانت العاقبة الحسنى لهم عندما تابوا من ذنبهم ورجعوا إلى وحدتهم واعتبروا بقوله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ [الشورى: 30]، وقوله في أصحاب رسول الله r عندما ظهر عليهم المشركون في غزوة أحد: }أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ{ [آل عمران: 165]، وقوله: }وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ [الأنفال: 46].
امتحن الله النجديين بتصدي الترك لعداوتهم، وتأليب العرب وشرفاء الحجاز
والمصريين عليهم؛ لئلا يعيدوا ملك العرب وسلطانهم الذي سلبوه منهم، فحاربوهم باسم
الإسلام، ونشروا الكتب والفتاوى في رميهم بالكفر والابتداع، وقد اغتر كثيرون بما
فعلوه باسم الإسلام، وشايعهم عليه أفراد وجماعات هم دون الخوارج الذين خرجوا على
الإمام أمير المؤمنين الخليفة الرابع للرسول r وكفَّروه وتبرؤوا منه، ودون
الذين بغوا عليه وحاربوه مع معاوية، نعم هم دونهم علما بالدين وعملا به، بل كفَّرهم
وقاتلهم أخلاط؛ منهم
المسلم والكافر، والزنديق والمنافق، وعسكر لا يقيم الصلاة، ولا يؤدي الزكاة، ولا
يحرم ما حرم الله ورسوله من الخمر والزنا واللواط، وأكل أموال الناس بالباطل،
والقتال لطاعة الرؤساء ولو في معصية الله تعالى، بهذا كله كان علماؤهم وأمراؤهم،
في حالة تشبه حال مسلمي الصدر الأول في مقاومة المشركين؛ الذين يدعون غير الله، ويجعلون
لله أندادًا كالذين جاهدهم النبي r، وفي مقارعة تاركي الصلاة ومانعي الزكاة كالذين قاتلهم أبو بكر
الخليفة الأول t، وفي مجالدة البغاة كالذين قاتلهم الخليفة الرابع علي t، وفي مجادلة المبتدعين من الروافض والجهمية كالذين ناضلهم الإمام
أحمد وإخوانه أئمة السنة بالحجة، فأعادوا نشأة الإسلام العملية سيرتها الأولى في
الصدر الأول؛ من ولاية وبراءة، وهجرة وجهاد بالسيف والسنان وبالحجة والبرهان، على
حين صارت النصوص الخاصة بهذه الأحوال منسية أو كالمنسية عند غيرهم من شعوب الإسلام
ودوله؛ لا يتعلق بها عمل من الأعمال، ولا حكم من الأحكام.
وقال أيضا في مقدمة (مجموعة الحديث النجدية): وقد كان مما استعمل الله به
الشيخ محمد بن عبد الوهاب -مجدد الدين في نجد وما حولها- أن أحيا مدارسة السنة
النبوية فيها؛ للاهتداء بها، لا لمجرد التبرك بألفاظها، ولا لأجل الاستقلال فيها
دون ما كتب المحدثون والفقهاء في شرحها والاستنباط منها، بل نرى مَن هداهم الله تعالى
بدعوته، وأنقذهم من الجاهلية التي عادت إلى أكثر أهل جزيرة العرب، ما زالوا يحبون
كتب فقه شيخ السنة الأكبر الإمام أحمد t مع خيار كتب التفسير والحديث
لغير
الحنابلة من علماء السنة، فكانوا من أجدر المسلمين بلقب أهل السنة. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن سند في رده على الراوي العراقي: لقد نهض
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نهضة أكرِم بها من نهضة، وقد بلغ من أمر
تلك النهضة أن عرفها الباحثون في علل رقي الأمم وانحطاطها حتى من غير علماء
الإسلام، وإليك نظرية أحد علماء الغرب في تلك النهضة الإصلاحية التي نهض بها الشيخ
محمد بن عبد الوهاب؛ قال لوشروب ستودارد الأمريكي في كتابه (حاضر العالم الإسلامي)
المترجم إلى اللغة العربية بقلم الأستاذ عجاج نويهض: الفصل الأول من الكتاب في
اليقظة الإسلامية في القرن الثامن عشر؛ أي الميلادي: كان العالم الإسلامي قد بلغ من
التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركة، فاربدّ جوّه، وطبقت الظلمة كل
صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب، وتلاشي ما كان
باقيًا من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتِّباع الأهواء
والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة،
وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال، فليس يُرى في العالم
الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين؛ كسلطان تركيا وأواخر ملوك المغول
في الهند؛ يحكمون حكمًا واهنًا فاشي القوة متلاشي الصبغة، وقام كثير من الولاة
والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها، وينشئون حكومات مستقلة ولكن مستبدة؛
كحكومة
الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلمًا وجورًا، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقًا فوق إرهاق، فغُلَّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بورًا شديدًا، وأهملت الزراعة أي إهمال.
الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلمًا وجورًا، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقًا فوق إرهاق، فغُلَّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بورًا شديدًا، وأهملت الزراعة أي إهمال.
وأما الدين
فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحبُ الرسالة الناسَ سجفًا
من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء
الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم
التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج
إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس
فضائل القرآن فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتكت ستر
الحرمات على غير خشية واستحياء، ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما
من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه الله تعالى وفرضه النبي r على من استطاعه ضربا من المستهزءات، وعلى
الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطًا بعيد القرار، فلو عاد صاحب
الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام، لغضب وأطلق اللعنة على
من استحقها من المسلمين كما يُلعن المرتدون وعبدة الأوثان.
وفيما
العالم الإسلامي مستغرق في هجعته، ومدلج في ظلمته، إذا بصوت قد دوى من قلب صحراء
شبه الجزيرة مهد الإسلام، يوقظ المؤمنين، ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء
السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن
عبد الوهاب، الذي أشعل نار الوهابية، فاشتعلت واتقدت، واندلعت ألسنتها إلى كل
زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح
النفوس، واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد، فتبدت تباشير صبح الإصلاح،
ثم بدت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام.
ولد محمد بن عبد الوهاب في نجد الواقعة في قلب الصحراء العربية حوالي سنة
ألف وسبعمائة ميلادي، وكانت نجد في ذلك العصر -على انحطاط العالم الإسلامي وتدليه-
أنقى البلدان إسلامًا، وأطهر الأقطار دينًا، وإذ كان منذ أول شأنه شديد الميل إلى
الاطلاع والتفقه في الدين لسرعان ما اشتهر ذكره، وذاع اسمه، فعرف بعلم وافر، قوامًا
على التقوى، فحج إلى مكة في أوائل عمره، وطلب العلم في المدينة المنورة، وساح إلى
كثير من البلاد المجاورة حتى فارس، ثم عاد إلى نجد مشتعلًا غضبا دينيًا لما رآه
بأم عينه من سوء حالة الإسلام، فصحَّت عزيمته على القيام بدعوة الإصلاح، فقضى سنين
عديدة راحلًا من بلاد إلى بلاد في شبه الجزيرة، فبشر
بالدعوة موقظًا النفوس حتى استطاع بعد جهاد طويل أن يجعل محمد بن السعود -وهو أكبر أمراء نجد- وأعلى زعمائهم كعبًا وشأنًا
يقبل الدعوة ويدخل فيها، فاكتسب ابن عبد الوهاب بذلك مكانة أدبية
عالية، ومنزلة اجتماعية رفيعة، وقوة حربية لا يستهان بها، فاستفاد من ذلك استفادة جليلة، قد مكنته من بلوغ غايته وإدراك غرضه.
عالية، ومنزلة اجتماعية رفيعة، وقوة حربية لا يستهان بها، فاستفاد من ذلك استفادة جليلة، قد مكنته من بلوغ غايته وإدراك غرضه.
