-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب حياة السلف بين القول والعمل PDF رابط ميديا فير


منهجي في اختيار مادة هذا الكتاب

1- أذكر ما يفيد المسلم في أمر دينه ودنياه، وما يعينه على إصلاح حاله وقلبه، وإصلاح خلقه وسلوكه. وأما ما سوى ذلك فلا أذكره لقلة الفائدة من ذكره. فلا أذكر الأمور التالية:
 أ- لا أذكر ما يقدح في العقيدة أو ما يُضادها، وهي وإن كانت قليلة ونادرة فقد وُجد شيء من ذلك كالتوسل بالموتى، والاستغاثة بهم، وغير ذلك.
ب- لا أذكر كل ما يخالف الكتاب والسُّنَّة. مثل ما يُذكر عن بعضهم أنه لا يسأل الله الجنة؛ لشدة خوفه وحيائه منه. وكذلك ما يُذكر عن بعضهم أنه يصوم الدهر ولا يتزوج النساء، وغير ذلك.
ج- لا أذكر التواريخ والمواقع والغزوات والأحداث، فهذه لها كتبها الخاصة.
د- لا أذكر كل ما يخالف العقل والواقع، كما يُذكر عن بعضهم أنه لا يأكل في الشهر إلا وجبتين فقط، وبعضهم احتبس بوله أربعة عشر يومًا، وما يُذكر عن بعضهم أنه يمشي على الماء، فقد روي عن بعضهم أنه جاء إلى أحد هؤلاء وهو قائم يصلي على الماء، قال: فلما أحس بي: أوجز في صلاته، ثم أخذ بيدي، فوقفني على البحر، وحرك شفتيه، فقلت في نفسي: إن مشى على الماء مشيت معه. فما لبث إلا يسيرًا، فإذا الحيتان قد برزت مدَّ البحر، وقد أقبلت إلينا رافعةً رؤوسها من الماء، فاتحةً أفواهها، فقلت في نفسي: أين ابن بشر الصياد؟، فلما ذكرته في نفسي تفرقت؟!!!... [صفة الصفوة 2/661].
هـ- لا أذكر المبالغات والترهات التي لا تليق بكرامة الإنسان، فضلاً عن المسلم، فضلاً عن أهل العلم والفضل.
من ذلك ما يُذكر عن الحسن الفلاس أنه يلبس ما في المزابل.
ومثل ذلك قول سري السقطي: تُعجبني طريقة الحسن. وكان الحسن لا يأكل إلا القمامة.
و- لا أذكر ما لا فائدة من ذكره أو فائدته قليلة من القصص والخطب وغيرها. وكذلك ما يذكره بعضهم من الإسرائيليات التي لا نعلم صحتها، وقد أذكر بعضها إذا كان في ذكرها فائدة.
ز- لا أذكر الأحكام التي تقال في التزهيد من الدنيا ورغد العيش التي لا دليل عليها. مثال ذلك: قول إبراهيم التيمي: ما أكل آكل أكلةً تسرّه ولا شرب شربة تسرّه إلا نقص بها من حظه من الآخرة. ومثل هذا الكلام يحتاج إلى توقيف ولا مجال فيه للاجتهاد.
ح- لا أذكر أيضًا ما قيل في المبالغة في الخوف والبكاء إلى حد لا يتصوره عقل ولا يُقره نقل، مثل ما يذكر عن سفيان أنه قال: كان سعيد بن السائب لا تكاد تجف له دمعة: إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن جلس يقرأ القرآن فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي.
وكذا ما يُذكر أن بعضهم لم يرفع رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة.
ط- لا أذكر أيضًا المصطلحات والتعريفات التي لا معنى لها أو يصعب فهمها، مثل قول بعضهم: قلب المحب يهيم بالطيران، وتكلمه لدغات الشوق والخفقان.
وقول بعضهم: الإخلاص: ارتفاع رؤيتك عن فعلك.
والتوكل: إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى الوثائق.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض رده على أمثال هذه المصطلحات- كالفناء والاتصال وجمع الشواهد وجمع الوجود وجمع العين-: ولم يأت له ذكر في القرآن ولا في السنة ولا يعرفه إلا النادر من الناس، ولا يتصوره أكثرهم إلا بصعوبة ومشقة، ولو سمعه أكثر الخلق لما فهموه ولا عرفوا المراد منه إلا بترجمة، فأين في كتاب الله أو سُنَّة رسوله أو كلام الصحابة الذين نسبة معارف مَن بعدهم إلى معارفهم كنسبة فضلهم ودينهم وجهادهم إليهم ما يدل على ذلك أو يشير إليه، فصار المتأخرون أرباب هذه الاصطلاحات الحادثة بالألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة أعرف بمقامات السالكين ومنازل السائرين وغاياتها من أعلم الخلق بالله بعد رسله؟ هذا من أعظم الباطل...
 فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم. ا.هـ بتصرف.([1])
ي- لا أذكر ما قيل في المدح للشخص؛ ككثرة حفظه، أو حسن صوته في تلاوة القرآن، أو مالَه من منزلة ومكانة عند العلماء والكبراء، وغير ذلك.
 علمًا بأن ما ذُكر من أخطاء وترَّهات لم توجد في عهد الصحابة والتابعين. بل جاءت بعد ذلك. وفي كثير منها لم تصح ولم يثبت سندها كما تقدم بيانه.
 وقد أذكر بعض هذه المخالفات مع ذكر تعقيبات عليها.
2- أذكر كل ما يتعلق بحياة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد أذكر من جاء بعدهم لإتمام الفائدة.
3- لا أذكر المسائل الفقهية، والفتاوى، والتفاسير التي نُقلت عن السلف.
4- بالنسبة لكتاب " سير أعلام النبلاء " فقد ذكرت تعليقات الإمام الذهبي وجعلتها في المتن.
5- نقلت بعض التعليقات المهمة التي تكون إما توضيحًا، أو تعليقًا، أو تعقيبًا، أو توجيها، ونحو ذلك.
6- أضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ نوعين من الكتب:
ý                                       كتب العقيدة.
ý                                       كتب الأدب.
فأضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ: شيئًا من كلام السلف في العقيدة حيث لم تستوعب هذه الكتب ما نُقل عنهم في هذا الباب.
كذلك أضفت كتب الأدب لخلوها من المُلح والأدب وفنون الشعر في الغالب.
7- أدخلت في هذا الكتاب بعض المواضيع التي لا يشملها عنوان الكتاب مثل: أحوال المنتكسين، وطرف ونوادر. وأردت بذلك أن تتم الفائدة وأكون قد حويت أكبر قدر من نقولهم وأحوالهم في شتى المواضيع.


***






منهجي في ترتيب مادة هذا الكتاب

1- قسمت الكتاب إلى مواضيع وعناوين، وربما جعلت عناصر تحت أحد العناوين لكثرة فروعه.
2- اعتنيت بشمولية العناوين، فكل ما يشمله العنوان أو يدور حوله؛ جعلته ضمن هذا العنوان، فمثلاً: موضوع الرجاء وحسن الظن بالله أدخلت تحته كل ما يتعلق بالرجاء؛ فذكرت أقوال السلف في فضل الرجاء وحسن الظن بالله، والقصص في ذلك، وما قيل عن رحمة الله وعفوه وتجاوزه، والقصص في ذلك.
3- رتبت النقول عن السلف على حسب القرون، فأبدأ أولاً بقرن الصحابة، ثم قرن التابعين، ثم تابعيهم وهكذا.
4- إذا وجدت كلامًا لأحد السلف وهذا الكلام يحتوي على عدة مواضيع، فربما جزَّأت هذا الكلام وجعلت كل جزء تحت ما يناسبه من العناوين.
 وأضرب لذلك مثلاً:
* عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإنْ أكْثَرَ التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) 2/104]
فقمت بهذا الترتيب:
* عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية. [الحلية (تهذيبه) 2/104].
 * عن سعيد بن جبير. قال: الذكر طاعة الله. فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإن أكثر التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) 2/104].
فكتبت الجزء الأول تحت موضوع: الخوف والخشية. والجزء الثاني تحت موضوع: الذكر.
5- بالنسبة للمصادر فأكتفي بمصدر أو مصدرين لكل نقل. فإن أكثر العلماء في هذا الباب ينقل بعضهم عن بعض، ولو تتبعت هذه المصادر لزاد حجم الكتاب بغير فائدة تُذكر.
6- بالنسبة للأبيات الشعرية؛ فقد اقتطفت منها الأبيات التي تحمل في طياتها المعاني الجميلة والعبارات الهادفة الواضحة، التي تزيد الكتاب حلاوةً وأُنسًا، ولذَّةً وشوقًا.
7- بالنسبة لكتاب الزهد للإمام أحمد فقد قام المحقق جزاه الله خيرًا بتمييز الآثار الصحيحة من الآثار الضعيفة، والآثار التي ذكرتها في هذا الكتاب هي الآثار التي قام بتصحيحها أو تحسينها. وأما الآثار الضعيفة فقد تركتها.

***

العـقـيـدة

أ- ذمُّ من احتجَّ بالقرآن وردَّ السُّنَّةَ:

        * عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود t: لعن الله تعالى الواشمات والمستوشمات والمتفلِّجات للحسن والمغيّرات خلق الله - عزَّ وجلَّ . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، كانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث ما بلغني عنك؟ أنّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن والمغيّرات خلق الله - عزَّ وجلَّ ؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله r وهو في كتاب الله - عزَّ وجلَّ ؟ فقالت: لقد قرأت ما بين لوحَي المصحف، فما وجدت هذا؟ فقال عبد الله t: لئن كنت قرأته لقد وجدته، ثم قال:
}وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ [الحشر: من الآية7]. [الشريعة /61]
         * وعن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه حدّث عن رسول الله r حديثًا، فقال رجل: إن الله - عزَّ وجلَّ - قال في كتابه: كذا وكذا، فقال: لا أراك تعارض حديث رسول الله r بكتاب الله - عزَّ وجلَّ - سبحانه وتعالى . [الشريعة /61]
 * وقال الأبّار رحمه الله: كنت بالأهواز، فرأيت رجلا قد حفّ شاربه- وأظنه قال: قد اشترى كُتُبَا وتعيَّن للفتيا- فذُكر له أصحاب الحديث، فقال: ليسوا بشيء، وليس يَسْوون شيئًا. فقلتُ: أنت لا تُحسن تُصَلِّي. قال: أنا؟ قلت: نعم، أيْش تحفظُ عن رسول الله r إذا افتتحتَ ورفعتَ يديكَ؟ فسكتَ، قلت: فما تحفظُ عن رسول الله r إذا سَجَدْتَ؟ فسكت، فقلتُ: أَلَمْ أَقُلْ: إنك لا تُحسن تُصَلِّي؟ فلا تذكرْ أصحابَ الحديث. [السير (تهذيبه) 3/1101]
 * وقال محمد بن إسماعيل الترمذي رحمه الله: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قُتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق! زنديق! زنديق! حتى دخل بيته. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث /300-303]
        * وقال الصابوني رحمه الله: وسمعت الحكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه رحمه الله ـ وهو يناظر رجلاً ـ فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدّثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدًا! ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلاَّ هذا. ([2])[عقيدة السلف وأصحاب الحديث /300-303]

