-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب لتوضيح والبيان PDF كتب اسلامية


      الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى ([1]).
أما بعد، اعلم أرشدك الله تعالى أن الله خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} ]الذاريات: 56[، والعبادة هي التوحيد، لأن الخصومة بين الأنبياء والأمم فيه، كما قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36[.
وأما التوحيد فهو ثلاث أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
أما (توجيد الربوبية) فهو الذي أقر به الكفار على زمن الرسول r، ولم يدخلهم في الإسلام، وقاتلهم رسول الله r واستحل دماءهم وأموالهم، وهو توحيده بفعله تعالى، والدليل قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: 31[. {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ



كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون84-89[. والآيات على هذا كثيرة جدًّا، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وأما الثاني وهو: (توحيد الألوهية) فهو الذي وقع النزاع في قديم الدهر وحديثه وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد: كالدعاء، والنذر، والنحر، والرجاء، والخوف والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة.ودليل الدعاء قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60[، وكل نوع من هذه الأنواع عليه دليل من القرآن، وأصل العبادة تجريد الإخلاص لله تعالى وحده، وتجريد المتابعة للرسول r. قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18 [، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25[، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}-إلى قوله: - {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14[، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14[، وقال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}لحج: 62[، والآيات معلومات.وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7[، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31[.وأما الثالت فهو: (توحيد الذات والأسماء والصفات)، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ]الإخلاص: 1-4[، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف 180[، وقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى: 11[.
ثم اعلم أن ضد التوحيد الشرك، وهو ثلاثة أنواع: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي، والدليل على (الشرك الأكبر) قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116[، {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ]المائدة: 72[. وهو أربعة أنواع:
النوع الأول: شرك الدعوة ([2]). والدليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65[.
النوع الثاني: شرك النية، والإرادة، والقصد. والدليل قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16 [.
النوع الثالث: شرك الطاعة. والدليل قوله تعالى :{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31[، وتفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم، كما فسرها النبي r لعدي بن حاتم لما سأله فقال: لسنا نعبدهم، فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النوع الرابع: والدليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} ]البقرة: 165[.
النوع الخامس: (شرك أصغر) وهو الرياء، والدليل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ]الكهف: 110[.
النوع السادس: (شرك خفي)، والدليل عليه قوله r: «الشرك في الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل»، وكفارته قوله r: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم».
والكفر كفران؛ كفر يخرج من الملة وهو خمسة أنواع:
النوع الأول: كفر التكذيب، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} ]العنكبوت: 68[.
 النوع الثاني: كفر الإباء والاستكبار مع التصديق، والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} ]البقرة: 34[.
النوع الثالث: كفر الشرك، وهو كفر الظن، والدليل قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} ]الكهف: 35-38 [.
   النوع الرابع: كفر الإعراض، والدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} ]الأحقاف: 3 [.

النوع الخامس: كفر النفاق، والدليل قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 3 [. وكفر أصغر لا يخرج من الملة وهو كفر النعمة، والدليل قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112 [.
وأما النفاق فنوعان: اعتقادي، وعملي. فأما الاعتقادي فهو ستة انواع: تكذيب الرسول r، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول r، أو بغض الرسول r، أو بغض ما جاء به الرسول r، أو المسرة بانخفاض دين الرسول r، أو الكراهية لانتصار دين الرسول r. فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار.
وأما العملي فهو خمسة أنواع: والدليل قوله r: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر». نعوذ بالله من النفاق والشقاق وسوء الأدب. والله أعلم.
* * * *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المقدمة

 إن الحمد لله نحمده ونسعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا r عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا * اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ*وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُ} [آل عمران: 102 [.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71 [.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1 [.
 ثم أما بعد:
 فإن الله بعث نبينا محمدًا r بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أرسله ربه على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، حين حرف الكلم، وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى أهوائهم وآرائهم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. فأشرقت الأرض برسالته بعد ظلمتها، وتألفت به القلوب بعد تفرقها، وفتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوبًا غلفًا، وفُرِّق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أولياء الله وطريق أعداء الله.
 ولم يتوفاه الله U حتى بيَّن للناس جميع ما يحتاجون إليه، فتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.


