-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب آثـار المثـل الأعـلى دراسة عقدية PDF


ملخص البحث
هذه الدراسة مقصودها شرح آثار المثل الأعلى، وبيان ما ينبني على معرفته من أصول وبراهين التوحيد، وذلك من خلال النقاط الآتية:
1-    معرفة الرب وتوحيده هي الثمرة العظمى لمعرفة المثل الأعلى، وهي ثمرة فطرية عقلية من حيث الأصل، إلا أن المعرفة التامة سبيلها العلم بما يجمعه المثل الأعلى من صفات الكمال.
2-    كمال العلم بمثل الرب الأعلى يثمر في حياة المؤمن صدق العبادة والاستعانة، وكل نوع من صفات الكمال يثمر عبادات قلبية خاصة تدفع الجوارح لفعل الطاعة وترك المعصية.
3-    براهين التوحيد دائرة مع المثل الأعلى وجودا وعدما، ولهذا جعل الله مثل السوء للمشركين وآلهتهم المزعومة، وأخبر أنه المتفرد بالمثل الأعلى في السماوات والأرض.
4-    مشروعية الاعتبار بين صفات الرب بقياس الأولى والمساواة، وعدم مشروعيته بين صفات الرب والعبد إلا بقياس الأولى لما في قياس المساواة من التنديد والتمثيل.
* * * * *


المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد تمدح الرب ـ تبارك وتعالى ـ بتفرده بالمثل الأعلى في قوله: }وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [النحل: 60]، وقوله: }وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [الروم: 27]، وجعله طريقا لمعرفته وعبادته، وبرهانا على توحيده وبطلان عبادة ما سواه، فالمعرفة المفصلة لا تحصل إلا بما جاء به الوحي من أخبار عن أسماء الله وأفعاله ومثله الأعلى الجامع لأنواع كمالاته، وتعلق القلوب برب العالمين محبة ورغبة ورهبة وتوكلا، وما يتبع ذلك من صدق العبادة والاستعانة والبراءة من الشرك بجميع أنواعه ومظاهره كل ذلك من آثار العلم بالمثل الأعلى، وصدق التحقق بمعرفة صفات الكمال. ولهذا جعل الله مثل السوء المتضمن لكل نقص وعيب للمشركين وآلهتهم المزعومة، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لكل كمال لله وحده، قال تعالى: }لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى{ [النحل: 60]. وعلى هذا الأساس المحكم قامت براهين التوحيد، الصريح منها وما كان عن طريق التشبيه وضرب الأمثال، لأن استحقاق العبادة دائر مع صفات الكمال وجودا وعدما، فمن جمعها فهو الإله الحق الذي له المثل الأعلى، ومن تجرد عنها فهو الإله الباطل الذي له مثل السوء!.
وقد عني علماء السلف بتحديد مدلول المثل الأعلى، وتفسيره من وجوه مختلفة، فمن حيث حقيقته فسروه بصفات الكمال التي يستحيل معها وجود المثل والكفء، ومن حيث آثاره فسروه بالتوحيد وما يتضمنه من حقائق الإيمان، وهما معنيان مترابطان أحكم ترابط وأوثقه، فإن معرفة الرب وعبادته، وبراهين التوحيد وأدلته كلها مبنية على كمال العلم بما يجمعه مثل الرب الأعلى من صفات الكمال.
وعلى هذا فإن دراسة المثل الأعلى تتطلب دراسة أمرين مترابطين ومتكاملين:
أحدهما: حقيقة المثل الأعلى، وذلك ببيان معناه، وشرح مدلولاته، التي يجمعها ثبوت الكمال الوجودي المطلق المنافي لصفات النقص ووجود المثل، وقد أفردت هذا الجانب بدراسة سابقة، بعنوان: "حقيقة المثل الأعلى".
والثاني: آثار المثل الأعلى، وذلك ببيان ما يثمره صدق التحقق بمعرفة المثل الأعلى من حقائق التوحيد، وما ينبني على التفرد به من براهين الإيمان. وهذا الجانب هو موضوع هذه الدراسة، وهي في تمهيد ومطلبين وخاتمة:
فالتمهيد: في معنى المثل الأعلى.
