-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم PDF


مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يظلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله r، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فإن القرآن الكريم هو النبع الصافي، الذي تستقي منه الأمة الإسلامية أفكارها، وتبني على ضوئه مجتمعها، وتؤسس عليه قواعد حضارتها، وتعالج به ما يطرأ عليها من أدواء وانحراف.
ومن عجائب القرآن أن علماء الأمة - ومنذ صدرها الأول - قد أولوه عناية فائقة، تعليمًا وتفسيرًا واستنباطاً، وتتابعت الأجيال جيلًا بعد جيل، تبين أوجه هدايته، وطرائق إرشاده، ومع ذلك ظل لطالب الهداية غضاً طرياً، يفتح له طرائق ومسالك، تتواءم مع الجديد، ولا تتصادم مع القديم {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}([1]) فلا تنقضي عجائبه، ولا تفنى روائعه، ولا يسبر غوره، وصدق من نزَّله إذ قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}([2]) وهذا عام بعموم الزمان والمكان، فهدايته للعقول والفهوم، مهما تغيرت الثقافات، أو تلاقحت الحضارات.
إن هداية القرآن، وأثره البارع في بناء مجتمع فاضل، واحتواءه مشاكل كل عصر ومصر، إذا تُقُبِّل بقبول حسن، وسُلِّمت له راية القيادة، هذه الهداية، وهذا الأثر والاحتواء، من أبرز وجوه إعجاز القرآن، ومن أكثر ما حير الألباب، وأدهش من لا يؤمن بتنزيله من رب الأرباب، فكيف بمن آمن به، ورضيه قائداً وهادياً.
وهذه الهداية باقية ما بقي هذا الكتاب، ولا تختلف باختلاف العصور، وتعاقب الأجيال، وتعدد البيئات، لكن أثرها محصور فيمن صدق في تلمسها، وجدَّ في طلبها، واستشفى بها من علله وأدوائه، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}([3]).
ومن أبرز هدايات القرآن بناء الأسرة المسلمة على أساس متين، وإحاطتها بسياج قوي، يدرأ عنها زوابع الخلاف، وأعاصير تقلب الأمزجة.
ولا يخفى أن الحياة الزوجية الهنية نعمة ورحمة وسكن، ومتى ما قامت وفق شرع الله، وعرف كل طرف حقوقه وواجباته، ورضي بقدر الله وحكمه وحكمته، أثمرت السعادة والمحبة والطمأنينة، ورفرفت على المنزل أعلام الهناءة، وراحة البال، وطمأنينة النفس، وصار أهله يحيون حياة مستقرة، هادئة هانئة، بل صار المنزل واحة غناء، يتفيأ ظلالها المتعب فيزول تعبه، والمهموم فتندفع همومه، والمحزون فتنجلي أحزانه.
أما إذا حل التنافر بدل التواؤم، والجفوة بدل المودة، والبغضاء بدل المحبة، والقطيعة بدل التواصل، والعبوس والتكشير وبذاءة المقال، بدل إشراقة الوجه، وبسمة الروح، وعذوبة اللسان، فحينئذ لا تسأل عن الجحيم الذي يصطلي بها أفراد ذلك البيت، والعذاب الأليم الذي يحيط بتلك الأسرة، إضافة إلى العواقب السلوكية والأخلاقية والنفسية.
ولقد تأملت واقع مجتمعنا، فرأيت أن الأسرة فيه تقاذفتها أمواج، وهبت عليها عواصف وأعاصير، فتفككت بعض روابطها، واهتزت ثقة أطرافها، وصار بعضها على شفا جرفٍ هارٍ، بل وصل بعضها إلى حضيض المشاكل والمناكدة، بل إلى الفرقة والطلاق.
وبحكم علاقتي الكبيرة بالمجتمع، كمستشار أسري، فإني أقول: إن بعضاً من بيوتات مجتمعنا ظاهرها الرحمة، وباطنها من قبله العذاب، وجُلُّ ذلك يعود إلى الجهل بتعاليم ديننا، أو التفريط فيها.
ولهذا طفقت أبحث في كتاب الله، عمَّا يعيد للأسرة المسلمة استقرارها، ويدفع عن بيوت المسلمين الشقاء والنكد، ويدرأ الفرقة والطلاق، ويعيد إليها البسمة والهناء، والسعادة والبهجة، كما أراد الله: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}([4]).
وقد خص القرآن جانب الأسرة بمزيد اهتمام، واعتنى بها عناية فائقة، وهو يسمو بأتباعه، ويهذب طباعهم، ويرقق حواشيهم، ويقيم علاقاتهم الاجتماعية على أسس ثابتة، وقواعد راسخة، لا تزعزعها الرياح، ولا تجرفها التيارات.
ومن هذا المنطلق، وبحكم تخصصي في القرآن وعلومه، رأيت أن أدرس الأسرة في الكتاب والسنة، فكانت نتيجة الدراسة انبثاق ثلاثة موضوعات مترابطة هي:
1-  القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية، في ضوء القرآن الكريم.
2-  من وسائل علاج المشاكل الزوجية في ضوء القرآن والسنة.
3-  درء الطلاق في ضوء الكتاب والسنة.
وقد جعلت المنطلق والمورد كتاب الله، وسنة رسول الله r لأن المسلمين جميعًا يتفقون على وجوب العمل بهما، ويدينون بطاعة الله ورسوله، ولأنني لم أرد تكرار ما تعج به المكتبات، من فنون العلاقات الزوجية، المعتمدة على الإنشاء، أو الترجمة من لغات أخرى.
ولهذا الغرض حرصت أن تكون عناوين المباحث من القرآن نفسه، أو مستوحاة منه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وما بين أيدينا هو الموضوع الأول، وقد جعلته على هيئة مباحث، يحمل كل مبحث عنوان قاعدة قرآنية، لأن ذلك أقرب إلى طبيعة هذا البحث، الذي لم أرد إثقاله بالفصول والأبواب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطة البحث:

يتكون هذا البحث من مقدمة، وتمهيد، وسبع قواعد، وخاتمة، وثبت بالمراجع، وفهرس للموضوعات، وإليك التفصيل:
المقدمة: وقد ذكرت فيها هداية القرآن، وطبيعة الموضوع، وأهميته، وسبب اختياره، وخطة البحث.
التمهيد: وكان لبيان مكانة الأسرة في الإسلام، وأهميتها، وأثرها على الزوجين والناشئة، والمتطلبات الأساسية حتى تؤدي دورها.
القاعدة الأولى: حسن اختيار الزوجين
القاعدة الثانية: "وليس الذكر كالأنثى".
القاعدة الثالثة: "الرجال قوامون على النساء".
القاعدة الرابعة: "وعاشروهن بالمعروف".
القاعدة الخامسة: "لينفق ذو سعة من سعته".
القاعدة السادسة: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل".
القاعدة السابعة: الحذر من الاختلاط والخلوة بالأجنبية.
الخاتمة: وقد ذكرت فيها خلاصة البحث وأهم النتائج.
ثبت المراجع والمصادر.
فهرس الموضوعات.



