بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين. أما بعد..
فإنَّ دراسة
السيرة النبوية أمر لابدَّ منه لكل مسلم يجعل الإسلام منهاجًا لحياته، ويتخذ رسول
الله r قدوة
وإمامًا، ومرشدًا وهاديًا.
فبدراسة
السيرة النبوية يتعرف المسلم على هَدي النبي r في كثير من العبادات والمعاملات، والأخلاق
والآداب، ويتعرف كذلك على الأساليب النبوية في التعامل مع الناس سلمًا وحربًا.
وبدراسة
السيرة النبوية نستطيع تلمس نقاط الضعف والخلل في واقعنا، ومعالجته في ضوء الكتاب
والسنة. ونستطيع كذلك التحول من مرحلة الضعف والذل إلى مرحلة التمكين والعز كما
فعل رسول الله r وأصحابه
الكرام.
هذا وإن كتب
السيرة النبوية من الكثرة بمكان ما بين مطول ومختصر، أما هذا الكتيب فهو عبارة عن
رؤوس أقلام أردنا بها تعريف كل مسلم بزبدة السيرة النبوية المطهرة وأهم أحداثها
وتواريخها، وهذا – بلا شك – يفتح المجال أمام دراسات أوسع وأعمق لهذه السيرة
المباركة. نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين.
الناشر
نسبه – والداه – أعمامه – عماته
نسبه r:
هو أبو القاسم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن
مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو المتفق عليه في نسبه r، واختلفوا فما بعد ذلك، واتفقوا أيضًا على
أن عدنان من ولد إسماعيل.
والده r:
* وأما
عبد الله والد النبي r فهو الذبيح، وقصة ذلك: أن عبد المطلب نَذَرَ
لئن آتاه الله عشرة أولاد ليذبحنَّ منهم واحدًا عند الكعبة، فلمَّا تموا عشرة أجرى
القرعة، فوقعت على عبد الله، فقامت إليه قريش لتمنعه من ذبحه، فقال: كيف أصنع
بنذري؟ فأشاروا عليه أن ينحر مكانه عشرًا من الإبل، فأقرع بين عبد الله وبينها
فوقعت القرعة عليه، فاغتمَّ عبد المطلب، ثم لم يزل يزيد عشرًا عشرًا، ولا تقع
القرعة إلى عليه، إلى أن بلغ مائة فوقعت القرعة على الإبل، فنُحِرَت عنه، فجرت
الديَّة في قريش والعرب مائة من الإبل، وأقرَّها رسول الله r في الإسلام.
أمه r:
* هي آمنة بنت
وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرَّة. وكانت قريش تنسب إلى النبيِّ r إلى ابن أبي
كبشة أحد أجداده لأمه استهزاءً، وأبو كبشة رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة
الأوثان، وعبد الكوكب، فلمَّا خالفهم النبي r شبَّهوه به في ذلك، فقالوا: ابن أبي كبشة.
أعمامه r:
* وهم
أحد عشر: أبو طالب، والزبير (أبو طاهر) وهما شقيقا عبد الله
أبيه، عليه الصلاة والسلام، وأبو الفضل العباس، وحمزة وهو أخو النبي r من الرضاعة،
والحارث، وحجل، وضرار شقيق العباس، وعبد العزى (أبو لهب) شقيق حجل، وقُثم مات
صغيرًا وهو أخو الحارث لأمه، وعبد شمس، وعبد الكعبة. وأسلم من هؤلاء العباس وحمزة
رضي الله عنهما.
عماته r:
* وكان له r من العمات
ست، منهن خمس شقيقات أبيه وهن: أم حكيم وهي البيضاء، وعاتكة وهي أم زوجته أم سلمة،
وأميمة وهي أم زوجته زينب بنت جحش، وأروى ، وبرَّة. وأما السادسة فهي صفية بنت عبد
المطلب شقيقة حمزة. وأسلم من هؤلاء: صفية، وقيل: عاتكة.
