-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب أخطاء الأنام حول الرؤى والأحلام PDF



أخطاءٌ ومخالَفات حولَ الرُّؤى والأحلام
1- اعتقاد بعض الناس أنَّ تفسيرَ الرُّؤيا فيه علمٌ للغيب أو ادِّعاءٌ لعلم الغيب مع بيان كيف تفسَّر بعضُ الرُّؤى وذكر بعض الطُّرُق والقواعد المهمَّة في كيفيَّة تفسير الرُّؤيا:
إنَّ من الجهل أن يتصوَّر الإنسان أنَّ تفسيرَ الرُّؤيا من علم الغيب الذي اختصَّ الله به، فنتج عن هذا الخطأ الغُلُوُّ في المفسِّر الذي يَصْدُقُ تعبيرُه؛ فمنهم مَن رَفَعَه إلى منزلة الأنبياء، ومنهم مَن جَعَلَ له شيئًا من خصائص الألوهيَّة، مع أنَّ ذلك المفسِّرَ اعتمد في تفسيره على طرق واستدلالات معيَّنة يمكن معرفتها، وقد ذكر ابنُ القَيِّم والقرطبيُّ- رحمهما الله- كلامًا نفيسًا في كيفيَّة تفسير الرُّؤيا والاستدلال بالشَّيء على نظيره، رأيتُ من المناسب ذكرُه حتى يكون القارئ على علم من تفسير الرؤى وحتى لا يتلاعب به المتخرِّصون عند تعذُّر العالم المعبِّر، وإن كان بعضُها سيختلف تأويلُها باختلاف الرَّائي وأحواله.
 قال ابنُ القيِّم([1]): (بل هذا أهل عبارة الرُّؤيا التي هي جزء من أجزاء النُّبُوَّة ونوع من أنواع الوحي؛ فإنها مبنيَّةٌ على القياس والتَّمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس؛ ألا ترى أنَّ الثِّياب في التَّأويل كالقمُص تدلُّ على الدِّين؛ فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دَنَس فهو في الدِّين كما أوَّل النَّبيُّ r القميصَ بالدِّين والعلم، والقدرُ المشترك بينهما أنَّ كلاًّ منهما يستر صاحبَه ويُجمِّله بين الناس؛ فالقميصُ يستر بدنَه والعلم والدِّين يستر روحَه وقلبَه ويُجَمِّلُه.
ومن هذا التَّأويل اللَّبَن بالفطرة؛ لما في كلٍّ منهما من التَّغذية الموجبة للحياة وكمال النَّشأة، وأنَّ الطفلَ إذا خُلّي وفطرته لم يعدل عن اللَّبن؛ فهو مفطورٌ على إيثاره على ما سواه، وكذلك فطرةُ الإسلام التي فَطَرَ اللهُ عليها النَّاس.
ومن هذا تأويلُ البقر بأهل الدِّين والخير الذين بهم عمارةُ الأرض؛ كما أنَّ البقرَ كذلك، مع عدم شرِّها وكثرة خيرها وحاجة الأرض وأهلها إليها؛ ولهذا لما رأى النَّبيُّ r بقرًا تنحر كان ذلك نحرًا في أصحابه.
ومن ذلك تأويلُ الزَّرع والحرث بالعمل؛ لأنَّ العاملَ زارعٌ للخير والشَّرِّ، ولابدَّ أن يخرج له ما بذرَه كما يخرج للباذر زرع ما بذره؛ فالدُّنيا مزْرَعة، والأعمال البذر، ويومُ القيامة يوم طلوع الزَّرع للباذر وحصاده.
ومن ذلك تأويلُ الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين، والجامع بينهما أنَّ المنافقَ لا روحَ فيه ولا ظلَّ ولا ثمرَ؛ فهو بمنزلة الخشب الذي هو كذلك، ولهذا شبَّه الله تعالى المنافقين بالخُشُبُ المُسنَّدة؛ لأنَّهم أجسامٌ خاليةٌ عن الإيمان والخير، وفي كونها مسندة نكتة أخرى؛ وهي أنَّ الخشبَ إذا انتفع به جعل في سقف أو جدار أو غيرها من مظانِّ الانتفاع، وما دام متروكًا فارغًا غيرَ منتَفَع به جعل مُسندًا بعضُه إلى بعض؛ فشبه المنافقين بالخشب في الحالة التي لا ينتفع فيها بها.
ومن ذلك تأويل النَّار بالفتنة لإفساد كلٍّ منهما ما يمرُّ عليه ويتَّصل به؛ فهذه تحرق الأثاثَ والمتاعَ والأبدانَ، وهذه تحرق القلوبَ والأديانَ والإيمانَ.
ومن ذلك تأويلُ النُّجوم بالعلماء والأشراف؛ لحصول هداية أهل الأرض بكلٍّ منهما، ولارتفاع الأشراف بين الناس كارتفاع النُّجوم.
ومن ذلك تأويلُ الغيث بالرَّحمة والعلم والقرآن والحكمة وصلاح حال الناس.
ومن ذلك خروج الدم في التَّأويل على خروج المال، والقدر المشترك أن قوام البدن بكل واحد منهما.
