-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب معالم على طريق التوفيق PDF كتب اسلامية



في بداية الطريق

أحمد الله وأشكره أن وفقك لاختيار هذه الرسالة، لعل وعسى أن تنير دربك وتزيد في إيمانك، وأن تسير في ركاب الموفقين في حياتك الدنيا...
إخواني الفضلاء:
إن من تأمل في أحوالنا وواقعنا المعاصر الذي نعيش فيه معا، ونظر يمينًا وشمالًا، وجد أن هناك أناسًا قد وفِّقوا في حياتهم الدنيا، وساروا في طريق التوفيق والسداد والرشاد الموصل بإذن الله إلى جنات النعيم.
أخي الغالي:
انطلاقًا من قول الباري جل وعلا: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
تأملت هذه الآية الكريمة كثيرًا، فوجدت أن التوفيق عزيز المنال ومطلب سامٍ، وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، فإذا به فواتح الخير كله؛ أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وما من لحظة وحركة وطرفة عين إلا وأنت تتقلب في نعمه التي لا تعد ولا تحصى، {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
ولا يعرف ذلك ولا يوفق لهذا كله إلا الموفقون..
فسألت نفسي ما هي صفاتهم؟! ما علاماتهم؟! ماذا عملوا؟!
ماذا قدموا؟     ماذا بذلوا؟     لماذا سهروا؟
لماذا سافروا؟    لماذا أنفقوا؟     لماذا بكوا؟
لماذا صبروا؟    لماذا تكلموا؟   لماذا خافوا؟
لماذا تركوا؟      لماذا صَلّوا؟     لماذا أحسنوا؟
أسئلة كثيرة وخواطر عديدة، كلها تدور حول التوفيق، وهو سلوك طريق الاستقامة والهدى والرشاد...
إن الخير كله والتوفيق كله بيد الله U، فلما أفلح عبد ونجا من فتنة الدنيا وأناب إلى الآخرة إلا بتوفيق الله سبحانه وإعانته، {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: 74].
تأمل معي – يا رعاك الله – في هذا الحديث النبوي لترى معنى التوفيق في حياتك.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله r إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبه ربنا ويرضى، ربنا وربك الله»
[رواه الدارمي في سننه (1639)، وقال الألباني: صحيح بشواهده، انظر: تخريج الكلم الطيب ص139].
أرأيت – أيها الموفق – كيف كان نبي الهدى r يتلمَّس التوفيق داعيًا ربه لما يحبه ويرضاه؟
نسأل الله الكريم المنان علمًا نافعًا وعملًا صالحًا وتوفيقًا لما يحبه ويرضاه، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
محبكم على الطريق
فيصل بن سعيد شهوان الزهراني
الطائف ص ب 6649 الرمز البريدي 21944
تويتر fssz201
Fssz201@hotmail.com



قبل الانطلاق

أذكركم بقول ربنا تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
نعم، إنه الفائز الموفق الرشيد الذي عرف ربه وآمن به، ثم استقام على طاعته حتى الممات، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وإحسانه، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]. {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12].
تأمل – أيها الموفق – كلمة «صبروا»؛
صبروا على طاعة ربهم في زمن الغربة!
صبروا وابتعدوا عن الآثام والملذات والمغريات في حياتهم الدنيا!
صبروا على ما نزل بهم من الأقدار والأكدار!
ولا يوفق لهذه الأنواع الثلاثة إلا من وفقه ربه العلي العظيم.
قال الله تعالى لنبيه r: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج].
إن من أول معالم توفيق الله لعبده المؤمن أن يرزقه اليقظة والمحاسبة في حياته الدنيا، فتراه خائفًا أن يزيغ قلبه، أو تزل قدمه بعد ثبوتها، تراه يجأر إلى الله؛ يسأله الثبات والتوفيق في كل ساعة وحين، غير مبدل ولا مغير {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
نعم، لقد كان أكثر دعاء رسول الله r: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك».
عن أنس بن مالك t أن رسول الله r كان يقول: «يا وليَّ الإسلام وأهله، ثبِّتني به حتى ألقاك». [السلسلة الصحيحة 1823].
هكذا الموفق يسير في حياته الدنيا، موفقًا مُسددًا حتى يلقى ربه على خاتمة طيبة وعمل صالح.
يسير في الدنيا، يأكل ويشرب، وينكح ويتمتع، ويعمل ويكدح ويسافر هنا وهناك، لكن قلبه معلق بدار القرار.
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
ويقول ربنا في محكم التنزيل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
* * *


مدرسة التوفيق!