 وقد اعتصم أصحابه من بعده بكتاب ربهم سبحانه وتعالى، وسنة نبيهم r، ودعوا الناس إليهما بالحكمة والموعظة الحسنة. وقام من بعدهم علماء أمته بمهمة الدعوة إلى الله خير قيام، فوضحوا للناس أمور دينهم، وكان أجل ما وضحوا العقيدة، التي أولوها قدرًا كبيرًا من جهودهم، وتعليمهم، وتأليفهم، فهم بحق نجوم يُهتدى بها، وهم قدوة الأمة وموجهوها.
 ومن هؤلاء العلماء: الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- فلقد كان شديد الاهتمام بأصل الدين وقاعدته فألف في ذلك الكثير من الكتب والرسائل، ولعل من أحسن رسائله وأجمعها رسالة في (أنواع التوحيد والكفر والشرك والنفاق)، ولكون الرسالة لم تشرح من قبل أحد من أهل العلم – فيما أعلم- مع أهميتها فقد استعنت بالله- مع قصر باعي وقلة بضاعتي- على جمع شرح يبين مجملها ويوضح أدلتها وحججها، مع نقل كلام العلماء.
 والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل من اطلع عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هدى بنت سعيد بن عبد الله الكثيري











بسم الله الرحمن الرحيم
✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺الشرح✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺
 ابتدأ المصنف بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وتأسيًا بالنبي r في مكاتباته ومراسلاته، وقد اتفق أئمة الإسلام على البدء بالبسملة في كتب العلم، حكى ذلك الاتفاق غير واحد منهم، ومنهم الحافظ ابن حجر –يرحمه الله- كما في أولى مجلدات (فتح الباري)([3]).
 الباء في «بسم الله» للمصاحبة وقيل للاستعانة فيكون التقدير: بسم الله أؤلف حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا به وهي متعلقة بمحذوف، اختار كثير من المتأخرين كونه فعلًا، خاصًّا، متأخرًا.
 أما كونه فعلًا؛ فلأن الأصل في العمل للأفعال. وأما كونه خاصًّا؛ فلأن كل مبتدئ بالبسملة في أمر يضمر ما جعل البسملة مبدأ له، فقدر بكونه خاصا ليكون أدل على المراد، وأما كونه متأخرًا؛ فلدلالته على الاختصاص، ولأن أهم ما يبدأ به ذكر الله تعالى.
وذهب البعض إلى كون الباء متعلقة بمحذوف قدروه اسمًا.
 ويرى الحافظ ابن كثير أنه سواء قدرنا المتعلق بالباء اسمًا أو فعلًا، فكلاهما صحيح وكل قد ورد في القرآن الكريم([4]).
 والاسم: مشتق من السمو، وهو العلو، وقيل من الوسم وهو العلامة، لأن كل ما سُميّ فقد نوَّه باسمه ووُسِم.




 «الله»: أصله الإله، أسقطوا الهمزة وأدغموا اللام في اللام فصارتا لامًا واحدة مشددة مفخمة، وهو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى([5]).
 وساق ابن جرير بسنده عن الضحاك عن ابن عباس قال: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين([6]).
 قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: «الله علم على ربنا تبارك وتعالى ومعنى الإله: أي المعبود، لقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3 [، أي المعبود في السموات، والمعبود في الأرض.
 «الرحمن الرحيم»: اسمان مشتقان من الرحمة، أحدهما أبلغ من الآخر مثل العلام والعليم، قال ابن عباس t: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة([7]).
 قال ابن القيم: «الرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده، ولهذا يقول تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43 [، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 117 [، ولم يجيء رحمان بعباده، ولا رحمان بالمؤمنين، مع ما في اسم (الرحمن) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف، وثبوت جميع معناه الموصوف به([8]).
 وقال الشيخ ابن عثيمين: «الرحمن اسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره ومعناه: المصتف بالرحمة الواسعة الرحيم يطلق على الله وعلى غيره

ومعناه: ذو الرحمة الواصلة، فإذا اجُمِعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}»([9]).
 وأما البسملة فمعناها: أدخلُ في هذا الأمر من قراءة أو دعاء أو غير ذلك باسم الله لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعينًا بالله متبركًا باسمه تبارك وتعالى، هذا في كل أمر تسمي في أوله من أمر الدين وأمر الدنيا، فإذا أحضرت في نفسك أن دخولك في القراءة بالله مستعينًا به متبرئا من الحول والقوة كان هذا أكبر الاسباب في حضور القلب وطرد الموانع من كل خير.  وقد ثنى المؤلف بعد البسملة بذكر الحمد؛ لأنه من أفضل الذكر وأبلغ الثناء لله تعالى.
 أيهما أفضل التسبيح أم التحميد؟  ذكر ابن رجب([10]) – رحمه الله- أن التسبيح دون التحميد في الفضل كما جاء ذلك صريحًا في الأحاديث كقوله «الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملأن أو تملأ ما بين السموات والأرض»([11])، وفي حديث الرجل من بني سليم: «التسبيح نصف، والحمد لله تملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض»([12])، وسبب ذلك أن التحميد إثبات المحامد كلها لله فدخل في ذلك إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها، والتسبيح هو تنزيه الله عن النقائص والعيوب والآفات، والإثبات أكمل من السلب، ولهذا لم يرد التسبيح مجرداً، لكن مقروناً بما يدل على إثبات الكمال، فتارة يقرن بالحمد كقوله: سبحان الله والحمد لله،



