-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب خطوات إلى السعادة PDF برابط ميديا فير




السعادة
السعادة جنة الأحلام ومنتهى الآمال، كل البشر ينشدها، وقليل من يدركها، ومع اختلاف العباد ومعايشهم وتباين وسائلهم وغاياتهم وتنوع لغاتهم وأجناسهم، ومع افتراق مشاربهم وطموحاتهم، إلا أنهم متفقون على طلب السعادة، لتوجعهم من مكابدة الحياة وآلامها، لطمعهم في حياة سعيدة هنيئة لا أحزان فيها ولا هموم، ونوال السعادة منحة من الرحمن يهبها لمن يشاء من عباده، فمنهم من ينعم في جناها، ومنهم من يحرمها ويعيش في أمانيها، والموفق من هدي إليها فسلكها وخطى إليها وعمل لها وجانب ما يضادها مما يجلب له الشقاء.
* أين أجد السعادة؟
ظن بعض الناس أن السعادة في المال والثراء، ومنهم من توهمها في المنصب والجاه، ومنهم من طلبها في تحقيق الأماني المحرمة، والخلق في سعي حثيث لنيلها، وفي جد وتشمير لتحصيلها، فمن مدرك لها ومن محروم منها، ومن بائس شقي توهم السعادة على غير حقيقتها، فآثر دنياه على دينه، وهواه على آخرته، فجنى الوهم والهم وكابد المعيشة وقاسى الأحزان.
والسعادة لن تُنال إلا بتقوى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله r، وبالبعد عن المعاصي والسيئات، قال سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [الأحزاب: 70-71].
قال شيخ الإسلام: "الإيمان بالله ورسوله هو جماع السعادة وأصلها" ([1]) فالحياة وما فيها من متاع لا سعادة فيها بلا تقوى.
قال الشاعر:
ولست أرى السعادة جمع مال





ولكن التقي هو السعيد

فتقوى الله خير الزاد ذخراً





وعند الله للأتقياء مزيد

* طريق السعادة:
لا سبيل إلى السعادة إلا بطاعة الله، ومن أكثر من الأعمال الصالحة واجتنب الذنوب والخطايا عاش سعيداً وكان من ربه قريباً، قال سبحانه: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{ [النحل: 97].
قال ابن كثير: "الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"([2]) والسعادة تزهو إذا حقق العبد توحيد ربه، وعلق قلبه بخالقه، وفوض جميع أموره إليه. قال ابن القيم: "التوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة، والفرح والابتهاج"([3]).
والسعادة يكتمل عقدها بالإحسان إلى الخلق مع ملازمة طاعة الله. قال شيخ الإسلام: "والسعادة في معاملة الخلق: أن تعاملهم لله فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم وتكف عن ظلمهم خوفاً من الله لا منهم"([4]).
ومن ذاق طعم الإيمان ذاق حلاوة السعادة، وعاش منشرح الصدر مطمئن القلب ساكن الجوارح. قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني"([5]).
* المحروم من السعادة:
الشقاء في اتباع الهوى باقتراف المعاصي والسيئات، ولذات الدنيا المحرمة مشوبة بالمضار، وهي سبب الشقاء في الدنيا والآخرة قال سبحانه: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا{ [طه: 124]. أي في شدة وضيق.
قال شيخ الإسلام: "كل شر في العالم مختص بالعبد، فسببه: مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة"([6]).
والفرار من الشقاء إلى السعادة يكون بالتوبة والإنابة إلى الله. قال ابن القيم: "ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار"([7]) فاطرق أبواب التوبة وأوصد أبواب المعاصي لتذوق طعم السعادة، فعافية القلب في ترك الآثام والذنوب على القلب منزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته، ومن انتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة أغناه الله بلا مال وآنسه بلا صاحب والشقي من أعرض عن طاعة مولاه، واقترف ما حرم الله.
* كيف أعرف أني سعيد؟
من جمع ثلاثة كان سعيداً حقاً: الشكر على النعم، والصبر على الابتلاء، والاستغفار من الذنوب.
قال ابن القيم: "إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، ولا ينفك عبد عنها أبداً"([8]).
وإذا أطرقت ملياً تُحاسب نفسك على تقصيرها، وتعظم زلاتها، وتخشى من هفواتها خوفاً من بارئها، وتتغافل عما قدمت من محاسن بين يديها طمعاً في ثواب خالقها، فتلك أمارة على نفس تطلب حياة سعيدة. قال ابن القيم: "علامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره، وسيئاته نصب عينيه، وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه، وسيئاته خلف ظهره"([9]).
فالسعيد من اتقى خالقه وحسنت معاملته مع الخلق، وشكر النعم واستعملها في طاعته، وتلقى البلاء بالصبر والاحتساب، وشرح الفؤاد يقيناً منه بأن الله يطهره بذلك ويرفع درجاته واستغفر ربه عن الخطايا وندم على الأوزار.



