-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب الحجاب حكم وأسرار PDF


تقديم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فلقد قامت الأخت (أم سعد) بتأليف رسالتها المرسومة بـ (الحجاب حِكَمٌ وأسرار) اطلعت عليها مراجعاً بطلب من مؤلفته فألفيتها رسالة قيمة طرزتها بالآية والحديث، وجملتها بالأثر، وغلفتها بالشفقة على المرأة المسلمة ناصحة إياها بالتستر بلباس الظاهر المستمد من الكتاب والسنة؛ ليسلم لها لباس الباطن ليتحقق من خلال ذلك شعبة الحياء والتي هي من شعب الإيمان.
شكر الله للأخت الداعية الكاتبة (أم سعد) والله أسأل أن يرزقنا وإياها الإخلاص في القول والعمل.
                                                         وكتبه
خالد بن إبراهيم الصقعبي


مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فلقد جاء الإسلام فوجد المرأة في المجتمع الجاهلي مظلومة مهانة تُباع وتشترى كالبهيمة والمتاع مسلوبة الحقوق فليس لها أدنى حق حتى حقها في الحياة فكان لوليها حق التصرف فيها بلا رقيب ولا حسيب فله أن يواريها التراب وكان هذا من عاداتهم التي لا ينكرها عليهم أحد، وكانوا ينظرون إلى المرأة نظرة بشرية هابطة فكانوا يعدونها أداة للمتعة وإشباعَ الغريزة، وهذا يتضح جليًّا في أشعار الجاهليين حينما يصفون المرأة فيتعرضون لجسدها فيصفونه وصفاً هابطاً عن كل معاني التكريم والاحترام، وحينما أشرقت شمس الإسلام أخذ يرفع من شأن المرأة ويؤكد أنها ليست مخلوقة لإشباع نهم الغريزة كما يتصور الجاهليون، وإنما خلقت لحكمة عظيمة مرتبطة بإرادة الله تعالى في خلق الإنسان وعمارة الأرض، فهي المحضن الذي تنشأ فيه الأجيال وتدرج، وهي السكن الذي بدونه لا يقر للرجل قرار ولا يستقيم له حال، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
ولتكريم المرأة وإعلاء شأنها توالت الأوامر الربانية في الكتاب والسنة النبوية لإعداد هذا المحضن وصيانته وتطهيره حتى يكون مهيئًا لرعاية الأجيال التي تحمل أمانة الدعوة إلى الله تعالى، فأمر الله تعالى النساء بالتزام الحجاب، ونبذ التبرج، والقرار في البيوت، وعدم الخضوع في القول، وكل ذلك صيانة للمرأة وتكريماً لها وارتقاءً بها عن المستوى الحيواني الهابط الذي لا يعترف بالمرأة إلا جسداً، وبذلك أصبح للمرأة شأن عظيم في ظل الإسلام ومكانة عالية لم تصل إليها في ظل أي تشريع آخر؛ لأن الإسلام يخاطب المرأة كما يخاطب الرجل؛ فهي في ظل الإسلام إنسانة مكلفة لها كيان ولها حقوق وعليها واجبات، وهي شقيقة الرجال كما قال أعظم معلم في البشرية r: «إنما النساء شقائق الرجال»([1]).
 فهذه هي نظرة الإسلام للمرأة، نظرة تكريم واحترام، ولكن تأبى شياطين الإنس لها هذا التكريم؛ فحسدوها على هذا الفضل العظيم واحتالوا عليها باسم التقدم والحرية؛ ليعيدوها مرة أخرى إلى حضيض الجاهلية التي نجاها الله منها؛ فقاموا بإغوائها ليخرجوها من حصنها ويجردوها من حجابها وعفتها، فألصقوا التٌّهم بالإسلام فهذا والله هو عين الباطل.
فهؤلاء هم الذين يريدون أن يعيدوا المرأة إلى الجاهلية الغليظة التي لا تعترف بالمرأة إلا جسداً مجرداً من كل المعاني الفاضلة، والشاهد على ذلك ما يطرحه دعاة التبرج والانحلال من قضايا المرأة، فنراهم لا يهتمون إلا بجسد المرأة؛ كيف تعتني ببشرتها؟! وشعرها ورشاقتها؟ وكيف تكون أكثر جاذبية وجمالاً؟! وغير ذلك من غثاءٍ تُسخَّر له وسائل الإعلام المختلفة، و والله الذي لا إله إلا هو إن المؤمنة لتأبى هذا الاحتفاء بالجسديات وهذا الانحطاط بالذوق الجمالي؛ لأن في قلبها جمالاً أسمى من ذلك، جمالًا رفيعاً هادئًا نظياً، يسمو بها في آفاق الحرية الحقة، حرية العبودية لله الذي كرمها وأعلى شأنها بالإسلام.
وإسهاماً في تثبيت المؤمنات الصادقات وجهاداً لأهل الباطل من المفسدين والمفسدات أكتب هذه الكلمات – رغم قلة علمي وقصر جهدي – أبيّن فيها فضل الحجاب وأسراره العظيمة، تعزيزاً لشخصية المرأة المسلمة التي ترفض التبرج والانحلال، وإثارة لحب العفة وعلياء الحياء، والله تعالى أسأل التوفيق والسداد، فهو حسبي ووكيلي نعم المولى ونعم النصير.
الفقيرة إلى عفو ربها
                                                أم سعد   
توحة بنت عبد العزيز عبد ربه