طهارة نسبه r:
*صان الله
تعالى والد النبي r من زلة الزنى، فوُلِد r من نكاح صحيح، ولم يولد من سِفاح. قال r: «إن
الله اصطفى من لد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من بني
كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» [رواه مسلم].
* وحينما سأل
هرقل أبا سفيان عن نسب النبي r ، أجابه بقوله: هو فينا ذو نسب. فقال هرقل:
كذلك الرُّسل تُبْعَثُ في نسب قومها. [رواه البخاري].
* * *
النبي r من الميلاد
إلى المبعث
ولادته r:
* وُلد رسول
الله r ببطحاء مكة
يوم الاثنين، في شهر ربيع الأول من عام الفيل، قيل في الثاني من الشهر، وقيل في
الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر.
* قال علماء
السير: لـمَّـا حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلًا. فلمَّا وُلِدَ خرج معه
نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.
* وفي حديث
العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله r يقول: «إني عند الله في أمِّ الكتاب
لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك؛ دعوة أبي إبراهيم،
وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام»
[رواه أحمد وصححه الألباني].
موت
أبيه r :
* توفي أبوه r وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولاته
بأشهر، وقيل بسنة، والمشهور الأول.
رضاعه r:
* أرضعته
ثوبية مولاة أبي لهب أيامًا، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية،
وأقام عندها في بني سعد نحوًا من أربع سنين، وأتاه هناك ملكان، فشَقَّا صدره،
واستخرجا منه حظّ النفس والشيطان، فخافت حليمة وردَّته إلى أمه إثر ذلك.
موت أمه r:
* ثم ماتت
أمه بالأبواء – بين مكة والمدينة – وهي راجعة إلى مكة، وهو ابن ست سنين، ولمَّا
مرَّ رسول الله r بالأبواء
وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربَّه في زيارة قبر أمه، فأذِنَ له، فبكى
وأبكى من حوله، وقال: «زوروا القبور فإنها تذكر الموت» [رواه مسلم].
* فلما
ماتت أمه، حضنته أم أيمن، وهي مولاته، ورثها من أبيه، وكفله جَدُّه عبد
المطلب، فلما بلغ رسول الله r من العمر ثماني سنين توفي جدّه، وأوصى به
إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله عزَّ وجلَّ
أعزَّ نصر وأتم مؤازرة، مع أنه كان مستمرًّا على شِرْكِهِ إلى أن مات، فخفف الله
بذلك من عذابه، فقد صحَّ أن النبي r قال: «إن أهون أهل النار عذابًا أبو
طالب، وهو منتعلٌ بنعلين يغلي منهما دماغه» [رواه مسلم]. وخرج r مع عمه إلى
الشام في تجارة وله اثنتا عشرة سنة.
طهارته r وأمانته:
*وقد
صان الله تعالى نبيه r وحماه منذ
صغره، وطهَّره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلُقٍ جميل، فلم يعبد صنمًا،
ولم يرتكب فُحشًا، ولم يستمع إلى قينة، ولذلك لم يعرف بين قومه إلا بالأمين؛ لَـمِا
شاهدوه من طهارته وصدق حديثه ووفائه وأمانته، حتى إنه لمَّا أرادت قريش تجديد بناء
الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره r، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن
يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعُه، حتى كادوا أن يقتتلوا، ثم اتفقوا على
أن يحكم بينهم أول داخل عليهم، فكان رسول الله r هو أول داخل عليهم، فقالوا: هذا الأمين،
فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه وأمر كلَّ قبيلة أن ترفع من جوانب الثوب،
ثم أخذ الحجر، فوضعه موضعه» [رواه أحمد والحاكم وصححه].
حرب الفجار:
*وشهد r يوم الفجار وله عشرون سنة، وهو يوم حرب كانت
بين قريش وبين قيس عيلان، وسمي الفجار لما استحلَّ فيه من المحارم.