* * *


الإخلاص لله طريق السعادة
غنى العبد بطاعة ربه والإقبال عليه، وإخلاص الأعمال لله أصل الدين وتاج العمل، وهو عنوان الوقار، وسمو الهمة، ورجحان العقل، وطريق السعادة، ولا يتم أمر ولا تحصل بركة إلا بصلاح القصد والنية، وقد أمر الله نبيه محمداً r بالإخلاص في أكثر من آية، فقال له: }فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ{ [الزمر: 2] وقال له: }قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ{ [الزمر: 11] وقال: }قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي{ [الزمر: 14]، فصلاح العمل من صلاح النية، وصلاح النية من صلاح القلب.
وأصل قبول الأعمال عند الله الإخلاص مع المتابعة يقول ابن مسعود t: "لا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة".
والإخلاص عزيز في جانب العبادات يقول ابن الجوزي ([10]): "ما أقل من يعمل لله تعالى خالصاً؛ لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم".
ويقول ابن رجب ([11]): "الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة".
وقد افتتح بعض العلماء كالإمام البخاري في صحيحه، والمقدسي في "عمدة الأحكام" والبغوي في "شرح السنة" و"مصابيح السنة"، والنووي في "الأربعين النووية"ـ مصنفاتهم بحديث: « إنما الأعمال بالنيات » إشارة منهم إلى أهمية الإخلاص في الأعمال. وسفيان الثوري يقول: "ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي، لأنها تتقلب علي" والعمل من غير نية خالصة لوجه الله طاقة مهدرة، وجهد مبعثر، وهو مردود على صاحبه، والله تعالى غني حميد لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له سبحانه. يقول أبو أمامة الباهلي t: "جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله r لا شيء له. فأعادها عليه ثلاث مرات ورسول الله r يقول له: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجه الله" (رواه أبو داود والنسائي).
ويقول عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل: « أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه » (رواه مسلم).
* الواجب في الإسلام الإخلاص مع كثرة العمل:
العبرة في الإسلام ليست بكثرة العمل فحسب، إنما الواجب صحة الإخلاص لله وكثرة العمل الموافق لسنة المصطفى r، وقد جمع ربنا ذلك في قوله تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{ [البينة: 5] فجمعت هذه الآية الإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
والعمل ـ وإن كان كثيراً ـ مع فقد صحة المعتقد يورد صاحبه النار قال سبحانه: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ [الفرقان: 23].
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{ [الملك: 2] قال: "أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة".
* ما هي الأعمال التي أخلص فيها الله؟
بعض الناس يظن أن الإخلاص إنما هو فقط في الصلاة وقراءة القرآن وأعمال العبادات الظاهرة كالدعوة إلى الله والإنفاق، وهذا غير صحيح، فالإخلاص واجب في جميع العبادات حتى زيارة الجار وصلة الرحم وبر الوالدين، فهذه مطلوب فيها الإخلاص، وهي من أجل العبادات، وكل فعل يحبه الله ويرضاه واجب فيه إخلاص النية مهما كان العمل، حتى في جانب المعاملات كالصدق في البيع والشراء وحسن معاملة الزوجة والاحتساب في إصلاح الأولاد وغيرها، يقول النبي r: « ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في في امرأتك » (متفق عليه).
فكل أمر يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة فهو عبادة، وواجب فيها الإخلاص وإن دق العمل.
* ما هو الإخلاص؟
ضابط الإخلاص: أن تكون نيتك في هذا العمل لله لا تريد بها غير الله، لا رياء ولا سمعة ولا رفعة ولا تزلُّفاً عند أحد، ولا تترقب من الناس مدحاً ولا تخشى منهم قدحاً، فإذا كانت نيتك لله وحده ولم تزين عملك من أجل البشر فأنت مخلص، يقول الفضيل بن عياض: "العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
فأخلص جميع أعمالك له سبحانه ولا تتطلع لأحد، وأدخل نفسك في قوله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162-163].
*أثر الإخلاص:
إذا قوي الإخلاص لله وحده في الأعمال ارتفع صاحبه إلى أعالي الدرجات، يقول أبو بكر بن عياش: "ما سبقنا أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، ولكنه الإيمان وقر في قلبه والنصح لخلقه".
وفي هذا يقول عبد الله بن المبارك: "رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية" وبالعمل القليل مع الإخلاص يتضاعف الثواب، يقول النبي r: « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ([12]) حتى تكون مثل الجبل العظيم » (متفق عليه).
قال ابن كثير ([13]): في قوله تعالى: }وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [البقرة: 261] قال أي بحسب إخلاصه في عمله.
وإذا قوي الإخلاص وعظمت النية وأخفي العمل الصالح مما يشرع فيه الإخفاء، قَرُب العبد من ربه، وأظله تحت ظل عرشه، يقول النبي r: « سبعة يظلهم الله في ظله... وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ». (متفق عليه).
* بركة العمل في الإخلاص وإن قل العمل:
إذا أخلص العبد النية وعمل عملاً صالحاً ولو يسيراً فإن الله يتقبله ويضاعفه.
يقول النبي r: « لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين» (رواه مسلم).
وفي رواية: « مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة».
فبإخلاصه مع يسر العمل أدخله الله الجنة برحمته.
وتأمل في المرأة البَغيَّ التي عملت أعمالاً قبيحة، ثم عملت عملاً يسيراً في أعين البشر، وهو سقاية كلب، وليس إنساناً، فغفر الله لها بذلك العمل اليسير مع سوء عملها من البغي، يقول النبي r: « بينما كلب يطيف([14]) بركية([15]) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها ([16]) فاستقت له به فسقته، فغفر الله لها به » (متفق عليه).
* بالنية الصادقة تنال ثواب العمل وإن لم تعمل:
الكرم من صفات رب العالمين، والعبد إذا أحسن القصد ولم تتهيأ له أسباب عمل الصالحات، فإنه يؤجر على ذلك الفعل وإن لم يعمله كرماً من الله وفضلاً، يقول جابر بن عبد الله t: كنا مع النبي r في غزاة فقال: « إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حسبهم المرض » وفي رواية: « إلا شركوكم في الأجر » رواه مسلم. ورواه البخاري عن أنس قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي r فقال: « إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر ».
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام عن الرجل الذي لا مال عنده وينوي الصدقة ويقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، قال عنه النبي r: « فهو بنيته فأجرهما سواء ». (رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح).
وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس t عن النبي r فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: « إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ».
فالمسلم يجعل نيته في كل خير قائمة، يقول عمر بن الخطاب t: "أفضل الأعمال صدق النية فيما عند الله". ومن سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته، فإن الله يأجر العبد إذا حسنت نيته حتى باللقمة. يقول النبي r: « ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجر عليها حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك» (متفق عليه).
يقول زبيد اليامي: "انو في كل شيء تريد الخير حتى خروجك إلى الكناسة". ويقول داود الطائي: "رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية". وكان السلف الصالح يحثون على حسن النية في كل أمر صالح، يقول يحيى بن كثير: "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل".
* ثمرات الإخلاص:
العمل الصالح لا يقبل إلا بالإخلاص، وبدون إخلاص يرد العمل ولو كثر، والإخلاص مانع بإذن الله من تسلط الشيطان على العبد قال سبحانه عن إبليس: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [ص: 82-83].
والمخلص محفوظ بحفظ الله من العصيان والمكاره، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام: }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ [يوسف: 24] وبالإخلاص رفعة الدرجات وطرق أبواب الخيرات، يقول النبي r: « إنك لن تختلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله ازددت به درجة ورفعة» (متفق عليه).
في الإخلاص طمأنينة القلب وشعور بالسعادة وراحة من ذل الخلق. يقول الفضيل بن عياض: "من عرف الناس استراح" إذا عرف أنهم لا ينفعونه ولا يضرونه استراح من الناس.
* كيف أكون مخلصاً لله في جميع أعمالي؟
الشيطان يتعرض للإنسان ليفسد عليه أعماله الصالحة، ولا يزال المؤمن في جهاد مع عدوه إبليس حتى يلقى ربه على الإيمان بربه وإخلاص جميع أعماله له وحده، ومن أهم عوامل الإخلاص:
1- الدعاء:
الهداية بيد الله والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالجأ إلى من بيده الهداية وأظهر إليه حاجتك وفقرك، واسأله دوماً الإخلاص وقد كان أكثر دعاء عمر بن الخطاب t: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً".
2- إخفاء العمل:
كلما استتر العمل مما يشرع فيه الإخفاء كان أرجى للقبول وأعز في الإخلاص، والمخلص الصادق يحب إخفاء حسناته كما يحب أن يخفي سيئاته، لقوله عليه الصلاة والسلام: « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذا منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه». (متفق عليه).
يقول بشر بن الحارث: "لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة". وقد فضلت نافلة صلاة الليل على نافلة النهار واستغفار السحر على غيره، لأن ذلك أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص.
3- النظر إلى أعمال الصالحين ممن هم فوقك:
في أعمالك الصالحة لا تنظر إلى أعمال رجال زمانك ممن هم دونك في المسابقة إلى الخيرات، وتطلع دائماً إلى الاقتداء بالأنبياء والصالحين يقول سبحانه: }أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ{ [الأنعام: 90]. واقرأ سير الصالحين من العلماء والعباد والنبلاء والزهاد، فهو أرجى لزيادة الإيمان في القلب.
4- احتقار العمل:
آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه بعين الرضا فقد أهلكها، ومن نظر إلى عمله بعين العجب قلَّ معه الإخلاص، أو نزع منه أو حبط العمل الصالح بعد العمل، يقول سعيد بن جبير: "دخل رجل الجنة بمعصية، دخل رجل النار بحسنة، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: عمل رجل معصية فما زال خائفاً من عقاب الله من تلك الخطيئة فلقي الله فغفر له من خوفه منه تعالى، وعمل رجل حسنة فما زال معجباً بها ولقي الله بها فأدخله النار".
5- الخوف من عدم قبول العمل:
كل عمل صالح تفعله احتقره وإذا عملته كن خائفاً من عدم قبوله. ولقد كان من دعاء السلف: "اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه" ومن حفظه عدم العجب والفخر به، بل يبقى الخوف من عدم قبوله معلقاً، يقول سبحانه: }وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{ [النحل: 92].
وروى الإمام أحمد والترمذي أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله، }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{ [المؤمنون: 60] هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: « لا يا بنت أبي بكر الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم خائفون ألا يتقبل منهم ».
قال ابن كثير في تفسير ([17]) قوله تعالى: }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا... { [المؤمنون: 60]: "أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء".
والإخلاص يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناءه وبعده.
6- عدم التأثر بكلام الناس:
الرجل الموفق هو الذي لا يتأثر بمدح الناس فإذا أثنوا عليه خيراً إن فعل طاعة لم يزده ذلك إلى تواضعاً وخشية من الله، وأيقن بأن مدح الناس له فتنة، فدعا ربه أن ينجيه من هذه الفتنة، فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله، وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع لك ودفع الضر عنك، يقول ابن الجوزي ([18]): "ترك النظر إلى الخلق ومحو الجاه من قلوبهم بالعمل وإخلاص القصد وستر الحال هو الذي رفع من رفع".
7- استصحاب أن الناس لا يملكون جنة ولا ناراً:
إذا شعر العبد بأن الذين يرائي لهم سوف يقفون معه في المحشر خائفين عارين أدرك أن صرف النية لهم في غير محله حيث لم يخففوا عنه وطأة المحشر، بل هم معه في ذلك الضنك، فإذا عملت ذلك علمت أن إخلاص العمل حقه أن لا يصرف إلا لمن يملك جنة وناراً.
فعلى المؤمن أن يوقن بأن البشر لا يملكون جنة يقدمونك إليها، ولا قدرة لهم على إخراجك من النار لو طلبت منهم إخراجك منها، بل لو اجتمعت البشر كلهم من آدم إلى آخرهم، ووقفوا خلفك، لما استطاعوا أن يقدموك إلى الجنة ولو بخطوة واحدة، إذاً لماذا ترائي البشر وهم لا يملكون لك شيئاً؟ قال ابن رجب ([19]): "من صام وصلى وذكر الله، ويقصد بذلك عرض الدنيا، فإنه لا خير له فيه بالكلية، لأنه لا نفع في ذلك لصاحبه، لما يترتب عليه من الإثم فيه ولا لغيره". أي ولا نفع فيه أيضاً لغيره.
ثم إن الذين تُزين عملك لهم من أجل أن يمدحوك لن تحصل مرادك منهم، بل إنهم سوف يذمونك، وتفضح عندهم، ويلقى في قلوبهم بغضك، يقول عليه الصلاة والسلام: « من يرائي الله به » رواه مسلم. أما إذا أخلصت لله أحبك الله الخلق، قال سبحانه: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا{ [مريم: 96]أي محبة.
8- تذكر أنك في القبر بمفردك:
النفوس تصل بتذكر مصيرها، وإذا أيقن العبد أنه يوسَّد اللحد منفرداً بلا أنيس، وأنه لا ينفعه سوى العمل الصالح، وأن جميع البشر لن يرفعوا عنه شيئاً من عذاب القبر، وأن الأمر كله بيد الله، حين ذاك يوقن العبد أنه لا ينجيه إلا إخلاص العمل لخالقه وحده جل وعلا. يقول ابن القيم ([20]): "صدق التأهب للقاء الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته، فإن من استعد للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها".



