كتاب الأصول في شـرح ثلاثة الأصول
تحميل كتاب الأصول في شرح ثلاثة الأصول ويليه فوائد نفيسة PDF من هنا
الحمد
لله الذي جعل في كل زمان وفترة من يجدد هذا الدين ويدعو لما دعا به سيد المرسلين
محمد r، وهذه
نعمة من الله على خلقه كما هو سابق ولاحق، وآخرهم الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب أجزل
الله له الأجر والثواب، ولا يزال هذا الدين بحفظ رب العالمين؛ كما قال النبي r: «ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتي
أمر الله تعالى».
فالشيخ محمد هو الإمام المجدد والعالم المحقق ولد عام
ألف ومائة وخمسة عشر في بلد العيينة، وتوفى عام ألف ومائتين وست سنوات هجرية، وقام
الشيخ بدعوة في هذا الدين الخالص من شوائب الشرك والبدع، وشمَّر عن ساعد الجد
والاجتهاد يدعو بالحجة وبالدليل من القرآن وسنة سيد الأنام محمد r بالحكمة والموعظة الحسنة، وناصره على ذلك محمد بن سعود
ساعدهم الله بالعز والتمكين ونصْرِ الدين، أولهم وآخرهم، وجعلهم صالحين ونصرة لهذا
الدين، ووفقهم لحفظ الإسلام وقمع من خالف هدي سيد المرسلين، آمين؛ إنه جواد كريم.
وكانت دعوة الشيخ محمد زمامها القرآن وسنة سيد الأنام، ويحميها
آل سعود بالسيف والسنان حتى انتشر التوحيد في كثير من البلدان، فرجع أهلها إلى دين
الإسلام وسلامة العقيدة بعدما استحوذ عليهم الشيطان وأخرجهم الشيخ من الشرك
وشُبَهِ الزائغين والمنحرفين، وانتشرت دعوة الشيخ إلى كثير من الأنام، فجدد رحمه
الله ما اندرس من معالم الدين ودعا الناس إلى ما نسوه من التوحيد بعد تراكم البدع
والجهالات، وما زالت هذه الدعوة في مزيد وانتشار على رغم من خالفها من أهل الشقاق
والعناد.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود مجاهدين صابرين
صادقين في الله بلسانهما وسنانهما، وكان الشيخ يقضي وقته في تدريس العلم والقرآن
وفي إصلاح الدين والقيام في مصالح المسلمين من الإفتاء والقضاء والرد على شبهات
المشبهين ونحل المبطلين والمعاندين، وكان للشيخ كتبه ورسائله ومؤلفاته توضح عن ذلك
في بيان التوحيد والدعوة إليه وتفنيد ما وقع به الكثير من شبه وخرافات وثنية وبدع
ما أنزل الله بها من سلطان، وكان الشيخ آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وكان
يكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، وكان سخيًّا كريمًا، وكان كما قال الشيخ حسن بن غنام:
وجرت به نجد ذيول افتخارها
|
وحُق لها بالألمعي ترفع
|
فأما نسبه؛ أي الشيخ، فهو الإمام العالم والقدوة البارع
محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن
مشرف، ولد رحمه الله سنة خمس عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في بلد
العيينة من أرض نجد.
ونشأ بها وقرأ القرآن بها حتى حفظ القرآن وأتقنه قبل
بلوغه العشر، وكان حاد الفهم سريع الإدراك والحفظ يتعجب أهله من فطنته وذكائه
وحفظه للقرآن، ثم اشتغل في طلب العلم وإدراك بعض الإرب، وكان سريع الكتابة ربما
كتب الكراسة في المجلس الواحد.
قال أخوه سليمان: كان والده يتعجب من فهمه وذكائه ويعترف له بذلك ويستفيد منه مع صغر سنه، ووالده
هو مفتي تلك البلاد، وجده مفتي البلاد النجدية، وآثار الشيخ محمد وتصنيفه وفتاواه
تدل على علمه وفقهه، وكان جده إليه المرجع في الفقه والفتوى، وكان جده معاصرًا
للشيخ منصور البهوتي الحنبلي خادم المذهب.
وبعد بلوغ الشيخ محمد سن الاحتلام قدَّمه والده في
الصلاة لمَّا رآه أهلاً للائتمام، ثم طلب الشيخ من والده الحج إلى بيت الله الحرام
فأجابه لذلك المقصد والمرام، وبادر الشيخ إلى قضاء فريضة الإسلام وأداء المناسك
على التمام، ثم قصد المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأقام فيها
قريبًا من شهرين، ثم رجع إلى وطنه قرير العين واشتغل في الفقه على مذهب الإمام
أحمد رحمه الله.
ثم بعد ذلك رحل يطلب العلم وذاق حلاوة التحصيل والفهم
وزاحم العلماء الكبار، ورحل إلى البصرة والحجاز مرارًا واجتمع بمن فيها من العلماء
والمشايخ الأخيار ثم إلى الإحساء، وهي آنذاك آهلة بالمشايخ والعلماء، فسمع وناظر
وبحث واستفاد وساعدته الأقدار الربانية بالتوفيق والإمداد، وروى عن جماعة منهم
الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المديني وساقه وأجازه من طريقين، وأول ما سمع
منه الحديث المسلسل بالأولية في كتاب السماع بالسند المتصل إلى عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء». وسمع منه المسلسل للحنابلة بسنده إلى أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: قال رسول الله r: «إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله قالوا كيف
يستعمله قال يوفقه لعمل صالح قبل موته». وهذا الحديث من ثلاثيات أحمد رحمه
الله.