منهجي في البحث:
يمكن تلخيص المنهج الذي سرت عليه بأنه استقرائي وصفي، وفق النقاط التالية:
1-  حرصت أن يكون البحث معتمدًا على ما ورد في الكتاب والسنة، وما خرج عنهما فهو شرح وتوضيح، وبيان للمقصود.
2-  اعتمدت على الأحاديث الصحيحة والحسنة، ولم أذكر حديثًا ضعيفًا إلا في موضوعين أو ثلاثة، مع الإشارة إلى ذلك، وقد خرجت الأحاديث، مقتصرًا على ما يحقق المقصود، وهو بيان درجة الحديث، فإن كان في الصحيحين، أو في أحدهما اقتصرت على ذلك، وإلا ذكرت بعض من خرجه، مفضلًا من نص على صحته.
3-  التزمت ترقيم الآيات، وعزوها إلى سورها.
4-  سلكت منهج التفسير الموضوعي في بحث كل جزئية، ولم أقصد استيفاء كل ما ورد في ذلك، بل اقتصرت على ما يحقق الغرض والاستشهاد.
5-  اعتمدت في مجمل البحث على مصادر أصيلة، وأمهات كتب معتبرة عند العلماء، ويستثنى من ذلك ما تقتضيه طبيعة البحث، في قضايا معاصرة أو نحوها.
6-  قد أطنب في بعض المباحث، لاعتقادي أن حاجة الناس تقتضي ذلك، وأن تمام البيان يستلزم الاستطراد والتفصيل.
7-  لم أترجم للأعلام، لأن أكثرهم مشاهير، لا يجهلهم القارئ المثقف، والقلة القليلة من المعاصرين مجاهيل بالنسبة لي، وليس بين يدي ترجمة لكثير منهم.
8-  حرصت أن يكون هذا البحث مرتبطًا بالواقع، وعلاجاً لقضايا معاصرة، وخطاباً لكافة القراء، وليس للنخبة المثقفة، وأسأل الله أن أكون حققت بعض ما حرصت عليه.
وبعد:
فقد اجتهدت في إخراج هذا البحث، المرتبط بكتاب الله، مع ما يكتنف ذلك من حرج، ووجوب تحرٍّ للصواب، حتى لا يقال على الله بغير علم، ثم هو مرتبط بحياة الناس، وبيوتهم وأسرهم، مع ما في ذلك من حساسية، وما عسى أن يكون له من أثر إيجابي، أو سلبي.
وحسبي أني بذلت جهدي، نصحاً لكتاب ربي، وبراً بأبناء ملتي، فإن كنت وفقت فمن الله، وله الحمد، وإلا فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 


تمهيد

مكانة الأسرة في الإسلام

الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وعلى قدر إحكام بناء الأسرة، وإحاطتها بسياج من الدين والخلق والتعليم، وتزوديها بالمهارات المفيدة، والعادات الطيبة، والتقاليد الحسنة، يكون تشكُّل المجتمع، وتتميز علاقة أفرداه، وتظهر أهدافه في الحياة، ويكون تأثره وتأثيره بما سواه من مجتمعات وأمم.
وفي الفقرات التالية ما يميط اللثام عن أهمية الأسرة ومنافعها وضرورة الاعتناء بها، وحمايتها من التصدع والانهيار.
1- تنويه القرآن بشأن الأسرة:
لقد عظم القرآن شأن الأسرة، وجعلها الله آية من آيات قدرته، فقال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}([5]) كما جعل الله الأسرة منَّةً من أعظم مننه، ونعمةً من أجلِّ نعمه، فقال سبحانه:
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}([6]).
ومن أدلة تعظيم القرآن شأن الزواج والأسرة، أن الله جعل العلاقة الزوجية لا تضاهيها علاقة، وجعل عقدها ميثاقًا غليظًا لا يدانيه عقد، فقال سبحانه: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}([7]). كما نوه بشأن الأسرة الأولى على وجه الأرض، وعظم شأن الأرحام فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}([8]) وقال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}([9]) وقال جل جلاله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}([10]).
ومن الأدلة الجلية على أهمية الأسرة في الإسلام، إخبار رسول الله r أن الشيطان لا يفرح بشيء فرحه بهدم بيت من بيوت المسلمين، وتشتيت أسرة من أسرهم، ففي الحديث: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدينه منه، ويقول: نعم أنت! »([11]).
2 - أهمية الأسرة:
الأسرة من أعظم مظاهر تكريم الإنسان، وتميزه عن الحيوان، فهي رباط وثيق، وميثاق غليظ، يمتد أثرها امتداد الحياة، وتبقى روابطها وصلاتها بعد الوفاة، وقد اقتضتها مصلحة الإنسان، بل لا تتم رعاية الضرورات الخمس - في أغلب الأحيان - وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، إلا بوجود الأسرة الحانية، ومن الفوائد الجليلة للأسرة ما يأتي:


تحقيق السكن النفسي والروحي، وإيجاد بيئة مغمورة بالمحبة والرحمة، والبر والتآلف، كما قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}([12]).
ب - إنجاب الأولاد الشرعيين، والمحافظة على الأنساب، وفي هذا كرامة للولد، وتخليد للولد، وكل مولود يأتي من غير طريق الأسرة يكون لقيطاً طريداً منبوذاً، لا يقبله حتى من كان سبباً في وجوده.
ج - حاجة الطفل إلى جو من الحنان، والحب، والعطف، حتى ينشأ نشأة سوية، فيها تفاؤل، ورغبة في الحياة والعطاء، وشعور بأن هناك من يرعاه، ويحوطه ويقبله، فينشأ نشأة سوية، ويشتد عوده رويدًا رويدًا.
د - الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تطول طفولته، ولا يضارعه في ذلك غيره([13]) فهو لا يستقل تمام الاستقلال عن أسرته إلا بعد سنوات كثيرة، وقد اقتضت حكمة الله ذلك لحاجة الإنسان إلى تعلم اللغة والدين والعادات، واختزان النتاج الحضاري الذي سبقه إليه آباؤه وأجداده، والأسرة تؤمن له شيئاً  كثيراً من ذلك.
هـ - الأسرة هي المحضن الأول، والمدرسة الأولى، التي يتلقى فيها الطفل الحق والصواب، وأصول الأخلاق، وطريقة التعامل، فيتهيأ للخروج إلى المجتمع وقد أحاط بجملة صالحة، من عادات مجتمعه ودينه وأخلاقه، وأسلوب التعامل الذي يبعده عن المزعجات، ويجنبه المهلكات.
و - حاجة الطفل إلى التعلم عن طريق المحاكاة، والأسرة تؤمن له ذلك، فهو يرى والديه الذين يغمرانه بالحب والعطف يقيمان الصلاة، ويصومان رمضان، ويقرآن القرآن، ويعجبهما السلوك الحسن، ويسوؤهما السلوك السيئ، فتنطبع في ذهنه هذه الصورة، ويترسم خطاها فيما بعد، وتصبح جزءًا من حياته([14]).
ز - حاجة الكبار إلى الأسرة، فالإنسان مدني بالطبع يحب الاجتماع، ويكره الوحدة، والأسرة أعظم مظهر حضاري وديني يؤلف بين مجموعة، وهي أروع مثل عرفته البشرية في التعاون والوفاء، والحماية والتكافل، مع ما يغشاهم من الرحمة، ويحفهم من المحبة.
ح - لا تكتمل رجولة الرجل، ولا أنوثة الأنثى إلا بهذا الرباط الوثيق، الذي سماه الله «ميثاقاً غليظ»، ففي الرجال فجوات تسدها النساء، وفي النساء نواقص يكملها الرجال، وباجتماعها يكتمل الاثنان، قالت أمامة بنت الحارث التغلبية وهي توصي ابنتها: «أي بنية! لو استغنت امرأة عن زوج بفضل مال أبيها لكنت أغنى الناس عن ذلك، ولكنا للرجال خلقنا كما خلقوا لنا»([15]).
ط - سلامة الأفراد والمجتمع من الانحلال الخلقي، وانتشار الأوبئة، والأمراض الجنسية، التي تنتج من السفاح، والعلاقات غير الشرعية، قال r في حديث طويل: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»([16]).
ي - من بركات الزواج، وتكوين الأسرة، كمال دين العبد، وإعانته على التقوى، وتيسير غض بصره، وحفظ فرجه، قال رسول الله r: «إذا تزوج العبد فقد كمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي»([17]) وقال رسول الله r: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج» متفق عليه([18]).
وفوائد الأسرة وأهدافها أكثر من أن تحصر، والمقصود الإشارة إلى ذلك، لحمل كل فرد من أفرادها على الذود عنها، وحمايتها من زوابع الاختلاف، وأعاصير الأهواء.
3 - متطلبات أساسية حتى تؤدي الأسرة وظائفها:
الأسرة في الإسلام أقيمت على أساس ثابت ودقيق، مستمد من الواقع والحاجة، ومطابق للفطرة، وحتى تؤتي الأسرة ثمارها، وتحقق المأمول منها، لابد من وعي الزوجين، وإحاطتهما بثقافة إسلامية جيدة، مع الصدق في التطبيق.
ومما يؤسف له أن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، والانفتاح الإعلامي والمادي، وعمق تأثيره على الكبار والصغار، والانبهار بمعطيات الحضارة الغربية، قد أدى إلى تفكك كثير من أواصر المجتمع، وأسباب ارتباطه، ونال الأسرة المسلمة من ذلك الشيء الكثير، وصار بعض الأسر مبنية على شفا جرفٍ هارٍ، فتتعرض للانهيار عند أدنى زلزال خلاف، أو عاصفة أنانية وشح.
وقد رأيت أن أجلي قواعد قيمة، وتوجيهات نيرة، ومهذبات سلوك مؤثرة، يقرؤها الزوجان في كتاب الله، ويطلعان عليها في سنة رسول الله لكن الغفلة عن التدبر، تحرمهما الاستفادة، وتمنعهما من التأثر، فلعل في جمعها وشرحها، وتقريب معانيها بأسلوب ميسر، وعبارة لا تنبو عن الأذهان، ما يحقق سعادة الزوجين، ويحمي أسرتهما من التصدع والانهيار، والشقاء ونكد الحياة، فإليك هذه القواعد الذهبية، التي استنبطت من نص الكتاب والسنة والله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}([19]). وعلى قدر تمسك الزوجين بهدي الكتاب والسنة، تكون سعادتهما في الدنيا، وفلاحهما في الآخرة، مصداقًا لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([20]).

 