هل الرياء يدخل على الصالحين؟
مداخل الشيطان على العبد عديدة ويلبس كل صنف لبوسهم فيؤُزُّ التجار إلى أكل الربا، ويزين للنساء أمور الزينة المحرمة، ويدخل على الصالحين من باب الرياء. قال الطيبي عن الرياء: "وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة". وهو من أخفى الأبواب وأضرها على العبد. قال في تيسير العزيز الحميد ([21]): "الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال". اهـ. والنبي r كان يخافه على أصحابه ويقول لهم: « ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى، قال الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر الرجل » (رواه أحمد). والصالح إذا كان يرائي بعمله يعذب في الآخرة قبل غيره، يقول عليه الصلاة والسلام: « أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمَّه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار » (رواه مسلم).
فتأمل هذا الحديث فإن أول الناس يقضى فيهم يوم القيامة المجاهد والمتعلم والمتصدق إذا فسدت نياتهم، ويسحبون على وجوههم في النار مع أن العمل الذي عملوه من أجل الأعمال عند الله ولكن جنوح النية عن الإخلاص أرداهم في الهاوية.
* ليس هذا من الرياء:
من عمل عملاً صالحاً خالصاً لوجه الله، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين وهو لم يترقب ذلك ففرح بفضل الله واستبشر بذلك، فإن هذا لا يضره وليس هذا من الرياء. يقول أبو ذر t سئل النبي r عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: « تلك عاجل بشرى المؤمن » رواه مسلم. أما من عمل عملاً صالحاً وزيَّنه من أجل أن يمدحه الناس عليه فهذا هو الرياء.
* عقاب المرائي:
ضاعت آمال المرائي وخاب سعيه وعُومل بنقيض قصده وعوقب بعقوبتين: عقوبة في الدنيا وعقاب في الآخرة.


* عقوبته في الدنيا:
في الدنيا يفضح الله المرائي ويهتك ستره ويظهر خباياه، يقول النبي r: « من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يراء الله به ». رواه مسلم. قال الخطابي: معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه. حتى وإن أخفى المرائي كوامن النفس وخفايا الصدور فإن الله يعلنها، يقول عليه الصلاة والسلام: « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ». (رواه البخاري).
* عقابه في الآخرة:
المرائي في الآخرة متوعد بنار جهنم قال جل وعلا: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [هود: 15 و 16].
ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: « أول الناس يقضى يوم القيامة عليه... وذكر منهم: الشهيد، وقارئ القرآن، والمتصدق، ـ الذين كانت أعمالهم لغير الله ـ فيقال له كذبت ولكنك فعلت ليقال كذا فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ». فالمرائي في الدنيا مفضوح وفي الآخرة معذب.


طلب الدنيا بالدين
الدين أعز من أن يُدنس بوحل الدنيا، وعمل البر لا يقوم على سوقه إلا بالإخلاص، ومن صرف أعمال الآخرة لمقصد دنيوي عوقب به، يقول النبي r: « من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة » يعني ريحها. رواه أحمد وأبو داود. والعمل الصالح وإن كان كثيراً مع فساد النية يورد صاحبه المهالك، فقد أخبر الله عن المنافقين أنهم يصلون وينفقون ويقاتلون، وأخبر النبي r عنهم أنهم يتلون كتاب الله في قوله عليه الصلاة والسلام: « ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ». متفق عليه. ولفقد صدقهم في إخلاصهم قال الله عنهم: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{ [النساء: 145] وأول من تسعر بهم النار قارئ القرآن والمجاهد والمتصدق بماله الذين لم تكن أعمالهم خالصة له، وإنما فعلوا ذلك ليقال فلان قارئ، وفلان جريء وفلان متصدق.
فابتغ بقولك وفعلك ما عند الله فإنه يبقى وما سواه يفنى.
وإذا عمل العبد عملاً أظهر منه قصد الخير ونيته في ذلك تحيل مقصد دنيوي فهذا ضرب من النفاق العملي. قال ابن رجب ([22]): "ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملاً ويظهر أنه قصد به الخير، وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سيء فيتم له ذلك، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه، ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهر، وتوصل به إلى غرضه السيء الذي أبطنه وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود".
ومن أحب المدح بما لم يفعل فهو متوعد بالنار قال جل وعلا: }لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [آل عمران: 188].

منزلة التوكل
التوكل منزلة عالية من منازل الدين قرنه الله بالعبادة في قوله: }فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ{ [هود: 123]. وجعله سبباً لنيل محبته فقال: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{ [آل عمران: 159]. في التوكل رضا الرحمن ومنعة من الشيطان والرسل عليهم السلام هم أئمة المتوكلين فالخليل قال: }رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{ [الممتحنة: 4]. وشعيب عليه السلام قال: }وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [هود: 88]. ومن حقق التوكل دخل الجنة بغير حساب. وأمور الدنيا وزينتها قد يدرك منها المتواني ما يفوت المثابر، ويصيب منها العاجز ما يخطئ الحازم، ولا يقدم في ذلك إلا التوكل على الله. ولما سئل الإمام أحمد عن التوكل قال: "هو قطع الاستشراف باليأس من الخلق" والتعلق بالأسباب لا يجدي في تحقيق المطلوب.
* فعل الأسباب لا ينافي التوكل:
الالتفات إلى الأسباب نقص في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب التي أمر بها قدح في الشرع، وعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله لا على الأسباب.
وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب واعتقاد أنها بيده، فإن شاء منع اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه. والموحد المتوكل لا يطمئن إلى الأسباب ولا يرجوها كما أنه لا يهملها أو يبطلها بل يكون قائماً بها ناظراً إلى مسببها سبحانه ومجريها. وعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله المقدورات بها، فإن الله أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، والناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يجهدون أنفسهم في الأسباب ومن تعلقت نفس بالله وأنزل به حوائجه، والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه، كفاه كل سؤله ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى علمه وعقله وتمائمه، واعتمد على حوله وقوته، وكله الله إلى ذلك وخذله. ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح وهو نوع من الطلب والسعي، ولكنه سعي يسير. قال في تيسير العزيز الحميد ([23]): "وهذا معروف بالنصوص والتجارب".
* ثمرات التوكل على الله:
في التوكل على راحة البال، واستقرار في الحال، ودفع كيد الأشرار، وهو من أقوى الأسباب التي يدع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم، وبالتوكل تستغني النفس عما في أيدي الناس، يقول شيخ الإسلام ([24]): "وما رجا أحد مخلوقاً أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه"، ومن فوض أمره إلى مولاه حاز مناه، وزكريا بلغ من الكبر عتياً ثم وُهب سيداً من فضلاء البشر وأنبيائهم وإبراهيم بشر بولد وامرأته تقول بعد يأس من حالها: }قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ{ [هود: 72]. وترك الخليل هاجر وابنه إسماعيل بواد لا زرع فيه ولا ماء فإذا هو نبي يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وما ضاع يونس مجرداً في العراء. يقول الفضيل بن عياض: "لو يئست من الخلق لا تريد منهم شيئاً لأعطاك مولاك كل ما تريد".
فألق كنفك بين يدي الباري، وعلق رجاءك به، وسلم الأمر للرحيم، واقطع العلائق عن الخلائق، ولا ترج إلا الله، وإذا قوي التوكل والرجاء، وجمع القلب في الدعاء لم يرد النداء، }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ{ [النمل: 62]، والجأ إلى الله بقلب خاشع ذليل يفتح لك الباب.

طلب الرزق
السعي في طلب الرزق هم كثير من الخلق، فالصغير ينشده والكبير يطلبه، وأكثر هموم الحياة وأحاديثها وأحداثها تدور في فلكه، والمؤمن الحاذق من يفوض أمر الرزق إلى الرازق.
فالرزق ما كان لك منه أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه بوقتك، فلا تضيع زمانك بهمك بما ضمن لك من الرزق، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً، قال سبحانه: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [هود: 6].
قال بعض السلف: "توكل تُسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف". وعلى العبد أن يقنع بما أعطاه الله من الرزق، يقول عمر بن عبد العزيز: "بين العبد وبين رزقه حجاب فإن قنع ورضيت نفسه أتاه رزقه، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يزد فوق رزقه".
ومن نظر إلى من دونه في الدنيا امتلأ قلبه غنى من الحياة يقول النبي r: «انظروا إلى ن هو دونكم في الدنيا وانظروا إلى من فوقكم في الدين». (رواه البخاري).
فكن متوكلاً على الله في طلب الرزق بقلبك، ساعياً له بجوارحك مع الاعتماد على الخلاق الكريم، وإياك والحرص على تحقيق أملك من الحياة، فإن ذلك قد يخرجك من طور التوكل، فتحرص على تحقيق المرام، وتعتمد على الأسباب دون التفويض بالقلب، والله عز وجل إذا أغلق عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده.

حسن الظن بالله
التفاؤل حسن ظن بالله، والنبي r كان يعجبه ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: «يعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الطيبة». (متفق عليه).
والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال، والتشاؤم سوء ظن بالله، وإذا زاد إيمان العبد حسن ظنه بربه، وإذا نقص إيمانه بربه ساءت ظنونه بخالقه، فمن ظن أن الله لا ينصر عباده الموحدين، ولا يُعليهم، أو أن الله لا يظهر دينه، أو ظن أنه ينال ما عند الله بمعصيته ومخالفته كما يناله بطاعته والتقرب إليه، أو ظن أنه إذا ترك شيئاً من أجله لم يعوضه الله خيراً منه، أو ظن أن من فعل شيئاًَ لأجله لم يعطه أفضل منه، أو ظن أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه، وسأله، واستعان به، وتوكل عليه، أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، أو ظن أن الكرم طريق إلى الفقر، أو ظن المتصدق أن المال ينقص بالصدقة، أو ظن أن الله لا يخلف عن صدقته مالاً، أو ظن أن التمسك بهذا الدين لا يعلي شأن صاحبه فمن ظن شيئاً من ذلك، فقد ظن بالله ظن السوء، ووقع فيما نهى الله عنه. وإنما كان هذا ظن سوء بالله لأنه ظن بالله غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجماله وكماله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته تأبى ذلك. وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته. وعرف موجب حكمته وحمده. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ([25]): "لا يسلم من ذلك إلا من عرف الأسماء والصفات وعرف نفسه". قال ابن القيم ([26]): "فأكثر الخلق، بل وكلهم إلا من شاء الله، يظنون بالله غير الحق، وظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه، ولسان حاله يقول ظلمني ربي ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامناً كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت ينبك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتباً على القدر وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك؟
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة





وإلا فإني لا إخالك ناجياً

فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى ويستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر". فيجب على المسلم أن لا يظن بربه ظن السوء، وأن يحسن ظنه بربه في كل شأنه. في الحديث القدسي قال الله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي» (متفق عليه).