وطالت إقامة الشيخ محمد ورحلته بالبصرة وقرأ بها كثيرًا
من الحديث والفقه والعربية وكتب من الحديث والفقه واللغة ما شاء الله في تلك
الأوقات، وكان يدعو إلى التوحيد ويظهره بين الناس ويدعو إليه الكثير ممن يخالطه
ومع مجالسيه، ويظهر ما عنده من العلم وما لديه، وكان يقول: إن الدعوة كلها لله من
جميع أنواع العبادات لا يجوز صرف شيء منها إلى غير الله وحده لا شريك له، ولم يزل
على ذلك رحمه الله.
ثم رجع إلى وطنه فوجد والده قد انتقل إلى بلدة حريملا
فاستقر معه فيها يدعو إلى السنة المحمدية ويبديها ويناصح من خرج عنها ويفشيها، حتى
رفع الله شأنه ورفع ذكره ووضع له القبول، وشهد له بالفضل ذووه من أهل المعقول
والمنقول وصنف كتابه المشهور في التوحيد وأعلن بالدعوة إلى صراط العزيز الحميد
وقرأ عليه هذا الكتاب المفيد، وسمعه كثير ممن لديه من طالب ومستفيد وشاع نسخه في
البلاد، وطار ذكره بين العباد والأنجاد، وفاز بصحبته واستفاد من جرد القصد لله
وسلم من الأَشَر والبغي والفساد والعناد، وكثر - بحمد الله - محبوه من أهل الإيمان
وصار معه عصابة من فحول الرجال وأهل السمة الحسن والكمال يسلكون معه الطريق
ويجاهدن كل فاسق وزنديق، وكان أهل مصره وعصره في تلك الأزمان قد اشتد فيهم غربة
الإسلام وعفت بينهم آثار الدين، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية وسفت عليها السوافي
وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة المحمدية في
ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب عليه الصغير وهرم
عليه الكبير وهو لا يعرف الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان وما تلقوه عن
الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة عندهم مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما
بينهم مدروسة مهضومة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام }نَسُوا
اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{.
وأدلة ما دعا إليه الشيخ محمد رحمه الله من التوحيد في
الكتاب والسنة أظهر شيء وأبينه، اقرأ كتاب الله من أوله إلى آخره تجد بيان التوحيد
والأمر به وبيان الشرك والنهي عنه مقررًا في كل سورة، يعلم ذلك من له بصيرة ومبدأ؛
ففي فاتحة الكتاب }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ نوعا توحيد
الألوهية وتوحيد الربوبية، وفي }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ النوعان: قصر
العبادة والاستعانة على الله عز وجل؛ أي لا نعبد غيرك ولا نستعين إلا بك، ثم قوله
تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{؛ فأمرهم بتوحيد الألوهية واستدل عليهم
بالربوبية ونهاهم عن الشرك به وأمرهم بخلع الأنداد التي يعبدها المشركون من دون
الله، وافتتح سبحانه وتعالى كثيرًا من سور القرآن بهذا التوحيد؛ كقوله تعالى: }الم *
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{، وقوله: }الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ{... إلى قوله
تعالى: }وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ. ..{ الآية؛ أي
هو المألوه المعبود في السموات والمألوه المعبود في الأرض، وفي هذه السورة من أدلة
التوحيد ما لا يحصر، وفيها من بيان الشرك والنهي عنه كذلك، يعلمه من نور الله
ببصيرته والله أعلم.
وقد عرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب واشتهر واستفاض عنه
مِن تعليمه وتقاريره ومراسلاته ومصنفاته المسموعة والمقروءة عليه وما كتبه بخطه
وعرف به واشتهر من أمره ودعوته وما عليه الفضلاء من أصحابه وتلامذته على ما كان
عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل التوحيد والفقه والفتوى في العلم في معرفة الله
وإثبات صفاته وكماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز وصحت بها الأخبار
النبوية وتلقاها أصحاب رسول الله r بالقبول والتسليم يثبتونها لله ويؤمنون بها ويأمرون بها
كما جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وقد درج عليها الصحابة
والتابعون وأهل العلم والإيمان من سلف الأمة؛ كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير
والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وكمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي
رباح والحسن وابن سيرين والشعبي وأمثالهم، وكعلي بن الحسين وعمر بن عبد العزيز
ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس وابن أبي ذئب، وكحماد بن سلمة وحماد بن زيد
والفضيل بن عياض وابن المبارك وأبي حنيفة والنعمان بن ثابت والشافعي وأحمد وإسحاق
والبخاري ومسلم ونظرائهم من أهل الفقه والأثر؛ لم يخالف هذا الشيخ ما قالوه ولم
يخرج عما دعوا إليه واعتقدوه – رحمهم الله أجمعين. انتهى من الدرر السنية.
وقال أيضًا: إذا أمر الله العبد بأمر وجب عليه؛ فيه سبع
مراتب:
الأولى: العلم
به.