القاعدة الأولى

حسن اختيار الزوجين

عقد الزواج يقصد به الديمومة، ويرجى من ورائه تحقيق الرحمة والمودة والسكينة، كما قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}([21]).
كما أن من أعظم أهدافه إنشاء أسرة، يستظل بها الزوجان أولاً، والأولاد ثانياً، ومن وراء ذلك العائلة والمجتمع والأمة، ولذا ينبغي حسن اختيار الزوجين، ومراعاة مواصفات معينة، على قدر الجهد والطاقة، حتى يحقق الزواج أهدافه، ويجني الطرفان، ومن له علاقة بهما ثماره، وسأذكر بعض ما جاء في الكتاب والسنة، من الصفات الحسنة، التي ينبغي مراعاتها عند الاختيار وقبل العقد:
1 - صفات الزوجة([22]):
جاء في الكتاب والسنة مواصفات معينة للزوجة الصالحة، المؤهلة للارتباط بها، حتى تقوم الحياة الزوجية على الهناءة والتعاون، والصبر والتحمل، وعمق المودة والرحمة، وصدق المحبة، فإن غابت فحسن المجاملة، وجميل المعاشرة، ومما جاء في الكتاب والسنة في هذا الشأن:
أولًا: قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}([23]):
مسلمات: أي خاضعات لله بالطاعة([24]).
مؤمنات: مصدقات بالله ورسوله([25]).
قانتات: القنوت في اللغة: الطاعة، هذا هو الأصل([26])، ويرد بمعان متعددة([27]).
أما معنى القنوت في الآية: فهو لزوم طاعة الله مع الخضوع له([28])، ويندرج في ذلك لزوم طاعة الزوج، إذ إن طاعة الزوج من طاعة الله، بل إن المقصود من الخبر في هذه الآية وفي قوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ}([29]) الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه([30]).
تائبات: أي: راجعات إلى ما يحبه الله منهن من طاعته عما يكره منهن([31])، ومن ذلك ندمهن على ما فرط منهن في حق أزواجهن، إذ إن ذلك مما يسخط الله، كما في الحديث: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح»([32]) متفق عليه.
عابدات: متذللات لله بطاعته([33])، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن حتى صارت ملَكَة لهن([34]).
سائحات: أي صائمات، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وجمهور المفسرين([35]) تشبيهاً للصائم بالسائح من بني إسرائيل وغيرهم، الذي يقلل من الطعام والشراب والنساء([36]).
وقيل: السياحة هي السير في الأرض، والمراد به سير خاص محمود شرعًا، وهو السفر الذي هو قربة لله وامتثال لأمره، مثل سفر الهجرة والجهاد والحج([37]).
ثانيًا: - قوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}([38]) والصلاح والقنوت يندرج فيما ذكر في الآية السابقة، أما معنى قوله تعالى: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: حافظات لفروجهن في غيبة أزواجهن([39])، وفرج المرأة أعظم وديعة عندها، وعفتها أعظم دعامة تقوم عليها الأسرة المسلمة، ولهذا أعلى الله شأن العفة والإحصان للذكر والأنثى، فقال تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}([40]) وقال: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}([41]) وحرم الله تعالى على المؤمنين نكاح الفاجرة، وإنكاح الفاجر فقال: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}([42])
ثالثًا: - قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}([43]) ومعنى «بعضهم أولياء بعض»: أي يتناصرون ويتعاضدون، من الولاية، وهي النصرة والأخوة والمحبة([44]).
وإذا كانت هذه سمة أفراد المجتمع المسلم الكبير، الذين تربط بينهم رابطة العقيدة، فمن باب أولى أن تكون سمة أفراد المجتمع الصغير، وهو الأسرة، وأن يكون أفرادها - ذكورًا وإناثًا - متناصرين متناصحين، تسود بينهم الألفة والمحبة، والتعاون على البر والتقوى، كما قال الرسول r: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([45])، وعلوم أن الأقربين أولى بالمعروف، والشريعة تجعل للقريب حقوقًا لا تجعلها لغيره.
وشاهد المقال: إن على الزوجين أن يتصفا بما ورد في الآية، حتى تتم سعادتهما، ويجنيا ثمرة الرابطة بينهما في الدنيا والآخرة.
رابعًا: قوله r: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»([46]). وهذا الحديث خبر عن رغبات الرجال في النساء، وأسباب تفضيلهن، وقد حث على الظفر بذات الدين، فإن الدين يجبر نقص المرأة في الأمور المذكورة، لحسن تبعلها، وحرصها على مرضاة زوجها، طمعًا في ثواب ربها، إذ إن المشاهدة تدل على أن مال الزوجة وحسبها وجمالها ليست أسبابًا لسعادة الزوج على الدوام، بخلاف الدين.
والجدير بالتنبيه أن الحديث لا يلغي هذه الصفات، بل يجعل الدين مقدمًا عند التعارض، قال الحافظ ابن حجر: (قوله: «ولجمالها» يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات)([47]).
ومما ينبغي التنويه به أن الإسلام لا يعارض الفطرة في طلب الجمال، فالنبي - عليه السلام - يقول: «خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره»([48]).
خامسًا: الحرص على الأبكار، لحديث جابر، «قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس، قال: تزوجت؟! قلت: نعم، قال: أبكر أم ثيبًا؟ قال: قلت: بل ثيبًا، قال: فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟!»([49]).
ويروى عن رسول الله r أنه قال: «عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير»([50]).
2 - صفات الزوج:
وكما أن على الرجل أن يبحث عن صفات معينة في المرأة، فكذلك على المرأة وولاة أمرها أن يبذلوا جهدهم في اختيار الزوج المناسب، ذي الصفات الحسنة، بل إن شأن الزوج أشد، وحسن اختياره أهم، إذ إن العصمة بيد الرجل، فهو متى شاء أنهى عقد النكاح، بخلاف المرأة، فقد تعاني كثيرًا، ولا يتيسر لها الخلاص من رجل سوء، ثم إن المرأة تتضرر كثيرًا من الطلاق، بل وقد تحرم الزواج والأسرة والولد بسببه.
وما ذكر من صفات المرأة في الفقرة السابقة، ينبغي مراعاتها في حق الرجل من الإسلام، والإيمان، والقنوت، والتعبد، والتوبة...الخ، وثمت صفات أخرى للرجل وردت في الكتاب والسنة، وقد يندرج بعضها ببعض، أو فيما سبق، ولكن نذكرها لمزيد عناية بها، ومن ذلك:
أولًا: - ما ورد في قوله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّه بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}([51]). فقد أشارت هذه الآية إلى ثلاث خلال ينبغي أن يتحلى بها الزوج:
أ - قوله تعالى: «الرجال» ومن معاني الرجولة في لغة العرب: الكمال والاتصاف تخرجه عن الصغر والسفه والتخنث، ففي لسان العرب: (ابن سيده: وقد يكون الرجل صفة يُعنى بذلك الشدة والكمال، قال: وعلى ذلك أجاز سيبويه الجر في قولهم مررت برجل رجل أبوه، والأكثر الرفع، وقال في موضع آخر: إذا قلت هذا الرجل، فقد يجوز أن تعنى كماله وفي معنى تقول: هذا رجل كامل، وهذا رجل: أي فوق الغلام)([52])، وبهذا نعرف سير التعبير بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ولم يقل الذكور قوامون على الإناث، ففي هذا إثارة لمكامن الرجولة فيهم تجاه هذه المسئولية العظيمة، إذ لا يقوم بهذه القوامة حقاً، إلا من كانوا رجالاً حقاً([53]).
ب - قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي بما خصهم به من خصائص تميزهم عن النساء، فليس أهلاً للتزويج من تشبه بالنساء، وتخلى عن صفات الرجولة.
ج - قوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فالنفقة من ضرورات الحياة الزوجية، وقد نهى النبي r فاطمة بنت قيس t عن التزوج بصعلوك لا مال له([54])، والفقير الترب يؤمر بالاستعفاف، وحفظ الفرج والصوم، دون الزواج، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}([55]).
وفي الحديث: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»([56]).
قال الحافظ بن حجر - رحمه الله -: (وفي الحديث إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم)([57])، وذكر ابن دقيق العيد عن بعض العلماء تحريم النكاح في حق من يخل بالزوجة في الوطء أو الإنفاق([58]).
نعم، لو كان الزوج فقيرًا ولكنه قوي مكتسب، يستطيع أن يقيت امرأته، ويحصل نفقة كل يوم بيومه، ورضيت الزوجة به، فلا محظور شرعًا في تزويجه، لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}([59]) وفي صحيح البخاري: باب تزويج المعسر، ثم ساق حديث الذي لم يجد مهرًا، ولو خاتمًا من حديد، وتزويج النبي له امرأة بما معه من القرآن([60]).
ثانيًا: - الدين، إذ هو الحصن الحصين، الذي يحمي المرأة من ظلم بعلها، ومن تفلته ماديًا أو معنويًا، أو سلوكيًا، وصدق التدين يشع على الحياة الزوجية الأمن النفسي، والصحي، والاستقرار العاطفي.
ويمكن الاستدلال على الترغيب بإنكاح ذي الدين الحي بقول الله تعالى في ثنايا آيات الطلاق والرجعة: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}([61])، فمن لا يقبل وعظ الله في أحكامه عامة، وفي أمور النكاح والنفقة والعشرة والطلاق والرجعة خاصة، فليس أهلاً للتزويج.
ويؤكد هذا قول النبي r «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض»([62]).
ثالثًا: - حسن الخلق، وهو شعبة من الدين، لكني أفردته لأهميته، ولأن النبي r أفرده في قوله: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» ولا يخفى أنه من باب عطف الخاص على العام، تنويهًا بالخاص، وتنبيهًا على أن الحياة الزوجية لا تستقر بدونه، ومن حسن الخلق: بذل الندى، وكف الأذى.
ومنه: التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل.
ومنه: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك([63]).
وإذا كان أفراد البشرية لا تستقيم حياتهم، ولا تستمر صلاتهم، إلا بخلق قويم، وتعامل كريم، فإن أفراد الأسرة الواحدة أشد حاجة لذلك، لكثرة الاحتكاك، وقلة الانفكاك. وسيأتي مزيد بيان لهذه المزية في القاعدة الرابعة.