زواجه r:
*تزوجته خديجة بنت خويلد وله خمس وعشرون سنة، ولها من العمر أربعون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في
تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من
الصدق والأمانة وحُسن السمت، فلمَّا رجع أخبر سيدته بما رأى فرغبت إليه أن
يتزوجها.
واستمرَّ
النبي r على هذه
السيرة الحسنة والأخلاق الجميلة إلى أن أنعم الله عليه بالنبوة وكرَّمه بالرسالة،
فصار نبيًّا رسولًا.
المبعث: من السنة الأولى إلى السنة العاشرة
مبعثه r:
* لمَّا كمَّل
رسول الله r أربعين سنة،
كلَّفه الله - عزَّ وجلَّ - بالرسالة، فنزل عليه جبريل uبغار حراء، يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان،
وكان r إذا نزل
عليه الوحي اشتد ذلك عليه، وتغيَّر وجهه وعرق جبينه.
* فلما نزل عليه المَلَكُ قال له: اقرأ. قال: «لست بقارئ» فغطاه الملك حتى
بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ. فقال: «لست بقارئ». ثلاثًا. ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5]، فرجع رسول الله r إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما
حدث له، فثبتته وقالت: أبشر. كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم،
وتصدق الحديث، وتَحْمِلُ الكَلَّ – أي: العاجز الفقير الذي يحتاج لمن يعوله –
وتعين على نوائب الدهر [متفق عليه]. فكانت خديجة - رضي الله عنها - أول من آمن به
من الناس.
لقاء ورقة بن
نوفل:
ثم إن خديجة -
رضي الله عنها - أخذت النبي r إلى ورقة بن نوفل – ابن عمها – وكان شيخًا
كبيرًا قد عمي، وكان قد تنصَّر في الجاهلية، فأخبره رسول الله r بما رأى في
الغار، فقال له ورقة: هذا الناموس – أي جبريل – الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها
جذعًا – أي شابًّا – ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك.. قال r: «أو مخرجيَّ هم؟» قال: نعم. لم يأت
رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرْك نصرًا مؤزرًا. فلم
يلبث ورقة أن توفي. [متفق عليه].
فترة الوحي
والأمر بالدعوة:
*ثم
فتر الوحي، فمكث رسول الله r ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئًا، فاغتمَّ
لذلك، واشتق إلى نزول الوحي، حتى كان يذهب إلى رؤوس شواهق الجبال، يريد أن يلقي
بنفسه منها، كلما أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل u، فقال: «يا محمد، إنك رسول الله حقًّا»
فيسكن لذلك جأشه، فعل ذلك مرارًا.
*ثم تبدّى له الملك بين السماء والأرض
على كرسي، فرُعِب منه النبي r ورجع إلى أهله وهو يقول: «دثروني دثروني». فأنزل الله تعالى عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنْذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 1- 4] فأمره الله - تعالى - في هذه الآيات أن
ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر r عن ساق التكليف، وقام في طاعة
الله أتم قيام.
إعلان الدعوة:
*بقي النبي r ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم
نزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا
تُؤْمَرُ} [الحجر:94]، فأعلن الدعوة إلى الله.
* ولما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، خرج رسول الله r حتى صعد الصفا، فهتف: «يا صباحاه» فقالوا: من هذا الذي يهتف؟
قالوا: محمد! فقال: «يا بني فلان... يا بني
فلان... يا بني فلان... يا بني عبد مناف... يا بني عبد المطلب... » فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا
تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقّي؟» قالوا: ما جرَّبنا عليك
كذبًا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب
شديد»، فقال أبو لهب: تبًّا لك! أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى آخر السورة. [متفق عليه].
* وقامت قريش بإيذاء كل من
آمن بالنبي r ، وقاموا بتعذيب المستضعفين من المؤمنين، أما رسول الله r فقد صانه الله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفًا، مطاعًا فيهم،
نبيلًا بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله r، لما يعلمون من محبته له.