الثانية: محبته.
الثالثة: العزم
على الفعل.
الرابعة: العمل.
الخامسة: كونه
يقع المشروع خالصًا لله صوابًا على السنة.
السادسة: التحذير
على من فعل ما يحبطه.
السابعة: الثبات عليه.
إذا عرف الإنسان أن الله أمر
بالتوحيد ونهى عن الشرك، وعرف أن الله أحل البيع وحرم الربا، وعرف أن الله حرم أكل
مال اليتيم وأحل لوليه أن يأكل بالمعروف إن كان فقيرًا؛ حينئذ يجب عليه أن يعلم
المأمور به ويسأل عنه إلى أن يعرفه، ويعلم المنهي عنه ويسأل عنه إلى أن يعرفه
ويحذر من الجهل ومن الوقوع فيه.
المرتبة الثانية: محبة ما أنزل الله والعمل به والحكم بكفر من كرهه لقوله تعالى: }ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{؛ فأكثر
الناس لم يحب الرسول؛ بل أبغضه وأبغض ما جاء به أو بغضه ولو عرف أن الله أنزله.
المرتبة الثالثة: العزم على الفعل وكثير من الناس عرف وأحب ولكن لم يعزم خوفًا من تغير
دنياه أو نقصها.
المرتبة الرابعة: العمل بما جاء به الرسول وكثير من الناس إذا عزم وعمل وتبين له من
يعْظُمُه من شيوخ أو غيرهم ترك العمل.
المرتبة الخامسة: أن كثيرًا مما يعمل لا يقع خالصًا؛ فإن وقع خالصًا لم يقع صوابًا على
السنة.
المرتبة السادسة: أن الصالحين يخافون من حبوط العمل؛ لقوله تعالى: }أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون{، وهذا من
الخوف من سوء الخاتمة؛ لقوله r: «إن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة ويختم له بعمل أهل
النار وبضده».
وهذا أيضًا من أعظم ما يخاف منه الصالحون، وهو قليل في
زماننا، والله الموفق.
فتفكر في حال
الذي تعرف من الناس في هذا الزمان وغيره يدلك على شيء كثير تجهله، والله أعلم. انتهى
من الدرر السنية.
* * *
وقال الشيخ في الدرر السنية على قوله تعالى: }ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه...{ الآية، وقوله تعالى: }اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا{: قيل إنها آخر آية نزلت وفسرها نبي الله r الإسلام لجبريل عليه السلام، وبناه على خمسة أركان، وتضمن كل ركن علمًا وعملاً فرضًا على كل ذكر وأنثى، وحرًّا وعبدًا؛ لقوله - أي الشيخ: لا ينبغي لأحد يقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه، وأعلم أن أهمها وأُولاها الشهادتان وما تضمنتاه من النفي والإثبات من حق الله على عبيده ومن حق الرسالة على الأمة؛ فإن بان لك شيء من ذلك وارتعت وعرفت ما الناس فيه من الجهل والغفلة والإعراض عما خُلِقُوا له، وعرفت ما هم عليه من دين الجاهلية وما معهم من الدين النبوي، وعرفت أنهم بنوا دينهم على ألفاظ وأفعال أدركوا عليها أسلافهم نشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبير، ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة، ولا له خبرة في العقيدة وحيا على ذلك ومات عليه - أتظن من كان حاله كذلك هل شم لدين الإسلام الموروث عن محمد r شيئًا؛ فما ظنك به إذا وضعوه في قبر وأتاه الملكان وسألاه عن ربه ودينه ونبيه؛ الله أعلم بما يجيب: هاها، لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. وما ظنك إذا وقف بين يدي الله وسأله: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ بماذا يجيب؟! رزقنا الله وإياكم علمًا نبويًّا وعملًا خالصًا في الدنيا ويوم نلقاه، آمين.
وقال الشيخ في الدرر السنية على قوله تعالى: }ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه...{ الآية، وقوله تعالى: }اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا{: قيل إنها آخر آية نزلت وفسرها نبي الله r الإسلام لجبريل عليه السلام، وبناه على خمسة أركان، وتضمن كل ركن علمًا وعملاً فرضًا على كل ذكر وأنثى، وحرًّا وعبدًا؛ لقوله - أي الشيخ: لا ينبغي لأحد يقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه، وأعلم أن أهمها وأُولاها الشهادتان وما تضمنتاه من النفي والإثبات من حق الله على عبيده ومن حق الرسالة على الأمة؛ فإن بان لك شيء من ذلك وارتعت وعرفت ما الناس فيه من الجهل والغفلة والإعراض عما خُلِقُوا له، وعرفت ما هم عليه من دين الجاهلية وما معهم من الدين النبوي، وعرفت أنهم بنوا دينهم على ألفاظ وأفعال أدركوا عليها أسلافهم نشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبير، ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة، ولا له خبرة في العقيدة وحيا على ذلك ومات عليه - أتظن من كان حاله كذلك هل شم لدين الإسلام الموروث عن محمد r شيئًا؛ فما ظنك به إذا وضعوه في قبر وأتاه الملكان وسألاه عن ربه ودينه ونبيه؛ الله أعلم بما يجيب: هاها، لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. وما ظنك إذا وقف بين يدي الله وسأله: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ بماذا يجيب؟! رزقنا الله وإياكم علمًا نبويًّا وعملًا خالصًا في الدنيا ويوم نلقاه، آمين.
