-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب درجات تغيير المنكر PDF كتب اسلامية




المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أما بعد : فإن من فضل الله تعالى على عباده أنه لم يكلفهم فوق طاقتهم فيرتفع الإثم والحرج عند عدم القدرة والاستطاعة وهذه نعمة كبرى.
وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن ننطلق في أمرنا ونهينا بمعنى أنه لا يلزمنا إنكار المنكر إلا إذا كنا قادرين على إنكاره ونجزم بأنه سيخلفه معروف أو على الأقل لا يخلفه منكر أكبر منه ولذا يجب أن يتدرج المسلم في الأمر والنهي وأن يلبس لكل حالة لبوسها. تبدأ أولاً بالتعرف ثم بالتعريف ثم النهي والوعظ والنصح والإرشاد والأخذ على اليد والكتابة لجهة الاختصاص وهكذا.
والمقصود من ذلك هو أن يدفع المنكر شيئاً فشيئاً بالطرق المشروعة حتى يزول  هذا المنكر.
وهذه الرسالة توضح درجات تغيير المنكر وكلام العلماء في ذلك ، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد.
المؤلف
عبد العزيز بن أحمد المسعود

 

 

 

 




















الفصل الأول

درجات النهي عن المنكر

المبحث الأول

القدرة والاستطاعة وضابطها

إن من فضل الله تعالى على خلقه أن جعل دين الإسلام دين الواقعية، فهو لا يطالب المسلمين بأمور فوق طاقتهم لا يستطيعون فعلها أيًا كان هذا المأمور به، فإما أن يسقط كلية أو يخفف إلى درجة تتناسب مع قدرات هذا الشخص.
ولقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة موضحة ذلك أوضح بيان، يقول تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ([1]).
ويقول تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ([2]).
ويقول تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ([3]).
ويقول r: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»([4]).
فهذه النصوص الشرعية تبين بوضوح أن الإنسان لا يكلف فوق طاقته

 في أي أمر من أمور الشرع، وما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا جزء من أوامر الشرع.
ومدار هذا المبحث على حديث رسول الله r والذي يقول فيه:
«من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»([5]).
فهذا نص صريح من المصطفى r بأن المغير للمنكر لا يلزمه إزالته بطريقة واحدة، بل عليه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أقل الأحوال.
يقول الجصاص حول قوله r «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث: أخبر النبي r أن إنكار المنكر على هذه الوجوه الثلاثة على حسب الإمكان، ودل على أنه إن لم يستطع تغييره بيده فعليه تغييره بلسانه، ثم إن لم يكن ذلك فليس عليه أكثر من إنكاره بقلبه([6]).
وقال النووي – رحمه الله -: وأما صفة النهي ومراتبه فقد قال r في هذا الحديث الصحيح: «فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه» فقوله r فبقلبه معناه فليكرهه بقلبه وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر ولكنه هو الذي وسعه([7]). وقال عبد القادر عودة: ويشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن

 المنكر أن يكون قادرًا على الأمر والنهي وتغيير المنكر، فإن كان عاجزًا فلا وجوب عليه إلا بقلبه أي يكره المعاصي وينكرها ويقاطع فاعليها([8]).
ويدخل على عدم القدرة ما يلي:
1- العجز الحسي.
2- العجز المعنوي.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يماثل الجهاد والدعوة إلى الله أو هما معًا، لذا فإنه كلما تتوفر القدرة العلمية والجسمية فإن عطاءه ونفعه يكون أكثر، وكلما نقص لديه جانب من الجوانب ذات الصلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن نفعه يكون أقل.
لذا اشترط العلماء لإيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القدرة الحسية والمعنوية.
أولًا: العجز الحسي: فيشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سلامة جسمه وقوته وكمال حواسه فلا يلزم الأخرس والأصم والأعمى بما لا يعلمون أنه منكر، أو لا يستطيعون إنكاره لفقد تلك الحواس أو بعضها.
كذلك ضعيف الجسم وهزيله الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو لا يتحمل الأذى.
وكذلك لا يلزم من يخشى على ماله وعرضه من النهب أو الانتهاك إذا أمر أو نهى أو نحو ذلك.


وقد أفاض الغزالي القول في ذلك ونقتطف مما قال: الشرط الخامس: كونه قادرًا، ولا يخفى أن العاجز ليس عليه حسبة إلا بقلبه، إذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها. ثم قسم الاستطاعة إلى أحوال منها قوله:
أحدها: أن يعلم أنه لا ينفع كلامه، وأنه يضرب إن تكلم، فلا تجب عليه الحسبة، بل ربما تحرم في بعض المواضع، نعم يلزمه أن لا يحضر مواضع المنكر ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب..
الحالة الثانية: أن يعلم أن المنكر يزول بقوله وفعله يناله ولا يقدر له على مكروه فيجب عليه الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة.
الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره ولكنه لا يخاف مكروهًا فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها، ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام، وتذكير الناس بأمر الدين.
الحالة الرابعة: أن يعلم أنه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله كما يقدر على أن يرمي زجاجة الفاسق، بحجر فيكسرها ويريق الخمر.. ولكن يعلم أنه يرجع إليه فيضرب رأسه. فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب([9]).