بر الوالدين
جعل الله الوالدين موئل السعادة، وروضة العطف والحنان، فحقهما عظيم، ومعروفهما لا يجازى، وجميلهما يربو على كل جميل من الخلق، وليس في الناس أعظم إحساناً ولا أكثر فضلاً من الوالدين. بر الوالدين خلق الأنبياء ودأب الصالحين، وسبب تفريج الكربات وتنزل البركات وإجابة الدعوات، به ينشرح الصدر وتطيب الحياة، قال تعالى في وصف نبيه يحيى عليه السلام: }وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا{ [مريم: 14]. ويقول عن عيسى عليه السلام: }وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا{ [مريم: 32]. ومن كان باراً بوالديه كان سعيداً متواضعاً.
بر الوالدين من شيم الكرام ودليل الفضل والكمال، وهو طريق إلى الجنة، يقول النبي r: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه». (رواه الترمذي وصححه).
حقهما واجب بعد حق الله تعالى }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{ [النساء: 36].
برهما عمل محبب إلى الله وأفضل من الجهاد في سبيل الله قول ابن مسعود t: سألت النبي r أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه).
برهما سلوك لطريق الجنة يقول النبي r: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة» (رواه مسلم).

صلة الأرحام
من أجل القربات عند الله وأفضل الطاعات صلة الرحم، ومن فضل الله وكرمه أن جعل صلة الرحم بركة في الوقت وزيادة في رزق العبد، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» متفق عليه. وواجب على المسلم أن يكون واصلاً ومواصلاً لرحمه، ومن الأفضل أن يحدد يوماً معلوماً في الأسبوع لزيارة أقاربه ويتبادل معهم أطراف الأحاديث، فإن في ذلك سلامة للقلب، وصلة الرحم لا تشغل عن طلب العلم أو الدعوة أو نفع الناس، فزيارتهم هي بركة العمر ومن أراد زيادة بركة حياته فليكثر من صلة رحمه. قال ابن التين: "صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق في الطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى الذكر الجميل فكأنه لم يمت".
والمسلم لا يستكثر ذلك عليهم، فرحم الإنسان هم أولى الناس في الرعاية وأحقهم بالعناية وأجدرهم بالإكرام والحماية، يقول جل وعلا: }وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [الأنفال: 75].
«والرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته» (متفق عليه).
صلة الرحم توفيق في الحياة وإثراء للمال، يكتب الله بها العزة، وصلتهم عبادة جليلة من أفضل العبادات، يقول عمرو بن دينار: "ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجراً من خطوة إلى ذي الرحم"، وقريبك قطعة منك إن أحسنت إليه فإنما تحسن إلى شخصك، وإن بخلت عليه فإنما تبخل عن نفسك، والله خلق الرحم وشق لها اسماً من اسمه، ووعد ربنا بوصل من وصلها "أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال فذاك لك" (متفق عليه). وصلة الرحم تدفع بإذن الله نوائب الدهر، وترفع بأمر الله عن المرء البلايا، ومن وصله الرحيم وصله كل خير، ولم يقطعه أحد، ومن تره الجبار لم يصله بشر وعاش في كمد.
* كيف أصل رحمي؟
الرحم توصل بمعاهدتهم بالزيارة، بإكرام كريمهم، وعيادة سقيمهم، والتيسير على معسرهم، وتفقد أحوالهم.
وفي الوسائل الحديثة عون على الطاعة بأداء هذه العبادة، ففي الهاتف امتداد جسر العطف والمحبة، وفي المراسلة بقاء الود، وفي تبليغ السلام تجديد العهد. وكل وسيلة مباحة لتقوية أوَّار ذوي القربى اغتنمها في أداء تلك العبادة. ودعوة أقاربك وتوجيههم وإرشادهم ونصحهم ألزم من غيرهم قال سبحانه: }وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{ [الشعراء: 214].
* أقاربي يسيئون إلي:
الأقارب ليسوا سواء في الصلة والمودة والرحمة، وصلة الأرحام عبادة عظيمة لا تفعل لفعل الناس لها، ولا تترك لترك الأرحام لها، بل المسلم واصل لرحمه ولو قطعوه أداء للعبادة، يصلهم لا مكافأة وإنما تعبداً لله جل وعلا، يقول عليه الصلاة والسلام: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» (رواه البخاري).
وأقارب النبي r المشركون آذوه أذية شديدة، ومع ذلك كان يصلهم ويقول: «غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها» رواه مسلم، والله عز وجل يقول له مع محاربتهم له: }قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{ [الشورى: 23].
وإذا أساء إليك القريب فأحسن إليه، وهذا هو الدواء الشرعي فالمسيء تقابل سيئته بالحسنة، وفي هذا الصنيع علو ورفعة عند الله، وعزة عند خلقه بإلجام النفس عن قبائحها، يقول عز وجل: }ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ{ [المؤمنون: 96].
ولا يوفق لهذه الخلة إلا من أرخص نفسه في جنب الله. وثمة خير آخر من الإحسان إليهم مقابل إساءتهم وهو كظم الغيظ، وذلك من صفات أهل الجنة، قال تعالى: }وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ [آل عمران: 133، 134]. وفي مقابلة إساءتهم بالإساءة هجر لعبادة صلة ذوي القربى، وتأجيج للقطيعة، ووقوع في حبائل الشيطان وشراكه.
جاء رجل إلى النبي r فقال يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال عليه الصلاة والسلام: «لأن كان كما تقول فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» (رواه مسلم).

المحافظة على الوقت
الأيام أجزاء من العمر ومراحل من الطريق، تفنى يوماً بعد يوم، ومضيها استنفاد للأعمار واستكمال للآثار وقرب من الآجال، وغلق لخزائن الأعمال، والشاب الحاذق يغتنم زهرة شبابه في حفظ القرآن والمتون وحضور دروس العلماء وقراءة الكتب والعبادة عملاً بوصية النبي r لابن عباس: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز» (رواه ابن ماجه). وما نبغ من نبغ من العلماء إلا بمحافظتهم على أعمارهم بحفظ زمانهم، وصحبة صالحة أعانتهم على طاعة ربهم.