فتكونت على التوالي وحدة دينية سياسية في جميع الصحراء العربية، شبيهة بتلك
الوحدة التي أنشأها صاحب الرسالة r، وفي الواقع فإن المنهج الذي نهجه ابن عبد الوهاب يشبه شبها كبيرًا
ذاك الذي نهجه الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر، ولما مات سنة ألف وسبعمائة وسبعة
وثمانين خلفه ابن السعود، فكان خير خليفة للمُصلح الإسلامي الكبير، واقتفى الوهابيون
آثار خلافة الراشدين، وعلى ما كان في يد ابن السعود من القوى الحربية العظيمة، فإن
ذلك ما كان ليصرفه عن أن يكون على الدوام نازلًا على رأي الجماعة وشوراها، فلم
يمتهن حرية أتباعه وبني قومه، وكانت حكومته على عنفها مكينة عادلة فانقطع التعدي،
وأمن الناس السرقات، وانتشر الأمن، وسادت الطمأنينة والراحة، وعكف على العلم
والتهذيب، فكان في كل واحة مدرسة، وفي كل قبيلة بدوية عدد من المعلمين، وبعد أن
أخضع ابن السعود نجدًا وتم له الأمر في كاملها أخذ يستعد ليقوم بعمل أكبر ألا وهو
إخضاع جميع العالم الإسلامي ونشر الإصلاح فيه، فجعل نصب عينيه في
المقام الأول تحرير الأماكن المقدسة الحجازية، فكرّ على الحجاز في صدر القرن
التاسع عشر بمقاتلته الشجعان المشتعلين غيرة دينية، وكان له ما أراد من الاستيلاء
على الأماكن المقدسة، فلم تستطع قوة الوقوف في وجه الوهابيين وهم يحملون على الترك،
والترك في نظرهم أهل الارتداد والجحود، ومغتصبو الخلافة اغتصابًا، وحقها أن تكون
أبدًا
في العرب، وبينما كان ابن السعود سنة ألف وثمانمائة وأربعة عشرة يعد العدة لفتح سوريا، وهمَّته متينة، كان يخيل إلى العالم منه أن الوهابيين متدفقون على الشرق تدفقًا، وصانعون ما شاء الله من الإصلاح في الإسلام، غير أن ذلك ما قدر ليكون، فلما أيقن سلطان تركيا أنه لا يستطيع القضاء على الوهابيين استصرخ بطلا من مشاهير الأبطال وهو محمد علي، واستكفاه أمر القضاء عليهم، وكان هذا المقدام الألباني سيد مصر وأميرها واقفا حق الوقوف على قدرة أوربة وشدة بأسها وتفوقها، فدعا إليه ضباط من أهل الغرب، فنظموا له جيشًا قويًا، ودربوه تدريبًا على الطراز الغربي، وجهزوه بمعدات الأسلحة الغربية، وكان غالب هذا الجيش مؤلفًا من المقاتلة الألبانيين الأشداء، فسرعان ما أجاب محمد علي نداء السلطان، فأيقن حينئذ أن الوهابيين على شدة غيرتهم الدينية وحماستهم لن يستطيعوا بعد الوقوف بوجه البنادق والمدافع الأوربية يطلق عيارها جنود مجربون، وما هي إلا مدة قصيرة حتى استردت الأماكن المقدسة الحجازية، ورد الوهابيون على أعقابهم فانقلبوا إلى الصحراء، فاختفت الإمبراطورية الوهابية الوليدة للحال اختفاء، وأرخى الستار على الدور السياسي الوهابي، بيد أن خاتمة هذا الدور السياسي كانت فاتحة الدور الديني، فقد ظلت نجد بؤرة تشتعل فيها نار الغيرة الدينية ومنبثق النور تنبعث منه الأشعة الوهاجة إلى كل ناحية من نواحي الأرض، وما فتئ الوهابيون منذ قضي على قوتهم السياسية يبثون روح الحركة الدينية في مئات الألوف من الحجيج الوافدين كل عام إلى مكة والمدينة من كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، فيقتبس هؤلاء نارًا وهابية، ثم يعودون إلى أوطانهم يشعلون بها ما استطاعوا إشعاله
في سبيل الإصلاح، وهكذا قد استطاع الوهابيون أن يبذروا بذورًا تلاها الاختمار الشديد للثورة الدينية في كل فج إسلامي، حتى بلغت دعوتهم الدينية أقصى المعمور، فقام في شمال الهند الزعيم الوهابي المغالي السيد أحمد([3]) مستنفرًا مسلمي بنجاب، وأنشأ وهابية، فكان هذا الزعيم يعد عدته لفتح سائر شمالي الهند، فحالت منيته بينه وبين ذلك، واضمحلت الدولة الوهابية الهندية سنة ألف وثمانمائة وثلاثين، غير أنه لما جاء الإنكليز يفتحون البلاد عانوا الأمرَّين من بقايا النار الوهابية الكامنة في الرماد، وظلت هذه النار مخبوءة إلى ما شاء الله، فكانت عاملًا من عوامل الثورة الهندية، ثم استطار من شررها ما تناول أفغانستان وسائر القبائل الهندية عند الحدود الشمالية والغربية فأشعلها أيما إشعال -إلى أن قال-: فالدعوة الوهابية إنما هي دعوة إصلاحية خالصة بحتة، غرضها إصلاح الخرق، ونسخ الشبهات، وإبطال الأوهام، ونقض التفاسير المختلفة والتعاليق المتضاربة التي وضعها أربابها في عصور الإسلام الوسطى، ودحض البدع، وعبادة الأولياء.