فانظر يا رجل حالك وحال أهل هذا الزمان والمكان وما جاز
عندهم ودانوا به، وما لا فلا؛ فأنت وذاك، فإن كانت نفسك عليك عزيزة فلا ترضى لها
بالهلاك فانتبه لما تضمنته أركان الإسلام من العلم والعمل خصوصًا بالشهادتين من
النفي والإثبات؛ وذلك ثابت في كلام الله ورسوله r؛ قيل أن أول آية نزلت قوله تعالى }اقرأ{، و: }يا أيها المدثر قم فأنذر{؛ قف عندهم
ثم قف ترى العجب العجاب ويتبين لك ما أضاع الناس من أصل الدين، وكذلك قوله تعالى: }ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً...{ الآية وكذلك
قوله: }أفرأيت من اتخذ إلهه هواه{، وغير ذلك
من النصوص الدالة على حقيقة التوحيد الذي هو مضمون ما تقدم.
والشيخ محمد هو الذي قرأ التوحيد وثلاثة الأصول وصنَّفها،
انظر توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات والولاء والبراء، وهذا
هو حقيقة دين الإسلام الذي بعث به محمد r، ولكن قف عند هذه الألفاظ وانظر ما تضمنته من العلم
والعمل تعلم معنى لا إله إلا الله، وكذلك محاسن أصحاب رسول الله r، وتعلم حقًّا أنهم على الحق الواضح كلهم والكف عن ذكر
مساويهم وما شجر بينهم؛ فمن سب أصحاب النبي r أو أحدًا منهم أو تنقصهم أو طعن عليهم أو عرَّض بغيبتهم
أو عاب أحدًا منهم، فهو مبتدع رافضيٌّ خبيث لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا؛ بل
حبهم سنة، والدعاء لهم والترضي عنهم قربة، والاقتداء بهم وحبهم سنة والأخذ بآثارهم
فضيلة، وأفضل الأمة بعد النبي r أبو بكر ثم عمر الفاروق ثم عثمان ثم علي، وفي عثمان
وعلي خلاف بتقديم، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، ثم أصحاب رسول الله r بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر
شيئًا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص؛ فمن فعل ذلك فقد وجب على
السلطان تأديبه وليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه؛ فإن تاب قبل منه وإن لم
يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يتوب أو يرجع عن قوله، ونعرف للعرب حقها
وسابقتها وفضلها ونحبهم؛ لحديث رسول الله r: «حب العرب من الإيمان وبغضهم نفاق». انتهى من
الدرر.
وقول الشيخ محمد في الأصول الثلاثة – رحمه الله – هذا
أولها:
(اعلم - رحمك الله - أنه يجب علينا تعلُّم أربع مسائل:
الأولى العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به. الثالثة: الدعوة إليه. الرابعة:
الصبر على الأذى فيه).
الشـرح
وقوله - رحمه
الله: (اعلم): افهم واعقل
ما تقرأ ويلقى عليك من أمر دينك، وهو الأصل العظيم النافع.
وقوله: (رحمك
الله): هذا دعاء لك من هذا العلم الناصح يدعو لك - أي الطالب
للعلم - بالرحمة والرشد والهداية، ما النصح للمسلمين رحمه الله.
وقول الشيخ: (أنه
يجب علينا تعلم أربع مسائل): وهذا
متعين على كل أحد النصح، وبيانه من الواجب، وعلى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب، واجب على كل مسلم ذكرًا أو أنثى حرًّا وعبدًا، ولا يعذر أحد بتركه في أمر
دينه؛ مثل معرفة لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ثم الصلاة وما يتعلَّق
بها من وضوء وشرطه، وأركان الصلاة، وواجباتها ومُبطلاتها، وما يلحق الصلاة من سهوٍ
وغيره، ومثل الزكاة والصوم والحج، وما يلزم من أمر الدين وتزيد النساء؛ مثل الحيض
والنفاس والاستحاضة وجميع أمر العبادة كلها؛ قال تعالى: }فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{.
وقال r: «ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال».
والعي الجهل، وشفاؤه سؤال العلماء ولا يعذر أحد في جهل دينه مع وجود العلماء؛ لأن
الله أنزل الكتب وأرسل الرسل وأقام الحجة على الخلق، وتركنا r على المحجة البيضاء ليلها كنهارها كالشمس في نحر
الظهيرة، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وقول الشيخ: (الأولى العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه
ومعرفة دين الإسلام بالأدلة): قلت: أي
العلم: هو كما قال تعالى: }أنزله بعلمه{، وهو العلم
الذي عليه النبي r وأصحابه؛ أي بما أنزل على محمد؛ وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه تنزيلًا من حكيم حميد، وقوله تعالى: }أنزله بعلمه{ وهو العلم
الذي عليه النبي وأصحابه؛ أي: بما أنزل على محمد وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقوله تعالى: }أنزله بعلمه{: أي بعلمه
الذي أوحاه إلى محمد r من البينات والهدى والفرقان؛ أي من الفرق بين الحق والباطل، وما يحبه الله
ويرضاه وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وما فيه
من ذكر صفاته تعالى المقدسة وأسمائه التي لا يعلمها أحد إلا بما أخبر تعالى بها، أو
أخبر بها نبيه محمد r؛ قال تعالى: }ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء{، وقال تعالى:
}ولا يحيطون به علمًا{. انتهى من: ابن
كثير.