ثانيًا: الجانب المعنوي:

فيشترط في المحتسب أن يكون عالمًا عارفًا بأحكام الشرع وعالمًا بالمنكرات، فيعلم مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها، حيث إن الحسبة أمر بمعروف ونهي عن منكر، فلا بد أن يعرف حدود المعروف وحدود المنكر فإذا كان عالمًا فإنه يعرف مراتب كل منهما.
يقول الشيرزي: لما أن كانت الحسبة أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر وإصلاحًا بين الناس وجب أن يكون المحتسب فقيهًا عارفًا بأحكام الشريعة؛ ليعلم ما يأمر به وينهى عنه. فإن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، ولا مدخل للعقول في معرفة المعروف والمنكر إلا بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه r. ورب جاهل يستحسن بعقله ما قبحه الشرع، ويرتكب المحظور وهو غير عالم به..([10]).
وقال الإمام النووي – رحمه الله -: إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها. وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق الاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء([11]).
إذًا فليس على العامي إنكار فيما يحتاج إلى علم أو اجتهاد بل يسقط عنه الأمر والنهي في هذه الحالة. ولكن يلزمه أن ينكر الأمور التي



لا يعذر أحد بجهلها كترك الصلاة وفعل الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك.
يقول الغزالي: العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليات المعلومة، كشرب الخمر، والزنا، وترك الصلاة، فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى الاجتهاد فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه([12]).
رفع الالتباس عن تفسير قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[([13]). يخطئ كثير من الناس ويتصورون هذه الآية حجة لهم في رفع الحرج عنهم في عدم استطاعتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا التزموا هم بأنفسهم. بل ربما دعاهم تصورهم هذا إلى تثبيط الناس؛ وإقعاد هممهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا مفهوم خطير وفيه ضرر كبير على الناس لأنهم بهذا التصور لا يهتمون بالناس ولا بإصلاحهم ولا أمرهم ولا نهيهم وإنما يهتمون بإصلاح أنفسهم فقط وهذا هو عين الخطأ المخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله r وهذا الفهم له خيوط قديمة إلا أن الخليفة الراشد – أبا بكر الصديق - t أزال هذا المفهوم العالق بأذهان بعض الناس فقد دفعه هذا الأمر إلى أن يصعد المنبر ويقول: «يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} الآية. وإني سمعت رسول الله r يقول:

 «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه»([14]).
وعن جرير t قال: سمعت رسول الله r يقول:
«ما من رجل في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا»([15]).
ويقول أبو بكر الجصاص حول الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}: وليس على ما يظن هذا الظان لو تجردت هذه الآية عن قرينة وذلك لأنه قال : {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ } يعني احفظوها لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا فلا دلالة إذًا على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([16]).
وقال الزمخشري: ليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتدٍ، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه([17]).
ولو كان الأمر كما تصوروا لما جردت السيوف وأريقت الدماء، وبذلت


 الأنفس والأموال. بل لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به تستقيم الأمور.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حول هذه الآية: والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال، وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد([18]).
وقال سيد قطب – رحمه الله - ... وكلا والله إن هذا الدين لا يقوم إلا بجهد وجهاد، ولا يصلح إلا بعمل وكفاح. ولا بد لهذا الدين من أهل يبذلون جهدهم لرد الناس إليه وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ولتقرير ألوهية الله في الأرض، ولرد المغتصبين لسلطان الله مما اغتصبوه من هذا السلطان، ولإقامة تشريع الله في حياة الناس، وإقامة الناس عليها. لا بد من جهد بالحسنى حين يكون الضالون أفرادًا ضالين يحتاجون إلى الإرشاد والإنارة. وبالقوة حين تكون القوة الباغية في طريق الناس هي التي تصدهم عن الهدى وتعطل دين الله أن يوجد، وتعوق شريعة الله أن تقوم. وبعد ذلك تسقط التبعة عن الذين آمنوا، وينال الضالون جزائهم من الله حين يرجع هؤلاء وهؤلاء إلى الله {إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ([19])([20]).


وخلاصة القول في المفهوم العام من هذه الآية والنصوص التي بمعناها. أنها تأمر الناس بالدعوة إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الخوف أو التردد أو التوقف مهما ضل الناس ومهما اعترض الناس.

ضابط الاستطاعة:

لا شك أن ضابط الاستطاعة ليس له ميزان دقيق، فالأشخاص يختلفون، فهذا يقدر على أمور لا يستطيعها شخص آخر، وهذا قد أعطاه الله قوة في العلم والجسم وآخر قد فقدهما أو أحدهما. فالضابط الحقيقي متروك لضمير الشخص نفسه. ولكن مع ذلك ينبغي أن يكون هناك حد أدنى يقف عنده الناس حتى لا يكون مبدأ عدم القدرة وسيلة لترك الأمر والنهي فهناك أمور يجب ألا تصد الناس عن الأمر والنهي. فمثلًا الخوف من اللوم أو السب والشتم ونحو ذلك. فلا يعذر أحد من الناس بسبب ذلك لأنه بسيط وهو في ذات الله تعالى. ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يجاهدون في سبيله ولا يخافون فيه لومة لائم.
يقول تعالى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} ([21]).
يقول ابن كثير – رحمه الله -: أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله تعالى وإقامة الحدود وقتال أعدائه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل([22]).