في العرب، وبينما كان ابن السعود سنة ألف وثمانمائة وأربعة عشرة يعد العدة لفتح سوريا، وهمَّته متينة، كان يخيل إلى العالم منه أن الوهابيين متدفقون على الشرق تدفقًا، وصانعون ما شاء الله من الإصلاح في الإسلام، غير أن ذلك ما قدر ليكون، فلما أيقن سلطان تركيا أنه لا يستطيع القضاء على الوهابيين استصرخ بطلا من مشاهير الأبطال وهو محمد علي، واستكفاه أمر القضاء عليهم، وكان هذا المقدام الألباني سيد مصر وأميرها واقفا حق الوقوف على قدرة أوربة وشدة بأسها وتفوقها، فدعا إليه ضباط من أهل الغرب، فنظموا له جيشًا قويًا، ودربوه تدريبًا على الطراز الغربي، وجهزوه بمعدات الأسلحة الغربية، وكان غالب هذا الجيش مؤلفًا من المقاتلة الألبانيين الأشداء، فسرعان ما أجاب محمد علي نداء السلطان، فأيقن حينئذ أن الوهابيين على شدة غيرتهم الدينية وحماستهم لن يستطيعوا بعد الوقوف بوجه البنادق والمدافع الأوربية يطلق عيارها جنود مجربون، وما هي إلا مدة قصيرة حتى استردت الأماكن المقدسة الحجازية، ورد الوهابيون على أعقابهم فانقلبوا إلى الصحراء، فاختفت الإمبراطورية الوهابية الوليدة للحال اختفاء، وأرخى الستار على الدور السياسي الوهابي، بيد أن خاتمة هذا الدور السياسي كانت فاتحة الدور الديني، فقد ظلت نجد بؤرة تشتعل فيها نار الغيرة الدينية ومنبثق النور تنبعث منه الأشعة الوهاجة إلى كل ناحية من نواحي الأرض، وما فتئ الوهابيون منذ قضي على قوتهم السياسية يبثون روح الحركة الدينية في مئات الألوف من الحجيج الوافدين كل عام إلى مكة والمدينة من كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، فيقتبس هؤلاء نارًا وهابية، ثم يعودون إلى أوطانهم يشعلون بها ما استطاعوا إشعاله
في سبيل الإصلاح، وهكذا قد استطاع الوهابيون أن يبذروا بذورًا تلاها الاختمار الشديد للثورة الدينية في كل فج إسلامي، حتى بلغت دعوتهم الدينية أقصى المعمور، فقام في شمال الهند الزعيم الوهابي المغالي السيد أحمد([3]) مستنفرًا مسلمي بنجاب، وأنشأ وهابية، فكان هذا الزعيم يعد عدته لفتح سائر شمالي الهند، فحالت منيته بينه وبين ذلك، واضمحلت الدولة الوهابية الهندية سنة ألف وثمانمائة وثلاثين، غير أنه لما جاء الإنكليز يفتحون البلاد عانوا الأمرَّين من بقايا النار الوهابية الكامنة في الرماد، وظلت هذه النار مخبوءة إلى ما شاء الله، فكانت عاملًا من عوامل الثورة الهندية، ثم استطار من شررها ما تناول أفغانستان وسائر القبائل الهندية عند الحدود الشمالية والغربية فأشعلها أيما إشعال -إلى أن قال-: فالدعوة الوهابية إنما هي دعوة إصلاحية خالصة بحتة، غرضها إصلاح الخرق، ونسخ الشبهات، وإبطال الأوهام، ونقض التفاسير المختلفة والتعاليق المتضاربة التي وضعها أربابها في عصور الإسلام الوسطى، ودحض البدع، وعبادة الأولياء.