القاعدة الثانية

«وليس الذكر كالأنثى»

إن الإحاطة بهذه القاعدة القرآنية من أعظم أسباب هناءة الزوجين، والتفافهما، ودوام الإلفة والمحبة بينهما، ومعرفة النوازع والدوافع للسلوك البشري، ومن ثم القدرة على تجنب مواطن التدابر والتقاطع، وتقدير كل طرف للآخر عند الاختلاف.
لقد سوى الإسلام بين الرجال والنساء في أمور كثيرة، كالتكريم، وأصل التكليف، والمسؤولية، والجزاء، وحق التملك والإرث، وأهلية التعاقد...الخ.
ومع تلك المساواة ثمت فوارق جسدية، وعقلية، وفكرية، وعاطفية، وتصورية.
هناك اختلاف الطبع والفطرة، وتباين القوى العقلية، والمشارب النفسية، والاستعدادات العصبية.
هناك فوارق جلية، وأخرى خفية، وهي بمجموعها تؤدي إلى وجود جنسين، يتشابهان في أشياء، ويختلفان في أشياء، وقد قدر الخالق الكريم هذه الفوارق ليشعر كل طرف بنقص لا ينجبر إلا بالطرف الآخر، ومن ثم تقوم الأسرة، ويؤدي كل جنس ما نيط به من مسؤوليات، وينقاد بزمام الفطرة إلى تنفيذ ما كلف به من مهمات.
وقبل أن أسترسل في شرح هذه القاعدة القرآنية، أنبه إلى أن الرجل والمرأة في أصل الفطرة متوادان لا متباغضان، ومتآلفان لا متضادان، ومتكاملان لا متناقضان، فالرجل لا يستغني عن المرأة، ولا يستطيع أن يؤدي وظيفتها أو يقوم بدورها!!.
وكذلك المرأة لا تسعد بعيدًا عن الرجل، ولا تستغني عنه!!.
والفوارق بينهما لا تعني عيبًا في أحدهما، بل إن العيب فيما لو تشبه أحدهما بالآخر، أو أراد أن يخالف الفطرة فيقوم بدور أنيط بغيره!!.
إن الرجل والمرأة كالشمس والأرض، فلا حياة بلا شمس، ولا ثمرة للشمس بلا أرض، ولا يعيب الأرض كون الشمس أكبر، وأرفع، وأكثر حرارة، فكل ميسر لما خلق له.
وقضية عدم مساواة الجنسين ما كانت لتحرر وتقرر، لولا الاضطراب الفكري الذي يعيشه العالم الإسلامي، والانهزام النفسي أما حضارة الغرب، وشهوة تقليدها، بل وعبودية البعض لهذه الحضارة، مما جعلهم يبصرون الأشياء بمقاييسها ويملؤون الجو ضجيجاً، بل نعيقاً مطالبين بالمساواة، وإلغاء الفوارق!!.
إن الفوارق بين الرجال والنساء أكثر من أن تحصر، ولعل الفقرات التالية تميط اللثام عن شيء من ذلك:



أولًا: - النصوص الشرعية:
قال الله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}([64]) وقال سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}([65])، وقال جل جلاله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}([66]).
وقد صح أن سبب نزول هذه الآية تمني النساء بعض خصائص الرجال([67])، قال السعدي تعليقًا على هذه الآية: «ينهى الله تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره، من الأمور الممكنة، والأمور غير الممكنة،فلا تتمنى النساء خصائص الرجال»([68]).
ومن النصوص البينة الدالة على الفرق بين النساء والرجال قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}([69])، فالمرأة بوحي من الفطرة، وتوجيه من الغريزة والطبع، تميل إلى التحلي والتزين، وزخرفة الثياب والأثاث!.
وكذلك المرأة - عند الغضب والانفعال وشدة الخصام - لا تكاد تبين عما في خاطرها، أو تنهض بحجتها.
ثانياً: - هل هن ناقصات عقل ودين؟!:
عن عبد الله بن عمر t أن رسول الله r قال: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن! قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟! قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا خاضت لم تصل ولم تصم؟! قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها»([70]).
أما نقصان الدين فبين من ظاهر الحديث، فمن ترك شيئاً من الفرائض - ولو لعذر - نقص دينه، إذ إن الدين مجموعة أقوال وأعمال واعتقادات، فما نقص منها كان نقصاً في دين المرء.
وأما نقصان العقل فيحتاج إلى بيان المراد بالعقل في الكتاب والسنة، لأن الله خاطب جميع بني آدم بقوله: {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([71])، وبقوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}([72]). وخاطب جميع المؤمنين بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([73]) وبقوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} وخص بالعقل أقواماً فقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}([74]) وبقوله: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}([75]) كما أن الله تعالى نفى العقل عن قوم عرفوا بالذكاء، والدهاء، وسعة الحيلة، وعظيم المكر، كما في قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ}([76]) مع قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}([77])، وهل العهد يبرم إلا مع علية القوم ودهاتهم، لا مع سفلتهم وسفائهم، ومثل هذا يقال في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}([78])، مع أن القوم الذين نزلت فيهم هذه الآية - لو صح سبب النزول([79]) - من دهاة العرب وعظمائها، وأظهر من هذا وصف جميع الكفار بقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}([80])، وفيهم نوابغ وأذكياء، ودهاة وحكماء، وأصحاب مكر يكاد يزيل الجبال.
إذن، ما المراد بالعقل في لسان العرب، وفي كتاب الله؟! وعلى ضوئه يتضح المراد بالنقصان الوارد في سنة رسول الله r إن الفقرات التالية تكشف الحقيقة وتنير البصيرة:
أ‌-     يخطئ من يقصر العقل على ما يضاد الجنون، فالعقل في لغة العرب أوسع من ذلك، قال ابن فارس: «عقل: العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد، يدل عظمه على حبسة في الشيء، أو ما يقارب الحبسة، من ذلك العقل وهو الحابس عن ذميم القول والفعل، قال الخليل: العقل: نقيض الجهل([81]) يقال: عقل يعقل عقلاً: إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله... ورجل عقول: إذا كان حسن الفهم»([82]).
وقد ذكر ابن منظور مرادفات العقل وهي: الحِجر، والنهى، والحبس، وجمع الأمر، والرأي، والتثبت، والقلب، والتمييز، والفهم، وقمع النفس عن الهوى، ولم يذكر مضادًا للعقل سوى الحمق([83])، بينما لم يذكر ابن فارس مضاداً له سوى الجهل([84]). وبناء على ذلك فإنه يصح لغة أن يقال: عند فلان نقص في العقل، إن كان فيه حمق، أو جهل، أو تشتت رأي، أو ضعف تمييز، أو عجلة، أو قلة تثبت، أو عدم قدرة على قمع النفس عن الهوى.
وإذا قارنا بين الرجال والنساء - من حيث الجملة - علمنا أن النساء ينقصن عن الرجال في كثير من هذه الأمور.
ب‌-                       القرآن نزل بلغة العرب، ولم آر أحدًا من المفسرين ذهب إلى أن نفي العقل في القرآن يعني الجنون، أو البله، أو نقص الذكاء، وإليك ما قاله بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}([85])، كمثال لسائر الآيات: قال ابن جرير: «وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة: «لو كنا في الدنيا» «نسمع أو نعقل» من النذر ما جاؤونا به من النصيحة، أو «نعقل» عنهم ما كانوا يدعوننا إليه ما كنا اليوم «في أصحاب السعير» يعني: أهل النار»(([86]).
وقال البغوي: «وقالوا لو كنا نسمع» «من الرسل ما جاؤونا به» أو «نعقل» منهم، وقال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى، أو نعقله فنعمل به»([87]).
وفي التفسير المنير: «لو كنا نسمع» «سماع تفهم» أو «نعقل» عقل تفكر فلو كنا نسمع ما أنزل الله من الحق سماع من يعي، وسماع هداية، أو نعقل عقل من يميز، وينظر وينتفع، وعقل هداية، ما كنا من أهل النار»(([88]).
ولعل الراغب الأصفهاني خير من يوضح العقل في القرآن حيث قال: «العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل، ولهذا قال أمير المؤمنين:t «العقل عقلان: مطبوع ومسموع» وهذا العقل - يعني الثاني المسموع - هو المعني بقوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول، نحو: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} إلى قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}([89]) ونحو ذلك من الآيات، وكل موضع رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول، وأصل العقل: الإمساك والاستمساك»([90]).
وخلاصة القول: إن العقل المسموع يتجزأ ويزيد وينقص بناء على العلم والتجربة، والتفكر في عواقب الأمور، وكذلك العقل المطبوع درجات بعضها أرفع من بعض، والرجال من حيث الجملة أوفر حظاً من النساء في العقل المسموع وفي العقل المطبوع.
ثانيًا: - أقوال علماء الاجتماع:
يقول د/محمد أحمد حسن ود/أحمد فؤاد محمود: «فالمطالبة بالمساواة التامة للمرأة مع الرجل في كل شيء، أمر لا يتفق مع واقع الحياة، إن الله - سبحانه - خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة، وجعل في طبيعتهما خصائص جنسية مشتركة، وأخرى نوعية، للرجل منها ما ليس للمرأة، وللمرأة ما ليس للرجل، ليتحقق الغرض من الزوجية... ذلك أن الله - جلت قدرته - خص كلاً من الرجل والمرأة بخصائص معينة يتعذر على الجنس الآخر القيام بها وسوف يبقى الرجل رجلًا مهما حاول محاكاة المرأة فيما خصها الله به من وظائف الحياة، وسوف تبقى المرأة امرأة مهما حاولت محاكاتها الرجل فيما خصه الله به من وظائف الحياة ومن هنا كان طلب المساواة التامة للمرأة مع الرجل أمراً لا مبرر له، ولا يمكن تحقيقه، لأنه يسير في خط معاكس لما أراد الله»([91]).
وقال توفيق علي وهبه: «إن الذين يتشدقون بدعاوى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، إنما يدعون إلى طريق خطر، لأن الله الذي خلق كلاً من الرجل والمرأة من نفس واحدة، يسر كلاً منهما لما خلق له، فالمرأة بحكم تكوينها الجسماني تحمل، وتضع، وترضع، وتربي أولادها، ووضع في قلبها الحنان، والرحمة، وأعطى الرجل قوة في الجسم، ليستطيع العمل والكدح في الحياة»([92]).
وقال الأستاذ عبد العزيز بن ناصر العبد الله: «إن الرجال والنساء يختلفون في طريقة الحوار، والكلام، والتفكير، والشعور، والإدراك، وردود الأفعال والاستجابات، والحب، والاحتياجات، وطريقة التقدير والتعبير عن الحب.
إن جهل هذه الفروق والسنن الإلهية في العلاقات الإنسانية هو سبب نشوء التوتر والاستياء، والصراعات بين الزوجين»([93]).
ثالثًا: شهادة العلم الحديث:
يقول العلم الحديث: «طبيعة تكوين الرجل وكيماويته وخشونته تختلف تمامًا عن طبيعة تكوين المرأة وكيماويتها ورقتها، لأن التكوين المقنَّع تدخلت فيه الهرمونات الجنسية التناسلية في كل منهما، وهي المسؤولة عن غلظة الذكر، وهي كذلك المسؤولة عن رقة الأنثى... هرمون التستوستيرون في الذكر يقوي العضلات، ويبني الجسم ويقوي العظام وهذا الهرمون تفرزه خصيتا الرجل، وهو مسؤول عن ظهور العلامات الجنسية... مثل ظهور شعر الشارب، واللحية، وغلظة الصوت، وبناء الهيكل العضلي والعظمي... يقابله في المرأة أو الأنثى هرمون البروجسترون، وهذا الأخير مسؤول عن السمات الجنسية في الأنثى مع هرمون الإستروجين من ظهور الثديين، وتكوين المبايض وتطورها، وبناء الرحم والمهبل...»(([94]) كذلك لهذه الهرمونات آثارها على الأنثى من نعومة، ورقة صوت، واستدارة جسم، إضافة إلى التأثير على العواطف والمزاج.
وقد أثبت الدكتور روجر سبراي - الحائز على جائزة نوبل في الطب - وجود فروق بين مخ الرجل ومخ المرأة، مما يمنع المساواة بينهما في المشاعر، والعواطف، وردود الأفعال، ويمنع الذكر والأنثى من القيام بنفس الأدوار([95]).
كما أجري طبيب أعصاب في جامعة(بيل) الأمريكية تجارب عديدة، فأثبت أن نصف مخ الرجل يقوم بعمل مخ الأنثى كاملاُ([96]).
وهذا ما اكتشفه البروفسور ريتشارد لين المنتسب إلى جامعة (أليستر) البريطانية حيث قال: (إن عددًا من الدراسات أظهرت أن وزن دماغ الرجل يفوق مثيله النسائي بحوالي أربع أوقيات).
وأضاف لين: (إنه يجب الإقرار بالواقع، وهو أن دماغ الذكور أكبر حجمًا من دماغ الإناث)([97]).
ولعل هذا نفس نبوغ الذكور في جوانب الاكتشافات، والاختراع، والرياضيات والفيزياء، والكيمياء، والفلسفة، والشعر، من جهة الإبداع والاختراع، وإن نبغت أنثى في شيء من ذلك ففي جانب التلقي والاختزان، ومحاكاة ما سبق اختراعه.
إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الشهادات، فعندهم شهادة الذي خلق الزوجين، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وإنما ذكرت ذلك لأن دعاة المساواة بين الجنسين إنما هم مقلدة لحضارة الغرب، فشهادتها تقع لديهم موقعًا حسناً.
رابعًا: - شهادة الواقع:
قديمًا قيل:
« وليس يصح في الأفهام شيء