وعن عبادة بن الصامت t قال: بايعنا رسول الله r على أن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم([23]).
وقال القرطبي: «أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى، فإن ذلك لا ينبغي أن يمنعه من تغييره»([24]).
ويقول الغزالي: ولو تركت الحسبة بلوم لائم أو باغتياب فاسق أو شتمه أو تعنيفه أو سقوط المنزلة عن قلب أمثاله لم يكن للحسبة وجوب أصلًا إذ لا تنفك الحسبة عنه([25]).
فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ألا يلتفت لهذه الأمور الصغيرة فإنها تعد قشورًا بسيطة تصيبه في ذات الله وهو مع ذلك لا يعتبر قدم شيئًا يذكر، وكان الأولى له والأفضل أن يقدم نفسه رخيصة في سبيل الله.
ويجب أن يعرف المسلم أن عذر الشارع في عدم النهي عن المنكر إذا خاف الإنسان على نفسه رخصة. وأما طريقة العزيمة والفضل فهو أن يقدم الإنسان نفسه وما يملك من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، دون أن يتراجع عن كلمة الحق مهما كلفته؛ لأن الشارع رغب في ذلك.

وروي عن عمر بن الخطاب t قال قال رسول الله r: «إنه تصيب أمتي في آخر الزمان من سلطانهم شدائد لا ينجو منه إلا رجل عرف دين الله فجاهد عليه بلسانه ويده وقلبه فذلك الذي سبقت له السوابق، ورجل عرف دين الله فصدق به، ورجل عرف دين الله فسكت عليه، فإن رأى من يعمل الخير أحبه عليه وإن رأى من يعمل بباطل أبغضه عليه فذلك ينجو على إبطانه كله»([26]).
وعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» أو «أمير جائر»([27]).
وفي المسند عن أبي سعيد الخدري t في حديثه الطويل عن النبي r وفيه: «ألا لا يمنعن رجلًا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»([28]).
فهذه الأحاديث وغيرها تفيد أن الإنسان مأجور عندما يصدع بكلمة الحق ويأمر وينهى، ولو أدى ذلك إلى هلاكه وتعذيبه؛ لأن نتيجة الكلمة الصادقة عند السلطان الجائر معروفة.
يقول العمري([29]): لا شك أن التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الجهر بكلمة الحق ليست بأمر سهل ترغب فيه النفوس فهي تطلب حبًا قويًا

وإخلاصًا عميقًا، وعزيمة صادقة وهمة بعيدة. ولكن مما لا شك فيه أيضًا أن أصحاب العزيمة وأهل الإخلاص هم أرفعهم عند الله درجة وأعلاهم مكانة.
ثم يقول: هذه الأمة التي ألقى الله على كواهلها مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي عليها أن تصلح أمرها بنفسها لها تاريخ مشرق مجيد في الصدق والجرأة والشهامة والصدع بالحق، ولئن وجدت فيه من سكت عن المنكر وما قوي على إظهار المعروف لضعف إيمانه، فلا تستقل عدد أولي العزم وأصحاب الهمم الذين تصدوا للباطل وشهدوا بالحق في ظلال السيوف وذلك هو الذي ما زال يضمن للأمة، حياتها وبقاءها وإن فقدت كافة الأمة يومًا هذه الروح: روح التضحية والفداء والتفاني كان أشأم يوم في تاريخها وانقطعت عنها رحمة الله ولم يحل بينها وبين هلاكها شيء وسقطت في الدرك الأسفل إلى هاوية الانحطاط»([30]).
وجوب الأمر والنهي ولو خاف على نفسه:
قد يكون الأمر والنهي واجبًا ولو خاف على نفسه الهلاك، وذلك إذا كان يترتب على ذلك هداية طائفة من الناس إذا قال كلمة الحق، أو ضلالهم إذا سكت. فهنا يجب عليه أن يقول كلمة الحق ولو أدى ذلك إلى قتله.
والدليل على ذلك قصة الغلام مع الملك التي رواها صهيب عن النبي r في حديثه الطويل وقد ذكرها أهل التفاسير عند تفسير سورة البروج.
ورواه الترمذي في سننه وفيها: «... فقال الغلام للملك: إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني بسم الله رب هذا
الغلام. قال فأمر به فصلب ثم رماه فقال بسم الله رب هذا الغلام. قال فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات. فقال أناس لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام...»([31]).
فهذا الغلام ضحى بنفسه لعلمه أنه سيهتدي بعده آلاف الناس وقصة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – مشهورة. حيث ثبت على قوله الحق في أن القرآن منزل غير مخلوق لعلمه أن الناس سيقتدون به، ولو قال إنه مخلوق تورية لضل بذلك خلق كثير.
فهذه الحالات وأمثالها يجب على المسلم أن يقول فيها كلمة الحق ولو أدى ذلك إلى هلاكه. والله المستعان.



تحميل كتاب درجات تغيير المنكر PDF كتب اسلامية من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016