ومن ذلك الحَدثُ في التأويل يدل على الحدث في الدين؛ فالحدث الأصغر ذنب صغير والأكبر ذنب كبير.
ومن ذلك أنَّ اليهوديَّةَ والنَّصرانيَّةَ في التَّأويل بدعة في الدين؛ فاليهوديَّةُ تدلُّ على فساد القصد واتِّباع غير الحقّ، والنَّصرانيَّةُ تدلُّ على فساد العلم والجهل والضَّلال.
ومن ذلك الحديد في التَّأويل وأنواع السِّلاح يدلُّ على القوَّة والنَّصر بحسب جوهر ذلك السِّلاح ومرتبته.
ومن ذلك الرَّائحةُ الطَّيِّبة تدلُّ على الثَّناء الحسن وطيب القول والعمل، والرائحة الخبيثة بالعكس، والميزان يدلُّ على العدل، والجراد يدلُّ على الجنود والعساكر والغَوْغاء الذين يمُوجُ بعضهم في بعض، والنَّحلُ يدلُّ على مَنْ يأكل طيِّبًا ويعمل صالحًا، والدِّيك رجل عالي الهمة بعيدُ الصِّيت، والحيَّة عدو أو صاحب بدعة يهلك بسمِّه، والحشرات أوغاد الناس، والخلد رجل أعمى يتكفَّفُ الناس بالسؤال، والذئب رجل غشوم ظلوم غادر فاجر، والثعلب رجل غادر مكَّار محتال مراوغ عن الحقِّ، والكلب عدول ضعيف كثير الصخب والشر في كلامه وسبابه، أو رجلٌ متَّبع هَواه مؤثرٌ له على دينه، والسّنَّوْرُ العبد والخادم الذي يطوف على أهل الدَّار، والفأرة امرأةُ سوء فاسقة فاجرة، والأسد رجل قاهر مسلّط، والكبش الرجل المنيعُ المَتبُوع.
ومن كلِّيَّات التعبير أنَّ كلَّ ما كان وعاء للماء فهو دالٌّ على الأثاث، وكلَّ ما كان وعاءً للمال كالصُّندوق والكيس والجراب فهو دالٌّ على القلب، وكلَّ مدخول بعضه في بعض وممتزج ومختلط فدالٌّ على الاشتراك والتَّعاون أو النِّكاح، وكلَّ سقوط وخرور من عُلُوٍّ إلى سفل فمذموم، وكلَّ صُعُود وارتفاع فمحمود إذا لم يجاوز العادة وكان ممَّن يليق به، وكلَّ ما أحرقته النارُ فجائحة وليس يُرجى صلاحُهُ ولا حياته، وكذلك ما انكسر من الأوعية التي لا ينشعب مثلُها، وكلَّ ما خُطف وسُرق من حيث لا يرى خاطفه ولا سارقه فإنَّه ضائعٌ لا يُرجَى، وما عرف خاطفُه أو سارقُه أو مكانُه أو لم يغيب عن عين صاحبه فإنَّه يرجَى عودُه، وكلَّ زيادة محمودة في الجسم والقامة واللِّسان والذِّكر واللِّحية واليد والرِّجل فزيادة خير، وكلَّ زيادة متجاوزة للحَدِّ في ذلك فمذمومةٌ وشرٌّ وفضيحةٌ، وكلَّ ما رُئي من اللِّباس في غير موضعه المختصِّ به فمكروهٌ؛ كالعمامة في الرِّجل والخفِّ في الرأس والعقد في السَّاق، وكلَّ مَن استقضى أو استخلف أو أمر أو استوزر أو خطب ممَّن لا يليق به ذلك نال بلاءً من الدُّنيا وشرًّا وفضيحةً وشهرةً قبيحةً، وكلَّ ما كان مكروهًا من الملابس فخَلِقُه أهونُ على لابسه من جديده، والجوز مال مكنوز؛ فإن تفقَّع كان قبيحًا وشرًّا، ومن صار له ريش أو جناح له مال، فإن طار سافر.
وخروجُ المريض من داره ساكنًا يدلُّ على موته، ومتكلِّمًا يدلُّ على حياته، والخروجُ من الأبواب الضَّيِّقة يدلُّ على النَّجاة والسَّلامة من شرٍّ وضيق هو فيه، وعلى توبة، ولا سيَّما إن كان الخروجُ إلى فضاء وسَعَة؛ فهو خيرٌ محضٌ، والسَّفر والنّقلة من مكان إلى مكان انتقالٌ من حال إلى حال بحسب حال المكانين، ومن عاد في المنام إلى حال كان فيها في اليقظة عاد إليه ما فارقه من خير أو شرٍّ، وموتُ الرجل ربَّما يدلُّ على توبته ورجوعه إلى الله؛ لأنَّ الموتَ رجوعٌ إلى الله؛ قال تعالى: }ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ{. والمرهونُ مأسورٌ بدَيْن أو بحقٍّ عليه لله أو لعبيده، وودَاعُ المريض أهله أو توديعهم له دالٌّ على موته.