الحجاب: مصدر يدور معناه لغة: على الستر والحيلولة والمنع.
حجاب المرأة شرعًا: هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها، بما يمنع الأجانب من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت.
أما ستر البدن: فيشمل جميعه، ومنه الوجه والكفان.
أما ستر زينتها: فهو ستر ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها.


1 – أن يكون ساتراً سابغاً.
2 – ألا يكون في نفسه زينة.
3 – ألا يكون واصفاً؛ كالضيق والقصير والشفاف.
4 – ألا يكون من لباس الكفار، ولا من لباس الرجال، ولا من لباس الشهرة.
وهذا عن الحجاب الحسي، أما عن الحجاب المعنوي الذي هو جملة آداب المرأة المسلمة فشروطه هي :-
1 – أن تقر في البيت فلا تخرج إلا لحاجة أو ضرورة.
2 – ألا ترقق قولها ولا تخضع فيه فيطمع الذي في قلبه مرض.
3 – ألا تبرز إلى الرجال الأجانب ولا تخالطهم.
4 – ألا تختلي برجل أجنبي، ولا تسافر إلا ومعها محرم أو زوج.
5 – ألا تخرج من بيتها متعطرة متزينة كي لا تكون فتنة!
6 – ألا تكشف الوجه ولا الكفين ذلك من العورة ([4]).
ومن استقرأ التاريخ يرى أن المرأة المسلمة كانت ملتزمة بحجابها وشروطه حريصة عليه حتى كان من كيانها ومن شخصيتها، فكانت بذلك تتمتع بعيشة هنيئة وحياة هادئة بعيدة عن المشكلات، وكانت تؤدي دورها التربوي على أحسن وجه، ومن ثم تخرَّج على يديها الأئمة، والعلماء، والمجاهدين، والصالحين، فرحم الله هذا الزمان الذي كان لا يُعرف فيه لحجاب المسلمة قضية!!