 ب- موقف السلف ممن قال: القرآن مخلوق:

 * عن معاوية بن عمار، قال: سئل جعفر بن محمد t عن القرآن: أخالق أم مخلوق؟ فقال: ليس خالقًا ولا مخلوقًا، ولكنه كلام الله - عزَّ وجلَّ . [الشريعة / 85].
 * وقال أحمد بن أبي عوف: سمعت هارون الفروي رحمه الله، يقول: لم أسمع أحدًا من أهل العلم بالمدينة، وأهل السُّنن، إلا وهم ينكرون على من قال: القرآن مخلوق، ويكفرونه.
        قال هارون: وأنا أقول بهذه السُّنَّة.
        قال لنا أحمد بن أبي عوف رحمه الله: وأنا أقول بمثل ما قال هارون.
        قال ابن أبي عوف، وسمعت هارون يقول: من وقف على القرآن بالشك، فلم يقل غير مخلوق، فهو كمن قال: هو مخلوق. [الشريعة / 86، 87].
* وقال سفيان الثوري رحمه الله: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فقد كفر بالله - عزَّ وجلَّ . [الحلية (تهذيبه) 2/384].
        * وقال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فهو زنديق، والله الذي لا إله إلا هو. [الحلية (تهذيبه) 3/109].
        * وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: من قال القرآن مخلوق، فلا تصل خلفه، ولا تمش معه في طريق، ولا تناكحه. [الحلية (تهذيبه) 3/113].
 * وعن منصور بن عمار رحمه الله قال: كتب إليّ بشر المريسي: أعلمني ما قولكم في القرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فكتبت إليه:
        بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فهو الهلكة. كتبت إليّ أن أعلمك القرآن مخلوق أو غير مخلوق، فاعلم أن الكلام في القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطي السائل ما ليس له بتكلف، والمجيب ما ليس عليه، والله تعالى الخالق وما دون الله مخلوق، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فانته بنفسك وبالمختلفين في القرآن إلى أسمائه التي سمَّاه الله بها تكن من المهتدين، ولا تبتدع في القرآن من قلبك اسمًا فتكون من الضالين، وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، جعلنا الله وإياكم ممن يخشونه بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. [الحلية (تهذيبه) 3/220].
 * وقال الشافعي رحمه الله: إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق. [الحلية (تهذيبه) 3/125].
        * وقال أيضًا رحمه الله: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. [الحلية (تهذيبه) 3/125].

ج- موقف السلف في باب الإيمان، وأنه اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص:

 * قال سفيان بن عيينة رحمه الله: " الإيمان قول وعمل ".
         وقال أيضًا رحمه الله: قيل لا بن عيينة: يزيد وينقص؟ قال: " فأي شيء إذًا ". [الشريعة / 123].
        * وعن أبي الفتح نصر بن مغيرة قال: قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: أليس تقرؤون القرآن؟ }فَزَادَهُمْ إِيمَانًا{ [آل عمران: 173] في غير موضع، قيل: ينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص. [الشريعة / 132].
        * وعن عبد الرزاق قال: سمعت سفيان الثوري وابن جريج ومعمرًا رحمهم الله يقولون: " الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ". [الشريعة / 123].
        * وعن يحيى بن سليم قال: سألت سفيان الثوري رحمه الله عن الإيمان؟ فقال: " قول وعمل " وسألت ابن جريج رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت نافع بن عمر الجمحي رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت مالك بن أنس رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت فُضيل بن عياض رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت سفيان بن عيينة رحمه الله فقال: " قول وعمل ". [الشريعة / 138].
 * وقال الأوزاعي رحمه الله: كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله، لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين. [الحلية (تهذيبه) 2/291].
 * وعن أبي إسحاق الفزاري قال: قال الأوزاعي رحمه الله في الرجل يسأل أمؤمن أنت حقًا؟
        قال: إن المسألة عما سئل من ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق، ولم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبيُّنا، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام إلا مثل القول فيه جدل، المنازعة فيه حدث وهزؤ، ما شهادتك لنفسك بذلك بالذي يوجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك، ولا تركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان، إن كنت كذلك، وإن الذي يسألك عن إيمانك ليس يشك في ذلك، ولكنه يريد أن ينازع الله علمه في ذلك، حتى يزعم أن علمه وعلم الله في ذلك سواء.
        فاصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدع، حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق، ممن دخلوا في تلك البدعة بعد ما ردها عليهم علماؤهم، وفقهاؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام، فاستحلتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيهم، ولست بآيس أن يدفع الله سيِّء هذه البدعة.
        ولو كان هذا خيرًا ما خُصِّصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يُدَّخر عنهم خيرًا حق لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب نبيِّه محمد r، الذي اختارهم له، وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم، فقال: }مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا{ [الفتح: 29] ويقول: إنَّ فرائض الله ليس من الإيمان، وإنَّ الإيمان قد يطلب بلا عمل، وإنَّ الناس لا يتفاضلون في إيمانهم، وإنَّ برهم وفاجرهم في الإيمان سواء.
        وما هكذا جاء الحديث عن رسول الله r فإنه بلغنا أنه قال: " الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون جزءاَ، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " وقال الله تعالى: }شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ{ [الشورى: 13]، والدِّين هو التصديق وهو الإيمان والعمل، فوصف الله الدين قولاً وعملاً، فقال: }فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ{ [التوبة: 11]، فالتوبة من الشرك قول، وهي من الإيمان، والصلاة والزكاة عمل. [الحلية (تهذيبه) 3/61].
 * وقال الحميدي: وسمعت وكيعًا رحمه الله يقول: أهل السُّنَّة يقولون: الإيمان: قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان: قول، والجهمية يقولون: الإيمان: المعرفة. [الشريعة / 138].
        * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول وعمل. [الحلية (تهذيبه) 2/9].
        * وقال مسعر رحمه الله: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) 2/423].
        * وقال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: كان من أدركت من الأئمة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) 3/109].
د- موقف السلف في باب القدر([3]) :
 * قال أبو الأسود الديلي: قدمت البصرة، وبها عمران بن الحصين t صاحب رسول الله r، فجلست في مجلس، فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فأتيت عمران بن الحصين، فقلت: يا أبا نجيد، إني جلست مجلسًا فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدِّثي عنه؟ فقال: نعم: تعلم أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته، ما تُقُبِّلَ منك حتى تؤمن بالقدر كله، خيره وشره، وستقدم المدينة فتلقى بها أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، قال: فقدمت المدينة، فجلست في مجلس فيه عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب. فقلت لأُبَيّ: أصلحك الله، إني قدمت البصرة، فجلست في مجلس، فذكروا القدر فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدثي عنه؟ فقال: نعم. تعلم أن الله - عزَّ وجلَّ - لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته ما تقبل منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، حدِّث أخاك. قال: فحدثني بمثل ما حدثني أُبيّ بن كعب. [الشريعة / 217، 218].
        * وقال عبد الله بن مسعود t: لا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر كله، وبأنه مبعوث من بعد الموت. [الشريعة / 218].
* وعن أبي الحجاج الأزدي قال: قلت لسلمان الفارسي t: ما قول الناس حتى تؤمن بالقدر خيره وشره؟ قال: حتى تؤمن بالقدر، تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ولا تقول: لو فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو لم أفعل كذا وكذا، لم يكن كذا وكذا. [الشريعة / 220].
        * وعن عطاء بن أبي رباح قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت t: كيف كانت وصية أبيك إياك حين حضره الموت؟ قال: دعاني فقال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، واعلم أنك لن تتقي الله - عزَّ وجلَّ - حتى تؤمن بالله، واعلم أنك لن تؤمن بالله، ولن تَطْعم طعم حقيقة الإيمان، ولن تبلغ العلم، حتى تؤمن بالقدر كله خيره وشره؟ قال: قلت: يا أبتِ، وكيف لي أن أؤمن بالقدر كلّه خيره وشرّه؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، أي بني، إني سمعت رسول الله r يقول: " إن أول ما خلق الله - عزَّ وجلَّ - القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب يا رب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد ". [الشريعة / 223].
 * وعن محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند ابن عمر رضي الله عنهما، فسئل عن القدر؟ فقال: شيء أراد الله - عزَّ وجلَّ - ألاّ يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله - عزَّ وجلَّ - ما أبى عليكم. [الشريعة / 245].
        قال الآجري رحمه الله: هذا معنى ما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله، في رسالته لأهل القدر. قوله: فلئن قلتم: قد قال الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه كذا وكذا، يقال لهم: لقد قرؤوا منه ـ يعني الصحابة ـ ما قد قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، ثم قالوا بعد ذلك: كله كتاب وقدر، وكتب الشقوة وما قدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعًا، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا، والسلام. [الشريعة / 245].
        * وعن ابن عباس t أنه قال: كل شيء بقدر، حتى وضعك يدك على خدك. [الشريعة / 225].
        * وقال أيضًا رضي الله عنه: القدر: نظام التوحيد، فمن وحَّد الله تعالى فآمن بالقدر، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن وحَّد الله وكذب بالقدر، فإن تكذيبه بالقدر نقص للتوحيد. [الشريعة / 226].
        * وعن محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال: ما ينكر قوم إن الله - عزَّ وجلَّ - علم شيئًا فكتبه؟. [الشريعة / 230].
 * وعن إياس بن معاوية رحمه الله قال: لم أخاصم بعقلي كله من أصحاب الأهواء، غير أصحاب القدر. قال: قلت: أخبروني عن الظلم في كلام العرب ما هو؟ قالوا: أنْ يأخذ الرجل ما ليس له، قال: فقلت: فإن لله - عزَّ وجلَّ - كل شيء. [الشريعة / 231].
وعاجزُ الرَّأْي مِضْيَاعٌ لفُرْصَتهِ

 
حتى إذا فات أَمْرٌ عاتبَ القَدَرا

 
* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/540].