الهجرة إلى
الحبشة:
* فلما اشتد الأذى بأصحاب
النبي r أمرهم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، فخرجوا مهاجرين إلى الحبشة في
السنة الخامسة من المبعث، فأقاموا بالحبشة شهرين ثم رجعوا إلى مكة في شوال، فلما
اشتد العذاب بمن آمن، أذن لهم رسول الله r بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى،
وفي السنة السادسة من المبعث أسلم حمزة عم النبي r وعمر بن الخطاب رضي الله
عنهما، فكان إسلامهما نصرًا للإسلام والمسلمين.
حصار وتجويع:
*ولما رأت قريش إصرار أبي
طالب على مؤازرة النبي r وحمايته وعدم تسليمه لهم، قررت
معاقبة بني هاشم على ذلك، فكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، أن لا يقبلوا من
بني هاشم صلحًا أبدًا حتى يُسَلِّموا رسول الله r للقتل، وحاصر وهم في شعب أبي
طالب، وقطعوا عنهم الأسواق، فاشتد على بني هاشم البلاء وعظم الخطب، حتى كان يسمع
أصوات النساء والأطفال يبكون جوعًا. واستمر الحصار ثلاث سنوات، وثبت رسول الله r وعمه أبو طالب وبنو هاشم ثباتًا عجيبًا، ثم قام بعض أشراف قريش
بنقض هذه الصحيفة.
* فخرج رسول الله r من الحصار في السنة التاسعة وله تسع وأربعون سنة بعد أن نقضت
صحيفة الظلم والجور.
عام الحزن:
* وتوفي أبو طالب عم النبي r بعد خروجه من الحصار بتسعة أشهر في السنة العاشرة من المبعث، وله
أربع وثمانون سنة، وتبعته خديجة رضي الله عنها في نفس العام، ولها خمس وستون سنة،
ففقد النبي r أعظم مُعِينَيْن له بعد الله تعالى.
* * *
المبعث من السنة العاشرة إلى الثالثة عشرة
صبره r على الأذى:
* واشتد الأذى برسول الله r بعد وفاة أبي طالب، وصبر النبي r على الأذى في ذات الله واحتسب،
وأخذ يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، فاستجاب
له من كل قبيلة من أراد الله تعالى هدايته وفوزه في الدنيا والآخرة.
* قال ابن إسحاق:
فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله r من الأذى ما لم تطمع فيه في
حياته.
* وفي الصحيحين أنه
كان r يصلي، وسَلا جزور قريب منه – وسلا الجزور هو اللفافة التي يكون
فيها الجنين في بطن الناقة، وهو المشيمة في الإنسان – فأخذه عقبة بن أبي مُعيط،
فألقاه على ظهره r، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة ابنته، فألقته عن ظهره، فقال
حينئذ: «اللهم عليك بالملأ من قريش» وفي أفراد البخاري أن عقبة
بن أبي معيط أخذ يومًا بمنكبه r ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به
خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر فدفعه عنه فقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟!
خروجه r إلى الطائف:
لما اشتد الأذى برسول الله r بعد أن فقد جناحيه؛ أبا طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج إلى
الطائف، فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى،
ورموه بالحجارة حتى أدمَوا عقبيه، فقرر r العودة إلى مكة، فرجع إليها
بعد أن أمضى في الطائف شهرًا. قال r: «انطلقت
– أي من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات
أهل نجد – فرفعت رأسي، فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل u، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد
أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، فسلَّم عليَّ، ثم
قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربُّك
لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله r: «بل أرجو أن يخرج الله من
أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» [متفق عليه].
إسلام الجن:
* لما بلغ النبي r الخمسين سنة وثلاثة أشهر قدمت
عليه جن نصيبين، فاستمعوا القرآن وأسلموا، ورجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا
سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرشد فآمنا به، فأنزل الله تعالى قوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ
مِنَ الْجِنِّ} [الجن:1]، [متفق عليه].