وعلى الجملة هي الرجوع إلى الإسلام، والأخذ به على أوله وأصله ولبابه وجوهره؛
أي إنها الاستمساك بالوحدانية التي أوحى الله بها إلى صاحب الرسالة صافية ساذجة، والاهتداء
والائتمام بالقرآن المنزل مجردًا، وأما ما سوى ذلك فباطل وليس في شيء من الإسلام، ويقتضي
ذلك الاعتصام كل الاعتصام بأركان الدين وفروضه وقواعد الآداب؛ كالصلاة
والصوم وغير ذلك، والكون على السذاجة التامة في أحوال المعيشة، وتحريم اتخاذ الملابس الحريرية، والتأنق في الأطعمة وشرب الخمر والأفيون والتبغ -أي التتن- وغير ذلك مما بعضه من أسباب السرف، وبعضه الآخر من المضار المفسدة لسلامة العقل. انتهى ما يقتضي إيراده هنا مما كتبه ذلك الأجنبي عن الإسلام من الشهادة الصحيحة، والاعتراف بفضل نهضة الإصلاح الوهابية التي لم تحصر في قطر من أقطار الإسلام ولا شعب من شعوبه، بل عم أصل نفعها وهدايتها سائر الأقطار والشعوب الإسلامية.
والصوم وغير ذلك، والكون على السذاجة التامة في أحوال المعيشة، وتحريم اتخاذ الملابس الحريرية، والتأنق في الأطعمة وشرب الخمر والأفيون والتبغ -أي التتن- وغير ذلك مما بعضه من أسباب السرف، وبعضه الآخر من المضار المفسدة لسلامة العقل. انتهى ما يقتضي إيراده هنا مما كتبه ذلك الأجنبي عن الإسلام من الشهادة الصحيحة، والاعتراف بفضل نهضة الإصلاح الوهابية التي لم تحصر في قطر من أقطار الإسلام ولا شعب من شعوبه، بل عم أصل نفعها وهدايتها سائر الأقطار والشعوب الإسلامية.
فما أشبه ذلك
بأمر هرقل -قيصر الروم- وأبي سفيان القرشي، حين اطَّلع قيصر على كتاب النبي r الذي دعاه به إلى الإسلام، وجرت قصة محادثة
قيصر مع أبي سفيان، وقول قيصر لأبي سفيان: إن صدقت فسيملك محمد ما تحت قدمي، فيخرج
أبو سفيان وهو يقول: لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة، فقد أصبح يخافه ملك بني الأصفر،
فما أشبه الليلة بالبارحة، فقد اعترف بفضل الوهابية وإصلاح نهضتها أعداء الإسلام
من العلماء كما اعترف قيصر بصحة الرسالة، وأنكر فضل الوهابية أدعياء العلم من
المسلمين الجغرافيين كما جحد فضل الرسالة الأقربون من العرب، والفضل ما شهدت به
الأعداء. انتهى باختصار من كتاب (البراهين الإسلامية على إبطال المزاعم الراويّة).
ومقالات
علماء المسلمين وعقلاء أهل الكتاب وغيرهم في وصف هذه الدعوة وأهلها بما يشبه حال
الصدر الأول، واعترافهم بهدايتهم وأنهم على منهج السلف الصالح كثيرة جدًا، وفيما
ذكرناه هنا كفاية، ولله الحمد والمنة.
ولما كانت
هذه الدعوة العظيمة مؤسسة على العلم بالكتاب والسنة،
والسير على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، والغرض منها تجديد ما اندرس من أمور الإسلام، وإصلاح ما أفسده الناس من السنة النبوية، فقد أيدها الله تعالى بالجهابذة المحققين يجادلون من عارضها بالحجة والبرهان، وأيدها بالأبطال الشجعان يجالدون من عاندها بالسيف والسنان، فأصبح الإسلام بعد طول اغترابه ظاهرًا عزيزًا، وجعل الله للطائفة المنصورة بفضله ونعمته دولة عظيمة ذات شوكة قوية وبأس شديد بعد ما كانوا قليلًا غرباء مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره، ورزقهم من الطيبات لعلهم يشكرون.