يقول ابن القيم (رحمه الله): «وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه وإعانتهُ؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به والخذلان في مواضعه اللائقة به وهو العليم الحكيم».
نعم يا ابن القيم في أي مدرسة درست، أو من أي جامعة تخرجت؟!
إنها مدرسة التوفيق بفضل الكريم المنان.
إنها كلمة تهز القلوب هزًا، تجعله يتلفت يمينًا وشمالًا في حاله وكلامه وعمله ومدخله ومخرجه، هل هو سائر على طريق التوفيق والسداد أم لا؟!
قال الحكيم العليم: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء: 80].
وإذا أحب الله عبدا وفقه وحباه، وجعل من أخلاقه الرحمة والحب والعطاء، والصبر والوفاء والكرم والعفو، والتجاوز عن الغير، والتواصل بالبر والإحسان، وهذا – وربي – طريق التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة خير وأبقى.

تأمل وفقك الله في هذا الحديث النبوي:

عن أبي عنبة الخولاني t قال: سمعت رسول الله r يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته». [السلسلة الصحيحة 2442].
فأي منزلة، وأي توفيق، وأي فضل هذا أن يوفقك ربك لإعلاء كلمته ونصرة دينه وتتبع مرضاته؟! وبقدر ما تقدم وتبذل لدينك يجتبيك ربك ويوفقك ويحفظك، وهو خير الحافظين، والجزاء من جنس العمل.
ويؤكد ابن رجب (رحمه الله) هذا المعنى الراقي قائلًا: «... التوفيق كله بيد الله U، فمن يُسر عليه الهدى اهتدى، ومن لم يُيسره عليه لم يُتيسر له ذلك»، وفي الحديث قوله r: «أما أهل السعادة، فيُسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُسرون لعمل أهل الشقاوة». [رواه البخاري ومسلم].
ويحلِّق بنا ابن القيم (رحمه الله) قائلًا: «وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شرٍّ فأصله خذلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألَّا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلِّي بينك وبين نفسك، والتوفيق بيد الله، فمفاتحه: الدعاء، والافتقار، وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطي العبد هذا المفتاح، فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله عن المفتاح، بقي باب الخير مرتجًّا دونه».
ويؤكد الشيخ خالد المصلح – حفظه الله – على هذا المعنى بقوله: «من أعظم أسباب التوفيق الكبرى: سلامة القصد، وصفاء النية وخلوصها من الغل والدغل؛ ولهذا قال الله U مُنبهاً على هذا المعنى في الحكمين عند اختصام الزوجين {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
ورحم الله من قال: إذا حانت فرص الأجر فلم يغتنمها العبد، ودعاه داعي الخير فأعرض عنه؛ فهذا من خذلان الله – عياذاً بالله – ألم يقل ربنا: {وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46].
فينبغي أن نجيب داعي الخير دائما، وهذا لا يتأتى إلا بتوفيق رب العالمين».
يقول الشيخ سفر الحوالي حفظه الله: «إن القلوب تنشط أحيانا وتتكاسل أحيانا، والواجب علينا أن نستغل ساعة نشاطها في قطع الطريق إلى الله، أما ساعة فتورها فلا تفتر، بل علينا أن نجاهدها ونضربها بسياط الخوف من الله تعالى، ونحدوها بحادي الرجاء.
وتأمل في هذا الأفق البعيد حيث قال أبو سليمان الداراني (رحمه الله): «إن التوفيق على قدر القُربة!».
وصدق: أي على قدر طاعتك وقربتك واجتهادك في عمل الطاعات آناء الليل وأطراف النهار، يكون توفيقك من ربك الكريم المتعال، فالتوفيق ينزل من عند الله – جل في علاه – الذي بيده خزائن السموات والأرض، فتضرع، وانكسر، وانطرح، وألح، وسارع في الخيرات وأكثر من السجود بين يديه، واقرع أبواب السماء، واستمطر التوفيق من ذي الجلال والإكرام. {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
أيها الموفق، يناديك ابن الجوزي (رحمه الله) قائلا لك:  متى رأيت في نفسك عجزًا فاسأل المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك خير إلا بمعصيته.
وقد أجمع العلماء على أن التوفيق: ألا يكل الله العبد إلى نفسه، وأن الخذلان كل الخذلان أن يخلي بينه وبين نفسه.
وبين لنا ابن تيمية (رحمه الله) الطريق إلى التوفيق بقوله: وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته.
فتحسس – يا رعاك الله – مواضع قدميك، وانظر أين تسير بهما.
إضاءة على الطريق:
اللهم إنا ندعوك باسمك الأعظم
أن توفقنا لمرضاتك، وأن تستعملنا في طاعتك
يا أكرم من دُعي، ويا خير من رُجي.