 * وعن طاووس رحمه الله قال: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه. [الحلية (تهذيبه) 2/28].
        * وعن ابن طاووس – أو غيره -: أن رجلاً كان يسير مع طاووس فسمع غرابًا نعب فقال: خير، فقال طاووس: أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني أو لا تمشي معي. [الحلية (تهذيبه) 2/28].
 * واجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء رحمه الله وعمرو بن عُبَيد فقال عمرو: إن الله وَعَدَ وَعْدًا وأَوعَد إيعادًا وإنه مُنْجِِزٌ وعْدَه ووعيدَه. فقال له أبو عَمْرو: أنت أَعجَم! لا أقولُ إنَّك أَعجَمُ اللسان، ولكنك أعجم القَلْب! أما تعلم، وَيحَكَ! أن العرب تَعُدُّ إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ إيقاع الوعيد مَكْرُمة؟ ثم أنشده:
لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي

 
وإنِّي وَإنْ أَوْعدْتُه أو وعَدْتُه

 
 


       
 [عيون الأخبار 2/541].
        * وقال داود بن أبي هند رحمه الله: أتيت الشام فلقيني غيلان. فقال: يا داود إني أريد أن أسألك عن مسائل؟ قلت: سلني عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني ما أفضل ما أعطي ابن آدم؟ قال: العقل، قلت: فأخبرني عن العقل هو شيء مباح للناس من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أو هو مقسوم بينهم؟ قال: فمضى ولم يجبني. [الحلية (تهذيبه) 1/463].
        * وعن أنس بن عياض؛ أن غيلان وقف على ربيعة رحمه الله فقال: يا ربيعة أنت الذي تزعم أن الله - عزَّ وجلَّ - يحب أن يُعصى؟ قال: ويلك يا غيلان أفأنت الذي تزعم أن الله يعصى قسرًا؟ [الحلية (تهذيبه) 1/533].
        * وقال مطرف رحمه الله: إنَّ ها هنا قومًا يزعمون أنهم إن شاؤوا دخلوا الجنة، وإن شاؤوا دخلوا النار، ثم حلف مطرف بالله ثلاثة أيمان مجتهد، أن لا يدخل الجنة عبد أبدًا إلا عبد شاء أن يدخله إياها عمدًا. [الحلية (تهذيبه) 1/360].
        * وقال أيضًا رحمه الله: لو أخرج قلبي فجعل في يدي هذه اليسار، وجيء بالخير فجعل في هذه اليمنى ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله تعالى يضعه. [الحلية (تهذيبه) 1/360].
        * وقال أيضًا رحمه الله: ليس لأحد أن يصعد فيلقي نفسه من فوق البئر ويقول: قُدِّر لي. ولكن يحذر ويجتهد ويتقي، فإن أصابه شيء علم أنه لم يصبه إلا ما كتب الله له. [الحلية (تهذيبه) 1/360].
 * وعن حماد بن زيد. قال: قلت لداود بن أبي هند: ما قلت في القدر؟ قال: أقول ما قال مطرف بن الشخير: لم نوكل إلى القدر وإليه نصير. [الحلية (تهذيبه) 1/463].
* وعن ثابت أن أخًا لصِلة بن أشيم رحمه الله مات، فجاء رجل وهو يَطْعَم، فقال: يا أبا الصهباءُ إن أخاك مات، فقال: هَلُمّ فكُلْ قد نُعِي لنَا، ادْنُ فكُلْ. فقال: والله ما سبقَني إليك أحد، فَمن نعاه؟.
 قال: يقول الله - عزَّ وجلَّ - }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{ [الزمر:30]. [صفة الصفوة 3/151].
        * وقال بلال بن أبي بردة، لمحمد بن واسع رحمه الله: ما تقول في القضاء والقدر؟ قال: أيها الأمير إن الله - عزَّ وجلَّ - لا يسأل يوم القيامة عباده عن قضائه وقدره، إنما يسألهم عن أعمالهم. [الحلية (تهذيبه) 1/415].
        * وعن خيثمة رحمه الله قال: دخل ملك الموت على سليمان - عليهما السلام - فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم إليه النظر، فلما خرج قال الرجل: من هذا؟ قال: هذا ملك الموت - عليه السلام . قال: لقد رأيته ينظر إليّ فكأنه يريدني. قال: فما تريد. قال: أريد أن تحملني على الريح فتلقيني بالهند. قال: فدعا بالريح فحمله عليها فألقته بالهند ثم أتى ملك الموت سليمان - عليه السلام - فقال: إنك كنت تديم النظر إلى رجل من جلسائي. قال: كنت أعجب منه، إني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. [الحلية (تهذيبه) 2/65].
        * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: من كذَّب بالقدر فقد كفر. [الزهد للإمام أحمد / 481].
        * وعن عمرو بن الهيثم رحمه الله قال: خرجت في سفينة إلى الأُبُلَّة أنا وقاضيها هبيرة بن العديس قال: وصحبنا في السفينة مجوسي وقدري، فقال القدري للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي: حتى يريد الله، فقال القدري: الله يريد والشيطان لا يدعك، قال: يقول المجوسي: أراد الله، وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي([4]). [الشريعة / 252، 253].
 * وقال أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي رحمه الله: قال بعض العلماء مسألة يقطع بها القدري: يقال له: أخبرنا: أراد الله - عزَّ وجلَّ - من العباد أن يؤمنوا فلم يقدر، أو قدر ولم يرده؟ فإن قال: قدر فلم يرد، قيل له: فمن يهدي من لم يرد الله هدايته؟ فإن قال: أراد فلم يقدر، قيل له: لا يشك جميع الخلق أنك قد كفرت ياعدو الله. [الشريعة / 252، 253].
 * وعن أبي عثمان قال: كان عيسى - عليه الصلاة والسلام - يصلي على رأس جبل، فأتاه إبليس فقال: أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر؟ قال: نعم، قال: ألق نفسك من الجبل، وقل: قدر علي، قال: يا لعين! الله يختبر العباد، وليس للعباد أن يختبروا الله - عزَّ وجلَّ . [موسوعة ابن أبي الدنيا / 4/544].

هـ- موقف السلف في باب الاستواء وعلوِّ الله:
 * قال مالك بن أنس رحمه الله: الله - عزَّ وجلَّ - في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من عمله مكان. [الشريعة / 293].
        * وقال عبد الله بن العوام: قدم علينا شريك رحمه الله واسطًا، فقلنا له: إن عندنا قوم ينكرون هذه الأحاديث: " أن الله - عزَّ وجلَّ - ينزل إلى السماء الدنيا " ونحوه. فقال شريك: إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاء بالسُّنن عن رسول الله r الصلاة والصيام والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله - عزَّ وجلَّ - بهذه الأحاديث. [الشريعة / 311].
و- موقف السلف في باب الصفات([5]):
 * عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، والثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد رحمهم الله: عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فكلهم قال: أمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير. [الشريعة / 318].
 * وعن جعفر بن عبد الله، قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله فسأله عن قوله: }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{ [طه: 5] كيف استوى؟ قال: فما رأيته وجد من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء، وأطرق القوم، فجعلوا ينظرون الأمر به فيه، ثم سُرّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالاً، ثم أمر به فأُخرج. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 182، 183].
 * وعن عبد الرحمن بن عمر. قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول لفتى من ولد جعفر بن سليمان الهاشمي: مكانك. فقعد حتى تفرق الناس. ثم قال له: يا بني، تعرف ما في هذه الكورة([6])من الأهواء والاختلاف، وكل ذلك يجري منك على بال رخي إلا أمرك، وما بلغني فإن الأمر لا يزال هينًا ما لم يصل إليكم  – يعني السلطان – فإذا صار إليكم جل وعظم.
        قال: يا أبا سعيد وما ذاك؟ قال: بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبه.
        قال الغلام: نعم يا أبا سعيد، نظرنا فلم نر من خلق الله شيئًا أحسن ولا أولى من الإنسان، فأخذ يتكلم في الصفة.
        فقال له عبد الرحمن: رويدك يا بني، حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عن المخلوق فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة عن الشيباني قال: سمعت سعيد بن جبير قال: قال عبد الله في قوله }لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى{ [النجم: 18] قال: رأى جبريل له ستمائة جناح. فبقي الغلام ينظر، فقال له عبد الرحمن: يا بني فإني أهون عليك المسألة، وأضع عنك خمسمائة وسبعًا وتسعين جناحًا، صف لي خلقًا بثلاثة أجنحة، ركب الجناح الثالث منه موضعًا غير الموضعين الذين ركبهما الله - عزَّ وجلَّ - حتى أعلم.
        فقال: يا أبا سعيد قد عجزنا عن صفة المخلوق، ونحن عن صفة الخالق أعجز، فأشهدك أني قد رجعت عن ذاك وأستغفر الله. [الحلية (تهذيبه) 3/114].
        * وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي رحمه الله عن الاستواء وقيل له: كيف استوى على عرشه؟ فقال: إنا لا نعرف من أنباء الغيب إلاَّ مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 182 – 185].
        * وقال الزهري إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة t: على الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 190].
        * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 235].
        * وروى يزيد بن هارون رحمه الله في مجلسه، حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله r: " إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر " فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحَرَدَ وقال: ما أشبهك بصَبيغ([7])وأحوجك إلى مثل ما فُعل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا! ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلاَّ من سفه نفسه واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه فإنكم إن اتبعتموه، ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 236، 237].
        * وقال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله: اعلم رحمك الله، أن كل ما توهمه قلبك، أو رسخ في مجاري فكرتك، أو خطر في معارضات قلبك. من حسن أو بهاء أو إشراف أو ضياء أو جمال، أو شبح ماثل أو شخص متمثل، فالله بخلاف ذلك كله، بل هو تعالى أعظم وأجل وأكمل، ألم تسمع إلى قوله - تعالى -:: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{ [الشورى: 11]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ [الإخلاص: 4] أي لا شبه ولا نظير ولا مساوي ولا مثل. [الحلية (تهذيبه) 3/392].