وبالجملة فما تقدَّم من أمثال القرآن كلّها أصول وقواعد لعلم التَّعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك مَن فهم القرآن؛ فإنَّه يُعبر به الرُّؤيا أحسن تعبير، وأصولُ التَّعبير الصَّحيحة إنَّما أخذت من مشكاة القرآن؛ فالسَّفينة تُعبَر بالنَّجاة؛ لقوله تعالى: }فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ{، وتُعْبَرُ بالتِّجارة، والخشب بالمنافقين، والحجارة بقساوة القلب، والبيض بالنساء، واللِّباس أيضًا بهنَّ، وشرب الماء بالفتنة، وأكل لحم الرجل بغيبته، والمفاتيح بالكسْب والخزائن والأموال، والفتح يُعبَر مرَّةً بالدُّعاء ومرَّةً بالنَّصر، وكالمالك يرى في محلة لا عادةَ له بدخولها يُعبَر بإذلال أهلها وفسادها، والحبل يُعبَر بالعهد والحقّ والعضد، والنُّعاس قد يعبَر بالأمن.
والبقل والبصل والثَّوم والعدس يعبَرُ لمن أخذه بأنَّه قد استبدل شيئًا أدنى بما هو خير منه؛ مال أو رزق أو علم أو زوجة أو دار، والمرض يُعبَرُ بالنِّفاق والشَّكّ وشهوة الرِّياء، والطفل الرَّضيع يُعبر بالعدو؛ لقوله تعالى: }فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا{، والنِّكاح بالبناء، والرَّماد بالعمل الباطل؛ لقوله تعالى: }مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ{، والنور يُعبَر بالهدى، والظُّلمة بالضَّلال، من ههنا قال عمر بن الخطَّاب لحابس بن سعد الطَّائر وقد ولَّاه القضاء، فقال له: «يا أمير المؤمنين إنِّي رأيت الشَّمسَ والقمرَ يقتتلان، والنُّجوم بينهما نصفين». فقال عمر: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشَّمس، قال: كنت مع الآية الممْحُوَّة؛ اذهب فلست تعمل لي عملاً، ولا تقتل إلَّا في لبْس من الأمر. فقتل يوم صفِّين، وقيل لعابر: رأيتُ الشَّمسَ والقمرَ دخلا في جَوفي، فقال: تموت. واحتجَّ بقوله تعالى: }فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ{.
وقال رجلٌ لابن سيرين: رأيتُ معي أربعةَ أرغفة خبز فطلعت الشَّمسُ، فقال: تموت إلى أربعة أيَّام، ثم قرأ قولَه تعالى: }ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا{، وأخذ هذا التَّأويل أنَّه حمل رزقه أربعةَ أيام، وقال له آخر: رأيت كيسي مملوءًا أرضة، فقال: أنت ميت. ثم قرأ }فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ{، والنخلةُ تدلُّ على الرجل المسلم وعلى الكلمة الطَّيِّبة، والحنظلة تدلُّ على ضدِّ ذلك، والصَّنم يدلُّ على العبد السُّوء الذي لا ينفع، والبستان يدلُّ على العمل، واحتراقُه يدلُّ على حبوطه؛ لما تقدَّم في أمثال القرآن، ومن رأى أنَّه ينقض غزلاً أو ثوبًا ليعيده مرَّةً ثانيةً فإنَّه ينتقض عهدًا وينكثه، والمشي سويًّا في طريق مستقيم يدلُّ على استقامته على الصِّراط المستقيم، والأخذ في بُنَيَّات الطَّريق يدلُّ على عُدوله عنه إلى ما خالَفَه، وإذا عرضت له طريقان ذات يمين وذات شمال فَسَلَك أحدَهما فإنَّه من أهلها، وظهور عورة الإنسان له ذنبٌ يرتكبه ويفتضح به، وهروبُه وفرارُه من شيء نجاة وظفر، وغرَقُه في الماء فتنة في دينه ودنياه، وتعلُّقُه بحبل بين السَّماء والأرض تمسُّكه بكتاب الله وعهده واعتصامه بحبله؛ فإن انقطع به فارَقَ العصمةَ؛ إلَّا أن يكون وَليَ أمرًا؛ فإنَّه قد يقتل أو يموت.
فالرُّؤيا أمثالٌ مضروبةٌ يضربها الملك الذي قد وكَّله اللهُ بالرُّؤيا ليستدلّ الرَّائي بما ضرب له من المثل على نظيره، ويَعبر منه إلى شبهه؛ ولهذا سُمِّي تأويلُها تعبيرًا؛ وهو تفعيلٌ من العبور؛ كما أنَّ الاتِّعاظَ يُسمَّى اعتبارًا وعبرةً لعبور المتَّعظ من النَّظير إلى نظيره.
 ولولا أنَّ حكمَ الشَّيء حكمُ مثله وحكمَ النَّظير حكمُ نظيره لبطل هذا التَّعبير والاعتبار، ولما وَجَدَ إليه سبيلاً، وقد أخبر الله- سبحانه- أنَّه ضرب الأمثالَ لعباده في غير موضع من كتابه، وأمر باستماع أمثاله، ودعا عبادَه إلى تعقُّلها والتَّفكير فيها، والاعتبار بها؛ وهذا هو المقصودُ بها. انتهى كلامُ ابن القَيِّم.