 

 




 


تأملوا وتفكروا!!

أبو طالب بالقرب من الحجر الأسود!
أبو لهب عند زمزم!
أبو جهل بجوار الصفا والمروة!
لكنهم لم يُوفقوا إلى الهدى والنور والإيمان! لم يُوفقوا لوضع جباههم لربهم!
ولم يستجيبوا لرسول الله r، إنه الخذلان والحرمان من حرمة الرحيم الرحمن.
ورحم الله من قال: الأنساب والبقاع لا تزكي أحدا.
أما صهيب الرومي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأبو هريرة، وبلال الحبشي، وابن مسعود، فقد جمعتهم كلهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وفقهم الباري بتوفيقه، فشقوا الطرق والأودية والهضاب، يحملهم الحب والحنين لرسول رب العالمين؛ حتى وصلوا مكة وعاشوا على أرضها وتحت سمائها، فاطمأنت قلوبهم وأرواحهم، ونالوا شرف صحبة رسول الله r، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فرضوان الله عليهم، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
بل، وتأمل في قول الحق تبارك وتعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
قال ابن كثير (رحمه الله): «هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا أي: في الضلالة هالكًا حائرًا، فأحياه الله أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له، ووفقه لإتباع رسله».
وكما قيل: «الناس كلهم متساوون في تلقي نور الهداية ورسالة الوحي: كتاب الله وسنة رسول الله r، وبعد ذلك يأتي توفيق الله ورعايته. {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125]».