وقال في مجموعة الحديث: ومن فضل العلم والحرص على طلبه
والمشي في طلب العلم، ويروى: أن الله سبحانه أوحى إلى داود عليه السلام أن خذ عصا
من حديد ونعلين من حديد وامش في طلب العلم حتى تنخرق النعلان وتنكسر العصا. وفيه
دليل على خدمة العلماء وملازمتهم والسفر إليهم ومجالستهم والحرص على اكتساب العلم
منهم؛ قال تعالى حاكيًا عن موسى عليه السلام: }هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا{.
واعلم أن هذا
الحديث له شرائط: منها العمل بما يعلمه، قال أنس – رضي الله عنه -: «العلماء همتهم
الرعاية والسفهاء همتهم الرواية». قال في العلم: «مواعظ الواعظ لن تقبل حتى يعيها
قلبه أولاً، يا قوم من أظلم من واعظ خالف ما قد قاله في الملأ، أظهر بين الخلق
إحسانه، وخالف الرحمن لما خلا».
ومن شرائط العلم
نشره؛ قال تعالى: }فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم...{ الآية، وروى
عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي r قال لأصحابه: «ألا أخبركم عن أجود الأجود؟ ». قالوا:
بلى يا رسول الله. قال: «الله أجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي
رجل علم علمًا فنشره يبعث يوم القيامة أمة وحدَه، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى
قتل».
ومن شرائطه ترك المباهات والممارات، وروي عن النبي r أنه قال: «من طلب العلم لأربعة دخل النار؛ ليباهي به
العلماء أو يماري به السفهاء أو يأخذ به الأموال أو يصرف به وجوه الناس إليه»، فهذا
شرط ومن شرائطه الاحتساب في نشره وترك البخل به؛ قال الله تعالى: }قل لا أسألكم عليه أجرًا...{ الآية.
ومن شرائطه ترك الأنفة والتكبر من قول لا أدري؛ قال r لما سئل عن الساعة: «ما المسؤول عنها بأعلم من
السائل». وسئل عن الروح فقال: «لا أدري» ومن شرائطه التواضع، قال الله
تعالى: }وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا{ الآية.
قال r لأبي ذر: «يا أبا ذر احفظ وصية نبيك عسى أن ينفعك
الله بها، تواضع لله عز وجل عسى الله أن يرفعك يوم القيامة».
ومن شرائطه احتمال الأذى في بذل النصيحة والاقتداء
بالسلف الصالح في ذلك؛ قال الله تعالى: }وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك...{ الآية. وقال
r: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت».
ومن شرائطه أن يقصد بعلمه من كان أحوج إلى التعليم كما
يقصد بالصدقة بالمال الأحوج فالأحوج؛ فمن أحيا جاهلاً بتعليم العلم فكأنما أحيا
الناس جميعًا ومما قيل في تنبيه الغافل ورده إلى طاعة الله شعرا:
من رد عبدًا أبقى شاردًا
|
عفا عن الذنب له الغافر
|
ومن فضل العلم قوله r: «إلا نزلت عليهم السكينة»: هي
"فَعَلَتْ" من السكون؛ أي الطمأنينية من الله تعالى... إلى آخر الحديث. قال
تعالى: }ألا بذكر الله تطمئن القلوب{، وكفى بذكر
الله شرفًا؛ فذكر الله للعبد في الملأ الأعلى أعلى من ذكر العبد لله». انتهى من
مجموعة الحديث.
وقال بعضهم:
وساعة الذكر فأعلم ثروة وغنى
|
وساعة اللهو إفلاس وفاقات
|
وقال الشيخ عبد اللطيف: أما كيفية طلب العلم ففي حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «إنك تأتي قومًا من أهل
الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه... » الحديث: فيه بيان الكيفية والبداءة
بالأهم فالأهم من واجبات الإيمان وأركان الإسلام، وينتقل من درجة إلى درجة؛ من
الأعلى إلى ما دونه ثم بعد ذلك يتعلم ما يجب عليه من حقوق الإسلام بخلاف ما يفعله
بعض الطلبة من الاشتغال بالفروع والذيول، وفي كلام شيخ الإسلام محمد رحمه الله: "من
ضيع الأصول حُرم الوصول ومن ترك الدليل ضل السبيل". ومن السبب في تحصيل العلم؛
فلا أعلم سببًا أعظم وأنفع وأقرب في تحصيل المقصود من التقوى؛ قال تعالى: }ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد
تثبيتًا...{ الآية، وفي الأثر: "من عمل بما علم
أورثه الله علمَ ما لم يعلم". قال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
|
فأرشدني إلى ترك المعاصي
|
|
وقال اعلم بأن العلم نور
|
ونور الله لا يؤتاه عاص
|
ومن الأسباب الموجبة لتحصيل العلم الحرص والاجتهاد؛ قال
الله تعالى: }ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم...{ الآية، ومنها
إصلاح النية وإرادة وجه الله تعالى والدار الآخرة؛ فإن النية عليها مدار الأعمال
ولا يتم أمر ولا تحصيل علم ولا عمل إلا بصلاح القصد والنية.