وقال القرطبيُّ- رحمه الله- عن طرق تعبير الرُّؤيا: (وقد قال علماءُ أهل العبارة أنَّ لها أربعة طرق:
أحدهما: ما يُشْتَقُّ من الأسماء كما ذكرناه آنفًا؛ (إشارةً إلى حديث أنس، قال: قال رسول الله r: رأيت ليلةً فيما يرى النَّائم كأنَّا في دار عقبة بن رافع فأتينا برُطب من رطب ابن طاب، فأوَّلتُ الرِّفعة لنا في الدُّنيا والعاقبة في الآخرة، وأنَّ دينَنا قد طاب)([2]). رواه مسلم.
وثانيهما: ما يُعتبر مثالُه ويُمَيَّزُ شكلُه؛ كدلالة معلِّم الكتاب على القاضي، والسُّلطان وصاحب السجن ورأس السَّفينة.
وثالثهما: ما يعبره المعنى المقصود من ذلك الشَّيء المرئيِّ؛ كدلالة فعل السَّفر على السَّفر وفعل السُّوق على المعيشة وفعل الدَّار على الزَّوجة والجارية.
ورابعهما: التَّعبيرُ بما تقدَّم له ذكرٌ في القرآن والسُّنَّة أو الشِّعر، أو كلام العرب وأمثالها وكلام الناس وأمثالهم، أو خير معروف أو كلمة حكمة؛ وذلك كنحو تعبير الخشب بالمنافق؛ لقوله تعالى: }كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ{، وكتعبير الفأر بالفاسق؛ لأنَّه r سمَّاه فويسقًا، وكتعبير القارورة بالمرأة؛ لقوله r: «رفقًا بالقوارير». يعني ضعفة النِّساء، وتَتَبُّعُ أمثلة ما ذُكر يَطول ([3]).
2- الاعتمادُ على تفسير الرُّؤيا على بعض الكتب المطبوعة التي تفسر الأحلام:
- إنَّ كتبَ تفسير الأحلام يمكن أن يستفيد منها الإنسانُ في كيفية التَّفسير؛ أمَّا أن يفسّر من خلالها فلا شكَّ أنَّ هذا خطأٌ؛ لأنَّ الرُّؤَى والأحلامَ تَختلف باختلاف الأشخاص والزَّمان والمكان.
وقد أجاب الشَّيخُ ابن عثيمين- رحمه الله- لما سُئل عن كتب تفسير الأحلام فقال: إنِّي أنصح إخواني المسلمين ألَّا يقتنوا هذه الكتب، ولا يطالعوا فيها؛ لأنَّها ليست وحيًا منزَّلاً؛ وإنَّما هي رأي قد يكون صحيحًا وقد يكون غيرَ صحيح؛ ثمَّ إنَّ الرُّؤَى قد تتَّفق في رؤيتها وتختلف في حقيقتها بحسب مَن رآها وبحسب الزَّمن وبحسب المكان...([4]).
وقال الشَّيخُ حمّود التُّويجريّ- رحمه الله: (وقد أُلِّف في تعبير الأحلام عدَّةُ مؤلَّفات؛ منها ما يُنسَب إلى ابن سيرين([5])، ومنها ما يُنسَبُ إلى غيره، ولا خيرَ في الاشتغال بها وكثرة النَّظَر فيها؛ لأنَّ ذلك قد يُشَوِّشُ الفكرَ وربَّما حصل من القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة، وقد يدعو بعض مَن لا علمَ لهم إلى تعبير الأحلام على وَفق ما يجدونه في تلك الكتب، ويكون من المتخرِّصين القائلين بغير علم؛ ولو كان ما قيل في تلك الكتب من التَّعبير صحيحًا ومطابقًا لكلِّ ما ذكروه من أنواع الرُّؤيا لكان المعبِّرون للرُّؤيا كثيرين جدًّا في كلِّ عصر ومصر؛ وقد عُلم بالاستقراء والتَّتَبُّع لأخبار الماضين من هذه الأمَّة أنَّ العالمين بتأويل الرُّؤيا قليلون جدًّا؛ بل إنَّهم في غاية النُّدرة في العلماء؛ فضلاً عن غير العلماء...) ص169 من كتاب الرُّؤيا.
3- عدمُ الاتِّعاظ والاعتبار بما يَرَى الإنسانُ في منامه:
إنَّ من لطف الله بالعبد أن يريَه في منامه بعضَ الرُّؤَى التي تكون فيها موعظةٌ له؛ فينجو من شرٍّ أو يُقلع عن ذنب أو يَستبشر خيرًا بسببها؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشِّرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»([6]).
قال المهلب: (التعبير بالمبشِّرات خرج للأغلب؛ فإنَّ من الرُّؤيا ما تكون منذرةً وهي صادقة يريها اللهُ للمؤمن رفقًا به؛ ليستعدَّ لما يقع قبل وقوعه)([7]).
وفي صحيح مسلم قال r: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا..»([8]). ومع ذلك.. كم من شخص مقيم على كثير من الذُّنوب والآثام وهو يرى النُّذُرَ في المنام فلا يتَّعظ من تلك الرؤى بشيء، وصَدَقَ اللهُ حين أخبر عن قوم لم ينتفعوا بالنُّذُر أثناء يقظتهم؛ فكيف بمنامهم؟! قال تعالى: }وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ{.