والمطلب الأول: في معرفة الرب وعبادته، ويشتمل على المسائل الآتية:
1-            فطرية المعرفة والتوحيد.
2-            أدلة وجود الله وتوحيده.
3-            دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده.
4-            ثمرات المثل الأعلى الخاصة.
5-            براهين التوحيد.
6-            جناية التعطيل.
والمطلب الثاني: في قياس الأولى، ويشتمل على المسائل الآتية:
1-            معنى القياس وإطلاقاته.
2-            استعمال القياس بين صفات الله تعالى.
3-            حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوقين.
4-            تطبيق قياس الأولى.
5-            أما الخاتمة فإجمال لأهم نتائج الدراسة.
* * * * *


تمهيد
معنى المثل الأعلى
اختلف المفسرون في المراد بالمثل الأعلى في قوله: }وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [النحل: 60]، وقوله: }وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [الروم: 27] على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالمثل الصفة، كما في قوله تعالى: }ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ{ [الفتح: 29]، أي صفتهم، وقوله: }مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ{ [الرعد: 35]، أي صفتها، فالمثل الأعلى بمعنى الصفة العليا، وهذا قول لابن عباس رضي الله عنهما، وقال به الخليل وكثير من المفسرين، كالبغوي والقرطبي وابن كثير. وقد اختلف المفسرون في تعيين الوصف الأعلى، فمنهم من خصه بأوصاف محددة، كالتوحيد والإخلاص، أو النزاهة عن الولد، وهذه طريقة البغوي وابن الجوزي ومن وافقهما. ومنهم من جعله عاما لجميع صفات الكمال ومعاني التنزيه. وهذه طريقة ابن كثير ومن وافقه ([1]).
والظاهر أن تخصيص الصفة العليا بالتوحيد والإخلاص من تخريجات المفسرين، واجتهاداتهم في التوفيق بين العبارات المأثورة عن السلف في تفسير المثل الأعلى، لأن التوحيد والإخلاص من آثار الوصف الأعلى، وليس هو الوصف الأعلى نفسه، ولهذا درج أكثر المفسرين على اعتبار تفسير المثل الأعلى بالتوحيد قولا مستقلا عن تفسيره بالصفة!.
القول الثاني: أن المراد بالمثل الأعلى تنزيه الرب عن وجود المثل. روى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: }وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى{ [النحل: 60]، قال: "يقول: ليس كمثله شيء" ([2]). وهذا القول محقق لتفسير المثل الأعلى بالوصف الأعلى، لأن نفي المثل إذا ورد في سياق المدح دل  على التفرد بصفات الكمال، ولهذا قال القرطبي: "المثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير" ([3]).
القول الثالث: أن المراد بالمثل الأعلى كلمة التوحيد، وما دلت عليه من حقائق الإيمان، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله" ([4]). ويؤثر نحوه عن قتادة ومجاهد ومحمد بن المنكدر ([5]). وقال قتادة في رواية ثانية: "المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد" ([6])، وهي بمعنى الرواية الأولى، ولهذا قال أبو جعفر النحاس: "المعنيان واحد، أي لله عز وجل التوحيد ونفي كل معبود دونه" ([7]).
ويدخل تحت هذا القول تفسير المثل الأعلى بما ضربه الله للتوحيد وأهله من الأمثال، وتفسيره بما يحل في قلوب المؤمنين من معرفة الرب ومحبته. يقول ابن تيمية: "وأما المؤمنون فإن الإيمان بالله، ومعرفته، ومحبته، ونوره وهداه، يحل في قلوبهم، وهو المثل الأعلى، والمثال العلمي" ([8]).
