-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب من أخلاق الأنبياء عليهم السلام PDF كتب اسلامية






مقدمة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد ، فقد قرأت الرسالة التي بعنوان : ( من أخلاق الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام ، من تأليف الشيخ : عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان فوجدتها رسالة مفيدة في موضوعها جيدة في عرضها وأسلوبها تحث على الاقتداء بالأنبياء ، عملاً بقول الله تعالى :  {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فجزاه الله خيراً على ما كتب ونفع به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
                                                  كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضوء هيئة كبار العلماء
23/3/1428 هـ







مقدمة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وبعد :
فقد قرأت هذه الرسالة التي تتعلق بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتي ألفها الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان وفقه الله تعالى وسدد خطاه فوجدتها رسالة قيمة مفيدة في هذا الموضوع الشريف وهو حسن الخلق وآثاره ونتائجه وقد أورد ما تيسر له من الأخلاق الحسنة والتي دل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة فأحسن في الانتقاء والاختيار وأجاد وأفاد فننصح بنشر هذه الرسالة والاستفادة منها ليحصل التخلق بهذه الأخلاق الشريفة وليقتدي الخلف بالسلف حتى يحصل الانتفاع والتأثر بهذه السمات الفاضلة ونتائجها وفق الله تعالى هذه الأمة لما فيه الخير والصلاح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسائر النبيين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
5/5/1428 هـ
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين




بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن موضوع (أخلاق الأنبياء عليهم السلام) موضوع جدير بأن يُقرأ فيه، وأن يُتكلم فيه، وأن يسمع فيه؛ لأنَّ فيه الخير كله، فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – هم الذين بلغوا رسالات الله إلى أقوامهم، وهم صفوة خلق الله عز وجل، ولهم من الفضائل والخصال ما لا يُوصل – بل ما لا يُقرب – إلى مثله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وسأذكر في صدر هذه الرِّسالة([1]) مقدمات بين يدي الموضوع، وهذه المقدمات فيها بيان لأهمية الموضوع خاصة، ولمقام النبوَّة عامة وخصوصًا كذلك:

المقدمة الأولى:

أن من أسماء الله تعالى (الحكيم)، والحكيم هو : الذي يضع الأمور مواضعها.
 إن في البشر حكماء، لكن حكمة البشَر مهما بلغت يَعتريها النقص والخلل.
أمَّا في شأن حكمة الله تعالى فحكمتُه بالغة في الكمال أعلاه، وبالغة في الكمال منتهاه، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمُ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83]، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17]، {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] ، {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 84].
يُخبر الله  تعالى  بذكر هذه الصفات له، وهو - عز وجل - له الأسماء الحسنى، وله الصفات العُلى.

المقدمة الثانية:

من حكمة الله - تعالى - وعظيم صنعه في خلق الناس أن فاضل بينهم في الأنساب، وخالف بينهم في الألسنة والألوان، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].
فالناس فيهم الرَّئيس والمرؤوس، وفيهم الغني والفقير، وفيهم العربي والعَجَمي، وفيهم الفاضل والمفضول.

المقدمة الثالثة:

في تغاير أحوال الناس، واختلاف أنسابهم وعقولهم وعلومهم، وكثرة أموالهم، وغير ذلك حكم عظيمة. ومن تلك الحكم:
أن الحياة لا تكمل إلا بذلك. فلو كان الناس كلهم أغنياء لتعطلت منافع كثيرة، ولو كان الناس كلهم فقراء لتعطلت منافع كثيرة، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2].
فأنت إذا قلّبت الطرف في أحوال الناس على اختلاف أعصارهم، وتباعد أقطارهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم، رأيت فروقًا كثيرة: غني وفقير، سليم وعليل، رئيس ومرؤوس، مؤمن وكافر، وهلم جرَّا.