ومنهم مَن تكون الرُّؤيا سببًا لهدايته ونجاةً لأسرته؛ فمن ذلك على سبيل المثال أنَّ أحدَهم رأى رجلاً أسودَ يزني بامرأته وهو يريد أن يصرخ به ولكن لا يخرج منه صوت إلى أن استيقظ، فلما سأل أحد المعبرين قال له: فورًا حطِّم الدِّشَّ الذي في بيتك. فأيقن أنَّ الرجلَ هو ذلك الدِّشّ، وأما زوجته المزنيُّ بها فكانت تنظر إلى هذا الدِّشِّ، وقد قال r: «زنا العين النظر»، والأمثلة في هذا الجانب كثيرةٌ جدًّا ويطولُ ذكرُها.
4- تفسير رؤية الميت بتفسيرات خاطئة:
فمن النَّاس مَن إذا رأى قريبَه الميت في المنام ابتدر إلى ذهنه أنَّ هذا الميتَ محتاجٌ إلى الصَّدَقة فيتصدَّق عنه ويحتسب الأجرَ لذلك الميِّت، وربَّما قيل ذلك معتقدًا الوجوب، ومنهم مَن يظنُّ أنَّ رؤيةَ الميِّت تدلُّ على أنَّ الرَّائيَ قريبًا سيلحق بذلك الميت، فيداخله من الحزن ما الله به عليم، ومنهم مَن يفسِّرُ رؤيةَ الميت بغير ذلك من التَّفسيرات الخاطئة التي لم يعتمد بها على قول أحد من المعبرين.
وإليك كلامًا قيِّمًا للشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- قال: «رؤيةُ المتوفَّى في المنام إن كانت على وجه طيِّب فإنَّه يرجَى له الخير، وإن كانت على غير ذلك فقد يكون هذا من ضرب الأمثال من الشَّياطين؛ لأنَّ الشَّيطانَ حريصٌ على كلِّ ما يدخل الحزن والهم والغم على المؤمنين؛ لقوله تعالى: }إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ{.
وعلى هذا فالإنسان إن رأى ما يكره في منامه بالنِّسبة للميِّت فإنَّه ينبغي له أن يتعوَّذَ بالله من شَرِّ الشَّيطان، ومن شرِّ ما رأى، وألَّا يحدِّث أحدًا بما رآه في هذا الميِّت، وحينئذ لا يضرُّه شيء، وهكذا كلُّ مَن رأى في منامه ما يَكره فإنَّ المشروعَ له أن يتعوَّذَ بالله من شَرِّ الشيطان ومن شرِّ ما رأى، وأن يَتْفُلَ عن شماله ثلاث مرات، وأن ينقلب من جنبه الذي كان نائمًا عليه إلى الجنب الآخر، وإن توضأ وصلَّى فهو أطيب وأفضل، ولا يحدِّث أحدًا بما رأى، وحينئذٍ لا يضرُّه ما رأى»([9]).
واعلم أيُّها الأخُ المسلم أن مفهومَ قوله r: «إنَّ الشَّيطانَ لا يَتَمَثَّل بي»([10]) يدلُّ على أنَّ الشيطانَ قد يتمثَّل بغيره؛ فقد يأتيك الشَّيطان في المنام على صورة أبيك أو أمِّك أو أحد أمواتك ويسبِّب لك الحزنَ والكآبةَ؛ فعليك أن تنتبهَ أنَّ ذلك قد يكون مجرَّدَ حديث نفس؛ لإكثارك من التَّفكير بميِّتك؛ فإنَّ النَّبيَّ r أخبر أنَّ: «الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدِّث المرء نفسه»([11]).
5- تهاوُنُ البعض بشأن الرُّؤيا وتعبيرها:
فمن الأشخاص مَن لا يتعامل مع ما يرى في منامه أو يُذْكَرُ له من رؤَى إلَّا بهذا المبدأ؛ (أضغاث أحلام)!! فَيَصف جميعَ الرُّؤَى المناميَّة بهذا الوصف، وربَّما رأى أنَّ التَّشاغُلَ بالرُّؤَى مضيعةٌ للوقت أو من العبث؛ وذلك بسبب جهله بالرُّؤَى وتعبيراتها؛ فنقول لهؤلاء: إنَّ النَّبيَّ r بيَّن مكانةَ الرُّؤيا فقال- عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «رؤيا المؤمن جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»([12])، وقال r عن الرُّؤيا في آخر الزَّمان أنَّه «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب»([13]). أخرجه مسلم.
وكان النَّبيُّ r يسأل أصحابَه عمَّا رَأَوا في منامهم ويفسِّر لهم؛ قال القرطبيُّ في المفهم: (على الرَّائي أن يَعْتَني بها ويسعى في تفهُّمها ومعرفة تأويلها؛ فإنَّها إمَّا مبشِّرةٌ له بخير، أو محذرةٌ له من شَرٍّ؛ فإن أدرك تأويلَها بنفسه وإلَّا سأل عنها مَن له أهليَّةُ ذلك؛ وهو اللَّبيبُ الحبيبُ، ولذلك كان النَّبيُّ r يقول إذا أصبح: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا فليقصها أعبرها له». فكانوا يقصُّون عليه ويعبُر([14]).