بل انظر معي إلى فضل الله وكرمه وتوفيقه:
بلقيس خرجت إلى سليمان u ترجو الحفاظ على عرشها وملكها، فرجعت مسلمة لله رب العالمين {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
وتأمل في كرم الكريم الأكرم وتوفيقه لعبده:
· عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، كيف كان؟ وكيف أصبح؟ كان راعيًا لغنم سيده الكافر عقبة بن أبي مُعيط، يخدمه ليلًا ونهارًا، ثم أصبح بعد ذلك خادمًا لمن؟! لرسول رب العالمين r.
· وهذا النجاشي ملك الحبشة لم ير النبي r في حياته، فيلتقي مع أحد أصحاب النبي r فيسمع آيات تتلى من القرآن العظيم، ويسمع عن أخلاق نبينا الكريم في موعظة قصيرة، فتقوده إلى الإيمان والإسلام ويموت عليهما، ثم يصلي عليه نبينا r صلاة الغائب، رسول رب العالمين يصلي ويدعو له بالرحمة والمغفرة.
فأي توفيق بعد هذا؟!
فتوفيق الله للعبد لا يكون بالنسب، ولا باللون، ولا بالوطن، وإنما فضل الله يؤتيه من يشاء.
· وهذا سُراقة بن مالك في بداية أمره يريد القبض على رسول الله r، ويسلمه لزعماء قريش في مكة؛ لينال «الجائزة الدنيوية» مائة ناقة، وإذا بالأمور تنقلب رأسًا على عقب، ويصبح يرد الطلب عن رسول الله r، فجعل لا يلقى أحدًا من الطلب إلى رده، قائلا: كفيتم هذا الوجه! أي: هذا الطريق.
فلما اطمأن أن النبي r وصل إلى المدينة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسن حتى امتلأت به نوادي مكة.
لقد عاد بعد هذه المغامرة الخاسرة ماديًا بأوفر ربح وأطيب رزق، وهو رزق الإيمان والهداية والتوفيق، ثم يُتوج بعد ذلك بأفضل من مائة ناقة؛ بسواري كسرى، فسبحان مقلب القلوب، وموفق من شاء من عباده!
وفي هذا المقام – مقام التوفيق – يقول الحسن بن علي بن أبي طالب t: يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبدًا حبشيًا، وخلق النار لمن عصاه، وإن كان ولدًا قرشيًا! يا أصمعي، أما سمعت قول الله جل وعلا {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101].
ولنعلم ونحن في بداية طريقنا أن من أعظم العقوبات هو إصابة الإنسان بالخذلان في حياته الدنيا والغفلة عن آخرته {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].
عندها يصرخ صرخة الندم والألم! {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].
قال الفضيل بن عياض (رحمه الله): «من استحوذت عليه الشهوات، انقطعت عنه مواد التوفيق».
نعم، إنها مواد التوفيق والخيرات والبركات والفضائل.
نُذكر بذلك؛ لتعرف – أيها الموفق – أين تضع خطواتك في سيرك إلى ربك.
وفي رسالة لطيفة يقول الشيخ صالح المغامسي حفظه الله: أعظم شيء ارتفع وصعد إلى السماء الإخلاص، وأعظم شيء نزل إلى الأرض التوفيق، وبقدر الإخلاص يكون التوفيق. ا.هـ.
وأعظم أمر يستدل به المرء على إخلاصه عبادته في حال السر والخفاء، فإن قام بطاعة الله عند غياب الناس إليه فهو مخلص، كما ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز الطريفي وفقه الله.
والآن، هيا بنا – أيها الأحبة – نقف وإياكم على هذه المعالم على طريق التوفيق؛ لعلنا نسير في ركابهم، ونقتفي آثارهم، فالقافلة في انتظارنا.
إضاءة على الطريق:
التوفيق:
لا يُطلب بالمال ولا بالحسب ولا بالجاه.
وإنما توفيق من الله يصطفي من يشاء من عباده.
* * *


أولًا: القرآن الكريم

إن من أعظم معالم التوفيق: حبك للقرآن الكريم، والعيش معه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، والعمل به والدعوة إليه، ودعمه وتشجيعه.
القرآن الذي ما أُعطي حقه وقدره في هذا الزمان {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].
أيها الموفق تأمل في هذا الأجر الكبير:
عن عقبة بن عامر t: خرج رسول الله r ونحن في الصفة فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله U خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع ومن أعدادهن من الإبل». [صحيح مسلم].
الله أكبر ولله الحمد!
كم تستغرق هذه الآيات من دقائق معدودة، فترى العبد الموفق مثلا بعد صلاة الفجر أو العصر يجلس في مسجده ولو لعشر دقائق يقرأ ويتدبر في كتاب ربه ومولاه، يحرك قلبه ويستجيش مشاعره، يجمع من الحسنات آناء الليل وأطراف النهار، يستزيد منه رحمة وهدى وشفاء وتوفيقا.
تأمل أيها الموفق:
عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». [رواه الترمذي (2910)، وقال حديث صحيح].
إنه القرآن الكريم! أعظم كتاب نزل من السماء {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].
قال بعض السلف: «القرآن ثقيل لا يقدر أن يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق مزين بالتوحيد».
ألم يقل ربنا: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؟
يقول الصحابي الجليل أبو هريرة t: «البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثر خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشياطين، والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله، وقل خيره، وحضرته الشياطين، وخرجت منه الملائكة». ا.هـ.
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
ويهتف الشيخ صالح المغامسي حفظه الله قائلاً: «لا يُرام صلاح قلب وإصلاح نفس إلا بالقرآن، ولا يقام ليل حق القيام إلا بالقرآن، ولا يوجد كتاب قرأته كنت أقرب إلى ربك أعظم من القرآن، ولا شفاء لأرواح الموحدين وقلوب العابدين إلا بالقرآن». ا.هـ.
أخي الموفق:
تأمل في هذه الآية التي تهز قلب المؤمن وتزيده إيمانا وحبا وإقبالا على كتاب ربه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].
أيها الموفق:
أكثر من قراءة كتاب ربك الكريم، ليلًا ونهارًا، ابدأ يومك بالقرآن واختم يومك بالقرآن، واجعل لك وردًّا لا يفوتك أبدًا بإذن الله، اجعل لك محفوظًا يوميًا ولو آية واحدة من كتاب الله، تزيد بها إيمانك، إن العجز كل العجز من عجز عن حفظ ودراسة وتفسير آية واحدة فقط، ابذل الجهد، فرّغ نفسك، لا يمر عليك يوم إلا وقد قرأت فيه القرآن، اجعل بجوارك تفسيرًا ميسرًا، تطالع فيه ما لا تعرفه وتجهله، مع الاجتهاد في العمل به، والدعوة إليه، فإن هذا هو طريق الموفقين.
إضاءة على الطريق:
كتاب الله بين يديك. 
فماذا أعطيته من جهد ووقت وتلاوة وتدبر وعمل واستجابة؟
أجب على نفسك بكل صراحة!