المقدمة الرابعة:

مع تغيُّر أحوال الناس ومع تمايزهم، إلَّا أنَّ الرِّفعة الحقيقية هي رفعة الإيمان بالله عز وجل، مهما تغايرت أنساب الناس، وتكاثرت أموال بعضهم على بعض، فالعبرة بالرِّفعة الحقيقية وهي رفعة الإيمان. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ولهذا يتفاضل الناس، ويزن الناس أنفسهم بموازين: ميزان النسب، ميزان المال، ميزان الولد، ميزان العشيرة، وهذه الموازين بها يتفاضل الناس على بعضهم البعض، وبها في مجالسهم ومجتمعاتهم يزنون أنفسهم في غالب أحوالهم – إلَّا ما شاء الله –وهذه الموازين لا قيمة لها إذا خَلت من الميزان الحقيقي؛ ولهذا ميزان النسب باطل إذا لم يسخِّره صاحبه في طاعة الله، ويستعين به على طاعة الله. ولهذا قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: 101].
 ميزان كثرة المال والولد*: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89].
ميزان العشيرة: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34 - 36].
إذن الميزان الحق والرفعة الحقيقية: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وليس على عبدٍ نقيٍّ نقيصةٌ

إذَا حقَّق التقوى وإن حاكَ أو حَجَم


المقدمة الخامسة:

الرِّفعة بالإيمان رفعتان:
1 – الرفعة بالإيمان لأهله المؤمنين؛ فالمؤمنون مرتفعون على غيرهم من غير المؤمنين. {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
 2 – وأهل الإيمان فيهم أناس يرتفعون على من سواهم من بقية المؤمنين بخاصية خصَّهم الله وفضَّلهم بها، وهي العلم.
وقد جمع الله الرِّفعتين في سورة المجادلة الآية (11)، فقال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ}، هذه الرفعة الأولى بالإيمان {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وهذه الرفعة الثانية.
 إذن؛ الرِّفعة العامَّة هي لأهل الإيمان على غير المؤمنين، والرِّفعة الخاصة هي لأهل العلم من أهل الإيمان على سائر المؤمنين.

المقدمة السادسة:

أهل الرِّفعة الخاصَّة بالعلم والإيمان يتفاوتون فيما بينهم، فالعلماء يتفاوتون بينهم، إلَّا أنَّ هناك منزلةً يصعُب التشوُّف لها فضلًا عن قُربها، ناهيك عن بلوغها، منزلة خصَّ اللهُ عز وجل بها أقوامًا من الناس، منزلة اصطفى الله لها أناسًا من خلقه، تلك المنزلة هي: منزلة النبوَّة والرِّسالة.
فأولئك الثلة المباركة من أنبياء الله ورسله  عليهم السلام  قد بلغوا منزلةً فضَّلهم الله سبحانه وتعالى بها. لن يصل إليها – بل لن يُقاربها – أحدٌ من الناس.
تلك الثلة المباركة اصطفاهم الله: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75]، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]. هذه الثلة المباركة: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ* وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 46- 47].
نصر الله من نصرهم وآواهم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
وعاقب الله وأخزى من كذبهم وعاداهم: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنبياء: 41].

المقدمة السابعة:

أن الأنبياء والرُّسل – عليهم الصلاة السلام – يتفاضلون فيما بينهم: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253]. فأولو العزم أفضل الرُّسل. وأفضل أولي العزم الخليلان إبراهيم r، ونبيُّنا محمدٌ r، وأفضل الخليلين نبيُّنا محمدٌ r. فهو r أفضل الأنبياء والمرسلين بتفضيل الله تعالى له، عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل وأزكى الصلاة والتسليم ([2]).

المقدمة الثامنة:

من عظيم مكانة الأنبياء - عليهم السلام - ورفيع منزلتهم وشريف مرتبتهم أن الفِطَر تطمئن لصادق دعوتهم، وصدق ألسنتهم ومقالهم، وأنَّ العقول تقطع بصحة كلامهم وبحقيقة دعوتهم، والقلوب تطمئنّ وتستكين لصدق ما جاؤوا به.
وذلك لما للأنبياء عليهم السلام من عظيم الرُّتبة وشريف المنزلة، ولأنَّ دعوتهم هي دعوة التوحيد، وهي الدعوة الحق، وما سواها باطل.

المقدمة التاسعة:

مع عظيم شرف الأنبياء عليهم السلام، ورفيع مرتبتهم، إلَّا أنهم بشر؛ يمرضون، ويحزنون، ويبكون، وتضيق صدورهم، ويموتون.. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: 43]، {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر: 97]..فالأنبياء عليهم السلام بشَرٌ ليس فيهم شيء من صفات الرُّبوبية أو الألوهية.
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام:50].