فضل العلم
العلم أفضل مكتسب، وأشرف منتسب، وأنفس ذخيرة تقتنى، وأطيب ثمرة تجنى، وما اكتسب مكتسب مثل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، يقول سفيان بن عيينة: "من طلب العلم فقد بايع الله".
وهو ميراث النبوة كما قال تعالى: }وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ{ [النمل: 16]. ومن أورثه الله علم الكتاب والسنة فقد اصطفاه، يقول النبي r: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» (رواه البخاري).
طلب العلم والاستزادة منه شرف لا يضاهى، وفضل لا يحد، ثمراته معجلة، وقطوفه دانية، طالبه منظوم في سلك العظماء }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ [المجادلة: 11].
ولا أنفع بإذن الله للعبد من التحصن بعلم الشريعة.
سلوك طريقه توفيق للخلود في الجنان، الخلق عنه راضون، ولصنيعه مستغفرون، والملائكة لمجالسة أهله راغبون.
العقلاء على تعظيم العلم والحث على تحصيله، وقد رفع الله بالعلم أقواماً فجعلهم في الخير قادة، فكم من وضيع رفعه العلم إلى مصاف الشرفاء، وكم من حقير عند الناس نظمه العلم في سلك العظماء. تحب الملائكة مجالسة أهله، وبأجنحتها تحفهم، ومن في السموات ومن في الأرض مستغفر لهم، يقول النبي r: «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر» (رواه أبو داود والترمذي).
* فوائد العلم:
العلوم النافعة تصلح العقائد، وتزكي النفوس، وتهذب الأخلاق، وتكون بها الأعمال الصالحة مثمرة الخيرات، والعلم هو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، ومنار سبيل الجنة، وهو عبادة جليلة من أجل العبادات، يقول بشر الحافي: "لا أعلم على وجه الأرض عملاً أفضل من طلب العلم" من غرس العلم اجتنى النباهة، ومن غرس الوقار اجتنى المهابة.
قال ابن حزم ([27]): "لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره".
* آداب طالب العلم:
إذا جلست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وليكن سؤالك تفقهاً لا تعنتاً. قال لقمان: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر".
وعليك بتبجيل العلماء وأهل الفضل والإيمان وإذا تعلم الإنسان وحصل قدراً من العلم، فليعلم أنه قليل بجانب ما جهل، فلا يدخله العجب، والعلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع، فاحترم معلمك وجل قدره بالتأدب معه في الحديث والاستماع والهيئة. وسوء الأدب معه مروق من صفات المروءات والأعراف وزيغ عن سير الأسلاف يقول الربيع: "والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له".
واشكر معلمك على إرشاده وإخلاصه لحالك، فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، ومن مودة المتعلم بمعلمه الاعتذار له ونسب العتب للنفس. وأحسن إليه في الخطاب وتلطف في السؤال والجواب. واحذر المباهاة والمماراة، واصغ إلى حديث معلمك ولا تنثن عن الاستفهام فيما أشكل عليك من علوم الشريعة فالسؤال عن الدين شرف، والإعراض عن السؤال والبقاء على الجهل مهانة. تقول عائشة رضي الله عنها: "رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء يمنعهن أن يتفقهن في الدين".
* الأقران:
الخصال الصالحة من البر لا تحيا إلا بالموافقين في الطباع، ومن أخص الصفات في الصاحب أن يكون ذا فضل في الرأي، وثقة في المودة، وأمانة في السر، ووفاء بالإخاء. ولا تلزم سوى الصالحين فنعم العون هم على أمور الدنيا والدين.
ومن سمات المسلم أن لا يحسد أحداً من أقرانه على ما منحه الله من نعم من حفظ أو فهم أو إدراك أو بدو علامات نفعه للمسلمين، ويحفظه في غيبته فلا يؤذيه، ولا يهتك عرضه بالنميمة والبهتان.
وقد كان السلف يعظم أحدهم قرينه ويبجله مع سلامة قلبه له والثناء عليه في غيبته، ولقد كان ابن كثير وابن القيم كلاهما أقران وهما من تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر إلى تعظيم ابن كثير لقرينه ابن القيم وهو يترجم له، يقول عنه ([28]): "كان حسن القراءة والخلق وكثير التودد لا يحسد أحدا، وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه". اهـ.
فبسلامة الصدر والمحبة في الله نفع أمثال هؤلاء المسلمين. فصاحب المجدين المتيقظين للزمان، وجانب المجالسة الخاوية، واقرأ سير الأفذاذ واستزد من المعرفة بعلوم الشريعة، واغتنم حياتك النفسية واحتفظ بأوقاتك العزيزة، وحث رفقاءك على تحصيل العلم، وانصح لهم في الدين، ولا تحسد ذا نعمة على نعمته بالحفظ والفهم، وسل المنعم التوفيق دوماً، فالعون من الوهاب لا بالركون إلى الأسباب.
* عثرات طلب العلم:
العوائق والآفات عثرات أمام مواصلة سير الطلب، فالحفظ والمدارسة لا تحمدان بحضرة الشواغل والصوارف.
وفي الملهيات الحضارية المحذورة، والمحطات الفضائية، إشغال للأفكار وعيش في الأوهام، وهدر للأوقات، وفي مجانبتها صيانة للدين وصفاء الأذهان وحفظ الأزمان ومسابقة الأقران، فنزه سمعك وبصرك عما يلوث فكرك ويسيء إلى سلوكك، ويفسد أخلاقياتك ، وآفة العلم الإعجاب، وحليته الحلم والتواضع، والسعيد من عرف الطريق إلى ربه وسلكه قاصداً الوصول إليه، والمحروم من عرف الطريق ثم أعرض عنه.
* هل في طلب العلم مشقة؟
طلب العلم شاق، ولكن له لذة ومتعة، والعلم لا ينال إلا على جسر من التعب والمشقة، ومن لم يتحمل ذل العلم ساعة يتجرع كأس الجهل أبدا.
والعلم والعمل لا مناص من الصبر عليهما، والصابر موعود بالجنان: }سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{ [الرعد: 24]، ولا ينال العلم إلا بالصبر على المكاره، وبذل النفوس في طلبه والتفاني فيه، قال ابن الجوزي ([29]): "ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصبى آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت اللقمة شربت عليها وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم".
وقال ابن كثير عن نفسه وهو يؤلف كتاب جامع المسانيد: "لا زلت أكتب فيه في الليل والسراج ينونص ([30]) حتى ذهب بصري معه" ([31]).
ويقول أبو حاتم الرازي: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ([32])، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص، ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة" ([33]).
وبالنظر إلى عواقب الأمر يهون الصبر عن كل ما تشتهي وتكره.
ومن أنفق عصر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمد ما جنى من غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئاً بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم. قيل للإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عند وضع أول قدم في الجنة". والله معك على قدر صدق الطلب وقوة اللجأ وخلع الحول والقوة.
* الغربة في طلب العلم:
البعد عن الأهل والأوطان يظهر مناصع الرجال وكريم الخلال، وفي الغربة دربة على مشقة الحياة وضيق الابتلاء، وهو مدرسة للشموخ في العلم، ودرس في أن الحياة قد لا يدوم فيها الرخاء والترف، وفي الغربة انطلاقة لطالب العلم في عدم الاعتماد على الأهل، وأن الحياة لا تدوم على حال، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي في ديوانه:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا





وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة





وعلم وآداب وصحبة ماجد

وقال أيضاً:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب





من راحة فدع الأوطان واغترب

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه





وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

إني رأيت وقوف الماء يفسده





إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والأسد لولا فراق الأرض ما افترست





والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة





لملها الناس من عجم ومن عرب

والبدر لولا أفول منه ما نظرت





إليه في كل حين عين مرتقب

والتبر كالتبر ملقى في أماكنه





والعود في أرضه نوع من الحطب

فإن تغرب هذا عز مطلبه





وإن تغرب ذاك عز كالذهب

وإذا صدق الغريب مع الله شرح الله صدره في غربته، فالنبي r كان مدخله إلى المدينة مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله فاتصل به التأييد والظفر، وأدرك خيري الدنيا والآخرة بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب، فإنه لم يكن بالله ولا لله، بل كان محادَّةً لله ورسوله فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار، وما خرج أحد من بيته إلى بلد آخر إلا يكون بصدق أو كذب فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق أو الكذب.
والله عز وجل إذا أراد رفعة عبد كسره أولاً، فإذا لجأ إلى الله وطلب ما عنده وتقرب إليه بالطاعات، رفعه الله بعد ذلك بقدر انكساره لله تعالى. فلا تحزن في الغربة ولا تضجر من كرباتها، فقد لاقى العلماء منها المشقة الضنك، فلم يزدهم ذلك إلا صموداً في طلب العلم حتى حفظ هذا الدين على أعناق أولئك العظام. فسر على ما سار عليه العلماء فأنت في الغربة تخطو خطواتهم، وكن متعلقاً بالله عز وجل في غربتك، واحفظه بالطاعة ليحفظك ربك ويحفظ أهلك في ديارهم وتأنس في التغرب.
* مشقة الغربة:
فراق الوطن عزيز على النفس ثقيل على الطباع، ولما أخرج النبي r من مكة نظر إليها وقال: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواه أحمد).
وقد لاقى فحول العلماء في الغربة ما لاقوا، ولم يثنهم ذلك عن مواصلة طلب العلم، فالإمام أحمد لما خرج إلى عبد الرزاق الصنعاني في اليمن، انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه (أي أجرها) على جلالة قدره وعلمه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاء، وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئاً ([34]). ورهن الإمام أحمد نعله عند خباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن ([35]). وقال الحافظ ابن كثير ([36])ـ وهو يتحدث عن الشدائد التي لقيها الإمام أحمد خلال رحلته إلى اليمن وإقامته فيه لتحصيل العلم والحديث ـ قال: "وسرقت ثيابه وهو باليمن، فجلس في بيته ورد عليه الباب، وفقده أصحابه، فجاؤوا إليه فسألوه، فأخبرهم فعرضوا عليه ذهباً فلم يقبله، ولم يأخذ منهم إلا ديناراً واحداً ليكتب لهم به، ـ أي أخذ الدينار على أن يكون أجرة لما ينسخه لهم من الكتب ـ، فكتب لهم بالأجر رحمه الله".
والإمام البخاري في الغربة لا يجد ما يستر به عورته، وحكى الخطيب البغدادي ([37]) في ترجمة الإمام البخاري قال: "قال عمر بن حفص الأشقر إنهم فقدوا البخاري أياماً من كتابة الحديث بالبصرة، قال: فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان، وقد نفد ما عنده ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوباً وكسوناه، ثم اندفع معنا في كتابة الحديث". اهـ.
بل كان يأكل من الأرض، وما عنده ما يشتري به طعاماً.
يقول الإمام البخاري عن نفسه: "خرجت إلى آدم ابن أبي إياس في عسقلان، فتخلفت عني نفقتي حتى جعلت أتناول حشيش الأرض ولا أخبر بذلك أحداً، فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه، فناولني صرة دنانير، وقال أنفق على نفسك" ([38]).
وأبو حاتم يحكي لنا ما قاساه في طلب العلم من الشدة يقول: "في سنة أربع عشرة ـ أي ومائتين ـ بقيت ثمانية أشهر بالبصرة، وكان في نفسي أقيم سنة، فانقطعت نفقتي فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي وإلى المشيخة وأسمع إلى المساء، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتي لجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت فغدا علي رفيقي فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، وانصرفت جائعاً، فلما كان من الغد غدا علي فقال مر بنا إلى المشائخ، قلت أنا ضعيف لا يمكنني، قال ما ضعفك؟ قلت لا أكتمك أمري قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئاً، فقال قد بقي معي دينار، فنصفه لك ونجعل النصف الآخر في الكراء فخرجنا من البصرة وقبضت منه النصف دينار" ([39]).
* الأخوة في الله:
كل رابط في الحياة ينقلب في الآخرة إلى عداوة إلا ما كان في ذات الله قال تعالى: }الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ{ [الزخرف: 67] قال ابن كثير في تفسيره ([40]): "أي كل صداقة وصحابة لغير الله تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه". والله عز وجل يحب المتآخين في ذاته المتوادين على طاعته. يقول النبي r: «إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال أين تريد؟ قال أريد أخاً لي في هذه القرية. قال هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه». (رواه مسلم).
المحبة في الله محبة مأمونة منزوعة المكر، بعيدة عن الخيانة أو الخذلان، لا تخشى فيها الغوائل، متوارية عن المصالح الدنيوية باقية ببقاء الله وهو سبحانه حي لا يموت.
الأخوة في الله عبادة ميسورة ممزوجة بالمتعة والأنس، تزداد بالإيمان والنصح وحفظ السر وإيصال النفع لأخيك وكف الضر عنه. وتصفو مودتها بصدق الحديث ونبذ الحسد ومجانبة المكر أو النكاية. آية صدقها الوفاء والأمانة والهدية.
قال عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا». (رواه البخاري في الأدب المفرد).
كمال الإيمان مقيد بها، قال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم». (رواه مسلم). حقيقتها جسد واحد تعدد فيه القلوب قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمنون كرجل واحد» رواه مسلم وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (متفق عليه).
وإذا كان المؤمنون إخوة أمروا فيما بينهم بما يوجب تآلف القلوب واجتماعها، ونهوا عما يوجب تنافر القلوب واختلافها.
* حضور دروس العلماء:
حضور دروس العلماء عبادة جليلة، ففي دروسهم زيادة إيمان ومجالسة للصالحين، وتعلو وجوههم خشية الله ومراقبته، والنصح للأمة، وتنتفع بمجالسة العالم الشفقة على الضعفاء ومواساة الفقراء، في درسهم سمت العلماء، وفي حديثهم الصدق وعلى جوارحهم أمارة نقاء السريرة وكثرة العبادة، وحفظ دائم لزمان دهرهم، حسن في التعامل في أفعالهم، حلم الشيوخ وحكمة العقلاء، ومع أقرانهم وفاء الصديق وحفظ الود، ومع الغريب إكرام الضيف، مجالسهم تذكير بسير الأفذاذ من الأسلاف، شحذ دائم لأمور الآخرة، في دروسهم يلتقط الناشئ ما في صدورهم من لباب الكتب، حفظوا أحسن ما قرؤوا، وأظهروا زهرة ما حفظوا، في حلقاتهم تصحيح لألفاظ ما في بطون الكتب، وإرشاد لخير ما يقرأ وخلاصة ما يحفظ، في القرب منهم إيضاح لفهوم مسطور فحول العلماء، في دروسهم خيرات متناثرة وثمرات يانعة، فكن أقرب الناس إليهم وإلى دروسهم ترتشف من معين علومهم وأخلاقهم.
* احترام العلماء:
العلماء هم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، يقول سلمان الفارسي t: "مثل المعلم كمثل رجل عمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مر به".
ومن تعظيم الشريعة والدين تعظيم العلماء، فهم خلف أنبياء الله في دعوتهم، قال عليه الصلاة والسلام: «العلماء ورثة الأنبياء» رواه أحمد. وقد سار الأسلاف على تبجيل العلماء وتوقيرهم.
يقول الربيع بن سليمان: "ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له". سؤالهم علم، ومجالستهم سعادة، ومخالطتهم تقويم للسلوك، وملازمتهم حفظ للشباب بإذن الله من الزلل.
يقول أبو الدرداء t: "من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه مع أهل العلم". ثمرة مجالسة العلماء ليست في التزود من العلوم والمعارف فحسب، بل بالإقتداء في الهدي والسمت وعلو الهمة ونفع الآخرين. يقول ميمون بن مهران: "وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء" وبُعد ناشئة المسلمين عن العلماء يفضي إلى تخبط في طلب العلم، وإعجاب بالرأي، وسبب في الفرقة وقلة في التعبد، يقول الشعبي رحمه الله: "جالسوا العلماء فإنكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأولوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنفوكم، وإن جهلتم علموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم" فجالس العلماء بأدب وتواضع في نفسك وتلطف معهم في السؤال وليكن حديثك معهم بأحسن المقال.
* عدم استعجال قطف الثمرة:
لا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي، وداوِ بدواء الإخلاص عليل العمل القليل.
فإذا شرعت في طلب العلم فلا تقرأ كتب المطولات والخلافيات وأنت في أول الطلب، وإذا بدأت في حفظ المتون فلا تحفظ متناً يحفظه السابقون في أشهر تحفظه أنت في أيام، وكانت طريقة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مع طلابه: يحفظون ثلاثة أبيات من ألفية ابن مالك كل يوم فقط، وثلاثة أحاديث من بلوغ المرام، وثلاثة أسطر من زاد المستقنع، فينتهون من الزاد كل ثلاث سنوات مرة، وبهذه الطريقة المتأنية المتقنة خرج العلماء الراسخون.
والعلماء يمكثون في بعض مصنفاتهم عدد سنين يقول ابن حزم ([41]): "أنفقت في ذلك أكثر عمري" وهو ثمانون صفحة فقط. وابن حجر مكث في تصنيف "فتح الباري شرح صحيح البخاري" خمسة وعشرين عاماً.
والداعية لا يتطلع إلى ثمرة دعوته بكثرة المستجيبين، بل عمله مقصور على البيان والدعوة، وليست له الهداية وتحويل القلوب، يقول الله تعالى: }مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ{ [المائدة: 99].
فأنت بلغ وربك المسدد }وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى{ [الأنفال: 17] كم سعى النبي r إلى إسلام عمه أبي طالب فلم يحصل له ما أراد }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{ [القصص: 56].
ومن الأنبياء من اجتهد في دعوة قومه سنين عدداً فلم يستجيبوا له، يقول النبي r: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد». (رواه البخاري).
فاعمل صالحاً بإخلاص ولا تتطلع إلى ثمرة العمل.
* العمل بالعلم:
العلوم ما وضعت إلا لتهدي إلى العلم النافع، وليس العلم أن تعرف المجهول ولكن أن تستفيد من معرفته، والعلم النافع حقاً هو الذي يرى أثره على صاحبه نوراً في الوجه، وخشية في القلب واستقامة في السلوك، وصدقاً مع الله، وصدقاً مع النفس والناس، والله عز وجل جعل العمل الصالح مع الإيمان قيداً في دخول الجنة قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ{ [البروج: 11] فذكر العمل الصالح مع الإيمان.
والله عز وجل ذم بني إسرائيل على عدم انتفاعهم بالعلم فقال سبحانه عنهم: }وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{ [الجاثية: 17] وذم النصارى ووصفهم بالضلالة لجهلهم وعبادتهم ربهم بغير علم.
والعامل بعلمه يخرج من بين الطائفتين الملومتين اليهود والنصارى، والعمل بالعلم ليس في جانب العبادات المحضة فحسب، بل حتى في المعاملات مع الخلق، فصدق الحديث، والوفاء بالوعد، والإحسان إلى الجار، وصلة الرحم، والعفو عن الآخرين، كل ذلك عمل بالعلم.
يقول ابن القيم ([42]) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان بعض أصحابه الأكابر يقول وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم. وجئت يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا الكلام، فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه". اهـ هكذا العلم يهذب النفوس ويعلو على الهوى ويغلب الشهوات، وبهذا جاءت الشريعة.
* هل أتزوج وأنا أطلب العلم؟
الزوجة هي المأوى الذي هيأه الله للرجل يستقر فيه، قال تعالى: }وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ [الروم: 21] فذكر جل وعلا بأن الزوجة سكن ووصفها بأنها لباس قال سبحانه: }أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ{ [البقرة: 187] وأيهما أفضل للشاب أن يكون له لباس يلتحف به وسكن يأوي إليه أم يبقى عرياناً وحيداً بلا مسكن؟ ! !
والزواج للشاب أجمع للذهن، وأدعى للرجولة، وأمكن في المجتمع، فالزوجة عون على طلب العلم، ورافد في متاعب الحياة فلا تتردد أيها الشاب في العزم على دخول بوابة الزواج متفائلاً بالسعادة.
* ما هي مواصفات الزوجة التي أختارها؟
صفات المرأة الباطنة وحسن معشرها لا تظهر على حقيقتها إلا بعد الزواج، فكم من امرأة أثني عليها في خلالها ثم تبين ضد ذلك، والإسلام وجه طالب النكاح إلى اختيار المرأة ذات الدين التي تحقق له مقاصد الزواج الشرعية، يقول عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك». (متفق عليه).
وشرط الدين في المرأة اجعله أساساً في الخطبة، وكذا علو خلقها ورقي تعاملها وحسن بشاشتها، فبهاء منظرها مع دينها وخلقها من كمال صفاتها. وإذا اجتمع في المرأة دين ومال وحسب وجمال، فتلك خلال أربع إن اجتمعت في امرأة فاظفر بها، ولا تقدم شرط الجمال على الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة». (رواه مسلم). وقبل الخطبة اجعل الأناة مطيتك، والسؤال عن خلق والديها أصل في علو خلق زوجتك فالخلل من أحدهما قد يظهر الصدق عليها.
* أبي يمنعني من الزواج:
السمة الغالبة على المجتمعات تقليد بعضها بعضا، وهذا من الخطأ، ودين الإسلام له أصول ثابتة ودعائم قائمة، فلسنا بحاجة إلى تقليد غيرنا، وديننا حثنا على تزويج الشباب وكذا الشابات، لما يترتب على ذلك من مصالح ظاهرة ولما يندرئ بها من محاذير واقعة، والخالق للخلق أعلم بهم، وفي الإسلام قول نبينا r: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإن أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». (متفق عليه).
ولو كان في زواج الشاب وهو حديث السن مفسدة لما حث الشرع المطهر على زواج الشاب، والقاعدة الشرعية المقررة أن "كل أَمْرٍ أمرَ الله به فهو يحبه ويرضاه"، فإذا كان الله يحب زواج الشاب والشابة فلماذا يتوقف الآباء عن تزوجيهم، وفي المجتمع ويلات يئن منها، سببها تأخير سن الزواج، وفي النكاح يتحقق العفاف والإحصان والصلاح.