حِكَم الحجاب

أولاً: الحجاب امتثال لأمر الله تعالى: -

إن من مقتضيات ألوهية الله تعالى وربوبيته الأمر والنهي، فهو الذي خلقنا، ورزقنا، وهو مدبر أحوالنا، وإليه مصيرنا، ونحن عبيده، ومن علم حقيقة هذه العبودية ووفاها حقها؛ كان أحب العباد إلى الله، وأقربهم إليه، قال الله تعالى – كما ورد في الحديث القدسي - : «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه»([5]) قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى - : ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله تعالى.
قال الطوفي – رحمه الله تعالى -: وفى الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأوامر، واحترام الأمر، وتعظيمه بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية، وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل([6]).
ومن الأوامر التي أمرنا الله بها في كتابه الكريم الحجاب، فقد أمر النساء بالستر والحجاب والبعد عن مواطن الفتنة، وتكرر هذا الأمر الكريم في آيات كثيرة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].  
وقال تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33].
 وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53].  
وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...} [النور: 31].
وجاءت السنة المطهرة كذلك تأمرنا بالحجاب وتحذرنا من التبرج والسفور، فقال r: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات رءوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»([7]).
 وعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله r: «المرأة عورة»([8])، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب t قال: يا رسول الله، احجب نساءك قالت عائشة: فأنزل الله آية الحجاب.([9])
فالحجاب أمر الله تعالى وحكمه الذي ارتضاه لنا، والذي فيه صلاح أحوالنا، فهلا ارتضيناه نحن لأنفسنا، وقلنا سمعنا وأطعنا، حتى نكون من المؤمنين الذين امتدحهم رب العالمين في قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
فعلى كل مسلمة تريد الله والدار الآخرة أن تنظر للحجاب على أنه أمر الله الذي خلقها وسواها فتعظم أمر الله، وتعلم أنه ليس لها الخيار بعد قول الله ورسوله قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36].
وبهذا تكون الاستجابة لله تعالى التي عليها مدار فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24]. وفي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} سر عجيب ذكره ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتاب الفوائد، فقال: (إنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة وأبطأتم عنها فلا تأمنوا أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانته )([10]).
فسبحان الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، لذلك كانت سرعة الاستجابة في أمر الحجاب دليل صدق الإيمان وحياة القلب الذي لا انشراح له ولا سعادة إلا في ظل سمعنا وأطعنا، أما من تعاند وتستكبر وتلهث وراء هواها ولا يقع في قلبها تعظيم أمر الله ورسوله، فهذا دليل على سفاهة عقلها؛ لأنها بذلك تورد نفسها المهالك وتعرضها لسخط الله وعقابه، قال تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 13].


ثانياً: الحجاب جهاد للنفس ودليل الإيمان الصادق

إن الله تعالى هو الملك الحق المبين الحكيم الخبير، خلق عباده وكلفهم بالأوامر والنواهي والأقدار؛ ليميز الخبيث من الطيب، ويعلم سبحانه من قام بأمره ومن ترك شهوته وهواه ابتغاء مرضاة مولاه، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
وإذا تأملنا طبيعة المرأة وما جبِلت عليه من حب لإظهار الزينة والجمال، وأن ذلك من فطرتها، علمنا أن أمر الله تعالى لها بالحجاب هو مادة اختبار ليعلم الله من صدقت في إيمانها مع الله قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18].  
فحب الزينة من طبيعة المرأة والله تعالى هو الذي خلقها ويعلم ذلك منها، ثم يأتي الأمر الرباني الحكيم بإخفاء هذه الزينة وسترها عن الرجال الأجانب مع ما يعلم الله من حالها ومحبتها لإبداء زينتها، ولا شك أن هذا ابتلاء واختبار يتبين به صدق الإيمان الذي يهذب هذه الرغبة ويضبطها بضوابط الشرع، ويتبين به من أخلصت التوحيد لله فأحرقت إله الهوى في قلبها ونادت بنداء الإيمان في بيداء الفتن المهلكة بعد أن ولت ظهرها لأهل الباطل والتبرج قائلة بقول الله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64].  


ثالثاً: الحجاب عبادة لله تعالى

سبق أن الحجاب أمر من الله تعالى، والقيام بأمر الله عبادة يحبها الله ويرضاها، ولكن يُشترط في العبادة حتى تكون مقبولة أن تكون خالصة لله تعالى، وتكون وفق مع شرعه الله؛ لذلك يجب على المرأة المسلمة أن تنظر إلى الحجاب على أنه عبادة تحتاج إلى الإخلاص، فهناك فرق كبير بين من ترتدي الحجاب على أنه عبادة، ومن ترتديه على أنه عادة، وذلك لأن الأمور بمقاصدها، قال النبي  r: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»([11]).
كذلك يجب أن تؤخذ أحكام هذه العبادة العظيمة من الكتاب والسنة الصحيحة، ومن أقوال العلماء الراسخين في العلم، لا من أرباب الهوى والجهل الذين يفتون بالأوهام والظنون التي يعدونها مصالح بزعمهم، فيحللون ويحرمون حسب أهوائهم وأغراضهم، وقد اُبتليت الأمة ببعض الذين يدعون العلم، فتلاعبوا بحجاب المرأة المسلمة، وقد تعالت أصواتهم واستطار شرهم عبر الفضائيات حتى تجرأ على حجاب المسلمة القاصي والداني، فنرى الآن من الفاسقين والفاسقات من أهل العفن الفني من يخرج ويفتى في الحجاب، ولا عجب فنحن في زمن أصبح فيه حجاب المسلمة قصعة مستباحة لكل أحد، ولله المشتكي وهو سبحانه المستعان.
 فعلى المسلمة أن تنظر وتتثبت من أين تتلقى أحكام هذه العبادة العظيمة، ولا تركن إلى أهل الهوى من علماء السوء، فهذا قد يوقعها فيما وقع فيه أهل هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].
وفي الآية الكريمة دليل على أن طاعة العلماء في معصية الله بتحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله مع العلم والرضا بذلك عبادة لهم من دون الله، وفي ذلك زجر لمن ترد أو تدع الآيات والأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الحجاب وهي تعلم ذلك؛ لقول زيد أو عمرو من العلماء، فلتحذر إنها على خطر عظيم قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابُ أَلِيمُ} [النور: 63].