***

 

 




ثانيًا: السنة نجاة

ومن معالم التوفيق السير على ما سار عليه محمد r، واتباع سنته ظاهرًا وباطنًا؛ في صلاته وصيامه وحجه وذكره وبيعه وشرائه وبيته ومعاملته وحِلَّه وترحاله، وفي كل شأن من شئون حياته، بل لا يكتفي بذلك، بل يدعو لها ويبلغها أسرته وأقاربه وأحبابه وجيرانه وكل من يعرف. هذا دأب الموفق إلى أن يلقى ربه وهو على سنة المصطفى r. {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163].
هذا هو الإسلام حقًّا، حياتك كلها لله، وهذا والله هو طريق التوفيق.
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
فالسنة كالسفينة؛ من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق كما قال مالك (رحمه الله)، وبقدر ما تعلم وتعمل بسنة رسولك r يكون توفيقك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
هذا فاروق هذه الأمة يقول: والله إني لأُقبّلك، وأني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله r قبَّلك ما قبلتُك.
وهذا يدل دلالة واضحة صادقة في اتباع سنة نبينا محمد r والحرص عليها قولًا وعملًا.
قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدِّين وحُسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي r فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه.
يقول الشيخ صالح بن طالب حفظه الله: منزلة المؤمن تقاس باتباعه للرسول r، وكلما كان تطبيقه للسنة أكثر كان عند الله أعلى وأكرم؛ فالتمسك بالسنن تحصين للفرائض والواجبات، وباب لزيادة الأجر والحسنات وجنوح إلى الأجمل والأكمل، وهو شرف الاتباع وحلاوة الاقتداء، فلا تزيغ به الأهواء، وفوق هذا كله محبة الله الجليل.
ويذكرنا الحافظ ابن حجر (رحمه الله) بقوله: وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، لا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما.
t، ذلكم هو الجيل المتميز الموفق.
آهٍ ثم آه! كم تُركت من سُنة من سنن المصطفى في هذا الزمن مع الأسف! وما ذاك إلا لضعف الإيمان في تلك القلوب، وعدم استشعار الأجور الكبيرة المترتبة على ذلك، وسيأتي علينا يوم نعرف فيه قدر وعظمة الحسنة الواحدة.
بل إن من علامات حب السُّنة النبوية أيها الموفق ما يلي:
· كثرة قراءتها ومطالعة كتبها – وها هي بين أيدينا مطبوعة أجمل الطبعات الفاخرة – صحيح البخاري، ومسلم، إلخ...، فهل من قارئ لها؟
· محاولة حفظها والحزن والأسف على فوات ذلك.
· الفرح بمجالسها ومنتدياتها ولقاءاتها.
· الشوق إليها إذا طالت الغيبة عنها.
· تطبيقها في جميع جوانب الحياة.
· كما ذكر ذلك د: خالد اللاحم في كتابه الرائع مفتاح تدبر السنة، بل وتأمل في كلام ابن بطة (رحمه الله) في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة قال:
ومن السنة اتباع رسول الله r، والاقتفاء لأمره، والاقتداء بهديه والأخذ بأفعاله، والانتهاء إلى أمره، وإكثار الرواية عنه في كل ما سنّه واستحسنه وندب إليه، وحرض أمته عليه ليتأدبوا به، فتحسن بذلك في الدنيا آدابهم، ويعظم عند الله قدرهم.
ويقول الدكتور خالد أبو شادي – وفقه الله – في رسالة بعنوان: حبا بحب.
إنه باب عظيم أن تحيا ورسول الله r في خاطرك، في ضميرك، يُملي عليك أفعالك، أقواله تصنع أفعالك، سيرته تصوغ سيرتك في امتزاج بديع، وتآخ رفيع بينك وبين نبيك r، والحب كان ولا يزال ثمرة المعرفة، فكلما كانت معرفتك بنبيك أكبر، كلما كان حبك له أقوى واقتداؤك به أشد؛ لأجل هذا كان الناس متفاوتين في محبتهم لنبيهم واقتدائهم به تبعًا لتفاوت معرفتهم به وبقدره.
أيها الموفق:
ارفع رأسك، واعتز بدينك، واتبع نبيك؛ فهو الأسوة والقدوة لك، وسر على بركة الله؛ فإنك على الحق المبين.
وتذكر دائما قول فاروق هذه الأمة t: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]».
قال ابن سعدي (رحمه الله): «وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول r».
وصدق الله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
إضاءة على الطريق:
كتاب الموفق من جعل سنة نبيه r
أمام عينيه، متبعًا لها عاملًا بها، داعيًا إليها.
* * *