وهناك أسباب أخرى تذكر في الكتب المؤلفة في آداب العلم
والتعلم ليس هذا محل بسطها، وقال أيضًا فيما كتبه لبعض إخوانه يحرضه على العلم
فقال: "وما تيسر لك من الكتب المفيدة الشرعية فخذ بها، جعلك الله من وعاة
العلم ورواته الفائزين بحسن ثوابه ومرضاته؛ فإياك إياك والبطالة والإهمال
والاشتغال بتحصيل عرض من الدنيا ومال، وقد قيل في المثل: «ومن خَطَب الحسناء لم
يغله المهر». والله المستعان. انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف من الدرر.
وقال الشيخ حمد بن عتيق في الدرر - رحمه الله: "العلم
يحفظ بأمرين: تذكر وفهم ورغبة، وأحدهما للعمل يحصل به المقصود؛ فمن عمل بما علم
حفظ الله عليه علمه وأثابه علمًا آخر ما يعرفه؛ لأن التعطيل ينسي التحصيل؛ فإذا
عمل الإنسان بعلمه بأن حافظ على فرائض الله ولازم السنن الرواتب والوتر وتلاوة
القرآن والاستغفار بالأسحار وعزَّر نفسه ساعة يجلسها في المسجد للذِّكر، وأحسن ما
يكون بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس؛ فقد تسبب للعمل بعلمه، وكذلك يجتنب مجالس
اللغو والغفلة وأهل الغيبة والنميمة وساقط الكلام، ويحفظ لسانه مما لا يعنيه، ثم
يقبل على تذكر العلم وقيده بالكتابة، والحرص على تحصيل الكتب المفيدة أعظم من حرص
أهل التمروقة الجذاذ، وأعظم من حرص أهل العيش على جمعه وقت الحصاد؛ فهذا يسمى طالب
علم، وهو على سبيل نجاة إذا كان مخلصًا في ذلك لله، وأكثر علامات ذلك أن يكون له
حال يتميز بها عن الناس حتى تعرفه، وتميزه بانفراده عن الناس، إلا من دخل معه على
طريقه، وأما إذا تسمى الإنسان بالقراءة فإذا تأملت حاله إذا هو مثل حالهم، ولا محافظة
على ذلك؛ فقد نام جميع ليله وجميع نهاره وصار له مع كل الناس مخالطةٌ، وليس هناك
إلا أنه بعض المرات يأخذ الكتاب ويقرأ في المجلس، ولو سألته عن بابه الذي قرأه ما
عرفه، ولو طلبت منه مسألة مما يقرأ لم يجب عنها، وربع ريال أحب عنده من كتابين، قد
خلا منه المسجد وامتلأت منه مجالس الغفلة، وعطل لسانه من الذكر وسؤاله في الخوض في
أحوال الناس وما يجرى بينهم وتعرف دنياهم؛ فهذا من العلم النافع بعيد ولا يفيد، ولا
يستفيد، ومن حكمة الرب سبحانه أن مثل هذا لا يوفق، وأدلة هذه الأمور في كتاب الله
وسنة رسوله.
وكلام سلف الأمة وأئمتها كثيرٌ معروف، ومن تأمل أحوال
العالم وجد ما يشهد لذلك؛ فتجد من يشب ويشيب وهو يقرأ ولم يحصل شيئًا من العلم؛ لمانع
قام به وحائل من نفسه لا من ربه }فلا يظلم ربك أحدًا{، حكمة بالغة
فما تغني النذر.
وقال أيضًا: وأوصيك بالحرص على تعلُّم العلم وتعليمه
الموروث من كتاب الله وسنة رسوله، ثم اعلم أن ذلك لن ينال إلا على جسر من التعب
والمشقة تحت ظلم الليل، وذلك بشيئين: شيء في أول الليل وشيء في آخره؛ فالذي في
أوله إدامة المطالعة والحفظ لذلك والذي في آخره الوقوف في مواقف الابتهال
والانطراح بين يدي ذي العزة والجلال والتضرع بالأسحار وتلاوة القرآن بالتدبير
والتفكير؛ فهذا عنوان السعادة وسمة أهل الولاية والزهادة، اللهم ألحقنا بآثارهم.