رابعاً: الحجاب مراغمة للشيطان

إن إبليس – أعاذنا الله منه – يحرص أشد الحرص على كشف السوءات وهتك الأستار، فالتبرج والسفور حبل من حبائله، وهو إمام دعاة التبرج والرذيلة، وزعيم الشرذمة التي تنادي بتحرير المرأة بزعمهم.
وقد بيّن الله تبارك وتعالى ذلك في كتابة الكريم وحذرنا من مكره وكيده حتى لا يوقعنا في هذه المعصية العظيمة فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27].
والآية الكريمة تبين لنا بجلاء حرص الشيطان – لعنه الله – على نزع ستر بني آدم وكشف عوراتهم؛ لأن ذلك هو الطريق إلى وقوعهم في الفواحش العظيمة، ويذكرنا الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن سبب خروج أبوينا من جنة النعيم إلى دار النصب والهموم طاعتهما لإبليس أعاذنا الله منه حيث نزع عنهما لباسهما، وهتك سترهما، فبدت لهما سوءاتها حينما أكلا من الشجرة المحرمة بإغواء من إبليس أعاذنا الله منه، فكان ذلك سبباً لخروجهما من الجنة وزوال الملك العظيم، والنعيم المقيم، وهذه سُنّة ربانية لا تتبدل، ما من أمة تتمرد على شرع الله ويتبرج نساؤها ويكشفن عن عوراتهن إلا أذهب الله ملكهم وأبدلهم من بعد عزهم ذلًّا.
فعلى كل مسلمة أن تحذر أشد الحذر من التبرج، وتعلم أنها بتهاونها في أمر حجابها أصبحت من جنود إبليس، وحبلاً من حبائله، أما إذا قامت بحق ربها، وتمسكت بحجابها فهي بذلك قد راغمت شيطانها وأغاظته، وهذه المراغمة ترضي الله عز وجل.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (ولا شيء أحب إلى الله تعالى من مراغمة وليه لعدوه، وإغاظته له، وقد أشار إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحُ} [التوبة: 120] فمن تعبد لله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه يكون نصيبه من هذه المراغمة، وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس ومن ذاق طعمه ولذته؛ بكى على أيامه الأول)([12]).