ز- موقف السلف في باب التكفير، والتبديع، والتفسيق:
* قيل لشقيق بن سلمة رحمه الله: بأي شيء تشهد على الحجاج؟ فقال: أتأمروني أن أحكم على الله؟. [المنتظم /6/254].
 * وقال ابن خزيمة رحمه الله: من لم يقرَّ بأنَّ الله على عرشه قد استوى فوقَ سبعِ سماواته فهو كافر حلالُ الدَّم، وكان ماله فَيئًا.
 قال الذهبي رحمه الله: مَن أقرَّ بذلك تصديقًا لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله r، وآمن به مفوِّضًا معناه إلى الله ورسوله، ولم يخُض في التأويل ولا عمَّق، فهو المسلم المتَّبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدرِ بثبوت ذلك في الكتاب والسُّنَّة فهو مقصِّرٌ، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب اللهُ على كل مسلم حِفْظَ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقَفا غير سبيلِ السَّلَفِ الصالح، وتمعقل على النَّص، فأمرُهُ إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى. [السير(تهذيبه) 3/1161].
 * وقال أبو العبَّاس السَّراج رحمه الله: من لم يقرَّ بأن الله تعالى يَعجَبُ، ويضحكُ، وينزل كل ليلة إلى السَّماء الدُّنيا، فيقول: " من يسألني فأعطيه " فهو زنديقٌ كافر، يُستتابُ، فإن تاب وإلا ضُربت عنُقُه، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
قال الذهبي رحمه الله: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول r قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند نسأل الله الهدى، وإن اعترف أن هذا حق، ولكن لا أخوض في معانيه، فقد أحسن، وإن آمنَ وأوَّل ذلك كلَّه، أو تأول بعضَهُ، فهو طريقة معروفة. [السير (تهذيبه) 3/1164].
        * وقال الذهبي رحمه الله: رأيتُ للأشعريِّ رحمه الله كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقيُّ، سمعتُ أبا حازم العَبْدَويَّ، سمعت زاهر بن أحمد السرخسيَّ يقول: لمّا قَرُبَ حضورُ أجلِ أبي الحسن الأشْعَريِّ في داري ببغداد، دعاني فأتيتُه، فقال: اشهدْ عليَّ أني لا أكفِّر أحدًا من أهلِ القبْلة، لأنَّ الكلَّ يشيرونَ إلى معبودٍ واحد، وإنِّما هذا كلُّه اختلاف العبارات.
           قال الذهبي رحمه الله: قلتُ: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخُنا ابنُ تيميةَ رحمه الله في أواخر أيامه، يقول: أنا لا أكفر أحدًا من الأمة([8])، ويقول: قال النبيُّ r:" لا يُحافِظُ على الوضوء إلاَّ مؤمنٌ " فمن لازم الصَّلَواتِ بوضوءٍ فهو مُسلم([9]). [السير (تهذيبه) 3/1174].
        * وقال الذهبي رحمه الله: كما كان جماعة في أيَّام النبي r منتسبون إلى صُحبَتِه وإلى ملَّتِه، وهم في الباطن من مَرَدَةِ المنافقين، ولا يعرفهم نبي الله r، ولا يعلم بهم، قال الله تعالى: }وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ{ [التوبة: 101].
فإذا جاز على سيِّد البشر أن لا يعلمَ ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فالأولى أن يخفى حالُ جماعةٍ من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده - عليه السلام - على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيهُ أن تُبادر إلى تكفير المسلم إلاّ ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفانَ والولايةَ فيمن قد تبرهن زغَلُه، وانهتك باطنُهُ وزندقتُه، فلا هذا ولا هذا، بل العدلُ أنَّ من رآه المسلمون صالحًا محسنًا، فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن من رآه المسلمون فاجرًا أو منافقًا أو مُبطلاً، فهو كذلك، وأنَّ من كان طائفةٌ من الأُمة تُضَلِّلُه، وطائفةٌ من الأُمة تُثني عليه وتبجِّلُه، وطائفة ثالثة تقفُ فيه وتتورَّع من الحطِّ عليه، فهو ممَّن ينبغي أن يعرَض عنه، وأن يُفَوَّضَ أمرُه إلى الله، وأن يستغفَرَ له في الجملة، لأن إسلامَهُ أصليٌّ بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريحُ ويصفو قلبُك من الغِلِّ للمؤمنين.
ثم اعلم أنَّ أهل القبلة كلَّهم، مؤمنَهم وفاسقَهم وسُنِّيَّهُم ومبتدِعَهُم- سوى الصحابة- لم يجمعوا على مسلم بأنَّه سعيد ناجٍ، ولم يُجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصِّديق فرد الأمَّة، قد علمتَ تفرُّقهم فيه وكذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك عليّ، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المَرِيسيّ، وكذلك أحمدُ بن حنبل والشافعيّ، والبُخاريّ، والنَّسائيّ، وهلمَّ جرًّا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمامٍ كامل في الخير إلا وثمَّ أناسٌ من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمُّونه ويحطُّون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرَّفضِ إلا وله أناس ينتصرون له، ويَذُبُّون عنه، ويَدينون بقوله بهوىً وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل المتصفين بالورع والعلم. [السير(تهذيبه) 3/1158، 1159].
* وقال أيضًا رحمه الله: ولو أن كلَّ من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه، وتوخِّيه لاتِّباع الحقّ- أهدرناه، وبَدَّعناه، لقلَّ منْ يَسْلَم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمَنِّه وكَرَمِه. [السير (تهذيبه) 3/1162].

ح- موقف السلف من الصحابة:
 * عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله r في النوم أشعث أغبر، بيده قارورتان فيهما دم، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، قال: فنظروا فإذا الحسين قد قتل في ذلك اليوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 3/84].
 * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: رأيت رسول الله r وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينا أنا جالس إذ أُتي بعلي ومعاوية - رضي الله عنهما - فأُدخلا بيتا وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر إليهما، فما كان بأسرع أن خرج علي وهو يقول: قُضي لي ورب الكعبة، وما كان بأسرع أن خرج معاوية على إثره وهو يقول: غُفر لي ورب الكعبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/81].
 * وعن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي رحمه الله قال: رأيت في المنام كأن الناس حشروا، وإذا سواد عظيم منطلقون، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المقتتلون من أصحاب رسول الله r قلت: فأين ينطلقون؟ قالوا: إلى الجنة، قلت: سبحان الله بينا هم يتطاعنون بالرماح إذ صاروا إلى الجنة؟! فقالوا: وما تذكر من رحمة الله؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3 / 82].

ط- معنى الشهادة وفضلها وأهميتها ([10]):
        * عن سعيد بن رمانة. قال: قيل لوهب بن منبه رحمه الله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى! ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، من أتى الباب بأسنانه فتح له، ومن لم يأت الباب بأسنانه لم يفتح له. [الحلية (تهذيبه) 2/50].
 * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: ما أنعم الله - عزَّ وجلَّ - على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 10/494].

ي- الولاء والبراء:

 * عن أبي موسى الأشعري t قال: قلت لعمر t: إن لي كاتبًا نصرانيًّا، قال: مالكَ؟ قاتلك الله، أما سَمعت الله يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ{ [المائدة: 51] ألا اتَّخذت حنيفًا؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لِي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانَهم الله، ولا أُعزُّهم إذ أذلَّهم الله، ولا أُدنيهم إذ أقصاهم الله. ([11]) [اقتضاء الصراط المستقيم 84، 85].
        * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: ما أنا بشيء من عملي أوثق به مني بحبي أصحاب محمد r، وقال: أوثق عملي في نفسي حب أصحاب محمد r. [الحلية (تهذيبه) 3/91].
* وعن أبي بكر السبائي قال: سمعت بعض مشايخنا يحكي أن الشافعي رحمه الله، عابه بعض الناس لفرط ميله إلى أهل البيت، وشدة محبته لهم، إلى أن نسبه إلى الرفض، فأنشأ الشافعي في ذلك يقول:
واهتف بقاعد خيفها والناهض
فليشهد الثقلان أني رافضي

 
قف بالمحصب من منى فاهتف بها
إن كان رفضًا حب آل محمد

 
 


 [الحلية (تهذيبه) 3/134].
* وقال شاه الكرماني رحمه الله: ما تعبَّد متعبِّد بأكثر من التحبُّب إلى أولياء الله بما يحبون، لأن محبة أولياء الله دليل على محبة الله. [الحلية (تهذيبه) 3/359].

ك- ذم الحلف بغير الله:

 * عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن حدير، فقلت في كلامي: لا والأمانة، فجعل زياد يبكي، فظننت أني أتيت أمرًا عظيماً، فقلت له: أكان يُكره ما قلت؟ قال: نعم: كان عمر t ينهانا عن الحلف بالأمانة أشد النهي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/339].