وقال الشيخ ابن سحمان:
تعلم ففي العلم الشريف فوائد
|
يحن لها القلب السليم الموفق
|
|
فمنهن رضوان الإله وجنة
|
وفوز وعز دائم متحقق
|
|
وعن زمرة الجهال إن كنت صادقًا
|
بعلمك تنجو يا أخي وتسمق
|
|
فكن طالبًا للعلم إن كنت حازمًا
|
وإياك أن رمت الهدى تتفوق
|
|
ففي العلم ما تهواه من كل مطلب
|
وطالبه بالنور والحق يشرق
|
|
فإن رمت جاها وارتفاعًا ورتبة
|
ففي العلم ما تهدى له ويشوق
|
|
وإن رمت مالا كان في العلم كسبه
|
ففز بالرضا واختر لما هو أوفق
|
|
وأحسن في الدارين عقبى ورفعة
|
فبادر فإني صادق ومصدق
|
|
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
|
ويوم اللقا نار تلظى وتحرق
|
انتهى من الدرر.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن لبعض إخوانه من طلبة العلم:
"الذي أوصيكم به جميعًا ونفسي تقوى الله والإخلاص لوجه الله الكريم في طلب
العلم وغيره من الأعمال لتفوزوا بالأجر العظيم، وليحذر كل عاقل أن يطلب العلم
للممارات والمباهات؛ فإن في ذلك خطرًا عظيمًا، ومن ذلك طلب العلم لغرض الدنيا
والجاه والترؤس بين أهلها وطلب المحمدة، وذلك هو الخسران العظيم، ولو لم يكن في
الزجر عن ذلك إلا قول الله تعالى: }من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم
أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما
صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون{، وفي حديث أنس مرفوعًا: «من تعلم العلم
ليباهي به العلماء أو ليجاري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه» فهو في
النار، وهذا القدر كاف في النصيحة، وفقنا الله وإياكم لحسن القبول. من الدرر. قال
بعضهم:
فلا تسأم من العلم واسهر لنيله
|
بلا ضجر تحمد سرى السير في غد
|
|
ولا يذهبن العمر منك سبهللا
|
ولا تغبنن في النعمتين بل اجتهد
|
|
آخر العلم قال الله قال رسوله
|
قال الصحابة ليس خلف فيه
|
|
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
|
بين الرسول وبين رأي فقيه
|
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: "وانشر العلم الذي
تفهم سواء كان في أصل الدين أو في فروعه واحرص على تعليم الناس ما أوجب الله عليهم
من أصول الدين وهي العقيدة في دعوة محمد r وكرر القراءة عليهم في نسخ الأصول والتوحيد خصوصًا
مختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وكذلك السِّير واحرص على تعليم العامة
أصل دين الإسلام ومعرفة أدلته ولا تكتف بالتعليم؛ بل اسألهم واجعل لهم وقتًا
تسألهم فيه عن أصل دينهم ولا تغفل عن استحضار النية؛ فإنما الأعمال بالنيات وإنما
لكل امرئ ما نوى والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا صوابًا؛ فالصواب ما
وافق سنة رسوله r، والخالص ما أريد به وجه الله؛ قال تعالى: }فَاعْبُدِ
اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ{".
قال بعضهم:
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
|
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
|
وقال الشيخ محمد: (وهو معرفة الله): أي معرفة الله علم على الرب تبارك وتعالى، يقال إنه
الاسم الأعظم؛ لأنه وصف له، ويوصف بجميع الصفات، لا إله إلا الله، قال تعالى: }هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *{، وقوله
تعالى: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{، وقوله
تعالى: }الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{، وغير ذلك
في القرآن كثير، والأسماء الباقية كلها صفات له تعالى؛ كقوله تعالى: }وَلِلَّهِ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{، وقوله: }قُلِ
ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من
أحصاها دخل الجنة». وجاء تعدادها في رواية الترمذي وابن ماجه وبين الروايتين
اختلاف زيادة ونقصان، وقد ذكر الرازي في تفسيره عن بعضهم: إن لله خمسة آلاف اسم، ألف
في الكتاب والسنة الصحيحة وألف في التوراة وألف في الإنجيل وألف في الزبور وألف في
اللوح المحفوظ، وقوله: }وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ
وَجَهْرَكُمْ...{ الآية وقوله:
}وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ{، وقوله: }قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{؛ أي الصمد الذي لم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد
إلا يلد ويموت، وليس شيء يموت إلا يورث، والله عز وجل حي لا يموت ولا يورث.
}وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{: أي لم يكن له شبيه ولا عديل وليس كمثله شيء
وهو القادر على كل شيء، وهو القاهر لكل شيء. انتهى من تفسير ابن كثير.
وقال أيضًا: "}قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ{ يعني: هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا
وزير ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا
على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته، وأفعاله".
}اللَّهُ
الصَّمَدُ{: قال عكرمة عن ابن عباس: "يعني الذي
يصمد إليه الخلائق في أحوالهم وحوائجهم ومسائلهم". وقال علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس: "هو السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه
والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في
علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد،
وهو الله سبحانه هذه صفاته لا تنبغي إلا له، ليس له كفوٌ، وليس كمثله شيء، سبحانه
هو الله الواحد القهار".
وقال مالك عن
زيد بن أسلم: "«الصمد» السيد". وقال الحسن وقتادة: "هو الباقي بعد
خلقه". وقال الحسن أيضًا: "«الصمد» الحي القيوم الذي لا زوال له". انتهى
من ابن كثير.
وقول الشيخ محمد: (ومعرفة نبيه): وهو محمد r ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. وهاشم من قريش، وقريش
من كنانة، وكنانة من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وإسماعيل من نسل
إبراهيم، وإبراهيم من ذرية نوح عليهم الصلاة والسلام، عمره ثلاث وستون سنة، بلده
مكة، أقام فيها قبل النبوة أربعين سنة، وبعدها نبئ، وأقام في مكة بعد النبوة ثلاث
عشرة سنة، وهاجر إلى المدينة وأقام فيها بعد الهجرة عشر سنين، وبعدها توفي ودفن
فيها صلوات الله وسلامه عليه نبئ بـ"اقرأ" وأرسل بـ"المدثر"، والدليل
قوله تعالى: }يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{.