وسبحان الله وبحمده، وتارة باسم من الأسماء الدالة على العظمة والجلال كقوله: سبحان الله العظيم.
الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري.
فخرج بقوله: «الثناء باللسان، الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال فذلك من نوع الشكر، وقوله: «على الجميل الاختياري» أي الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحًا لا حمدًا([13]).
* * * *

الفرق بين الحمد والشكر:

الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر لأنه يكون على المحاسن والإحسان وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه والحمد أعم من جهة أسبابه([14]).
قال ابن القيم: السلام مصدر وهو من ألفاظ الدعاء. والله سبحانه وتعالى هو السلام، فهو السالم من كل نقص ومن كل تمثيل فهو الموصف بكل كمال المنزه عن كل عيب ونقص.




واختلف العلماء في معنى السلام المطلوب عند التحية على قولين:
الأول: أن السلام هنا هو الله U ومعنى الكلام: نزلت بركته عليكم، ونحو ذلك فاختبر في هذا المعنى من أسمائه سبحانه السلام دون غيره من الأسماء.
الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة وهو المطلوب المدعو به عند التحية. ومن حجة أصحاب هذا القول: أنه يأتي منكرًا فيقال: سلام عليكم ولو كان اسمًا من أسماء الله لم يستعمل كذلك. ومن حجتهم: أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبراً ودعاء. وحقيقية هذا اللفظ: البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، وعلى هذا المعنى تدور تصاريفه. فمن ذلك قولهم: سلمك الله، ومنه دعاء المؤمنين على الصراط «ربي سلّم..» ومنه سلم الشيء لفلان: أي أخلص له وحده، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُل} [الزمر: 29 [، أي خالصاً له وحده لا يملكه معه غيره.
ومنه أُخذ الإسلام فإنه من هذه المادة لأنه الاستسلام والانقياد لله والتخلص من شوائب الشرك، فسلم لربه وخلص له كالعبد الذي سلم لمولاه ليس له فيه شركاء متشاكسون، ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم الخالص لربه وللمشرك به([15]).
وهذا كقوله تعالى في سورة النمل: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ} [النمل: 59[، قال ابن كثير([16]) في المراد من{وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره: إن المراد بعباده الذين اصطفى هم الأنبياء


وهو كقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180-182[، وقال الثوري والسدي: هم أصحاب محمد r ورضي عنهم أجمعين وروى نحوه عن ابن عباس أيضًا ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى.
* * * *
      أقسام العبودية([17]):
      تنقسم العبودية إلى ثلاثة أقسام:
1-عامة، وهي عبودية الربوبية، وهي لكل الخلق قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا} [مريم: 93[، ويدخل في ذلك الكفار.
2- عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة العامة قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63[، وهذه تعم كل من تعبد لله بشرعه.
3-خاصة الخاصة، وهي عبودية الرسل عليهم الصلاة قال تعالى عن نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3[، وقال عن محمد: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23[، وقال في آخرين من الرسل: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45[.
فهذه العبودية المضافة إلى الرسل خاصة الخاصة؛ لأنه لا يباري أحد هؤلاء الرسل في العبودية.
* * * *


أما بعد: اعلم أرشدك الله تعالى...
 ✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺الشرح✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺
«أما بعد»: «كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى غيره وقد كان النبي r يأتي بها كثيراً في خطبه ومكاتباته ومعناها: مهما يكن من شيء»([18]).
وهي المراد في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20[، قال مجاهد: «هو الفصل في الكلام والحكم».
وقد ذكر ابن كثير([19]) في تفسير الآية عن أبي موسى t قال : أول من قال أما بعد: داود u وهو فصل الخطاب، وكذا قال الشعبي: فصل الخطاب أما بعد.
«اعلم»: العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً والعلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري.
فالضروري ما يكون إدراك المعلوم فيه ضرورياً بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال كالعلم بأن النار حارة مثلا.
والنظري ما يحتاج إلى نظر واستدلال كالعلم بوجوب النية في الضوء([20]).
«أرشدك الله» الرشد الاستقامة على طريق الحق ضد الغي.
وهذا تلطف من المؤلف – رحمه الله- مع المتعلم أن دعى له بالاستقامة على طريق الحق مما يجعل قلب المتعلم منفتح للعلم.