إذا احتاج النهار إلى دليل» ([98])

إن الواقع المشاهد، وعلاقة الذكر بالأنثى على مدار تأريخ البشرية، ومجمل الميول والاهتمامات، وتؤكد الفوارق الهائلة، بين الذكر والأنثى، وبما أن توضيح الواضح فاضح فسوف اقتصر في شهادة الواقع على بعض ماله مساس بحياة الزوجين، وإعانتهما على التفاهم والتواؤم:
أ - تختلف المرأة عن الرجل عند شدة الغضب والخوف، فالمرأة - إلا من شذ - تفقد السيطرة على أعصابها، وتختفي رؤيتها للماضي والمستقبل، وتنحصر الرؤية في اللحظة الحاضرة، ولذا تكرر المرأة عند غضبها كلمتين تزعجان الزوج الجهول بطبائع النساء، وهما: ما رأيت منك خيرًا قط، ولا أستطيع الحياة معك في المستقبل، أو أنت رجل لا يطاق.
فإذا هدأت ندمت وتأسفت، وأيقنت أنها كادت أن تهدم بيتها، وتدمر نفسها، ومع ذلك تكرر الخطأ نفسه، عند شدة الانفعال والغضب.
وعلى الزوج الوقور أن يتوقع سماع تلك الكلمتين مرارًا وتكرارًا، وأن لا يأخذ الأمر مأخذ الجد، بل ينتظر ساعة هدوء ومرح، ثم يبحث عن الحقيقة الغائبة ساعة الانفعال.
ب - تختلف اهتمامات المرأة عن اهتمامات الرجل، فالرجل يهتم بالثروة والمال، والأعمال، والدين، والعلم، والسياسة، بينما يغلب على المرأة الاهتمام بالجمال، والزينة، وتلطيف الحياة، بالإضافة إلى عنايتها بالأولاد.
والرجل يركز كثيرًا على المستقبل، بينما ينصب اهتمام المرأة على الحاضر.
والمال عند الرجل ثروة وقيمة، بينما الزينة شيء ثانوي، أما المرأة فتنظر للمال على أنه زينة، وقيمته كثروة وعدة مستقبل، تأتي في المرتبة الثانية.
إن هذه الاختلافات مثار صراعات عند الزوجين الجهولين بطبعهما، وقد يستسلم أحدهما لنظرة الآخر على مضض، ولو عرفا هذه الفروقات وعذر أحدهما الآخر، وتلطف في الوصول إلى بغيته، واختار الظرف المناسب، لزالت كثير من المشاكل الزوجية، وعاش الزوجان في هناءة ترفرف عليهما أعلام السعادة، وتُجمِّلهما ورود التوافق والتكامل، ومتى ما انفجرت صراعات، عرفا كيف يديران الدفة بأمان.
ج - تختلف - غالبًا - طريقة الرجل والمرأة عند الجدال، فالرجل يبدأ جداله على أن الصواب معه، ثم يبدأ بالمراوغة لئلا يظهر خطؤه، وهذا يشعر المرأة بالامتعاض، لتوقعها أن الرجل مثلها، يقر بالخطأ، ويقبل التوجيه.
وتكمن مشكلة المرأة عند الجدال رفضها الكليات، عند عدم موافقتها على الجزئيات، فإذا جادلت الزوج في خطأ وقع فيه فإنها تشعره - من حيث لا تدري - أنه غير مقبول لها كليًا، فينتقل الزوج إلى الدفاع عن ذاته، وتكبر المشكلة، وهي في بداية الأمر صغيرة.
ويُنصح الزوجان أن يقللا من الجدال، وأن يبتعدا عنه كلية عند الغضب، وأن لا يستمرا فيه إذا حدث، خاصة إذا كانت الزوجة عالية الثقافة، أو ممن تسممت أفكارها بدعوات التغريب والمساواة.
د - تختلف طريقة الرجل في التكيف مع ما أشكل من الأمور، فهو بطبعه يميل إلى التفكير، والبحث عن حل عملي، وقد ينعزل بنفسه، أو يتشاغل بشيء بين يديه، وباله مشغول بالمشكلة، ويحب في هذه اللحظة الصمت، بينما تميل المرأة بطبعها إلى الحديث عما أشغل بالها، ويُهوِّن عليها وقع المشكلة سماع الآخرين لها.
وهذا موطن خلاف وشجار، خاصة إذا لم يع الزوجان طبع كل منهما، فالمرأة تظن أن الرجل يهرب من مواجهة المشكلة، والرجل يرى أن المرأة تشغله بحديثها عن المشكلة، ويحاول قطع حديثها، أو عدم الإنصات إليها، فتبرز مشكلة أخرى.