الدعوة إلى الله
خير الأعمال وأبرها عند الله الدعوة إليه سبحانه، وقول الداعية أحسن الأقوال في ميزان الله قال تعالى: }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{ [فصلت: 33] وهي طريقة الأنبياء وأتباعهم قال سبحانه: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [يوسف: 108].
وكل عمل يقوم به المهتدي على يديك لك فيه نصيب يقول عليه الصلاة والسلام: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله». رواه مسلم. والدعوة إلى الله من الأسس التي قام عليها هذا الدين، وهي سبيل النجاة، وربنا ذكر أن الإنسان خاسر إلا إذا أدى حقوقاً أربعة هي: الإيمان بالله، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والصبر على ذلك. وقد ذكرها الله في سورة كاملة: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [العصر: 1-3]. فادع إلى الله بحكمة وأناة وموعظة حسنة, ولا تتردد في دعوة الآخرين، فإن رأيت تكاسلاً من أحد إلى الصلاة فإرشاده إلى أدائها دعوة، وتذكير العاق لوالديه بوبال العقوق إرشاد، وموعظة قاطع الرحم نصيحة.
* أحب الدعوة ولكني لست بليغاً فماذا أفعل؟
البلاغة والفصاحة والبيان ليست شرطاً في الدعوة إلى الله، فكليم الرحمن موسى ثقل لسانه عن البيان وسأل الله سبحانه بقوله: }وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي{ [طه: 27] وعدوه فرعون أبين منه في الكلام لذا أخبر الله عن فرعون أنه قال: }أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ{ [الزخرف: 52] أي لا يحسن الكلام والبيان. ومع عدم فصاحة موسى وبيانه إلا أن أمته أصبحت أكثر الأمم أتباعاً بعد أمة محمد r فبلغ بما أوتيته من علم وفصاحة على قدر الجهد والطاقة ولا يكن حياؤك مانعاً لك عن تبليغ الخير لغيرك.
والدعوة إلى الله ليست مقتصرة على موعظة على منبر أو نصيحة في محفل، بل إن الدعوة إليه متنوعة، فالإنكار على الفرد على خلوة به دعوة، ودعم سبل الخير بالمال فضيلة، وتسهيل طرق الدعوة دعوة، وبهذا يصبح المجتمع على اختلاف فئاته دعاة إلى الله بالمال والقلم واللسان.

النصيحـة
الخلق مجبولون على النقص وظهور المعايب، وأصل الدين مبني على النصح للخلق وإخفاء النقائص، قال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم. وهي من قواعد إصلاح المجتمع، واتصف بها رسل الله عليهم السلام في دعوتهم لأقوامهم، قال الله عن نوح: }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 62] وقال الله عن هود: }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ{ [الأعراف: 68] وقال الله عن صالح }فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 79] وكان الصحابة رضوان الله عليهم يبايعون النبي r عليها، قال جابر بن عبد الله t: "بايعت رسول الله r على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" (متفق عليه).
والناصح ناصح القلب سليم الصدر حسن السريرة مشفق القلب، وقد علت مرتبة السابقين بها قال أبو بكر بن عياش: "ما فاق أبو بكر t أصحاب رسول الله بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء كان في قلبه، قال: الذي كان في قلبه الحب لله والنصيحة في خلقه".
وما منح العبد حب إصلاح المجتمع بالنصح إلا شرف قال الفضيل بن عياض: "ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء النفس وسلامة الصدور والنصح للأمة".
وهي من أجل الأعمال، سئل ابن المبارك: "أي الأعمال أفضل؟ قال: النصح لله"، وما خفي النصيحة في مجتمع إلا ظهرت الغيبة فيه، ولا ينصح لك إلا من أحبك، ولتكن نصيحة المشفق على خفاء. قال ابن رجب ([43]): "وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سراً حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه" اهـ.
وتتعين النصيحة لمن طلب منك النصيحة قال عليه الصلاة والسلام: «حق المسلم على المسلم ست ـ ذكر منها ـ: وإذا استنصحك فانصح له» (رواه مسلم).
ولتكن نصيحتك لأخيك محفوفة بالشفقة والرأفة والمحبة والمودة وكمال النصح بعيدة عن التشفي أو الحسد أو الفضيحة، وكلما كانت محاطة بضوابط الشريعة كانت أبلغ في النفس وأشد في التأثير، وأسرع في التغيير. ولا تتردد عن نصيحة أي شخص ولا تحقره، فقد يغير الله أحواله بكلمات يسيرة ينساها قائلها بعد لحظات، ولكن لصدق قائلها يصبح لها دوي في فؤاد أخيك.


الصبر على المصائب
المرء في حياته معرض للفتن والرزايا، والمحن والبلايا، ولا ينصع نور الإيمان ويرسخ اليقين إلا بالتمحيص والمماحلة.
والحياة مبنية على المشاق وركوب الأخطار، ولا يطمع أحد أن يخلص من المحنة والألم، ولكن ما بين مقل ومستكثر، قال ابن الجوزي([44]): "من يريد أن تدوم له السلامة، والنصر على من يعاديه، والعافية من غير بلاء، فما عرف التكليف ولا فهم التسليم". ولابد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت. والقواطع ممن يتبين بها الصادق من الكاذب قال سبحانه: }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{ [العنكبوت: 2].
وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني، والدنيا لا تصفو لأحد ولو نال منها ما عساه أن ينال.
يقول النبي r: «من يرد الله به خيراً يصب منه» (رواه البخاري).
والمرء يتقلب في زمانه في تحول من النعم واستقبال للمحن.
قال ابن القيم ([45]): "من خلقه الله للجنة لم تزل تأته المكاره، والمؤمن الحازم يثبت للعظائم، ولا يتغير فؤاده، ولا ينطق بالشكوى لسانه، وكتمان المصائب والأوجاع من شيم النبلاء، وما هلك الهالكون إلا من نفاد الجلد، فخفف المصاب عن نفسك بوعد الأجر وتسهيل الأمر لتذهب المحن بلا شكوى، وتذكر دوماً أنك ما منعت إلا لتعطى، ولا ابتلاك إلا لتعافى، ولا امتحنك إلا لتصفى".
* كيف تهون عليَّ المصيبة؟
يقول ابن الجوزي ([46]): "ليس في التكليف أصعب من الصبر في القضاء، ولا فيه أفضل من الرضا به"، ومن تأمل بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يتهول نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء، فلا تتألم على فوات حظوظ الحياة، وأنزل ما أصابك من ذلك، ثم انقطع منزلة ما لم يصب، وأنزل ما طلبت من ذلك، ثم لم تدركه منزلة ما لم يطلب.
يقول ابن القيم ([47]): "قال لي شيخ الإسلام مرة: العوارض والمحن هي كالحر والبرد، فإذا علم العبد أنه لابد منهما لم يغضب لورودها، ولم يغتم لذلك ولم يحزن".
فطوارق الحياة هموم، والناس فيها معذبون على قدر هممهم بها، الفرح بها و عين المحزون عليه، آلامها متولدة من لذاتها، وأحزانها من أفراحها، يقول أبو الدرداء: "من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها".
فأيقن بقدر الله وخلقه وتدبيره، واصبر على بلائه وحكمه، واستسلم لأمره فالدنيا طافحة بالأنكاد والأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال. قال ابن مفلح ([48]): "وكان شيخ الإسلام كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً





حتى يرى خبراً من الأخبار

طبعت على كدر وأنت تريدها





صفواً من الأقذار والأكدار

وكن مؤمناً بالأقدار، فالإيمان بها ركن من أركان الدين، وليس كل ما يتمنى يدرك، وبالإلحاح في الدعاء والتوجه إلى الله بالكلية، تفتح الأبواب ويتحقق المرغوب، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم ولا تقنط فتخذل، وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء، فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، واضرع إلى الله يزهو نحوك الفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج.
* الأنبياء والابتلاء:
بالابتلاء يُرفع شأن الأخيار، ويعظم أجر الأبرار، يقول سعد بن أبي وقاص t: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء في المؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة» (رواه البخاري).
وطريق الابتلاء مَعْبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي فيه في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وأُلقي في بطن الحوت يونس، وقاسى الضر أيوب، وبيع بثمن بخس يوسف، وألقي في الجب إفكاً وفي السجن ظلماً، وعالج أنواع الأذى نبينا محمد r. وأنت على سنة الابتلاء سائر، والمؤمن يبتلى ليهذب لا ليعذب، والمصيبة حقاً إنما هي المصيبة في الدين، وما سواها من المصائب فهي عافية، فيها رفع الدرجات وحط السيئات، فلا تأس على ما فاتك من الدنيا، فنوازلها أحداث، وأحاديثها غموم، وطوارقها هموم، فالأنبياء لما ابتلوا صبروا، فاصبر أيها المبتلى كما صبر صفوة البشر عليهم الصلاة والسلام لعل الله أن يحشرك معهم في الآخر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الشريعة، ومن أوجب قواعد الدين، وهو حصن الإسلام المنيع، يحجز عن الأمة الفتن وشرور المعاصي، ويحمي المسلمين من نزوات الشيطان ونزغات الهوى، وهو البناء المتين الذي تتماسك به عرى الدين، يحفظ العقائد والسلوك والأخلاق، ويدرأ المحن والرذائل، في القيام به صلاح الأمم، وحفظ النعم وحلول الأمن وإجابة الدعاء وصرف كيد الأعداء مع رفع الدرجات، والإحسان إلى الخلق، به تنمو في المجتمعات الآداب والفضائل، وتختفي المنكرات والرذائل.