ومما يعضد تفسير المثل الأعلى بالتوحيد قوله تعالى: }وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ ......{ [الروم: 27 ، 28]، فأتبع ما تمدح به من التفرد بالمثل الأعلى ما يشعر بمعناه من أمثال التوحيد، ولهذا كان تفسير المثل الأعلى بالتوحيد هو غالب المأثور عن السلف ([9]). وهذا لا يعني ضعف تفسيرهم له بالصفة أو تفسيره بعدم وجود المثل، لاختلاف مدارك عباراتهم، ومآخذ أقوالهم، وذلك لأن المثل الأعلى باعتبار حقيقته يعني التفرد بأوصاف الكمال التي يستحيل معها وجود المثل، وباعتبار آثاره يعني التوحيد وما يحل في القلوب من حقائق الإيمان ومعاني الإخلاص، ولهذا جنح بعض المفسرين إلى تفسيره بمجموع أو أغلب المأثور عن السلف. يقول الخازن: "ولله المثل الأعلى، أي الصفة العليا المقدسة، وهي أن له التوحيد، وأنه المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال" ([10]).

* * *
المطلب الأول
معرفة الرب وعبادته
فطرة المعرفة والتوحيد:
معرفة الرب وتوحيده أعظم الحقائق المركوزة في فطر الناس أجمعين، فكل من سلمت فطرته من الاجتيال والتبديل فإنه سيذعن لا محالة لما يجده في داخله من الإيمان بوجود خالقه، والإقرار المجمل بمعاني ربوبيته، وكمال صفاته، واستحقاقه وحده للعبادة، قال تعالى: }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ{ [الروم: 30]، وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا, قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»([11])، وفي رواية لمسلم: «ما من مولود يولد إلا وهو على الملة»([12])، وفي رواية له أيضا: «إلا على هذه الملة»([13]). يقول ابن تيمية: "الله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده، فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له، عابدا له وحده" ([14]).
* * * * *
أدلة وجود الله وتوحيده:
إلى جانب تلك الحجة النابعة من داخل الإنسان وأعماق نفسه فإن هناك حججا خارجية في الأنفس والآفاق, تجمعها حقيقة عقلية أولية واحدة، وهي دلالة الأثر على المؤثر، وهذه الحجج تنتظم ما لا يحصى من آحاد الأدلة، إذ العالم كله دليل وشاهد على وجود الله وتوحيده، ولهذا جنح أهل العلم لحصر أنواع الأدلة دون آحادها، وذلك بطرق متعددة، وتحت أسماء مختلفة، منها:
1- دليل الخلق والاختراع: فما يعلمه كل عاقل بالمشاهدة والضرورة العقلية من وجود المخلوقات بعد العدم دليل قاطع على وجود الخالق وتوحيده، وذلك لافتقار المخلوق إلى الخالق، واحتياج المحدَث للمحدِث، قال تعالى: }أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ{ [الطور: 35 ، 36]، وقال: }قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ{ [الشعراء: 23 - 28]. وهذا النوع من الاستدلال يرتكز على أصلين معلومين بداهة:
أحدهما: حدوث المخلوقات: وهذا معلوم بالمشاهدة في آحاد الحيوان والنبات، وبالضرورة العقلية في الكواكب وسائر المخلوقات، لأنها مسخرة مدبرة، والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة.
والثاني: حاجة المحدَث إلى محدِث: وهذا الأصل معلوم بضرورة العقل، فالمحدَث لابد له من محدِث لا يفتقر إلى غيره، وهو الله تعالى. يقول ابن تيمية: "معلوم بضرورة العقل أن المحدث لابد له محدث، وأنه يمتنع تسلسل المخلوقات باتفاق العقلاء، وذلك بأن يكون للمحدَث محدِث، وللمحدِث محدَث إلى غير غاية، وهذا يسمى تسلسل المؤثرات، والعلل، والفاعلية، وهو لا يزول إلا بمحدث أزلي لا يحتاج إلى غيره" ([15]).
2- دليل العناية: فما في الوجود من مظاهر العناية بالمخلوقات عامة، والإنسان خاصة، براهين قاطعة على وجود الخالق، وعلى كماله، وتوحيده. ويدخل في هذا الدليل كثير من صور الاستدلال، منها:
أ- دلالة الإتقان: فكل مخلوق يحمل من كمال الإتقان ما يدل على وجود خالقه وكمال ذاته وصفاته، قال تعالى: }صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ{ [النمل: 88]، وقال: }الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{ [السجدة: 7]، وقال: }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{ [التين: 4].