* * *


التمسك بالكتاب والسُّنَّة والأثر، وذم الأخذ بالرأي([12]):
        * قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: سنَّ رسول الله r وولاة الأمر بعده - رضي الله عنهم - سننًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله - عزَّ وجلَّ - واستكمال لطاعة الله - عزَّ وجلَّ - وقوة على دين الله تبارك وتعالى. ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها. من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولّاه الله تعالى ما تولّى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. [الشريعة / 72].
 * وعنه رحمه الله، أنه كتب إلى الناس: إنه لا رأي لأحد مع سُنَّة رسول الله r. [الشريعة / 62].
        * وقال قتادة رحمه الله: ما أفتيت برأيي منذ ثلاثين سنة. [الحلية (تهذيبه) 1/408].
 * وعن الحسن رحمه الله قال: كان والله من أدركت من صدر هذه الأمة ما قالوا بألسنتهم فكذلك في قلوبهم، كانوا والله موافقين لكتاب ربهم ولسُنَّة نبيهم r، فإذا جنَّهم الليل فقيام على أطرافهم، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، يرغبون إلى ربهم في فكاك رقابهم، إذا أشرف لهم من الدنيا شيء أخذوا منه قوتهم، ووضعوا الفضل في معادهم، وأدوا إلى الله فيه الشكر، وإن زوى عنهم استبشروا وقالوا: هذا نظر من الله واختبار منه لنا، إن عملوا بالحسنة سرتهم ودعوا الله أن يتقبلها منهم، وإن عملوا بالسيئة ساءتهم واستغفروا الله منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/331].
 * وعن حماد بن زيد. قال: سئل أيوب رحمه الله عن شيء؟ فقال: لم يبلغني فيه شيء، فقيل له: قل فيه برأيك، فقال: لا يبلغه رأيي. [الحلية (تهذيبه) 1/433].
 * وعن حماد بن زيد. قال: سمعت أيوب رحمه الله وقيل له: ما لك لا تنظر في هذا ـ يعنى: الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار: ألا تجتر! فقال: أكره مضغ الباطل. [الحلية (تهذيبه) 1/433].
 * وعن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله: أن شقيقًا الضبي قال له: لم تنه الناس عن مجالستي؟ قال: إني رأيتك مضلاًّ لدينك تطلب أرأيت أرأيت!! [الحلية (تهذيبه) 2/83].
 * وعن المعتمر بن سليمان التيمي رحمه الله قال: مات صاحب لي كان يطلب معي الحديث، فجزعت عليه، فرأى أبي جزعي عليه. فقال: يا معتمر كان صاحبك هذا على السُّنَّة؟ قلت: نعم! قال: فلا تجزع عليه – أو لا تحزن عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/442].
        * وقال أبو العالية رحمه الله: مَن مات على السُّنَّةِ مسْتُورًا، فهو صِدّيقٌ، ويقال: الاعتصام بالسُّنَّة نَجَاة. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
        * وعن الزهري رحمه الله قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: إن الاعتصام بالسنة نجاة. [الحلية (تهذيبه) 2/26].
 * وقال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله: المتبع للسُّنَّةِ كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله. ([13])[عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 252].
        * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: الإسلام هو السُّنَّةِ، والسُّنَّة هي الإسلام. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
        * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: العجب ممن يدعو اليوم إلى السُّنَّةِ وأعجب منه من يجيب إلى السُّنَّةِ فيقبل. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
        * وكان ابن عون رحمه الله يقول عند الموت: السنّة، السنّة، وإيّاكم والبدع، حتى مات. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
        * وعن مجاهد رحمه الله قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي r. [الحلية (تهذيبه) 2/13].
        * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كان أصحابنا يكرهون تفسير القرآن ويهابونه. ([14])[الحلية (تهذيبه) 2/91].
        * وقال أيضًا رحمه الله: لا يستقيم رأي إلا برواية، ولا رواية إلا برأي. [الحلية (تهذيبه) 2/92].
        * وقال أيضًا رحمه الله: كانوا يكرهون أن يتكلموا في القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 7/356].
* وعن أبي الزناد رحمه الله قال: ما رأيت أحدًا أعلم بالسنّة من القاسم بن محمد، وكان الرجل لا يعدّ رجلاً حتى يعرف السنّة. [صفة الصفوة 2/444].
        * وقال سفيان الثوري رحمه الله: تعلموا هذه الآثار، فمن قال برأيه فقل: رأيي مثل رأيك. [الحلية (تهذيبه) 2/364].
        * وقال الأوزاعي رحمه الله: اصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم. ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم القول إلا بالعلم، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافَقةً للسنة. [الحلية (تهذيبه) 2/291].
*  وقال أيضًا رحمه الله: عليك بآثار مَنْ سَلف، وإن رَفَضَك النَّاس، وإياك وآراء الرِّجال، وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنتَ على طريقٍ مستقيم. ([15]) [السير (تهذيبه) 2/683].
* وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: كان يقال: اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها. [الحلية (تهذيبه) 2/444].
* وقال شقيق البلخي رحمه الله: أربعة أشياء من طريق الاستقامة: لا يترك أمر الله لشدةٍ تنزلُ به، ولا يتركه لشيء يقع في يده من الدنيا، فلا يعمل بهوى أحد ولا يعمل بهوى نفسه، لأن الهوى مذموم، ليعمل بالكتاب والسُّنَّة. [الحلية (تهذيبه) 2/502].
        * وقال ابن المبارك رحمه الله: ليكن الذي تعتمدون عليه هذا الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث. [الحلية (تهذيبه) 3/37].
        * وقال مالك بن أنس رحمه الله: مَنْ لزِمَ السنّة وسَلِمَ منه أصحاب رسول الله r ثم مات: كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وإن كان له تقصير في العمل. [شرح السُّنَّةِ / 126].
* وقال أيضًا رحمه الله: لو كان لي سلطان على من يفسر القرآن لضربت رأسه ([16]). [الحلية (تهذيبه) 2/355].
        * وقال أيضًا رحمه الله: إن حقًا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله. [الحلية (تهذيبه) 2/357].
* وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس ينبغي لمن ألهم شيئًا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به وحمد الله - عزَّ وجلَّ - على ما وفق من قلبه. [الحلية (تهذيبه) 3/192].
* وقال أيضًا رحمه الله: ربما يقع في قلبي النُّكتة من نُكَت القوم أيامًا فلا أقبل منه إلاَّ بشاهِدَين عدْلين: الكتاب والسُّنَّة. [صفة الصفوة 4/446].
 * وقال الشافعيُّ رحمه الله: كلُّ ما قلتُه فكانَ من رسول الله r خلافُ قولي ممَّا صحَّ، فهو أولى، ولا تُقَلِّدُوني. [السير (تهذيبه) 2/848].
* وقال أيضًا رحمه الله: ما أوردتُ الحقّ والحجة على أحد فقبلهما مني، إلا هبته واعتقدت مودّته، ولا كابرَني على الحق أحد ودافع الحجّة إلا سقَط من عيني. [صفة الصفوة 2/552].
* وقال أيضًا رحمه الله: إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنَّة رسول الله r، فقولوا بسُنَّة رسول الله ودَعوا ما قلت. [صفة الصفوة 2/556].
 * وقال أيضًا رحمه الله: كلما قلت، وكان عن النبي r خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي r أولى ولا تقلدوني. [الحلية (تهذيبه) 3/125].
* وقال أيضًا رحمه الله: إذا وجدتم لرسول الله r سُنَّة فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد. [الحلية (تهذيبه) 3/125].
* وقال الحميديُّ: روى الشافعيُّ رحمه الله يومًا حديثًا، فقلتُ: أتأخُذُ به. فقال: رأيتَني خرجتُ من كنيسةٍ، أو عليَّ زُنَّارٌ، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله r حديثًا لا أقول به!!! [السير (تهذيبه) 2/848].
* وعن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي رحمه الله وقد روى حديثًا، فقال له بعض من حضر: تأخذ بهذا؟ فقال: إذا رويت عن رسول الله r حديثًا صحيحًا، فلم آخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب، ومدَّ يديه. [صفة الصفوة 2/556].
        * وعنه. قال: سأل رجل الشافعي رحمه الله عن حديث النبي r فقال له الرجل: فما تقول؟ فارتعد وانتفض وقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله r، وقلت بغيره. [الحلية (تهذيبه) 3/125].
        * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله r، فأخبرونا به حتى نرجع إليه. [الحلية (تهذيبه) 3/139].
        * وعن إبراهيم بن هاني قال: اختفى عندي أحمد بن حنبل رحمه الله ثلاثة أيام ثم قال: اطلب لي موضعًا حتى أتحول إليه. قلت: لا آمن عليك يا أبا عبد الله، قال: إذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعًا فلما خرج قال لي: اختفى رسول الله r في الغار ثلاثة أيام، ثم تحول، وليس ينبغي أن نتبع رسول الله r في الرخاء ونتركه في الشدة. [الحلية (تهذيبه) 3/144].
* وقال أبو يزيد البسْطامي رحمه الله: لله خلقٌ كثيرٌ يمشون على الماء، لا قيمةَ لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تَغْتَرُّوا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحِفْظِ الحدود والشرع. [السير (تهذيبه) 3/155].
*  وقال أبو عثمان الحيري رحمه الله: من أمَرّ السُّنة على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمَرّ الهوى على نفسه نطق بالبدعة، قال - تعالى -:: }وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا{ [النور:54].
   قال الذهبي: وقال - تعالى -:: }ولا تتبعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عن سَبِيلِ الله{ [ص: 26]. [السير (تهذيبه) 2/723].
* وقال السري السقطي رحمه الله: قليل في سنّة خير من كثير في بدْعة، كيف يقل عملٌ مع تقوى؟. [صفة الصفوة 2/627].
        * وقال أيضًا رحمه الله: من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط. [الحلية (تهذيبه) 3/287].
        * وقال الجنيد رحمه الله:علمُنا مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به. [الحلية (تهذيبه) 3/371].
        * وقال أيضًا رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سُنَّته، ولزم طريقته، فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/373].
        * وقال أبو العباس بن عطاء رحمه الله: من ألزم نفسه آداب السنة غمر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً وفعلاً ونية وعقدًا.[الحلية (تهذيبه) 3/400].
* وعن عيسى بن أحمد الهمذاني أنه قال: كان عبد العزيز الداركي الشافعي رحمه الله إذا جاءته مسألة تفكر طويلاً ثم أفتى فيها، فربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله r بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله r أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه.[المنتظم 14/214].
* * *

ذم البدع والمبتدعة، والهوى وأهله،

والجدال والمراء

أ- ذم البدع:

 * عن سفيان الثوري رحمه الله قال: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يُلقها في قلوبهم.
قال الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة والشُّبَه خَطَّافة. [السير (تهذيبه) 2/698].
* وقال سفيان رحمه الله أيضًا: البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. ([17])[الحلية (تهذيبه) 2/381].
* وعن مطرّف بن عبد الله رحمه الله قال: لأن يسألني ربي - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة، فيقول: يا مطرف ألا فعلت؟ أحبّ إلي من أن يقول: لِم فعلت. [صفة الصفوة 3/158].
 * وقال مطر الوراق رحمه الله: عمل قليل في سُّنَّة، خير من عمل كثير في بدعة، ومن عمل عملاً في سنة قبل الله منه عمله، ومن عمل عملاً في بدعة، ردّ الله عليه بدعته. [الحلية (تهذيبه) 1/457].
* وعن مجاهد رحمه الله قال: ما أدري أيُّ النعمتين أفضل؟ أن هداني للإسلام؟ أو عافاني من الأهواء. [الحلية (تهذيبه) 2/13].

ب- ذم المبتدعة:

        * قال عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه: إن ناسًا يجادلونكم بِشُبَه القرآن، فخذوهم بالسُّنن، فإن أصحاب السُّنن أعلم بكتاب الله - عزَّ وجلَّ . [الشريعة / 57].
 * وعن أبي البختري قال: أخبر رجل عبد الله بن مسعود t أن قوما، يجلسون في المسجد بعد المغرب وفيهم رجل يقول: كبِّروا لله كذا وكذا وسبِّحوا لله كذا وكذا واحمدوا لله كذا وكذا فقال عبد الله: فيقولون؟ قال: نعم، فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم وعليه بُرنس فجلس فلما سمع ما يقولون قام وكان رجلا حديدا فقال: أنا عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد r علماً؟ فقال معضد: والله ما جئنا ببدعة ظلماء ولا فضلنا أصحاب محمد r علماً، فقال عمرو بن عتبة: يا أبا عبد الرحمن نستغفر الله قال: عليكم بالطريق فالزموه فوالله لئن فعلتم لقد سبقتم سبقا بعيدا وإن أخذتم يمينا وشمالا لتضلوا ضلالا بعيدا. [الزهد للإمام أحمد].
        * وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. [الشريعة / 70].
* وعن أيوب السختياني رحمه الله قال: ما ازداد صاحبُ بدعةٍ اجتهادًا، إلا زاد من الله - عزَّ وجلَّ - بُعدا. [صفة الصفوة 3/211].
        * وعن جابر. قال: قال لي محمد بن علي رحمه الله: يا جابر بلغني أن قومًا بالعراق، يزعمون أنهم يحبوننا، وينالون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم إني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله تعالى بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما. [الحلية (تهذيبه) 1/508].
* وعن شعبة الخياط مولى جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي لما ودعته: أبلغ أهل الكوفة أني برئ ممن تبرأ من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وأرضاهما. [الحلية (تهذيبه) 1/508].
*  وقال أبو الجوزاء رحمه الله: لأن أجالسَ الخنازير أحبُّ إليَّ من أن أجالسَ أحدًا من أهل الأهواء. [السير (تهذيبه) 2/512].
        * وعن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالك بن أنس رحمه الله إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: سَنَّ رسول الله r وولاة الأمر من بعده سُننًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله - عزَّ وجلَّ - واستكمال لطاعة الله - عزَّ وجلَّ - وقوة على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن انتصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله تعالى ما تولاه، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا. [الشريعة / 56، 57].
 * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره. [الشريعة / 72].
        * وعن أبي قلابة رحمه الله أنه كان يقول: إن أهل الأهواء أهل الضلالة، ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار. [الشريعة / 72].
        * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: صاحب البدعة لا تقبل له صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صرف، ولا عدل. [الشريعة / 72].
        * وقال أحمد بن سنان القطان رحمه الله: ليس في الدنيا مبتدع إلاَّ وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نُزعت حلاوة الحديث من قلبه. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 298، 299].
 * وقال سفيان الثوري رحمه الله: مَن أَصغى بإذنه إلى صاحب بدعة: خرج من عصمة الله، ووُكِلَ إليها ـ يعني: على البدع ـ. ([18])[شرح السُّنَّةِ 126 -129].
 * وقال أيضًا رحمه الله: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة. [تلبيس إبليس / 27].
 * وعن مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز بن أبي داود وكنت في جنازته حتى وضع عند باب الصفا فصف الناس وجاء الثوري رحمه الله فقال الناس: جاء الثوري، فجاء حتى خرق الصفوف والناس ينظرون إليه فجاوز الجنازة ولم يصل عليه لأنه كان يرمي بالإرجاء. [تلبيس إبليس / 27].
 * وقال رافع بن أشرس رحمه الله: من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تُذكر محاسنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 7/309].
 * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: فتنة المعتزلة على هذه الأمة أشد من فتنة الأزارقة؛ لأنهم يزعمون أن أصحاب رسول الله r ضلوا، وأنهم لا تجوز شهادتهم لما أحدثوا من البدع، ويكذبون بالشفاعة والحوض، وينكرون عذاب القبر، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم، ويجب على الإمام أن يستتيبهم فإن تابوا وإلا نفاهم من ديار المسلمين. [الحلية (تهذيبه) 1/439].
        * وقال أيضًا رحمه الله: ثلاثة احفظوهنَّ عني؛ لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يخلون أحدكم مع امرأة شابة يقرأ عليها القرآن، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء. [الحلية (تهذيبه) 1/438].
 * وعن خويل. قال: كنت عند يونس بن عبيد رحمه الله فجاء رجل. فقال: أتنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد، وقد دخل عليه ابنك قبل، فقال له يونس: اتق الله فتغيظ، فلم يبرح أن جاء ابنه. فقال: يا بني، قد عرفت رأيي في عمرو فتدخل عليه؟ فقال: يا أبت كان معي فلان فجعل يعتذر إليه. فقال: أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب الخمر، ولأن تلقى الله - عزَّ وجلَّ - بهن؛ أحب إليَّ من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو. [الحلية (تهذيبه) 1/438].
        * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: ثلاث لا تبلونّ نفسك بهنّ، لا تدخل على السلطان وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت: أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه؟ [الحلية (تهذيبه) 2/54].
 * وقال داود بن أبي هند رحمه الله: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع؛ فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم. [شرح السُّنَّةِ 126- 129].
        * وعن سعيد بن عامر. قال: مرض سليمان التيمي رحمه الله، فبكى في مرضه بكاءً شديدًا، فقيل له: ما يبكيك؟ أتجزع من الموت. قال: لا! ولكن مررت على قدري فسلمت عليه، فأخاف أن يحاسبني ربي - عزَّ وجلَّ - عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/442].
        * وقال عمرو بن قيس رحمه الله: لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك. [الحلية (تهذيبه) 2/155].
        * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: من جالس صاحب بدعة لم يُعْطَ الحكمة. [شرح السُّنَّةِ 126- 129].
        * وقال أيضًا رحمه الله: لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة. [شرح السُّنَّةِ 126- 129].
        * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ أحب صاحب بدعة: أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام مِن قلبه. [الحلية(تهذيبه) 3/20].
        * وقال أيضًا رحمه الله: َمَنْ جلسَ مع صاحب بدعة في طريق، فَجُزْ في طريق غيره. [الحلية(تهذيبه) 3/20].
        * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ عَظَّمَ صاحبَ بدعة: فقد أَعَانَ على هدم الإسلام. ومن تَبَسَّمَ في وجه مبتدِع: فقد استَخَفَّ بما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - على محمد r. ومن زَوَّجَ كريمته من مبتدِع: فقد قطع رحمها. ومن تبع جنازة مبتدِع لم يزل في سخط الله حتى يرجع. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
        * وقال أيضًا رحمه الله: إذا رأيت رجلاً من أهل السُّنَّة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله r، وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين. [شرح السُّنَّةِ 126-129].
 * وقال أيضًا رحمه الله: لأن آكل عند اليهودي والنصراني، أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، وعمل قليل في سنة، خير من عمل صاحب بدعة، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، ومن جلس إلى صاحب بدعة فاحذره، وصاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه فمن جلس إليه ورثه الله - عزَّ وجلَّ - العمى، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له، وإن قلّ عمله، فإني أرجو له، لأن صاحب السُّنَّة يعرض كل خير، وصاحب البدعة لا يرتفع له إلى الله عمل، وإن كثر عمله. [الحلية (تهذيبه) 3/20].
        * وقال أيضًا رحمه الله: ما على الرجل إذا كان فيه ثلاث خصال: إذا لم يكن صاحب هوى، ولا يشتم السلف، ولا يخالط السلطان. [الحلية (تهذيبه) 3/21].
 * وعن محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند القرباني رحمه الله فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب وقال: كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة. [تلبيس إبليس / 27].
        * وعن عاصِم الأحول قال: جلست إلى قتادة رحمه الله، فذكر عمرو بن عبيد([19])، قوقع فيه ونال منه. فقلت له: أبا الخطاب، ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض! فقال: يا أُحَيول ألا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة، فينبغي لها أن تذكر حتى يحذر. [الحلية (تهذيبه) 1/408].
        * وقال الشافعي رحمه الله: أسِّسَ التصوف على الكسل. [الحلية (تهذيبه) 3/132].
        * وقال أيضًا رحمه الله: لو أنَّ رجلاً عاقلاً تصوَّف أوَّل النهار لم يأتِ الظُّهْر حتَّى يصيرَ أحمق. [الحلية (تهذيبه) 3/133]
 * وقال أبو سليمان الدَّاراني رحمه الله: وما رأيت صوفيًّا فيه خير، إلا واحدًا عبد الله بن مرزوق. قال: وأنا أرق لهم. [الحلية (تهذيبه) 3/188].

ج- ذم الهوى، وفضل من خالفه([20]) :
* قال ابن عباس t: الهوى إله معبود وقرأ: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ{ [الجاثية: 23]. [عيون الأخبار 1/78].
* وقيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك. [الكامل في اللغة والأدب / 149].
* وقال رحمه الله: لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه، فإذا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق، وتعاقب على ما خالفته‏.([21]) [مجموع الفتاوى 10/244].
* وقال إبراهيم بن أدهم: بلغني أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لخالد بن صفوان رحمه الله: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إن أقوامًا غرَّهم ستر الله وفَتَنَهم حسن الثناء، فلا يغلبنّ جهلُ غيرك بك علمك بنفسك أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى. [الحلية (تهذيبه) 2/485].
* وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظًا ومعافى من أذاها. [الحلية (تهذيبه) 2/484].
* وكان يقال: الهوى شريك العمى. [عيون الأخبار 1/78].
 * وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول: كنت بالعراق، أمرُّ على تلك القصور والمراكب والملابس والمطاعم التي للملوك فلا تلتفت نفسي إلى شيء من ذلك، وأمرُّ على التمر، فتكاد نفسي تقع عليه.
 فذُكر ذلك لبعض العارفين فقال: تلك الشهوات آيسَ نفسَه منها فأيسَتْ، والتمرة أطمعها فيه فطمعت، كما قيل:
وألزمتُ نفسي هَجْرَهَا فاستمرت
فإنْ طَمِعَتْ تَاقَتْ وإلاَّ تسلَّت
فلمَّا رأَتْ عَزْمِي عَلَى الذُّلِّ ذلَّت

 
صَبَرْتُ على اللَّذَاتِ حتَّى توَلَّت
ومَا النَّفْسُ إلاَّ حيْثُ يَجْعَلُهَا الفتَى
وكَانَتْ على الأيَّامِ نَفْسِي عَزِيْزَةً
 
 
                                                                                                                                                       

 [الجامع المنتخب /197].
 * وعنه رحمه الله قال: أفضلُ الأعمال خِلافُ هوى النَّفس. [السير (تهذيبه) 2/865].
 * وقال مالك بن دينار رحمه الله: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم. ([22]) [الكامل في اللغة والأدب /187].
 * وقال أيضًا رحمه الله: ما أشد فطام الكبير. [الكامل في اللغة والأدب /187].
        * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: من جعل شهوته تحت قدمه، فزع الشيطان من ظله، ومن غلب حلمه هواه فذاك العالم الغلاب. [الحلية (تهذيبه) 2/49].
        * وعن يزيد بن ميسرة رحمه الله قال: إن الله تعالى يقول: أيها الشاب التارك شهوته لي، المبتذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي. [الحلية (تهذيبه) 2/194].
        * وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: شرُّ داء خالط قلبًا- يعني الهوى. [الزهد للإمام أحمد /451].
        * وقال الشيخ عبد الله الأرمني رحمه الله: اجتزت مرة في سياحتي براهب في صومعة، فقال لي: يا مسلم ما أقرب الطرق عندكم إلى الله - عزَّ وجلَّ - قلت: مخالفة النفس، قال: فردَّ رأسه إلى صومعته، فلما كنت بمكة زمن الحج إذا رجل يسلم علي عند الكعبة، فقلت: من أنت، فقال: أنا الراهب، قلت بم وصلت إلى هاهنا، قال: بالذي قلت. وفي رواية: عرضت الإسلام على نفسي فأبت فعلمت أنه حق فأسلمت، وخالفتها. فأفلح وأنجح. [البداية والنهاية 13/222].
* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/14].
 



        * وقال أبو حازم رحمه الله: قاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك. [الحلية (تهذيبه) 1/519].
        * وقال أيضًا رحمه الله: شيئان إذا عملت بهما أصبت بهما خير الدنيا والآخرة، ولا أطول عليك. قيل: وما هما؟ قال: تحمل ما تكره إذا أحبه الله، وتكره ما تحب إذا كرهه الله - عزَّ وجلَّ . [الحلية (تهذيبه) 1/527].
* وقيل لجعفر المرتعش رحمه الله: إن فلانًا يمشي على الماء، فقال: إن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء. [المنتظم 13/384].
* وقال أبو بكر ابن الضرير الزاهد رحمه الله: دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة فحسب. [المنتظم 14/149].
 * وقال الحكماء رحمه الله: " عين الهوى عوراء ". [ذم الهوى /426].
* وقال أبو العتاهية رحمه الله: لقيتُ أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته، قلت له: أما آن لك أن ترْعَوِي؟! أما آن لك أن تزدجر؟! فرفع رأسه إليّ وهو يقول:
تاركًا تلكَ الملاهِي
سْكِ عندَ القَوْم جاهي!

 
أتراني يا عتاهي
أتراني مفسدًا بالنــُّــ

 
                                                                                                               

قال: فلمّا ألححت عليه في العَذْل أنشأ يقول:
 



فَوَدِدْتُ أنِّي قلتُ هذا البيت بكل شيء قلته! [ذم الهوى /76].
        * وكان بعض الحكماء يقول: " هبْ أنّ المسيءَ قد غُفر له، أليس قد فاته ثواب المُحسِنِين". [ذم الهوى /149].
        * وقال عطاء السليمي رحمه الله: بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العلم والعقل والبيان. [الحلية (تهذيبه) 2/323].
        * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لن يعمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. [الحلية (تهذيبه) 3/27].
* وعن الفيض بن إسحاق قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس في الأرض شيء أشد من ترك شهوة. ثم حدثنا، عن حصين، عن بكر بن عبد الله رحمه الله قال: الرجل عبد بطنه، عبد شهوته، عبد زوجته، لا بقليل يقنع، ولا من كثير يشبع، يجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يقدره. [الحلية (تهذيبه) 3/17].
        * وقال أبو يزيد البسطامي رحمه الله: لا يعرف نفسه من صحبته شهوته. [الحلية (تهذيبه) 3/247].

د- ذم أهل الهوى والشهوات:

* عن إبراهيم بن داود القصار رحمه الله أنه قال: أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوي على ردها. [المنتظم 13/374].
        * وقال بشر بن الحارث: سألت المعافى رحمه الله عن الرجل يمر بمن يلعب بالشطرنج ترى له أن يسلم عليهم؟ قال: لا إن سفيان الثوري رحمه الله يقول: ليسلم ويأمر، قال المعافى: إن لم يأمر فلا. [الزهد للإمام أحمد / 467].