* الإسراء
والمعراج:
وفي السنة الحادية عشرة من المبعث، أُسْرِيَ
برسول الله r بجسده وروحه من المسجد الحرام – بين زمزم والمقام – إلى بيت
المقدس، راكبًا البراق في صحبة جبريل u، فنزل هناك، وأمَّ بالأنبياء
ببيت المقدس فصلَّى بهم، ثم عرج به تلك الليلة من هناك إلى السماء الدنيا، ثم للتي
تليها، ثم الثالثة حتى وصل إلى السابعة، ورأى الأنبياء في السموات على منازلهم، ثم
عرج به إلى سدرة المنتهى، ورأى عندها جبريل على الصورة التي خلقه الله عليها، وفرض
الله عليه الصلوات تلك الليلة، ولرسول الله r إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر.
عرضه r نفسه على
القبائل:
·
وكان رسول الله r يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه
على القبائل، ويدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ في منازلهم وأسواقهم بعكاظ ومجن وذي
المجاز، وخرج مرة إلى سوق ذي المجاز، وقال لهم: «يا
أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». وفي رواية: كان يقف على
القبيلة ويقول: «يا بني فلان، إني رسول الله
إليكم، آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله
ما بعثني به» فإذا فرغ قال لهم عمه أبو
لهب: لا تسمعوا له، ولا تتبعوه، إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى. [رواه
أحمد].
* وعرض r نفسه على الناس بالموقف مرة، وقال: «هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي عزَّ وجلَّ» [رواه أحمد وأبو داود].
إسلام الأنصار:
·
كان الأنصار من الأوس والخزرج يسمعون من اليهود أن
نبيًّا يُبعث في هذا الزمان، وكانوا يحجون كغيرهم من العرب دون اليهود، فلمَّا
رأوا رسول الله r في المواسم يدعو الناس إلى الله، وتأملوا أحواله قال بعضهم لبعض:
تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه.
بيعة العقبة
الأولى:
·
فلقي رسول الله r عند العقبة ستة نفر من الأنصار
كلهم من الخزرج، فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا ، ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوا إلى
الإسلام ، فنشأ الإسلام فيها، حتى لم تبق دارٌ إلا دخلها. فلما كان العام المقبل،
جاء من الأنصار اثنا عشر رجلًا؛ عشرة من الخزرج ورجلان من الأوس، فلقوه u عند العقبة، فبايعوه على الإسلام وبعث معهم مصعب
بن عمير يعلمهم الإسلام.
بيعة العقبة
الثانية:
·
فلما كان في العام الثالث، وافى الموسم من الأنصار
ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان، منهم أحد عشر رجلًا من الأوس، فبايعوه r على الإسلام وعلى الحرب، فلما تمت هذه البيعة أمر رسول الله r من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالًا.
الهجرة النبوية وبدايات التمكين – السنة الأولى
المؤامرة:
·
لما رأى المشركون فرار أصحاب رسول الله r إلى المدينة، خافوا أن يلحق بهم رسول الله r، فتصبح المدينة قاعدة
للمؤمنين، ينطلقون من خلالها إلى مهاجمة قواعد الشرك في مكة، أو إلى تهديد تجارتهم
التي تمر عبر ساحل البحر الأحمر إلى الشام؛ ولذلك أجمع المشركون على قتل رسول الله
r والتخلص من هذه الدعوة إلى الأبد.
·
اجتمع المشركون في دار الندوة، وبعد نقاش بين
قادتهم وكبرائهم، قرروا أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًّا شجاعًا، ويعطوه سيفًا
صارمًا، ثم يعمد هؤلاء الفتيان إلى رسول الله r فيضربوه بهذه السيوف ضربة رجل
واحد، فيقتلوه جميعًا، فإذا فعلوا ذلك استراحوا منه وتفرق دمه بين القبائل، فلا
يستطيع بنو عبد مناف قتال الناس جميعًا، ولن يجدوا حلًّا سوى قبول الدِّية والرضا
بالأمر الواقع.
تحميل كتاب السيرة النبوية للطلاب والمبتدئين PDF من هنا