المقدمة العاشرة:

مع بشريتهم – عليهم الصلاة والسلام – فقد خصَّهم الله تعالى بخصائص دون الناس. وهذه الخصائص لا تخرجهم عن دائرة البشرية ولكن الله – جل وعلا – خصَّهم واصطفاهم بها دون غيرهم.
فمن خصائص الأنبياء والرُّسل دون الناس: الوحي.
ومها: العصمة.
ومنها: أن أعيُنهم تنام لكن قلوبهم لا تنام.([3])
ومنها: أنهم يُخيَّرون عند الموت، هل تريد أن تبقى بشرًا مخلدًا أو أن تموت؟([4]).
ومنها: أنهم يُدفنون في المكان الذي ماتوا فيه، وقد جاء في الحديث:
«ما قُبض نبيٌّ إلا دُفن حيث قُبض»([5]).
ومنها: أن الله - عز وجل - حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادهم([6]).
ومنها: أنهم أحياءٌ في قبورهم يصلّون.

المقدمة الحادية عشرة:

كما أن للأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – خصائص دون الناس، فإن أفضلهم وهو نبيُّنا محمدٌ - عليه الصلاة والسلام ، له خصائص دون سائر الأنبياء عليهم السلام، فهو يشارك الأنبياء فيما سبق من الخصائص ويزيد عليهم بخصائص له دون غيره.
ففي حديث أبي هريرة t قال: سمعتُ رسول الله r يقول: «فُضِّلتُ على الأنبياء بستّ: أُعطيتُ جوامعَ الكَلِم، ونُصِرتُ بالرُّعب، وأُحِلّت لي الغنائم، وجُعِلت لي الأرضُ طهورًا ومسجدًا، وأُرسِلتُ على الخلق كافة، وخُتِم بِي النبيُّون».([7])
وعن جابر بن عبد الله t : أن النبي r قال: «أُعطِيتُ خمسًا لم يُعطَهُنَّ أحَدٌ قَبلي: نُصِرتُ بالرُّعب مسيرةَ شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهُورًا؛ فأيما رجل من أمَّتي أدركتهُ الصلاة فيلصلِّ ، وأُحلّت لي المغانم ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومه خاصَّة وبُعثتُ إلى الناس عامَّة»([8]).
فمن خصائص نبيّنا محمد r:
1 – أنه r أُعطي جوامع الكلم: كما تقدم في حديث أبي هريرة t قريبًا. وذكر بعضُ الشُّراح أن «جوامع الكلم» أن يتكلم كلمةً أو جملة يدخُل تحتها الكثير من المعاني العظيمة الجميلة.
2 – أن الله - عز وجل - نصَرَه r بالرُّعب مسيرة شهر.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – تحت حديث جابر بن عبد الله t المتقدم: «مفهوم أنه لم يوجد لغيره النصرُ بالرُّعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أمَّا ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: «ونُصرتُ على العدوِّ بالرُّعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر»، فالظاهر اختصاصُه به مطلقًا، وإنما جعل الغاية شهرًا؛ لأنه لم يكن بين بلدِه وبين أحدٍ من أعدائه أكثرُ منه، وهذه الخصوصية حاصلةٌ له على الإطلاق، حتى لو كان وحده بغير عسكر. وهل هي حاصلةٌ لأمَّته من بعده؟ فيه احتمال»([9]).
3 – أن الغنائم أُحلت له r بخلاف من قبله.
4 – أن الأرض جُعِلَت له r ولأمَّته مسجدًا وطهورًا، بخلاف من كان قبله فإنهم لا يُصلون إلا في أماكن الصلاة.
5 – أنه r خاتم الرُّسل وأفضلهم وأكثرهم تابعًا يوم القيامة.
6 – أن رسالته r للناس كافة، فقد كان كلُّ نبي يُرسل إلى قومه. أمَّا نبيُّنا r فقد بُعِث إلى الناس كافة. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158].
7 – بقاء مُعجزته الخالدة وهي القرآن الكريم. وهو محفوظٌ بحفظ الله تعالى، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

المقدمة الثانية عشرة:

من لوازم منزلة الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – أنهم إذا كانوا أفضل البشر، فإن من لازم ذلك أن أخلاقهم أفضل الأخلاق، وأن آدابهم أفضل الآداب على الإطلاق. فهم أهل السَّمت والمروءة والأخلاق النبيلة والصفات الشريفة، عليهم الصلاة والسلام.