([1]) سورة فصلت، الآية: 42.
([2]) سورة الإسراء، الآية: 9.
([3]) سورة فصلت، الآية: 44.
([4]) سورة الروم، الآية: 21.
([5]) سورة الروم، الآية: 21.
([6]) سورة النحل، الآية: 72.
([7]) سورة النساء، الآية: 21.
([8]) سورة النساء، الآية: 1.
([9]) سورة الأنفال، الآية: 75.
([10]) سورة محمد، الآيتان، 23،22.
([11]) رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين، ح(2813) (4/2167).
([12]) سورة الروم، الآية: 21.
([13]) انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 198
([14]) انظر: محاضرة في الأسرة د. محمد عبد الله عرفه، ص: 37.
([15]) أحكام النساء، لابن الجوزي، ص: 74
([16]) رواه ابن ماجه في كتاب الفتن، ح(4019) (2/1332) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، ح(7978) (2/1321).
([17]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، ح(5486) (4/383) وحسنه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير، ح(430) (1/136).
([18]) رواه البخاري كتاب النكاح، ح(4) (7/4) ومسلم، كتاب النكاح، ح(1400) (2/1018).
([19]) سورة الإسراء، الآية: 9
([20]) سورة النحل، الآية: 97
([21]) سورة الروم، الآية: 21.
([22]) في لسان العرب، مادة (زوج): «أما الزوج فأهل الحجاز يضعونه للمذكر والمؤنث وضعاً واحداً وبنو تميم يقولون: هي زوجته، وأبي الأصمعي فقال: زوج لا غير وكانت من الأصمعي في هذا شدة وعسر»أ.هـ وفي كنز الحفاظ لابن السكيت (1/356) (ويقال: هي زوجته وزوجه) أ.هـ . والجواز لا يعني أنه الفصيح انظر معجم مقاييس اللغة، مادة(زوج) (31/35) ولذا لم يرد في القرآن الكريم إلا التذكير.
([23]) سورة التحريم، الآية: 5.
([24]) تفسير الطبري(28/164).
([25]) المصدر السابق، الموضع نفسه.
([26]) انظر: معجم مقاييس اللفة(قنت) (5/31)
([27]) انظر: لسان العرب: (قنت) (2/73).
([28]) المفردات: (قنت) ص: 143.
([29]) سورة النساء، الآية: 34.
([30]) انظر الجامع لأحكام القرآن(5/170).
([31]) تفسير الطبري(28/164).
([32]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح(123)،(7/153) ومسلم، كتاب النكاح، ح(1436) (3/1060).
([33]) تفسير الطبري(28/164).
([34]) محاسن التأويل(16/5864).
([35]) تفسير الطبري(11/38).
([36]) المصدر السابق، الصفحة التالية.
([37]) انظر: التحرير والتنوير(11/41).
([38]) سورة النساء: الآية: 34.
([39]) معالم التنزيل(2/207).
([40]) سورة النساء، الآية: 24.
([41]) سورة النساء، الآية: 25.
([42]) سورة النور، الآية: 3.
([43]) سورة التوبة، الآية: 71.
([44]) انظر التفسير المنير(10/302).
([45]) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس بالبهائم، ح(41) (8/17) ومسلم، كتاب البر، باب تراحم المؤمنين ح(2586) (4/1999) واللفظ له.
([46]) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، ح(28) (7/12).
([47]) فتح الباري(9/235).
([48]) رواه أحمد في المسند(2/251) والحاكم في المستدرك، كتاب النكاح(2/161) وقال: صحيح على شرط البخاري، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير، ح(3298).
([49]) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب تستحد المغيبة ح(176) (7/71).
([50]) قوله: أنتق أرحاما: أي: أكثر أولاداً، انظر: السنن الكبرى للبيهقي، كتاب النكاح، ح(13474) (7/130).
([51]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، ح(13474) (7/130) مرسلا، وضعفه ابن حجر في تلخيص الحبير(3/145) والعجلوني في كشف الخفاء(2/93) وحسنه الألباني، وعزاه إلى ابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر مرفوعا، انظر صحيح الجامع الصغير، ح(4053) (2/748).
([52]) لسان العرب(رجل) (11/266) باختصار.
([53]) انظر: تفسير آيات الأحكام في سورة النساء، د: اللاحم01/600).
([54]) رواه مسلم، كتاب الطلاق ح(1480) (2/1114).
([55]) سورة النور، الآية: 33.
([56]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح(3) (7/3) ومسلم كتاب النكاح، ح(1400) (2/1018) .
([57]) فتح الباري(9/111).
([58]) المصدر السابق، الموضع نفسه.
([59]) سورة النور، الآية: 32.
([60]) انظر: صحيح البخاري، كتاب النكاح، ح(25) (7/10).
([61]) سورة الطلاق، الآية: 2.
([62]) رواه الترمذي، كتاب النكاح، ح(1085) (3/386) وحسنه الألباني، صحيح الجامع
([63]) انظر: رسائل في التربية والأخلاق والسلوك، د/محمد الحمد: ص: 507.
([64]) سورة آل عمران: الآية: 36.
([65]) سورة البقرة، الآية: 228.
([66]) سورة النساء، الآية: 32.
([67]) انظر: تفسير الطبري(8/362) (تحقيق شاطر)، وتعليق أحمد شاكر على الأثر.
([68]) تفسير السعدي: ص: 176.
([69]) سورة الزخرف الآية: 18.
([70]) رواه البخاري، كتاب الحيض، ح(9) (1/137)، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، ح(132) (1/86) بنحوه.
([71]) سورة غافر: الآية: 67.
([72]) سورة يس، الآية: 62.
([73]) سورة يوسف، الآية: 2.
([74]) سورة العنكبوت، الآية: 43
([75]) سورة الروم، الآية: 28.
([76]) سورة الأنفال، الآيتان: 56،55.
([77]) سورة الأنفال، الآية: 22.
([78]) سورة الحجرات، الآية: 4.
([79]) ذكره الواحدي في أسباب النزول، ص: 387، بسند فيه داود الطفاوي، قال الذهبي في الكاشف(1/220) لينه ابن معين، وقد وثق) وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(3/165:) قال ابن عين ليس بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات) أ.هـ وقد رواه الترمذي في سننه كتاب التفسيرح(3267) وحسنه، لكن لم يعين المنادي.
([80]) سورة البقرة الآية: 171.
([81]) كتاب العين، (عقل) (1/159).
([82]) معجم مقاييس اللغة، (عقل) (4/69).
([83]) لسان العرب،(11/458).
([84]) معجم مقاييس اللغة، (عقل) (4/69).
([85]) سورة الملك، الآية: 10.
([86]) تفسير الطبري، (29/5).
([87]) معالم التنزيل، (8/177).
([88]) التفسير المنير، (17/15) باختصار.
([89]) سورة البقرة: الآية: 171.
([90]) المفردات، (عقل) ص: 341، باختصار.
([91]) النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، د/محمد أحمد حسن وشريكه ص: -250248 باختصار.
([92]) دور المرأة في المجتمع الإسلامي، توفيق علي وهبة ص: 210.
([93]) الزوج والزوجة ما لهما وما عليهما، تأليف: عبد العزيز العبد لله ص: 159.
([94]) المرأة في ميزان الطب والدين، تأليف: د/السيد الجميلي ص: 39، باختصار.
([95]) رسائل في أبواب متفرقة، تأليف د/محمد الحمد، ص: 199.
([96]) المصدر السابق، الموضع نفسه.
([97]) المصدر السابق، ص: 200.
([98]) البيت لأبي الطيب المتبني، انظر شرح ديوانه للواحدي(1/249).

يمكنك تحميل الكتاب كاملا من الرابط التالي اسفل المقال 

تحميل كتاب القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم PDF من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016