ومعنى }قم فأنذر{: ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد.
}وربك فكبر{: أي عظِّمه
بالتوحيد.
}وثيابك فطهر{: أي طهر
عملك عن الشرك.
}والرجز فاهجر{: الرجز: الأصنام
وهجرها وتركها والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد وبعد
العشر عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعد
لما اشتد عليه أذى المشركين أمر بالهجرة إلى المدينة، والهجرة الانتقال من بلد
الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله.
ومن الدليل على
رسالته r هذا القرآن الذي عجزت جميع الخلائق أن يأتوا بسورة من
مثله؛ فلم يستطيعوا ذلك مع فصاحتهم وحذاقتهم وشدة عداوتهم له ولمن اتبعه، والدليل
قوله تعالى: }وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{.
وقوله: }قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا{.
وقوله تعالى: }وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى
عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ{.
وقوله تعالى: }مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا{. وقوله
تعالى: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ{. وهذه الآيات تدل على أنه نبي وأنه خاتم
الأنبياء، وأول الرسل نوح عليه السلام, وآخرهم محمد r، وهو أفضلهم، وما من أمة من الأمم إلا بعث الله فيها
رسولاً، يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن الشرك، كما قال تعالى: }وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ...{ الآية، وقال تعالى: }وَإِنْ
مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ{، وقال تعالى:
}وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا{، وأعظم ما
أمروا به توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وإخلاص العبادة له، وأعظم ما نهوا
عنه الشرك في العبادة. انتهى. الدرر السنية.
وأما صفته r فإنه كان ربعة ليس بالطويل ولا القصير، أزهر اللون، رجل
شعر الرأس، أدعج العينين، وكان r أجود الناس وأصدقهم لهجة، وأكرمهم عشيرة، وبعث لأربعين
من عمره، فنزل الملك عليه بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان، وبقي ثلاث
سنين يستتر بالنبوة، ثم أنزل الله عليه: فاصدع بما تؤمر. أي: فأعلن الدعوة. ولقي
الشدائد من قومه وهو صابر.
وعن أنس بن مالك
– رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «أنا أول الناس خروجًا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا
وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر».
قال الأنباري: أراد: ألا أتبجح بهذه الأوصاف لكن أقولها شكرًا أو تنبيهًا على إنعام
ربي علي، وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات
وحَطَّ عنه عشر خطيئات».
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي r أنه قال: «إن لله عز وجل في الأرض ملائكة سياحين
يبلِّغوني عن أمتي الصلاة والسلام علي»... إلى آخره، فالحمد لله الذي جعلنا من
أمته، وحشرنا الله وإياكم على كتابه وسنة رسوله. انتهى من التبصرة.
وقوله: (ومعرفة
دين الإسلام بالأدلة): من الكتاب
والسنة؛ لأنه هو الأصل: قال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{، وقوله
تعالى: }أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{، يقول تعالى
منكرًا على من أراد دينًا غير دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله - وهو
عبادة الله وحده لا شريك له الذي له أسلم من في السموات والأرض؛ أي استسلم له من
فيها طوعًا وكرهًا - قال تعالى: }وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا
وَكَرْهًا...{ الآية.
وقوله: }أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ
ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ *
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ
وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{.
فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله
كرهًا، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخاف ولا يمانع، وقد ورد
حديث في تفسير هذه الآية.
قوله: }وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا{: أي من في
السموات الملائكة ومن في الأرض؛ فمن ولد على الإسلام، وأما كرهًا فمن أتى به من
سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون.
وقد ورد في الصحيح: «عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة
في سلاسل». وسيأتي له شاهد من وجه آخر، وعن مجاهد عن ابن عباس قوله: }وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا...{ الآية، قال:
حين أخذ الميثاق، }وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{: أي يوم
المعاد سيجازي كلا بعمله... إلى قوله: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ...{ الآية؛ أي
من سلك طريقًا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه، }وَهُوَ
فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{؛ كما قال
النبي r في الحديث الصحيح: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
رد»".
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا
عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول
الله r: «تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول يا
رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول يا رب أنا الصدقة فيقول إنك
على خير ثم يجيء الصيام فيقول يا رب أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال
كل ذلك يقول إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام
فيقول الله إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطى قال الله }وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ ». تفرَّد به أحمد.
وقال تعالى: }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ. ..{ الآية: يقول
تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم
عليه السلام الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال وأنت مع ذلك لازم فطرتك
السليمة التي فطر الله الخلق عليها؛ فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه
لا إله غيره ولا رب سواه، وفي الحديث: «إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم
الشياطين عن دينهم»، وفي الحديث: «إن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام ثم
طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية وغيرهم من
الأديان الباطلة». انتهى من ابن كثير.
وقال البغوي على قوله: }وَمَنْ
يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ{: يعني لله؛ أي يخلص دينه لله ويفوض أمره إلى
الله، }وَهُوَ مُحْسِنٌ{: أي في عمله لله، }فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى{؛ أي اعتصم
بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه. انتهى.