المقدمة الثالثة عشرة:

لعظيم شأن الأنبياء – عليهم السلام – وعظيم شأن أخلاقهم وهديهم ودعوتهم، فإن الله عز وجل أمر أفضلهم – وهو نبيُّنا محمدٌ r - أن يقتدي بهداهم فقال سبحانه وتعالى له r: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]؛ أي: يا محمد، اقتدِ بهُدى الأنبياء من قبلك.

المقدمة الرابعة عشرة:

لزم النبيُّ r ذلك وسار على هدي إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وزاده الله تعالى فضلًا؛ فكان أعظم الأنبياء عليهم السلام منزلةً، وكانت أخلاقُه أعظم الأخلاق وأشرفها.
فلقد زكَّى الله لسانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3].
وزكَّى بصره: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17].
وزكَّى الله خُلُقَه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
قال بعض علماء الشافعية: «وتعظيم العظماء للشيء يدُلّ على توغله في العظمة، فكيف إذا كان المعظِّم هو أعظمُ العظماء، وهو الله سبحانه وتعالى».

المقدمة الخامسة عشرة:

أمرانا الله – جل وعلا – بلزوم الاقتداء بنبيِّنا محمد r: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
أمرنا بالسَّير على نهجه، وبالاقتداء بهديه وشريف أخلاقه وصفاته. وجميعُ صفاته r نبيلة.

المقدمة السادسة عشرة:

عظم الإسلامُ شأن الأخلاق وذلك من وجوهٍ كثيرة، منها:
1 – أن الله تعالى أثنى على نبيه r بعظيم خُلقه الفاضل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
2 – أن النبي عليه الصلاة والسلام – وهو أعظم وأفضل البشر أخلاقًا – كان يدعُو ربَّه بأن يرزُقه حُسن الأخلاق. «واهدني لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت»([10])، «اللهمَّ كما حسَّنت خَلْقي فحَسِّن خُلُقي»([11]).
3 – أن الإسلام جعَل حُسن الأخلاق قُربةً قد تُساوي بعض القُرَب العظيمة. قال r: «إن الرَّجُل ليُدرِك بحُسن خُلقه درجةَ القائم بالليل الصائم بالنهار»([12]).
4 – أن النبي r بيَّن أن أقرب الناس إليه يوم القيامة أحسنُهم أخلاقًا. قال r: «إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم منِّي منزلًا يومَ القيامة أحاسنكم أخلاقًا»([13]).
5 – الحذر والتحذير من سيِّئها. قال r: «واصرف عنِّي سيِّئها؛ لا يصرفُ عنِّي سيِّئها إلَّا أنت»([14]).
6 – أنه r بيَّن أن الأخلاق تؤثِّر على العمل صلاحًا أو فسادًا، قال r: «أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس... » الحديث، وفي آخره: «... إن سُوءَ الخُلُق يُفسِد العملَ كما يُفسِد الخلُّ العسلَ»([15]).

المقدمة السابعة عشرة:

مما تقدم من عظيم شأن الأنبياء عليهم السلام وشأن أخلاقهم، وما للأخلاق في الإسلام عند الله - عز وجل - من المنزلة الرَّفيعة والدرجات المنيفة، حريّ بكلِّ مسلم أن يُعنَى بتهذيب أخلاقه، وأن يكون حَسَن الأخلاق في جميع جوارحه وفي جميع مجالسه، وأن يستشعر منزلة الخلق الحسن، وأن يَعلم أن الأخلاق الحسنة دعوةٌ صامتة، فكم دخل في الإسلام من قوم بسبب الأخلاق الحسنة، وكم أبغض الإسلام من أقوام وزاد بُغضُهم للإسلام بسبب سيِّئ الأخلاق، فحريٌّ بكل مسلم أن يَرعَى هذا الجانب فيما يتعلق بتحسين أخلاقه.