6- الجهل بآداب الرؤيا والأحلام:
إنَّ الجهلَ بآداب الرُّؤَى والأحلام قد يوقع الإنسانَ في وساوس وأوهام لا حدودَ لها؛ فإنَّ من الصَّحابة مَن كانت الرُّؤيا تُمرضه، ومنهم مَن كان يرى الرُّؤيا كالجبل الذي يريدُ أن يسقط عليه، فلما أخذوا بتلك الآداب أصبحوا لا يُبالون بتلك الرُّؤَى التي كانت تُزْعجهم؛ فعلى المسلم أن يتعلَّمَ آدابَ الرُّؤَى والأحلام؛ كي ينجوَ من تبعاتها وآثارها؛ فمن آداب الرُّؤيا الصَّالحة ما يلي:
أ- أن يحمد الله عليها ويستبشر بها.
ب- أن يحدِّث بها من يحب.
ج- لا يخبر بها حاسدًا أو جاهلاً.
وأمَّا آدابُ الرُّؤيا المكروهة فهي ستَّةٌ كما دلَّت عليها الأحاديث الصَّحيحة وهي:
أ- أن يستعيذَ بالله من شرورها.
ب- أن يستعيذ بالله من الشيطان.
ج- أن ينفث ثلاثًا عن شماله.
د- لا يخبر بها أحدًا.
هـ- يتحول إلى جنبه الآخر.
و- يقوم يتوضأ ويصلي ([15]).
7- ظنُّ البعض أنَّ الرُّؤيا لا تكون صادقةً إلَّا وقتَ السَّحَر:
الصَّوابُ أنَّ الرُّؤيا تصدق في وقت السَّحَر وفي غيره من الأوقات من ليل أو نهار، وكون الرُّؤيا تصدق في السَّحَر غالبًا، هذا لا يعني أنَّها لا تصدق في غير هذا الوقت، وأما الحديث الذي رواه أحمد والتِّرمذيُّ والدَّارميُّ وابنُ حبَّان في صحيحه، أنَّ النَّبيَّ r قال: «أصدقُ الرُّؤيا بالأسحار»([16])؛ فهذا الحديثُ إن صحَّ محمولٌ على الغالب؛ لفضيلة ذلك الوقت؛ فهو وقتُ النُّزول الإلهيِّ واقتراب الرَّحمة وسكون الشَّياطين.
وقد روى البخاريُّ في صحيحه باب الرُّؤيا بالنَّهار ثم ذكر عن ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النَّهار مثل رؤيا اللَّيل، ثم ذكر حديث رقم (7001) حول إمكانيَّة الرُّؤيا بالنَّهار.
8- اعتقاد البعض أن الرؤيا يقع تعبيرها مباشرة في اليوم الثاني أو قريبًا منه:
قد يتبادرُ للبعض أنَّ الرُّؤيا يقع تعبيرُها في اليوم الثاني أو الثالث، فإذا مضت هذه المدَّةُ القليلةُ ولم يقع تعبيرُها تجاهل هذه الرُّؤيا وما فيها من بشارة أو نذارة؛ وهذا لا شكَّ أنَّه خطأٌ؛ فقد أخرج الطَّبريُّ والحاكم والبيهقيُّ في الشعب بسند صحيح عن سلمان الفارسيِّ قال: (كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عامًا)([17]).
9- اعتقادُ البعض أنَّ الرُّؤيا الصَّادقة تدلُّ على صدق وصلاح الرَّائي:
من الأشخاص مَن يتسرَّب إلى نفسه العجبُ والغرورُ إذا صَدَقَتْ رؤياه يومًا من الأيام فتجده يذكر لغيره تلك الرُّؤيا التي صدقت على مدى الشُّهور والأعوام معتقدًا أنَّ ذلك دالٌّ على استقامته وتقواه، ومَنْ تأمَّل القرآنَ الكريمَ وَجَدَ أنَّ صدقَ الرُّؤيا حدث لبعض الكافرين؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ صدقَ الرُّؤيا ليس خاصًّا بالمؤمنين المتَّقين، وأمَّا قوله: «أصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثًا»([18])، فهذا لا يعني الحصر؛ وإنَّما يفيد أنَّ الحكمَ على الأغلب، ويُقال أيضًا: إن صدق الحديث قد يحدث من الكافرين؛ قال الحافظ- رحمه الله: وقد وَقَعَت الرُّؤيا الصَّادقة من بعض الكفَّار كما في رؤيا صاحبي السِّجن مع يوسف u، ورؤيا ملكهما، وغير ذلك. وقال القُرطبيُّ: وأمَّا الكافرُ والفاسقُ والمخلط فلو صدقت رؤياهم أحيانًا فذاك كما قد يصدَّق الكذوب ([19]).