* مكانة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
أعلى الناس قدراً وأرفعهم شرفاً من أصلح نفسه، ثم امتن بالإصلاح والخير إلى غيره، وهو من أخص صفات نبينا محمد r، قال جل وعلا: }يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ{ [الأعراف: 157] وهذه الخلة جعلت هذه الأمة غرة في جبين الأمم، وتاجاً على علو هامها بينهم، وقد مدح الله المؤمنين القائمين بتلك الشعيرة فقال تعالى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [التوبة: 71] وجعل تركه من أبرز صفات المنافقين، فقال: }الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [التوبة: 67] القائم به متصدق بلا مال، قال عليه الصلاة والسلام: «وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة». (رواه مسلم).
وهو عبادة جليلة يقوم بها العبد لتُمحى عنه ذنوبه وتُكفر عنه خطاياه، قال r: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره تكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (رواه البخاري).
* أضرار ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الشخص:
من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة المخلوقين نُزع منه الطاعة، وزالت عنه المهابة، فاحذر المداهنة، فهي باب من الذل والهوان عريض، ولا تأسف على من قلاك، ولا من فارقك لأمرك أو نهيك له، واقطع أطماعك من الخلق، وثق بكفاية رب الخلق، والقيام بهذه الشعيرة لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً، وترك هذه الشعيرة إيذان بسخط الله على الخلق، قال علي بن أبي طالب t: "من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر، نُكس، فجعل أعلاه أسفله". ومن ترك هذه العبادة استخف به أهل العصيان. وسلط الله عليه من يأمره وينهاه بما يضاد الشريعة.
* هل أنكر المنكر وأنا أفعل المعصية؟
ترك الذنب ليس شرطاً في الناهي، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، ويلزم المسلم الأمر بالمعروف وإن لم يمتثله، ويلزمه النهي عن المنكر وإن ارتكبه، وتبقى ثلمة مخالفة الفعل القول.
يقول أبو الدرداء: "إني لآمركم بالمعروف وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه"([49]).
فمن كان يستمع إلى الأغاني إذا رأى رجلاً يستمع إليها، يجب عليه أن ينكر عليه سماعه لذلك المحرم وإن كان هو يستمع إلى الأغاني، فإذا سكت عن المنكر جمع محرمين: الأول: استماعه للأغاني، والثاني: السكوت عن ذلك المنكر وعدم إنكاره.
ومن رأى ذا منكر ولم ينهه فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين معصيته، والسكوت عن الذنب تزيين للمعصية في الصدور، ومجانبة المنكر من مقتضيات إنكار المنكر في القلب.
* كيف أنكر المنكر؟
المنكر ينقسم إنكاره إلى ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: الإنكار باليد، وذلك حال القدرة على إزالته كالزوج في داره يزيل المنكر.
الدرجة الثانية: الإنكار باللسان، وذلك في حال تعذر الإنكار باليد، كمن يرى امرأة متبرجة في الأسواق فهذا ينكر عليها باللسان بالحكمة.
الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب، وذلك في حال تعذر الإنكار باليد واللسان، وهذه أضعف درجات الإنكار. وإنكار الخطيئة بالقلب فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال.
يقول عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». (رواه مسلم).
قال ابن رجب ([50]): "إنكاره بالقلب لابد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه". قال شيخ الإسلام: "القلب إذا لم يكن فيه كراهة ما يكرهه الله لم يكن فيه من الإيمان الذي يستحق به الثواب. وقوله من الإيمان أي من هذا الإيمان وهو الإيمان المطلق أي ليس وراء هذه الثلاث ما هو من الإيمان ولا قدر حبة خردل، والمعنى هذا آخر حدود الإيمان ما بقي بعد هذا من الإيمان شيء ليس مراده أنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء"([51]). والمنكر يُزال بالحكمة، والاستطاعة، عدم الوقوع في منكر أو مفسدة أعظم منه.
* لا تيأس من نصح صاحب المنكر:
أطرق باب قلب العاصي مراراً فلا تعلم متى يفتح الله قلبه على يديك، فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو قومه غير يائس من دعوتهم، فمتى رأيت ذا منكر على معصية فبادره بالنصيحة بحكمة ولين ولا ترجئ النصيحة، فقد يلقى المقصر ربه وهو على معصية وأنت لم تبد له النصح فتتحسر على تقصيرك.
* لا تنظر إلى إزالة المنكر:
اعلم أنه ليس في كل أمر أو نهي تقوم به يجب معه زوال المحذور أو أداء الواجب، فزمام الاستقامة بيد الهادي جل وعلا، قال تعالى: }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{ [القصص: 56] ويقول سبحانه: }إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{ [هود: 12] فالمنكر قد يزول بالإنكار، وقد لا يزول، ولا تجعل نصب عينيك وأنت تقيم هذه الشعيرة إزالة المنكر فإن لم يزل تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هذا من الخطأ.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُقام لثمرات عديدة وإن لم يزل المنكر، فمنها أن المسلم يؤدي بتلك الشعيرة عبادة جليلة هي من أجل العبادات وبأدائها يتقرب العبد إلى ربه ويكون المرء متصفاً بصفة من صفات المؤمنين قال تعالى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [التوبة: 71] وبإقامتها سبب تكفير الذنوب والخطايا، وحفظ النعم، ومنع العذاب من السماء، وبها يُدفع عن المجتمع شر أعظم من المنكر الواقع، وهي وسيلة من وسائل إصلاح المجتمع والحفاظ على حصن الإسلام، وبها تُحجز الأمة عن الفتن وتُحمى من الشبهات والشهوات وإحسان عظيم للخلق، كل ذلك وغيره من فوائد إنكار المنكر، فإن زال المنكر بالإنكار فهذه نعمة كبرى، وإن لم يزل المنكر فقد جنى العبد بإقامة تلك الشعيرة مصالح عديدة تعود على الفرد والمجتمع بالخيرات ووفور النعم، وهذا من مقاصد الشريعة. وقد بين ابن رجب ([52]) مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله: "واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يُحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وتارة يُحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر".
* الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يؤذى فماذا يفعل؟
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر معرض للأذى، فمن أقامه فلا يستوحش من سلوك طريقه فهو عبادة أداؤها ثمرة من ثمار الإيمان، وليجعل له من الصبر حصناً مكيناً واثقاً بالثواب مما يتلقى من المشاق.
قال ابن كثير ([53]): "الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لابد أن يناله من الناس أذى فأمر بالصبر".
ومن وصايا لقمان لابنه }يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ [لقمان: 71] فأمره لابنه بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى إيذاء من أدى تلك الشعيرة.
وإياك وأهل التخذيل أو الركون إلى الضعف، وقف مع البلاء بالإيمان والتوكل، واصبر واحتسب وواصل الجهد، وخاطب الناس على ضوء قوله تعالى: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [يوسف: 108].



([1]) فتاوى شيخ الإسلام 20/193.
([2]) تفسير ابن كثير 2/908.
([3]) زاد المعاد 4/202.
([4]) فتاوى شيخ الإسلام 1/51.
([5]) الوابل الصيب ص60.
([6]) فتاوى شيخ الإسلام 19/93.
([7]) زاد المعاد 4/202.
([8]) الوابل الصيب ص6.
([9]) مفتاح دار السعادة 2/310.
([10]) صيد الخاطر ص251.
([11]) جامع العلوم والحكم 1/79.
([12]) الفلو: المهر: وهو ولد الفرس.
([13]) تفسير ابن كثير 1/317.
([14]) يطيف: يدور.
([15]) الركية: البئر.
([16]) الموق: الخف.
([17]) تفسير ابن كثير 3/248.
([18]) صيد الخاطر ص251.
([19]) جامع العلوم والحكم 1/67.
([20]) طريق الهجرتين ص297.
([21]) تيسير العزيز الحميد ص354.
([22]) جامع العلوم والحكم 2/493.
([23]) تيسير العزيز الحميد ص170.
([24]) الفتاوى 10/257.
([25]) مسائل كتاب التوحيد ص474.
([26]) زاد المعاد 3/235.
([27]) مداواة النفوس من رسائل ابن حزم 1/343.
([28]) البداية والنهاية 18/523.
([29]) صيد الخاطر ص151.
([30]) ينونص: أي يرتفع ضوؤه وينخفض.
([31]) المصعد الأحمد في تم مسند الإمام أحمد ص23، لمحمد بن الجزري.
([32]) الفرسخ: 5.5 كيلومتر تقريباً أي أنه قطع 5.500 كيلومتر على قدميه في تلك الرحلة في طلب العلم ثم بعد ذلك توقف عن حساب ما قطعه من المسافات.
([33]) طبقات الشافعية الكبرى 2/208.
([34]) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص226.
([35]) مناقب الإمام أحمد ص226، الحلية 8/174-175.
([36]) البداية والنهاية 10/343.
([37]) تاريخ بغداد 2/13.
([38]) طبقات الشافعية الكبرى 2/227.
([39]) سير أعلام النبلاء 13/256.
([40]) تفسير ابن كثير 4/133.
([41]) مداواة النفوس ص5.
([42]) مدارج السالكين 2/345.
([43]) جامع العلوم والحكم 1/225.
([44]) صيد الخاطر ص384.
([45]) الفوائد ص32.
([46]) صيد الخاطر ص91.
([47]) مدارج السالكين 3/389.
([48]) الآداب الشرعية 2/247.
([49]) سير أعلام النبلاء 2/335.
([50]) جامع العلوم والحكم 2/245.
([51]) الفتاوى: 7/52.
([52]) جامع العلوم والحكم 2/255.
([53]) تفسير ابن كثير 3/450.


لتحميل الكتاب كاملا بصيغة بي دي اف من الرابط اسفل المقال 

تحميل كتاب خطوات إلى السعادة PDF برابط ميديا فير  من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016