خامساً: الحجاب إغاظة لأعداء الله

إن تمسك المسلمة بحجابها إحباط لجهود أعداء الله الذين بلغوا ذروة الجهد في الكيد للإسلام، فهم يعملون فينا بكلتا يديهم، يد تصبغ أراضينا بدمائنا، واليد الأخرى تصبغ وجوه نسائنا بالمساحيق، وشعورهن بالألوان العجيبة، وتكسو أجسادهن ثياباً لا ترضى الله؛ ليقضوا على ما تبقى من أخلاق.
والعجيب أن نسمع كثيراً ممن يحسبون على الإسلام ينادون بتحرير المرأة المسلمة من حجابها وكأنه سلاسل وقيود، ويصفونه أوصافاً منفرة، مثل أنه تخلف ، ورجعية، وجاهلية، وغير ذلك من البهتان.
 ولهؤلاء أقول: إن حقيقتكم لا تخفى على ذي عينين، وكلامكم باطل في باطل، وسوف تجنون ثمار الشوك الذي تغرسونه في طريق الإسلام – إن لم تتوبوا – زقوماً في دار البوار بقدرة الله الواحد القهار، وقبل ذلك الخزي والخذلان في الدنيا قبل الآخرة.
ومن مظاهر خذلان هؤلاء ما نراه من بعض نساء المسلمين من ثبات على العفاف والحشمة رغم ما يبذل من جهود خبيثة، فنرى من نساء المسلمين من تتمسك بحجابها، ولسان حالها يقول لهؤلاء بقول الله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119]. فتزهو بحجابها شامخة كالجبال الرواسي في خضم أمواج المكائد والفتن وصدق الله العظيم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
فنرى من بناتنا ونسائنا من هي في عمر الزهور وفي نضرة الشباب الذي قد ينخدع به الكثير نراها وقد كُسيت بلباس الستر والعفاف، فإذا خرجت لضرورة رأيت العفة والحشمة والحياء تأخذ حافة الطريق، تتوارى عن أعين الرجال، وقد حملت بين جنبيها قلباً قد ملئ بخشية الله، وسترت وجهاً يشع نوراً وجمالاً لا يضاهيه زينة المساحيق والألوان، وقد بدا على وجهها سنةُ التقوى والصلاح {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29].



سادساً: الحجاب دليل الغيرة

إن الستر والحياء والغيرة على الأعراض من سمات الفطرة السليمة السوية أما التكشف والتعري من علامات تدني الهمم، ومن الصفات الحيوانية البهيمية.
 ودليل على الانحطاط عن مستوى الإنسانية، وبرهان على موت الغيرة التي جبل عليها الإنسان السوي، وما تجرأت النساء على التبرج والتمرد على شرع الله إلا بعد أن ضاعت غيرة الكثير من الرجال، وضعفت القوامة التي كلفهم الله تعالى بها، فأين الحمية والغيرة على الأعراض؟!
إن مما يملؤ القلب حسرة وألماً أن نرى بعض نساء المسلمين يتجولن في الأسواق والطرقات متبرجات سافرات بلا رادع من دين أو حياء، وبجانبهن أشباه رجال قد رضوا بهذا الحال، ألم يعلم هؤلاء كم من حروب دقت طبولها في الجاهلية والإسلام غيرة على الأعراض؟!
إن الرجل السوي يأبى أن تمتد النظرات الخبيثة إلى محارمه، ويأبى أن تخرج إحداهن متبرجة سافرة تعرض مفاتنها في الطرقات وهو شاهد يقر ذلك ويرضاه.
فالفطرة السليمة تحرض الرجل على الغيرة على عرضه، بل تجعله يصون عرضه بماله ونفسه إذا لزم الأمر ذلك، لا أن يبذل ماله في شراء الثياب التي تكشف عورات محارمه، ولله در رجال من أمتي حموا الحمى وصانوا الأعراض، ثابتين على الحق في زمن زلت فيه كثير من الأقدام، فقاموا على محارمهم حق قيام ولسان حالهم يقول:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض في المال
فإلى الذين تنكروا للفطرة السوية، والأخلاق الفاضلة، العودة العودة  إلى الفطرة فطرة التوحيد التي فطرنا الله عليها قبل الندم، ويا رجال أمتي أخاطب فيكم حميتكم وأستثير رجولتكم لتهبوا فتنفضوا عنكم غبار الجاهلية الحديثة وتكفوا نساءكم عن هذا العبث الذي قد يكون ثمنه من أعراضكم.
كيف ترضى لنفسك يا أخا الإسلام أن تخرج امرأتك أو ابنتك تزهو بمفاتنها وزينتها بشكل يثير ذئاب البشر؟ أليس ذلك يُطمع فيها ضعاف النفوس وربما أطغاهم ذلك للنيل منها؟!
فما عساك أن تفعل يا أخي؟ تبكي وتتألم في وقت لا ينفع فيه الندم؟ أم تهب لتثأر لعرضك فتعرض نفسك للعقوبة والشقاء؟ ألست أخي في غنى عن ذلك كله بأن تقوم على أهلك حق القيام كما كلفك الله ؟.
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34].


تحميل كتاب الحجاب حكم وأسرار PDF من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016