10- تفسيرُ الإنسان الرُّؤيا لنفسه مع جهله بالتَّعبير وأخذه بظاهر الرُّؤيا:
قد يرى الإنسانُ في منامه رؤيا فيتبادَر إلى ذهنه أنَّها تدلُّ على كذا وكذا، فيفزع أو يطمئنّ لما وقع في نفسه من ذلك التَّفسير، وربَّما جزم به وبنى عليه بعضَ الأحكام، ولو كان عالماً بتعبير الرُّؤَى لوجدت له عذرًا؛ لكنَّه لا يعرف في تأويلها شيئاً سوى الأوهام والتَّخَرُّصات التي أصبحت عنده حقائقَ لا تَقبل الجدل؛ وهنا يتبيَّن لك أهميَّةُ عرضها على العالم بتأويل الرُّؤَى؛ حتى لا يوقعك الشَّيطانُ في شباك الأوهام والأحزان؛ فكم من رؤيا تسيطر على تفكيرك ويضطرب لها قلبُك وإذا بها خيرٌ لك في دينك أو دنياك ، وهنا يظهر لك أهميَّةُ هذا العلم ومعرفته.
وقد ذكر صاحب كتاب (تُحَف من ذخائر السَّلَف) أمثلةً على أنَّ الإنسانَ لا ينبغي له أن يتسرَّع في الأخذ بظاهر الرُّؤيا مطلَقًا؛ فكان ممَّا قال:
(حُكي أنَّ رجلاً من القرَّاء أتى في منامه كأنَّه يقطع ورقةً من المصحف فيضعها على النَّار فيسكن لهبها، فرفعها إلى بعض المعبرين فقال: ستكون فتنةً من جهة السُّلطان وتسكن بقراءتك القرآن).
 فانظر كيف أنَّ ظاهرَ هذه الرُّؤيا مخيفٌ وموحشٌ وتعبيرُها ضدُّ ذلك؛ لو خُضْنا في هذه الرُّؤيا مع الخائضين لقلنا: نعوذ بالله؛ فلان رأى أنَّه يقطع أوراقَ المصحف ويَحرقها بالنَّار، ثمَّ بَنَيْنَا على هذا اعتقادَ سوء في الشَّخص وتبع ذلك آثار من المعاداة والتَّحذير..
من جنس ما تقدَّمَ ما حُكي أنَّ هارونَ الرَّشيد رأى ملكَ الموت u قد مُثِّل له فقال له: يا ملكَ الموت، كم بقي من عمري؟ فأشار إليه بخمس أصابع كفِّه مبسوطة، فقام مذعورًا من رؤياه وقصَّها على حجَّام موصوف بالتَّعبير فقال: يا أميرَ المؤمنين قد أخبرك أن خمسة أشياء علمها عند الله تجمعُها هذه الآية: }إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ [لقمان: 34].. فضحك هارون وفرح بذلك؛ فانظر كيف ظنَّ هارون أنَّه لم يبقَ من عمره إلَّا خمسة أيام، فإن طالت فخمسة أشهر، وإن طالت فخمس سنين، ولا يريد ذلك؛ يريد أن يتمتَّعَ في ملكه، والمرادُ أنَّ الأمرَ ليس على ما يبدو من الظَّاهر....([20]).
11- الكذبُ في الرُّؤيا بقصد الدَّعوة إلى الله:
لقد بيَّن الرَّسولُ r عقوبةَ مَن يكذب في رؤياه فقال عليه الصَّلاة والسلام: «من تحلم بحلم لم يره كُلِّف أن يَعقد بين شعيرتين ولن يفعل»([21]).
فهذا الحديث يفيد تحريم الكذب في الرؤى والأحلام مطلقًا، ولا يُعْذَر في ذلك مَن يكذب في الرُّؤيا لأجل الدَّعوة إلى الله؛ كأن يَعْمَدَ إلى إنسان عاصٍ يريد بذلك هدايتَه ويقول له: رأيتُك تعذب في القبر. أو نحو ذلك من الأساليب؛ فكلُّ ذلك حرامٌ؛ لأنَّه لا سبيلَ إلى الدَّعوة إلى الله إلَّا بالطُّرُق المشروعة، والغايةُ لا تبرِّرُ الوسيلة؛ فلا يجوز لنا أن نستحدثَ طُرُقًا تخالف شرعَ الله، وليسعنا ما وسع السَّابقين فندعو إلى شرع الله بما شرَّع الله، ولسنا ملزَمين باستحداث الطُّرُق المحرَّمة لأجل دعوة الآخرين، ولو ظهر لنا إيجابيَّاتُها؛ لأنَّ سلبياتها ستكون أكثر، ويكفي زجرًا عن الكذب في الرُّؤيا قولُه r: «من أفرى الفِرَى أن يُري عينَه ما لم ترَ»([22]).
12- عدمُ مراعاة الآداب التي لها تأثيرٌ على صلاح الرُّؤيا:
فقد يتشوَّق الإنسانُ إلى صدق الرُّؤيا وصلاحها، ولكن دون مراعاة الأسباب التي توصل إلى ذلك.
ومن الأسباب التي توصل إلى صدق الرُّؤيا وصلاحها:
أوَّلاً: الصِّدقُ في القول والعمل؛ لذا قال r: «أصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثًا»([23]).