والسير على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، والغرض منها تجديد ما اندرس من أمور الإسلام، وإصلاح ما أفسده الناس من السنة النبوية، فقد أيدها الله تعالى بالجهابذة المحققين يجادلون من عارضها بالحجة والبرهان، وأيدها بالأبطال الشجعان يجالدون من عاندها بالسيف والسنان، فأصبح الإسلام بعد طول اغترابه ظاهرًا عزيزًا، وجعل الله للطائفة المنصورة بفضله ونعمته دولة عظيمة ذات شوكة قوية وبأس شديد بعد ما كانوا قليلًا غرباء مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره، ورزقهم من الطيبات لعلهم يشكرون.
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا
فيه كما يحب ربنا ويرضي، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وقد قال الله تعالى: }وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [النور: 55]، وقال تعالى: }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ{ [محمد: 7]، وقال تعالى: }وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ{ [الحج: 40-41]، وقد جعل الله لأهل هذه الدعوة المباركة نصيبا وافرًا
مما وعد به في هذه الآيات، والله المسؤول أن لا يغير ذلك عليهم إنه جواد كريم.
وما أحسن
ما قاله قتادة عن حال أول هذه الأمة: إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله أنكر
ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاق بهم إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها
ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها
نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل
ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.
قلت: وهكذا
كان الأمر في ابتداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه سواء بسواء،
فإنه لما دعا الناس إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده، وتجريد
المتابعة للرسول r، والسير
على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وترك ما أحدث
الخلوف من البدع والتقاليد المخالفة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها،
أنكر ذلك المشركون وأهل البدع وكبر عليهم وضاقوا به ذرعًا، فأبى الله إلا أن يمضي
هذه الدعوة ويظهرها ويفلجها وينصرها على من ناوأها كما قال تعالى في كتابه العزيز:
}وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ {.
وقد قال
الإمام أحمد t
في خطبة كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة
من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون
بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم
من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن
كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.
وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذه الخطبة تلقاها الإمام أحمد رحمه الله
تعالى عن عمر بن الخطاب t، وقد ذكرها محمد بن وضاح في أول كتابه في الحوادث والبدع فقال:
حدثنا أسد، حدثنا رجل يقال له يوسف ثقة، عن أبي عبد الله الواسطي، رفعه إلى عمر بن
الخطاب t أنه قال: الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من
الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون
بكتاب الله الموتى، ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وتائه
ضال قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس،
وما أقبح أثر الناس عليهم، وما نسيهم ربك وما كان ربك نسيًا، جعل قصصهم هدى، وأخبر
عن حسن مقالاتهم،
فلا تقصر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة.
وقد روي عن
النبي r
أنه قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال
المبطلين، وتأويل الجاهلين».
وقد رُوي
هذا الحديث من طرق متعددة، عن جماعة من الصحابة؛ منهم علي، ومعاذ، وابن عمر، وأسامة
بن زيد، وعبد الله بن مسعود،
وأبو أمامة الباهلي، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
وأبو أمامة الباهلي، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
ورواه
الدارقطني وغيره من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرسلًا.
([1]) جاء في اللحق بين السطرين في هذا
الموضع [وروى الإمام أحمد]، ويستقيم الكلام إذا قيل: وروى الإمام أحمد، وأبو داود
في سننه، والحاكم في مستدركه.. إلخ. على المعهود من سياق الوالد رحمه الله تعالى.
([2]) جاء لحقًا بين السطرين (رواه أحمد).
([3]) هو أحد أمراء إقليم البنجاب بالهند،
وقد اعتنق الإسلام وحج عام 1231 هـ الموافق 1816م، والتقى بعلماء الدعوة الإصلاحية
السلفية بمكة وتأثر بهم، فلا يقع اللبس بداعية الإلحاد والضلالة ميرزا غلام أحمد
القادياني، فذاك إنما كان بعده بزمن، فقد ولد عام 1265هـ الموافق 1849م.
لتحميل الكتاب كاملا بصيغة بي دي اف من الرابط اسفل المقال