المقدمة الثامنة عشرة:

بعد هذه المقدمات أختم بمقدمة أخيرة، وهي: أن أيَّ خُلُق ذكره الله - عز وجل - في بعض أنبيائه، فهو في جميع الأنبياء عليهم السلام؛ لأن بعضهم يقتدي ببعض، وكل واحد منهم يقتدي بمن قبله.
وبعد سياق تلك المقدمات الثماني عشرة، أسوق بعض ما يسَّر الله تعالى من أخلاق الأنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
*  *  *

 





خشيتهم عليهم السلام لله عز وجل

من أخلاق الأنبياء عليهم السلام: أنهم أكثر الناس خشيةً لربِّهم.
فهم عليهم السلام أعلم الناس بالله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. والأنبياء عليهم السلام أخشى الناس لله عز وجل. لهذا فمن تأمَّل في الآيات الكريمة وفي الأخبار النبوية عن الأنبياء عليهم السلام رأى عشرات – بل مئات – الأمثلة:
فآدم u قال الله عز وجل عنه: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22]. فبارد u: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
ونوح u : لـمـا سأل ربَّه عز وجل نجاة ابنه، وتبيَّن أنه لم يوفق إلى الصواب، وبيَّن له ربُّه خطأ ذلك منه، بادر u ولم يتوان، واستغفر ربَّه: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلُ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 45- 46]. فبادر u خشيةً وخوفًا وطمعًا في مرضاة الله - عز وجل - وخشية عقابه وسخطه:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47].
ويونس ذو النون u: غضب على قومه وسخط عليهم ولم يصبر، لكن لـمـا نبَّهه ربُّه عز وجل رجع فبادر ولم يتوانَ: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَّنْ نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. وفي سورة الصافات: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّنْ يَقْطِينٍ} [الصافات: 143 – 146]. فدعا عليه ربَّه عز وجل ووحَّده وسأله أن يُنجيه، فاستجاب الله سبحانه وتعالى ذلك له.
وموسى u: وكَز رجلًا فمات، وتبيَّن له خطأ ذلك الأمر: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: 15]. ثمَّ سارع u فاعترف أنه ظلم نفسه وسأله الله المغفرة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].
وداود u: كان كسائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام سريعًا في الأوبة والعودة لما امتحنهُ الله عز وجل في الحكم بين الخصمين: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].
وبكلِّ حال؛ فمع ما للأنبياء عليهم السلام من المنازل المنيفة، والرُّتَب النبيلة الشريفة، فقد كانوا أسرع الناس أوبةً إذا تبيَّن أنهم أخطؤوا.
*  *  *

أدبهم عليهم السلام مع الله

ومن أخلاق الأنبياء عليهم السلام: أنهم أعظمُ الناس أدبًا مع الله عز وجل.
ومن شواهد ذلك ما قصَّ الله تعالى في القرآن علينا في شأن عيسى u عندما قال الله تعالى له – هو تعالى يعلم ذلك -: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116].
فهو u لم يقُله، فدعوته ودعوة جميع الأنبياء عليهم السلام إلى التوحيد وهدم الشرك، ولكن عيسى u سلك مسلك أدب الأنبياء عليهم السلام مع ربِّهم عز وجل.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «وهذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل».
*  *  *