ثانيًا: مراعاة آداب النوم؛ كالنَّوم على طهارة، والنَّوم على الجنب الأيمن، وقراءة آية الكرسيّ والمعوِّذات وغيرها من أذكار النَّوم؛ قال ابنُ القَيِّم: (ومَن أراد أن تَصْدُقَ رؤياه فليتحرَّ الصِّدقَ وأكلَ الحلال والمحافَظة على الأمر والنَّهي، وَلْيَنَمْ على طهارة كاملة مستقبلَ القبلة، ويذكر الله حتى تغلبَه عيناه؛ فإنَّ رؤياه لا تكاد تكذب البتَّة)([24]).
13- الجهل بأنواع الرُّؤى وعدمُ التَّفريق بينها:
ليس كلُّ ما يراه الإنسانُ في منامه يعتبر رؤيا صادقة؛ فقد بيَّنَ الرسولُ r أنَّ الرُّؤَى أنواع؛ فلا تخلط بينها؛ قال r: «... والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرءُ نفسه...»([25]).
قال صاحب كتاب (تعجيل السُّقيا في تعبير الرُّؤيا): فإن قلت: كيف أفرِّقُ بين هذه الثَّلاثة؟ وكيف أتأكَّد: هل من الله- عَزَّ وجَلَّ- أو من الشَّيطان أو حديث نفس؟
قلت: بقرائن في الرَّائي نفسَه وفي الرُّؤيا وفي وقتها وظروف الرُّؤيا وملابساتها؛ فإن كان الرَّائي من المؤمنين الصَّادقين فغالبُ ما يراه من الله- عَزَّ وجَلَّ؛ كما في الحديث: «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا»، وإن كان من الكفَّار أو المخلطين من أهل الإيمان فغالبُ ما يَرَوْنَه من التَّخليط وأضغاث الأحلام، وإن جاز أن يرى الكافر والفاسق الرُّؤيا الصَّادقة ولكن على وجه النُّدرة كما في قصَّة رؤيا الملك في سورة يوسف..
 أمَّا الرُّؤيا الصَّادقة تكون واضحةَ المعالم ليس فيها تخليطٌ يتذكرها صاحبها كأنَّه عايَشَها؛ وهي إمَّا تبشيرٌ للمؤمن، وإمَّا أن تكون تحذيرًا من عدوٍّ أو خطر... والحلم الذي هو من وساوس الشيطان يكون غيرَ محدَّد المعالم، وفيه التَّخليطُ والتَّخويفُ والتَّحزينُ... ولا معنى محدَّد له، وليس فيه تبشيرٌ ولا تحذير؛ فإن نام وهو مشغولٌ بأمر ورآه في منامه فالغالبُ أنَّه حديثُ نفس.
14- ضعيفُ الإخلاص والإصابةُ بالعجب والغرور إذا وفِّق الإنسانُ للتَّأويل الصَّحيح:
إنَّ من الناس مَن إذا فسَّر رؤيا وأصاب فيها التَّفسيرَ الصَّحيحَ أصبح يتحدَّث بذلك في المجالس وعند الأصحاب على جهة الإعجاب والغرور بالنَّفس، وليس على جهة الاعتراف بالنِّعمة؛ وهذا الصنفُ من الناس إن وُفِّق للصَّواب مرَّةً فسيخذل عن الحقِّ مرات وكرَّات؛ فالمؤمن إذا أصاب الحقَّ في كلِّ شيء فعليه أن ينسبَه إلى الله ويحمد الله الذي أوصله إلى فهمه ومعرفته، وتأمَّل قولَ يوسف u: }رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ{.
 ولا شكَّ أنَّ علمَ تفسير الرُّؤيا مدعاةٌ للإعجاب والانبهار من قبل الآخرين، ولكن على المعبِّر أن يواجهَ ذلك الإعجابَ بقوَّة الإخلاص لله، ولا يجعل هذا العلم من العلوم التي يتقرَّب بها إلى الناس وكسب إعجابهم وثنائهم؛ بل عليه أن يجعلَه من الأعمال التي يتقرَّب بها إلى الله؛ فكم من الأجر الذي ينالُك حينما تبشِّر المؤمنَ وتُدخل السُّرورَ على قلبه بتفسير تلك الرُّؤيا المبشِّرة التي رآها، ويكفيك قوله r: «من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينًا، تقضي له حاجة، تنفس له كربه»([26]).
وتذكَّر أنَّ ما آتاك اللهُ فهو اختبار لك وفتنة؛ فأخلص نيَّتَك لله؛ فمَن أخلص نيَّتَه لله حريٌّ أن يُوَفَّقَ للثَّواب والصَّواب.
15- ظَنُّ البعض أنَّ الرُّؤيا يَقتصر تعبيرُها على الرَّائي فقط:
قد يرى الإنسانُ الشَّيءَ في المنام ويكون التَّأويلُ لولده أو قريبه أو صديقه، وقد رأى النَّبيُّ r في المنام مبايعةَ أبي جهل معه، فكان ذلك لابنه عكرمة، فلما أسلم قال r: هو هذا.
ورُئي لأسيد بن العاص ولاية مكة فكان لابنه عتَّاب بن أسيد ولَّاه النَّبيُّ r مكة([27]).


لتحميل الكتاب كاملا مع المراجع ملف بي دي اف من الرابط أسفل المقال

تحميل كتاب أخطاء الأنام حول الرؤى والأحلام PDF من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016