هـ- ذم المراء والجدال بوجه عام:

 * قال عبد الله بن مسعود t: المراء لا تعقل حكمته ولا تؤمن فتنته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/94].
 * وقال أبو الدرداء t: كفى بك إثما أن لا تزال مماريا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/95].
*  وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: قال سليمان - عليه السلام -: يا بُنيَّ إياك والمراء، فإنه ليس فيه مَنْفَعةٌ، وهو يُورث العداوة بين الإخوان. [السير (تهذيبه) 2 / 627].
*    وقال الأوزاعيُّ رحمه الله: إذا أراد الله بقوم شرًّا فتح عليهم الجَدَلَ ومنعهم العَمَلَ. [السير (تهذيبه) 2 / 683].
*  وعن معروف الكرخي رحمه الله قال: إذا أراد الله بعبدٍ شَرًّا، أغلق عنه بابَ العمل، وفتح عليه بابَ الجدَل. [السير (تهذيبه) 2 / 826].
 * وما أنبلَ قولَ أبي يوسف القاضي رحمه الله: العلمُ بالخصومة والكلام جهلٌ، والجهلُ بالخصومةِ والكلامِ عِلْمٌ. [السير (تهذيبه) 2 / 789].
*  وعن وهب بن مُنبِّه رحمه الله: دع المراء والجَدلَ، فإنَّه لن يعجز أحد رجُلين: رجلٌ هو أعلم منك، فكيف تعادي وتُجادل مَن هو أعلمُ منك؟ ورجلٌ أنت أعلمُ منه، فكيف تعادي وتُجادِل من أنت أعلمُ منه ولا يُطيعُك؟. [السير (تهذيبه) 2 / 554].
 * وعن مسلم بن يسار رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. [الشريعة / 65، موسوعة ابن أبي الدنيا 7 / 93].
        * وقال بلال بن سعد رحمه الله: إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته. ([23]) [الحلية (تهذيبه) 2/191].
 * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا سمعت المراء فأقصر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 95].
 * وقال أيضاً رحمه الله: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7 / 115].
 * وعن سلم بن قتيبة، قال: مر بي بشير بن عبد الله بن أبي بكرة رحمه الله فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومة بيني وبين ابن عم لي ادَّعى شيئا في داري. قال: فإن لأبيك عندي يدا، وإني أريد أن أجزيك بها، وإني والله ما رأيت من شيء أذهب لدينٍ، ولا أنقص لمروءةٍ، ولا أضيع للذَّةٍ، ولا أشغل لقلبٍ من خصومة، قال: فقمت لأرجع. فقال خصمي: ما لك؟ قلت: لا أخاصمك. قال: عرفت أنه حقي. قلت: لا، ولكني أكرم نفسي عن هذا، وسأبقيك بحاجتك. قال: فإني لا أطلب منك شيئا، هو لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4 / 325].

و- ذم المراء والجدال في الدين:

        * عن سليمان بن يسار، قال: إن رجلاً من بني تميم يقال له: صُبيغ بن عِسْل، قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر t فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال له عمر t: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر t: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. [الشريعة / 81].
        * وعن الزبير بن عربي أن رجلاً سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن استلام الحجر، فقال له: رأيت النبيّ r يستلمه ويقبله، فقال له الرجل: أرأيت إن غلبت عنه؟ أرأيت إن زوحمت؟ فقال له ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله r يستلمه ويقبله([24]). [خرجه الترمذي وصححه:871]
        * وقال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله - عزَّ وجلَّ - فإن قبلت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وإن رُدت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وعلا. ([25])[الشريعة / 79].
 * وعن أبي جعفر رحمه الله، قال: إياكم والخصومات، فإنها تمحق الدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4 / 323].
 * وعن عبد الكريم بن أبي أمية رحمه الله، قال: ما خاصم ورع قط - يعني - في الدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4 / 323].
 * وقال أيضًا رحمه الله: شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يُعمونَ بها عباد الله. [جامع العلوم والحكم / 123].
 * وقال الأوزاعي رحمه الله: إنّ الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط([26])، فلقد رأيتهم أقلّ الناس علمًا. [جامع العلوم والحكم / 123].
        * وعن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس رحمه الله يومًا من المسجد، وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له: أبو الحورية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا عبد الله، اسمع مني شيئًا، أكلمك به، وأحاجك، وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعني، قال: فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه، فقال مالك رحمه الله تعالى: يا عبد الله: بعث الله - عزَّ وجلَّ - محمدًا r بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقُّل. [الشريعة / 66].
*  وقال مالك رحمه الله: الجِدال في الدِّين يُنشئ المِراءَ، ويذهبُ بنورِ العلم مِن القلب ويقسِّي، ويُورث الضِّغن. [السير (تهذيبه) 2 / 735].
 * وقال الشافعي رحمه الله: المِراءُ في الدين يُقَسِّي القلبَ، ويُورِثُ الضغائن. [السير (تهذيبه) 2/846].
 * وعن معاوية بن قرة رحمه الله قال: الخصومات في الدين تحبط الأعمال. [الشريعة / 66].
        * وقال عمران القصير رحمه الله: إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت. [الشريعة / 66].
        * وعن سفيان بن عمرو بن قيس قال: قلت للحكم رحمه الله: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات. [الشريعة / 66].


ز- التحذير من مجادلة أهل البدع والأهواء:

        * قال أبو قلابة رحمه الله: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يُلَبِّسُوا عليكم في الدين بعض ما لُبِّسَ عليهم. [الشريعة / 65 - 65].
        * وعن هشام بن حسان قال: جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال: يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه. [الشريعة / 66].
 * وعن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال: لستَ براد عليهم أشد من السكوت. [الشريعة / 69، 70].
        * وعن سلام بن أبي مطيع قال: إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني رحمه الله: يا أبا بكر: أسألك عن كلمة، فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه: ولا نصف كلمة. [الشريعة / 66].
 * وعن معمر قال: كان طاوس رحمه الله جالساً وعنده ابنه فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء فأدخل طاوس أصبعيه في أذنيه وقال: يا بني أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئا فإن هذا القلب ضعيف، ثم قال: أي بني أسدد، فما زال يقول أسدد حتى قام الآخر. [تلبيس إيليس: 26].
 * وعن إسماعيل بن خارجة قال: دخل رجلان على محمد بن سيرين رحمه الله من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا، قال: فنقرأ عليك آية من كتاب الله - عزَّ وجلَّ ؟ قال: لا: لَتَقُومُنَّ عني أو لأقومَنَّه. [الشريعة / 66، 67].
 * وعن مهدي بن ميمون الأزدي قال: سمعت محمد بن سيرين رحمه الله، وما رآه رجل في شيء، فقال له محمد: إني قد أعلم ما تريد، وأعلم بالمماراة منك، ولكني لا أماريك. ([27])[الشريعة / 70].



([1]) مدارج السالكين 4/418-419
([2]) قال الآجري رحمه الله ـ بعد أن ذكر مذهب الذين يقولون : لا نقبل إلا ما كان في كتاب الله عز وجل , وأنه يجب الأخذ بما صح عن رسول الله r ـ قال : هذا قول علماء المسلمين , من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام , ودخل في ملة الملحدين. الشريعة / 59 .
 وقال البربهاري رحمه الله: وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار، فاتهمه على الإسلام ، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. شرح السنة /107 .

([3]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والقدر يؤمن به ، ولا يُحتج به , بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب. ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب ، كما قال تعالى }فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ{ [ غافر : 55 ] ، ولهذا حجَّ آدم موسى عليهما السلام لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت له بأكله من الشجرة . فذكر له آدم " إن هذا كان مكتوبًا قبل أن أُخْلَق . فحج آدم موسى " كما قال تعالى: }مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ { [ الحديد : 22 ] . وقال تعالَى : }مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ { [ التغابن : 11 ] .
قال بعض السلف : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنَها من عند الله فيرضى ويسلِّم .
فهذا وجه احتجاج آدم بالقدر : ومعاذ الله أن يَحتج آدم , ومن هو دونه من المؤمنين على المعاصي بالقدر . فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يَحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك , ويَحتج به قوم نوح وعاد وثَمود وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان , ولم يعاقب ربنا أحدًا , وهذا مِمَّا يعلم فساده بالاضطرار شرعًا وعقلًا .
فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء , فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء , ولا يعاقب عليه .
وهذا المحتجُّ بالقدر : لو جنَى عليه جان لطالبه . فإن كان القدر حجة للجاني عليه . وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لِهذا .
ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولًا : لم يُمكن للناس أن يعيشوا , إذ كان لكل من اعتدى عليهم أن يَحتج بذلك , فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه , ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا , إذ لكل منهما أن يقتل الآخر , ويفسد جميع أموره , محتجًّا على ذلك بالقدر. اقتضاء الصراط المستقيم / 622-624 .

([4]) في عيون الأخبار2/541 : فأنا مع أقواهما.
 ([5])قال البربهاري رحمه الله: وكل ما سمعتَ من الآثارِ مِمّا لم يبلغه عقلك , نحو قول رسول الله r : " قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عَزَّ وجَلّ" . وقوله : " إن الله ـ تبارك وتعالى ـ ينزل إلى سماء الدنيا " , و " ينزل يوم القيامة " , و " جهنم لا يزال يطرح فيها , حتى يضع عليها قدمه جلّ ثناؤه " , و قول الله تعالى للعبد " إن مشيتَ إليَّ: هرولتُ إليك " , وقوله : " إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة " وقوله : " إن الله خلق آدم على صورته " , وقول النبي r : " رأيتُ ربي في أحسن صورة " . وأشباه هذه الأحاديث , فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا , لا تفسِّر شيئًا من هذه بهواك , فإن الإيمان بهذا واجب , فَمَنْ فَسَّرَ شيئًا من هذا بهواه , أو رَدَّهُ : فهو جهمي. شرح السُّنَّة /74-76

([6]) قال الجوهري رحمه الله: الكُورَةُ المدينة والصُّقْعُ، والجمع كُوَرٌ. وقال ابن سيده: الكُورَةُ من البلاد المِخْلافُ، وهي القرية من قُرَى اليمن؛ قال ابن دريد: لا أَحْسِبُه عربيًّا. لسان العرب, مادة : كور.
([7]) انظر قصته عند موضوع : ذم المراء والجدال في الدين.
 ([8])إلا إذا فعل شيئًا من المكفرات وقامت عليه الحجة: فحينئذ نكفره كما قاله رحمه الله في كثير من كتبه.
([9])  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : كما ثبت في الصحاح عن النبي r فيِ الرجل الذي قال : إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذرُّوني في الْيَم , فوالله لئن قدِرَ الله عليَّ ليعذبني عذابًا لاَ يعذبه أحدًا من العالمين . فقال الله له : ما حملك على ما فعلت ؟ . قال : خشيتك , فغفر له .
فهذا الرجل اعتَقَدَ أنَّ الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك , أو شك , وأنَّه لا يبعثه . وكل من هذين الاعتقادين كُفْرٌ يكفُر من قامت عليه الحجّة , لكنه كان يجهل ذلك , ولم يبلغه العلم بما يردّه عن جهله , وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده , فخاف من عقابه , فغفر الله له بخشيته . فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد , من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح , لم يكن أسوأ حالًا من هذا الرجل , فيغفر الله خطأه , أو يعذّبه إن كان منه تفريط في اتِّبَاع الحقّ على قدر دينه . وأمَّا تكفير شخص عُلِم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم .
فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحَّاك , عن النبي r قال : " لعن المؤمن كقتله , ومن رمَى مؤمنًا بالكفر فهو كقتله " . وثبت في الصحيح : " أنَّ من قال لأخيه : يا كافر , فقد باء به أحدهما " . وإذا كان تكفير المعيّن على سبيل الشتم كقتله , فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد ؟ فإنَّ ذلك أعظم من قتله ؛ إذْ كل كافر يُباح قتله , وليس كل من أبيح قتله يكون كافرًا , فقد يُقتل الدَّاعي إلى بدعة ؛ لإضلاله الناس وإفساده , مع إمكان أنَّ الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان , فإنَّه قد تواترت النصوص بأنّه يخرج من النار مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان. الاستقامة / 135 ، 136