ثالثًا: أبواب الجنة الثمانية

ومن معالم التوفيق الوضوء. ألا ما أجمل هذه الكلمة على قلب المؤمن الصادق! لها في قلبه حلاوة؛ فالوضوء من الوضاءة وهي الحسن والبهاء والجمال، والوضوء مفتاح وشرط للصلاة للوقوف بين يدي ذي الجلال والإكرام، فالموفق الذي يسعى جاهدًا على أن يكون على وضوء وطهارة.
فالوضوء نظافة وطهارة وغسل للذنوب والخطايا والآثام التي ابتلينا بها في هذه الأزمنة، بل الوضوء أجر وثواب كبير: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
الوضوء للصلاة، الوضوء عند النوم، الوضوء على قدر استطاعتك في حلك وسفرك وترحالك.
الوضوء رفع للدرجات، وكسب للحسنات، وحطٌّ للسيئات.
تأمل، قال r: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب». [صحيح الجامع (450)].
تأمل في حال هذا الموفق مؤذن الإسلام الأول الذي رفعه الله بالإسلام: بلال بن رباح t.
عن أبي هريرة t أن النبي r قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة».
قال: ما عملتُ عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طُهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطُهور ما كتب لي أن أُصلي. [رواه البخاري 1081].
وهذا في زمن يكاد أن يندر فيه الماء للشرب، ناهيك عن ماء للوضوء، فكيف نحن اليوم – ولله الحمد والمنة – والماء متوفر في كل مكان في بيوتنا، في مساجدنا، وعلى الطرقات والأسواق وغيرها، ما بقي علينا إلا أن نشمر عن سواعد الجد والسير على هذا الطريق.
بل كان علي بن الحسن t إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟
قال: أتدرون بين يدي مَنْ أريد أن أقوم؟!
إنها قلوب صادقة، ونفوس موفقة عرفت كيف تعظم الله حقًّا؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا هو طريق التوفيق والإحسان. {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
وصدق المزني أبو بكر (رحمه الله) حينما قال:
من مثلك يا ابن آدم؟
خُلِّي بينك وبين المحراب والماء، كلما شئت دخلت على الله U ليس بينك وبينه ترجمان!
قال r: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره». [صحيح الجامع (6169) عن عثمان].
إضاءة على الطريق:
الماء بين يديك.
قم الآن وأسبغ الوضوء.
وكن من التوابين المتطهرين.
* * *