عدم انتقامهم عليهم السلام لأنفسهم

ومن أخلاق الأنبياء عليهم السلام: أنهم لا ينتقمون لأنفسهم ولا ينتصرون لها، بل كان همُّهم ومقصدهم مرضاة ربِّهم عز وجل، فلا ينتقمون إلَّا إذا انتُهكت حُرُمات الله تعالى، أمَّا لأنفسهم فلا.
يعقوب u: لما عَلِم أبناؤه بافتضاح أمرهم، وعلموا بخطئهم، وعلموا أن يوسف موجودٌ وحيٌّ يُرزَق في ذلك الوقت.. رجعوا منكسرين إلى أبيهم: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97]، ومع أن يعقوب u ذاقَ الأمرَّين من بُعد يوسف عنه، ومن مكر إخوانه به، ومن كذبهم عليه.. مع هذا كله: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98].
ثم هنا مسألة: لماذا قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ} ولم يقل: سأستغفر، ولم يدعُ لهم مباشرة؟
أجاب بعض المفسرين بأنه أخَّر دعاءه لهم إلى السَّحَر؛ وقال سبحانه وتعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17].
 ويوسف u : كذلك لم ينتقم من إخوانه، مع شناعة ما فعلوا به، ومع قدرته على الانتقام منهم، إنما قال لما علموا أمره: {قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]، فقال إخوته: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: 91] هل انتقم؟ أو وبَّخ؟ هل فعل؟ حاشا وكلَّا.. لأنهم الأنبياء أهل الخلق الرَّفيع، بل قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
بل بلغ من عظيم أدبه – عليه الصلاة والسلام – أنه لـمـا اجتمع شمله مع أبيه وإخوته قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100]، ولم يقل: ومن الجُبّ، حتى لا يحرج مشاعر إخوانه، ثمَّ قال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}، مع أن الشيطان لم ينزغ من جهته، ولكنه نزغ من جهة إخوته، ولكن كل ذلك من باب عدم جرح مشاعر إخوته، فلم ينتقم – عليه الصلاة السلام – لنفسه.
أمَّا نبيُّنا محمد r: قالت عائشة رضي الله عنها: «ما انتقم رسول الله r لنفسه في شيء قط، حتى تُنتهك حُرُمات الله»([16]).  
 كان عليه الصلاة والسلام – يُخطأ عليه، ويُساء إليه، ولكنه كان يعذر ويلتمس العذر؛ لأنه كما ذكر الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
عن أنس بن مالك t قال: «خرجتُ مع النبيِّ r وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فجاء رجلٌ فجَبذ البُرد حتى أثَّر البُردُ في صفحة عُنُق النبي r ثمَّ قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه رسول الله r ثمَّ ضحك ثمَّ أمرَ له بعطاء»([17]).
لقد أساء هذا الرَّجُل الفعل حين جبذَ البُرد، وأساء بالقول لغلظة الخطاب وشدَّته.
 ولقد كان بمقدور النبي – عليه الصلاة والسلام – أن يُعاقبه، وأن يُعزِّره، وأن لا يُعطيه شيئًا، ولكنه كما قال الله تعالى عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].
وفي المسند أن النبيَّ r لما قسم بعض الغنائم أعطى المؤلفة قلوبُهم وترك الأنصار، فكأنَّ بعض الأنصار وجد في نفسه من ذلك، فلما بلغ الخبرُ النبي – عليه الصلاة والسلام – جمعهم، مع علمه بما قالوا، ومع قُدرته على أن يعاقب من قال، ولكن انظر إلى عظيم الأدب، ورفيع الخلق. حيث قال: «يا مَعَشَرَ الأنصار، ما قَالةٌ بَلَغتنِي عَنكُم؟»، لم يقل: إنكم قلتُم. مع أنهم قالوا ذلك.
ثمَّ قال r لهم: «أمَا والله لو شِئتُم لقُلتُم فلصدَقتُم وصُدِّقُتم: أتيتنَا مُكذَّبًا فصدَّقناكَ، ومخذُولًا فنصرنَاكَ، وطَريدًا فآوينَاكَ، وعائلًا فأغنيناكَ. أو جَدتُم في أنفُسِكم يا معشرَ الأنصار في لُعَاعةٍ من الدُّنيا تألفتُ بها قومًا ليُسلموا ووكلتُكُم إلى إسلامِكُم؟ أفَلا ترضَونَ يا معشرَ الأنصار أن يذهَبَ الناسُ بالشَّاةِ والبعيرِ وترجِعُونَ برَسُولِ الله  r في رِحَالكُم؟ فو الَّذي نفسُ مُحمدٍ بيدهِ: لولا الهجرَةُ لكُنتُ امرَأً من الأنصار، ولو سَلَك النَّاسُ شعبًا وسلَكت الأنصارُ شِعبًا لسلَكْتُ شِعبَ الأنصار، اللهُمَّ ارحَم الأنصار وأبناءَ الأنصارِ وأبناءَ أبناءِ الأنصَارِ». فبكى القومُ حتى أخضلوا لحاهُم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا ([18]).
 فانظر إلى كمال الأخلاق النبوية، وانظر إلى عدم الانتقام للنفس.



تحميل كتاب من أخلاق الأنبياء عليهم السلام PDF كتب اسلامية من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016