ب- دلالة التناسق: فالعالم كله علويَّه وسفليَّه يخضع لنواميس كونية متناسقة ثمرتها التوافق الدقيق بين المخلوقات، والموافقة التامة لوجود الإنسان، قال تعالى: }لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{ [يس: 40]، وقال: }أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا{ [النبأ: 6 - 16]، وقال: }وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{ [النحل: 12]، أي أدلة على إثبات الصانع وعلى التوحيد والمعاد وصدق الرسل، ولهذا أطلق متعلق الآية ولم يقيدها بمطلوب معين([16]).
ج- دلالة الهداية العامة: فإن هداية المخلوقات ودلالتها إلى مصالح معاشها، وسبل بقائها وما يقيمها ويحفظها من أعظم آيات الربوبية، قال تعالى: }قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{ [طه: 49 ، 50]. يقول ابن القيم: "الهداية العامة قرينة الخلق في الدلالة على الرب ـ تبارك وتعالى ـ وأسمائه وصفاته وتوحيده، ومعنى الآية أن الله أعطى كل شيء من الخلق والتصوير ما يصلح به لما خلق له، ثم هداه لما خلق له، وهداه لما يصلحه في معيشته ومطعمه ومشربه ومنكحه وتقلبه وتصرفه. والخلق إعطاء الوجود العيني الخارجي، والهدى إعطاء الوجود العلمي الذهني. والآية شاملة لهداية الحيوان كله ناطقه وبهيمه، وطيره ودوابه، فصيحه وأعجمه" ([17]).
3- دليل المعجزات: فآيات الأنبياء وما يتبعها من نصر الرسل وأتباعهم، وإكرامهم بخوارق العادات، وإجابة الدعوات برهان حسي عقلي قاطع على إثبات الخالق وتوحيده وصدق رسله، قال تعالى: }وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ{ [الإسراء: 101 ، 102]، أي حجج وأدلة تبصر بصدق ما يدعو إليه موسى من الإيمان بالله وتصديق رسوله، وآثار واضحة للإله الحق وصفاته وأفعاله: يقول ابن القيم: "هذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها، وأدلها على الصانع، وصفاته، وأفعاله، وارتباط أدلة هذا الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها، فإنها جمعت بين دلالة الحس ([18]) والعقل، ودلالتها ضرورية بنفسها، ولهذا يسميها الله آيات بينات، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها، فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت من أدل الدليل على وجود الصانع وحياته وقدرته وإرادته وعلمه بالكليات والجزئيات، وعلى رسالة الرسول، وعلى المبدأ والمعاد، فكل قواعد الدين في هذه العصا! وهكذا سائر آياته وآيات الأنبياء، فكلها من أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر" ([19]).
* * * * *
دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده:
لم يكتف الشرع بتنبيه العباد وإرشادهم لما هو مركوز في فطرهم، وما تعرفه عقولهم من الإيمان المجمل بوجود الله وتوحيده، وإنما عرفهم بربهم ومعبودهم معرفة مفصلة، إذ من المحال أن تستقل العقول بمعرفة فاطرها ومعبودها على التفصيل ([20])، فعرفهم بأسماء الرب وصفاته وأنواع كمالاته التي يجمعها ما تفرد به من المثل الأعلى في السماوات والأرض، قال تعالى: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ [البقرة: 255]، وقال: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [الحشر: 22 - 24]، وقال: }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ [الإخلاص: 1 - 4].
ولهذا النصوص نظائر كثيرة يدخل كل واحد منها ضمن جانب أو أكثر من جوانب المثل الأعلى، وهي:
1- صفات الكمال الذاتية: قال تعالى: }اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [النور: 35]، وقال: }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [الأنعام: 59]، وقال: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [المجادلة: 7]، وقال: }هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [الحديد: 3]، وقال: }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{ [الزمر: 67].