وهذه الجمة الدعائية مستحسنة في باب التعليم؛ كما ذكره المتكلمون في باب السلوك والأخلاق والآداب، لأن ذلك يدل على حسن مقصد المعلم وعلى تمام إرادة الخير منه للمتعلِّم، وهذا دأب للإمام محمد بن عبد الوهاب في مصنفاته ورسائله.
* * * *

















أن الله خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺الشرح✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺
يبين المؤلف رحمه الله الحكمة من خلق الخلق وهي عبادة الله سبحانه وتعالى بما شرعه على ألسنة رسله وما أنزل به كتبه، ومع عبادتهم إياه لا يشركون بعبادته أحد كائنًا من كان، بل يفردونه سبحانه بالعبادة دون ما سواه. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56[.
قال علي بن أبي طالب t: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: أي لأمرهم أن يعبدوني، وأدعوهم إلى عبادتي، يؤيده قوله U: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا} [التوبة: 31[.
وقال مجاهد وابن جريج: «إلا ليعرفون».
قال البغوي: وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله قول تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87[.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي االله عنهما :{إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي ليقروا بعبادتي طوعًا أو كرهًا. وهذا اختيار ابن جرير.
وقال الكلبي والضحاك وسفيان: هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين، يدل عليه قراءة ابن عباس: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ- من المؤمنين- إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ِ}، ثم قال في آية أخرى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الأعراف: 197[، وقال بعضهم: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: هم على ما

جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال الربيع بن أنس: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا للعبادة.
وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25[، هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك.
وقيل: معناه إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا، ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، ومتذلل لمشيئته، لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه قدر ذرة من نفع وضر.
وقيل: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله U: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}([21]) [العنكبوت: 65[.
اللام في قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} للتعليل، وهذا التعليل لبيان الحكمة من الخلق، وليس التعليل الملازم للمعلول، إذا لو كان كذلك للزم أن يكون الخلق كلهم عبادا لله يتعبدون له وليس الأمر كذلك فهذه العلة غائية، وليست موجبة.
فالعلة الغائية لبيان الغاية، والمقصود من هذا الفعل، أنها قد تقع وقد لا تقع.
والعلة الموجبة معناها: أن المعلول مبني عليها، فلا بدَّ أن تقع، وتكون سابقة للمعلول، وملازمة له([22]).
* * * *


والعبادة هي التوحيد...
✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺الشرح✺✹✺✹✺✺✹✺✹✺
 (العبادة هي التوحيد) هذا معروف عن السلف تفسير العبادة بالتوحيد، ومنه قول ابن عباس في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4[، قال: «إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك»([23])، ومنه – أيضًا- قوله في قول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21[ قال: «للفريقين جميعًا من الكفار والمنافقين، أي: وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم»، وقال: «كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد»([24]).
والعبادة في اللغة: الذُلُّ والخضوع. يقال: عَبَّده: ذلـله، وعبَّد الطريق، وعبَّد البعير، ويقال عبد الله عبادة، وعبودية: انقاد له وخضع، وذلَّ. يقول طرفة ابن العبد يصف ناقته:
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت


وظيفًا وظيفًا فوق مور مُعبَّد

ومور مُعبَّد: أي تراب مُمهَّدٍ مُذَللٍ([25]).
أما العبادة شرعاً: فقد عرفها شيخ الإسلام ([26]) بقوله:
العبادة هي طاعة الله، بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل.
وقال أيضًا: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.



وهي تتضمن غاية الذل لله تعالى، بغاية المحبة له؛ فمن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدًا له، ولو أحب شيئًا ولم يخضع له لم يكن عابدًا، كما قد يحب ولده وصديقه.
فالعبادة إذا تتضمن غاية الحب مع غاية الذل، كما قد عرفها ابن القيم بقوله:
وعبادة الرحمن غاية حُبِّه


مع ذُلِّ عابده، هما قطبان([27])

وقال: ومدارها على خمس عشرة قاعدة، من كملها كمل مراتب العبودية.
وبيان ذلك: أن العبادة منقسمة، على القلب واللسان والجوارح، والأحكام التى للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح. وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.
وقال القرطبي: أصل العبادة، التذلل والخضوع.
وسُميَّت وظائف الشرع على المكلفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها ويفعلونها، خاضعين متذللين لله تعالى([28]).
يقول الشيخ محمد بن عثيمين في شرح مسائل كتاب التوحيد: «أي أن العبادة مبنية على التوحيد، فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعبادة»([29]).

تحميل كتاب لتوضيح والبيان PDF كتب اسلامية من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016