رابعًا: الصلاة نور

ومن معالم التوفيق الكبرى ما أن تسمع «حي على الصلاة» «حي على الفلاح»، إلا وتُسارع إلى الوضوء، فهذا علامة الإيمان والتوفيق.
نعم، قم إلى الصلاة متى سمعت النداء، وبكّر إليها ما استطعت، فهذا عنوان صدق المحبة، وأمارة التوفيق والفلاح.
إن الاستعداد للصلاة والانطلاق إلى المسجد والحرص كل الحرص على الصف الأول الذي زهد فيه كثير من الناس في هذا الزمن، ولو علموا قدر الأجر والثواب العظيم لمشوا إلى المسجد ولو حبواً على الرُكب!
عن أُبي بن كعب t قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء.
قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي.
فقال r: «قد جمع الله لك ذلك كله»، وفي لفظ: «إن لك ما احتسبت».
قال الإمام النووي (رحمه الله): فيه إثبات الثواب في الخُطى في الرجوع كما يثبت في الذهاب. ا.هـ.
ألم يقل ربنا في محكم التنزيل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]؟
بل، بلغ ببعض ممن وفقهم الباري أن يتقدم للصلاة ولو لبضع دقائق قبل الآذان مسارعة ومسابقة للفضل والأجر، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ألم يقل ربنا في كتابه العزيز: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]؟ عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط». [صحيح الجامع (2618)].
{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. فالصلاة نور هكذا قال نبينا r، نور لك أيها الموفق في وجهك، نور لك في قلبك، نور لك في حياتك كلها، نور لك يوم القيامة، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} [النور: 35]. عن أنس t مرفوعاً: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله». [السلسلة الصحيحة 1358].
إنها مفتاح التوفيق لخير الدنيا والآخرة.
إنها النور، إنها الهدى، إنها بوابة التوفيق.
الصلاة موطن تضرع وخشوع وإخبات وبكاء ودعاء.
فأين أنتم يا أصحاب الحاجات؟!
فها هي الأبواب قد فتحت لنا، فهل من مشمر؟  يقول ابن القيم (رحمه الله) في زاد المعاد: «الصلاة صلة بالله U، وعلى قدر صلة العبد بربه U تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع من الشرور أساسها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه U، والعافية والصحة والغنيمة والغنى والراحة والنعيم والأفراح والمسرات كلها محضرة إليه ومسارعة إليه». ا.هـ. فهذا عكرمة الصحابي الجليل يعبر عن نفسه قائلًا: «ما أذن المؤذن منذ أسلمت إلا وأنا في المسجد ومستعد لها بالأشواق».
فكيف هو حالنا اليوم مع صلاتنا؟! بل يقول ابن تيمية (رحمه الله): «وعماد الدِّين الذي لا يقوم إلا به هو: الصلوات المكتوبات، فينبغي الاعتناء بها ما لا تعنى بغيرها». ا.هـ. ولنقف قليلًا معا في كلام الغزالي (رحمه الله) حيث قال: «إنما يقبل الله من صلاتك بقدر خشوعك وخضوعك، فاعبده في صلاتك كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فإن لم يحضر قلبك ولم تسكن جوارحك، فهذا لقصور معرفتك بجلال الله تعالى، فعالج قلبك عساه أن يحضر معك في صلاتك، فإنه ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها». ا.هـ.
«إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» [صحيح الجامع (1626) عن عمار بن ياسر – حسن – ].
ويؤكد هذا المعنى العلامة العثيمين (رحمه الله) قائلًا: «أشهد الله أننا لو أقمنا الصلاة كما ينبغي، لكنا كلما خرجنا من صلاة خرجنا بإيمان وتقوى راسخة». نعم، أول أسباب التوفيق والفلاح والنور تنطلق من المسجد، فإذا رأيت الرجل يكثر من الذهاب إلى المسجد خمس مرات في اليوم والليلة، فاعلم أن الله أراد بك خيرًا وتوفيقًا.

إضاءة على الطريق:
لمكانة الصلاة وعظمتها؛
كانت الأمر الأول الذي يُحاسب عليه العبد يوم القيامة. 



تحميل كتاب معالم على طريق التوفيق PDF كتب اسلامية من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016