2- صفات الكمال الفعلية: قال تعالى: }إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [الأعراف: 54]، وقال: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [هود: 6]، وقال: }وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [لقمان: 27]، وقال: }إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{ [الأنعام: 95].
3- التنزيه عن النقائص المتصلة: قال تعالى: }وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ{ [ق: 38]، وقال تعالى: }أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا{ [فاطر: 44]، وقال: }عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [سبأ: 3]، وقال تعالى: }وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49].
4- التنزيه عن النقائص المنفصلة: قال تعالى: }بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [الأنعام: 101]، وقال: }مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ{ [المؤمنون: 91]، وقال: }وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا{ [الإسراء: 111]، وقال: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11].
وهذه المعرفة المفصلة لابد أن تُثَمِّر في قلب العارف محبة الله ورجاء ثوابه والخوف من عقابه والالتزام بعبادة الله وحده قولا وعملا، وهذا هو المقصود الأعظم لما أخبرنا الله به من تفرده بالمثل الأعلى في السماوات والأرض، قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ{ [الروم: 27 - 30]، فتمدح الحق سبحانه وتعالى بتفرده بالمثل الأعلى، ثم أتبع ذلك بالأمر بلزوم موجبه والمقصود من ذكره، وهو البراءة من عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بجميع أنواع العبادة. والأمر بهذا التوحيد والإخلاص مستفاد من المثل المضروب ببطلان الشرك ولزوم التوحيد، ومن التشنيع بجهل المشركين واتباعهم أهوائهم بغير علم، ومن الأمر الصريح في آخر الآيات بالإخلاص الموافق للفطرة، ولهذا فسر كثير من علماء السلف المثل الأعلى بمقصوده الأعظم من التوحيد والإخلاص. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله" ([21])، ويقول قتادة: "المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله" ([22])، ويقول: "المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد" ([23])، وقال مجاهد: "المثل الأعلى قول لا إله إلا الله" ([24])، وقال محمد بن المنكدر في قوله: }وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى{ قال: "لا إله إلا الله" ([25]).
فالمعرفة والتوحيد أمران متلازمان، وهما أعظم ثمرات المثل الأعلى على الإطلاق، ولهذا كثر في نصوص القرآن والسنة التصريح بصفات الكمال ليعرف العباد ربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتمتلئ قلوبهم بمحبته وصدق التوكل عليه، فإن التحقق بمعرفة صفات الإلهية يورث المحبة الخاصة المستلزمة لكمال الطاعة والعبادة، والتحقيق بمعرفة صفات الربوبية يورث صدق التوكل وكمال الاستعانة، وهي الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار، ثقة بكفاية الله في العطاء والمنع والضر والنفع.
فالمعرفة الحق بصفات الإلهية تثمر إفراد الله بالعبادة قولا وعملا، والمعرفة بصفات الربوبية تثمر كمال الاستعانة بالله، والعبادة والاستعانة، أو الشرع والقدر هما أصلا السعادة في الدنيا والآخرة، وخاصة المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وقد جمع الله هذين الأصلين في مواضع من كتابه، كقوله تعالى: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ [الفاتحة: 5]، وقال: }فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ{ [هود: 123]، وقال: }عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [الشورى: 10]، يقول ابن تيمية: "الناس في عبادته واستعانته على أربعة أقسام:
فالمؤمنون المتقون هم له وبه، يعبدونه ويستعينونه.
وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر، فتجد عند أحدهم تحريا للطاعة والورع، ولزوم السنة، لكن ليس لهم توكل واستعانة وصبر، بل فيهم عجز وجزع.
وطائفة فيهم استعانة وتوكل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنة. فقد يمكن أحدهم، ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا، ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ([26])، ولكن لا عاقبة له، فإنه ليس من المتقين، والعاقبة للتقوى، فالأولون ([27]) لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز، وهؤلاء لأحدهم حال وقوة، ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر، واتبع فيه السنة.
وشر الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه، فهو لا يشهد أن عمله لله، ولا أنه بالله"([28]).



تحميل كتاب آثـار المثـل الأعـلى PDF من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016