([10]) قال ابن رجب رحمه الله: فإن كَمُل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه , وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه , أو بقلبه ولسانه عند الموت , أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها , ومنعه من دخول النار بالكلية , فمن تحقّق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كلّ ما سوى الله محبة وتعظيمًا وإجلالًا ومهابة , وخشية ورجاء وتوكلًا , وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر , وربما قلبتها حسنات , كما سبق ذكره في تبديل السيئات حسنات , فإن هذا التوحيد هو الإِكسير الأعظم , فلو وضع ذرّة منها على جبال الذنوب والخطايا , لقلبها حسنات. جامع العلوم والحكم / 523
([11]) قال شيخ الإسلام رحمه الله: رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. نفس المصدر.
 ([12])قال ابن رجب رحمه الله: وقد انقسم الناس في هذا الباب أقسامًا: فمِن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قلّ فهمه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقيه. ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها, ما يقع في العادة منها وما لا يقع, واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك, وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب, ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء, ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه الناس, وهذا مما ذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه.
 وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله, وما يفسره من السُّنن الصحيحة, وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان, وعن سُنَّة رسول الله r, ومعرفة صحيحها وسقيمها, ثم التفقه فيها وفهمها والوقوف على معانيها, ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك, وهذا هو طريق الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين, وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي ما لا ينتفع به ولا يقع, وإنما يورث التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال وكثرة القيل والقال وكان الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة. وما أحسن ما قاله يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر فإذا هو الحديث والرأي فوجدت في الحديث ذكر الرب عز وجل وربوبيته وإجلاله وعظمته وذكر العرش وصفة الجنة والنار وذكر النبيين والمرسلين والحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير فيه, ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل وقطيعة الأرحام وجماع الشر فيه ... ومن سلك طريقه لطلب العلم على ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا, لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها, ولابد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أئمة أهل الدين المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم, فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك وأخذ بما لا يجوز الأخذ به وترك ما يجب العمل به, وملاك الأمر كله أن يقصد بذلك وجه الله عز وجل والتقرب إليه بمعرفة ما أنزل على رسوله وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق إليه ومن كان كذلك وفقه الله وسدده وألهمه رشده وعلمه ما لم يكن يعلم وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى } إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ [ فاطر : 28 ] . جامع العلوم والحكم: 123،124
([13]) يقول هذا الكلام مع أن زمنه قريب من زمن الصحابة والتابعين , حيث توفي سنة 283هـ.
([14]) يعني بذلك تفسير القرآن بالرأي.
([15]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والواجب على الخلق اتباع الكتاب والسُّنَّة . وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة. اقتضاء الصراط المستقيم / 392،393
 وقال أيضًا: فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول اللّه r، وأما ما جاء عمن بعدهم، فلا ينبغي أن يجعل أصلًا، وإن كان صاحبه معذورًا، بل مأجورًا، لاجتهاد أو تقليد‏.‏
فمن بنى الكلام في العلم‏:‏ الأصول، والفروع على الكتاب والسنة، والآثار المأثورة عن السابقين، فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية، والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد r، وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريق أئمة الهدى‏.‏
تجد الإمام أحمد إذا ذكر أصول السُّنَّة، قال‏:‏ هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول اللّه r ‏.‏
وكَتَبَ كُتُبَ التفسير المأثور عن النبي r والصحابة والتابعين‏.‏ وكتب الحديث والآثار المأثورة عن النبي r والصحابة والتابعين، وعلى ذلك يعتمد في أصوله العلمية وفروعه، حتى قال في رسالته إلى خليفة وقته المتوكل‏:‏ لا أحب الكلام في شيء من ذلك إلا ما كان في كتاب اللّه، أو في حديث عن رسول اللّه r، أو الصحابة أو التابعين، فأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود‏.‏
وكذلك في الزهد والرقاق والأحوال، فإنه اعتمد في كتاب ‏[‏الزهد‏]‏ على المأثور عن الأنبياء، صلوات اللّه عليهم من آدم إلى محمد، ثم على طريق الصحابة والتابعين، ولم يذكر من بعدهم، وكذلك وصفه لآخذ العلم أن يكتب ما جاء عن النبي r، ثم عن الصحابة، ثم عن التابعين‏.‏ ـ وفي رواية أخرى ـ ثم أنت في التابعين مخير‏.‏ مجموع الفتاوى10/190

([16]) يقصد بذلك: الذي يفسر القرآن بالرأي والعقل لا بالأثر والنقل.
 ([17])قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومعنى قولهم ( أن البدعة لا يتاب منها ) : أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسوله قد زُين له سوء عمله فرآه حسنًا فهو لا يتوب ما دام يراه حسنًا , لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه , أو بأنه ترك حسنًا وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب .
ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال . مجمُوع الفَتاوَى 7/10
([18]) وكذا قال محمد بن النضر الحارثي رحمه الله كما في تلبيس إبليس / 28.
([19]) وهو مِن المبتدعة الذين ينفون القدَر.
([20]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبته نفسه وبغضها ، لا بحسب محبّة الله ورسوله ، وبغض الله ورسوله ، وهذا من نوع الهوى ، فإن اتّبعه الإنسان فقد اتبع هواه }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ{ [ القصص : 50 ] ، فإن أصل الهوى هو محبة النفس ، ويتبع ذلك بغضها . والهوى نفسه ـ وهو الحب والبغض الذي في النفس ـ لا يُلام العبد عليه ، فإن ذلك لا يملكه ، وإنما يُلام على اتِّبَاعه. كما قال تعالى : }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{ [ ص : 26 ] ، وقال تعالى : }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ{ [ القصص : 50 ] . الاستقامة /459
وقال رحمه الله : اتِّبَاع الأهواء في الديانات أعظم من اتِّبَاع الأهواء في الشهوات. الاستقامة /460
وقال رحمه الله : من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يجعل من أهل الأهواء ، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء ؛ وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه ، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدي الله الذي بعث به رسوله r .
ولهذا قال تعالى في موضع }وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ{                              [ الأنعام : 119 ] ، وقال في موضع آخر : }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ{  [ القصص : 50 ] . الاستقامة/ 460،461
([21]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهو كما قال t : لأنه في الموضعين إنما قصد اتباع هواه لم يعمل للّه‏.‏
ألا ترى أن أبا طالب نصر النبي r، وذبَّ عنه أكثر من غيره؛ لكن فعل ذلك لأجل القرابة، لا لأجل اللّه تعالى، فلم يتقبل اللّه ذلك منه، ولم يثبه على ذلك‏؟‏‏!‏
 وأبو بكر الصديق t أعانه بنفسه وماله للّه؛ فقال اللّه فيه‏:‏ ‏}وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ‏.‏ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ‏.‏ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ‏.‏ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى.‏ وَلَسَوْفَ يَرْضَى{ [‏الليل‏:‏ 17-21‏]‏‏.‏ نفس المصدر.
 ([22])قال ابن رجب رحمه الله : اعلم أن نفسك بمنزلة دابتك, إن عرفت منك الجدّ جدّتْ, وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك, وطلبت منك حظوظها وشهواتها. الجامع المنتخب/ 197
([23]) وكذا قال : القاسم بن مخيمرة . الحلية (تهذيبه) 2/269
([24]) قال ابن رجب رحمه الله : ومراد ابن عمر أنه لا يكن لك هم إلا في الاقتداء بالنبيّ r , ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه , فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة , فإن التفقه في الدين , والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال. جامع العلوم والحكم / 121.
([25]) قال البربهاري رحمه الله : واعلم ـ رحمك الله ـ أَنَّهُ ما كانت زندقة قط , ولا كفر , ولا شرك , ولا بدعة , ولا ضلالة , ولا حيرة في الدين : إلاَّ من الكلام , وأصحاب الكلام , والجدل , والمِراء , والخصومة . شرح السنة /86 .
([26]) قال الأوزاعي رحمه الله : هي شداد المسائل . وقال عيسى بن يونس : هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف . جامع العلوم والحكم / 123 .
([27]) قال الآجري رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الآثار التي تنهى عن مناظرة أهل البدع والأهواء -:
          فإن قال قائل : وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علمًا , فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين: ينازعه ويخاصمه , ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة , ويرد على قوله ؟
          قيل له : هذا الذي نهينا عنه , وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين.
 فإن قال قائل : فماذا نصنع ؟ .
 قيل له : إن كان الذي يسألك مسألته , مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة , فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة , وقول الصحابة , وقول أئمة المسلمين. وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك , فهذا الذي كره لك العلماء , فلا تناظره , واحذره على دينك , كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعًا .
          فإن قال : ندعهم يتكلمون بالباطل , ونسكت عنهم ؟
 قيل له : سكوتك عنهم وهجرتك لِما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم , كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين ...
          فإن قال قائل : فإن اضطر في الأمر وقتًا من الأوقات إلى مناظرتهم , وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم ؟
          قيل : الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء , فيمتحن الناس , ويدعوهم إلى مذهبه , كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل رحمه الله : ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس , ودعوهم إلى مذهبهم السوء , فلم يجد العلماء بدًا من الذب عن الدين , وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل , فناظروهم ضرورة لا اختيارًا , فأثبت الله عز وجل الحق مع أحمد بن حنبل , ومن كان على طريقته , وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم , وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة . الشريعة /69-71
 وقال الصابوني رحمه الله : ويبغضون – أي أهل الحديث - أهلَ البدع , الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه , ولا يحبونهم , ولا يصحبونهم , ولا يسمعون كلامهم , ولا يجالسونهم , ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم , ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم , التي إذا مرّت بالآذان , وقرّت في القلوب ضرّت , وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت , وفيه أنزل الله عز وجل قوله : }وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ { [الأنعام : 68 ] . عقيدة السلف وأصحاب الحديث /298 ، 299 .


لتحميل الكتاب كاملا بصيغة بي دي اف من الرابط اسفل المقال 

تحميل كتاب حياة السلف بين القول والعمل PDF رابط ميديا فير  من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016