-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تحميل كتاب الدابة دراسة في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة PDF




الحمد لله، عالم الغيب والشهادة، العزيز الحكيم، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعـد:
فإن دابة الأرض، التي تخرج آخر الزمان، هي أحد الأشراط الكبرى للساعة؛ تلك الأشراط التي جعلها الله تعالى علامات على قرب القيامة، وهي أحداث مهولة، وللبشر غير مألوفة.
وإن الإيمان بتلك الأشراط هو مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر، الركن الخامس من أركان الإيمان، فمما يتضمنه هذا الركن العظيم: الإيمان بقيام الساعة التي تأتي بغتة، والإيمان بمقدماتها ودلائل قربها جملة وتفصيلاً، ومن ذلك: الإيمان بخروج الدابة التي أخبر الله تعالى عنها بقوله جل وعلا: }وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ{ [النمل: 82] وأخبر عنها الرسول r بأحاديث صريحة؛ وذلك من أجل الاستعداد لتلك الأيام العصيبة والأحداث المفزعة، التي يحدث بعدها الفزع الأكبر، والبعث والحشر، والحساب والجزاء، ثم الجنة أو النار.
والإيمان بخروج الدابة، وما تفعله حينئذ مما هو ثابت شرعًا وتعليمه للناس؛ هو مما يزيد الإيمان ويقوي الاستعداد ليوم المعاد.
ولقد كثرت الكتابات وبخاصة في السنوات الأخيرة، عن أشراط الساعة، وتناقل الكتاب والمؤلفون ما وجدوه في كثير من كتب التفسير والفتن والملاحم على أنه من المسلمات العقدية؛ ولغرابة دابة آخر الزمان كثر حول أوصافها وأفعالها ومكان خروجها الظن والتخمين، بل تجرأ بعض الكتاب إلى تأويل تلك الدابة بتأويلات هي في حقيقتها تحريفات لمراد الله تعالى ومراد رسوله r.
ولهذا ولكون الإيمان بخروج الدابة وفق ما جاء في النصوص الشرعية هو من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة: حرصت على بحث هذا الموضوع، بيانًا لمعتقد أهل السنة والجماعة، وردًا على تحريفات المخالفين.
وعندما نظرت في الكتب المؤلفة في أشراط الساعة، وجدتها صنفين: صنفًا جمع ما وجده من روايات وآثار حول الدابة دون تمحيص ودراسة؛ مما يجعل القارئ أمام كم هائل من الأوصاف المتناقضة التي هي في الغالب تؤدي إلى نتائج عكسية؛ أعني أنها تشكك في أمر الدابة عند ضعاف الإيمان، وصنفًا آخر درس الأشراط أو بعضها، إلا أنه لم يتتبع ما ورد في الدابة، ولم يبرز ما هو ثابت، مما ليس كذلك، وهكذا لم يتعرض لأقوال المخالفين وينقدها، وبخاصة أنها موجودة في بعض دوائر المعارف، وعلى هوامش بعض الكتب السلفية، التي تجرأ على كتابتها بعض العقلانيين وأمثالهم.
ولم أجد كتابة مستقلة عن الدابة تجمع الثابت المتفرق، وتنقد الدخيل المشوه للثوابت، ولذا فقد اخترت هذا البحث وجعلته بعنوان:
الدابة دراسة في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة
وقد قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد وستة مباحث، وخاتمة.
أما المقدمة: فذكرت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره إجمالاً وخطة إعداده.
وأما التمهيد: ففيه اختصاص الله تعالى بعلم الساعة وعلامات قربها إجمالاً.
وأما المبحث الأول: فالكتابة فيه عن تعريف الدابة لغة وشرعًا.
والمبحث الثاني: أعرض فيه أدلة خروج الدابة.
والمبحث الثالث: فيه أقوال الناس في ماهية الدابة وأوصافها مع بيان الصحيح منها، والرد على المخالف.
والمبحث الرابع: الحديث فيه عن مكان خروجها.
والمبحث الخامس: في ذكر وقت خروجها.
والمبحث السادس: سأتكلم فيه عن أفعالها.
والخاتمة: أذكر فيها خلاصة البحث وأهم ما جلاه.
أسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل






التمهيد
اختصاص الله تعالى بعلم الساعة
وعلامات قربها إجمالا


اختص الله تعالى بعلم الساعة؛ فلا يعلم متى تقوم القيامة إلا هو عز وجل، وقد أمر الله نبيه r، إذا سأله الناس عن وقتها، أن يرد علمها إلى الله وحده؛ فإنه هو وحده جل وعلا الذي يعلم متى تكون على التحديد، لا يعلم ذلك إلا هو؛ قال تعالى: }يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 187] فالملائكة والأنبياء، ومنهم خاتمهم محمد r لا أحد منهم يعرف متى تقوم القيامة، فلا يعلم جلية أمرها إلا الله تعالى، ولهذا قال: }ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{ أي ثقل وخفي علم وقتها على أهل السموات والأرض ([1])
ولهذا أمر الله نبيه r بقوله: }قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{ [الأعراف: 188] أي: قل يا محمد حين يسألك قومك عن علم الساعة ووقت القيامة: لا أملك أن أجلب لنفسي خيرًا ولا أدفع شرًا فكيف أملك علم الساعة، وليس لي من العلم إلا ما علمني الله تعالى([2]).
قال أبو جعفر الطبري (ت 310 هـ) في تفسير هذه الآية: "يقول الله تعالى: ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد لسائليك عن الساعة أيان مرساها: }لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا{ يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع لنفسي ولا دفع ضر يحل بها عنها }إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ{ أن أملكه من ذلك؛ بأن يقويني عليه ويعينني، ولو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد لاستكثرت }لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ{ يقول: لأعددت الكثير من الخير"([3])
ويقول سبحانه وتعالى موجهًا نبيه r إلى أن يرد علم الساعة إليه تعالى: }يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ{ [الأحزاب: 63] فإرشاد الله تعالى رسوله r أن يرد علم الساعة ووقت قيام القيامة إليه جل وعلا، يدل دلالة لا ريب فيها على أن الرسول r لا يعلم متى تقوم الساعة، وأن الله وحده اختص لنفسه بعلمها([4])
وكذلك قوله تعالى: }إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ{ [لقمان: 34] أي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد، "فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب([5])".
وقد ثبت أن الرسول r قال: (خمس لا يعلمهن إلا الله) ([6]) ثم تلا: }إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ{ [لقمان: 34].
وقال تعالى: }إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ{ [فصلت: 47] قال ابن كثير (ت 774 هـ) "أي لا يعلم أحد سواه، كما قال محمد r، وهو سيد البشر، لجبريل عليه الصلاة والسلام، وهو من سادات الملائكة، حين سأله عن الساعة فقال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ([7]) وقال جل جلاله }إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا{ [النازعات: 44] وقال جل جلاله }لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ{ [الأعراف: 187] ([8]).
وثبت في الصحيح أن رسول الله ص قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» ([9]).
هذه هي بعض الآيات والأحاديث التي تدل على اختصاص الله تعالى بعلم الساعة، وأنه لا يعلمها ملك ولا نبي ولا ولي فضلا عن عامة الخلق، والنصوص الشرعية الدالة على ذلك كثيرة اكتفيت منها بما ذكرته إجمالا.
وقد اختص الله تعالى بعلم الساعة لنفسه، فلم يخبر بوقت قيامها أحدًا لحكم أرادها الله سبحانه وتعالى؛ ولعل منها اجتهاد العباد في الاستعداد لذلك اليوم العظيم الذي لا يعلمون متى هو، مع علمهم بقربه وأنه يأتي بغتة، فيدفعهم ذلك إلى التأهب له بالتوبة والعمل الصالح وإخلاص النية لله تعالى، كما أن في إخفاء وقت قيام القيامة اختبار وابتلاء العباد في إيمانهم بالغيب وما أخبر الله به في كتابه وسنة رسوله r هذا طرف من حكم إخفائها وما غاب عنها أكثر وأعظم ([10]).
وقد أخبر الله تعالى بقرب القيامة، توجيهًا للاستعداد لها، فقال تعالى: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ{ [الأنبياء: 1] وقال: }اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ{ [القمر: 1]، وقال: }إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( وَنَرَاهُ قَرِيبًا{ [المعارج: 6، 7] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وأخبر r بقرب الساعة، ومن ذلك قوله r: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، يمدهما ([11])
كما أخبر جل وعلا أن للساعة علامات وأمارات تعرف بها إذ تدل على قربها، فقال تعالى: }فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا{ [محمد: 18] أي أمارات اقترابها، "وقد أخبر الرسول r بأمارات الساعة وأشراطها، وأبان عن ذلك وأوضح بما لم يؤته نبي قبله"([12]).
وأشراط الساعة الواردة في كتاب الله تعالى وصحيح السنة كثيرة، وقد قسمها بعض أهل العلم إلى قسمين:
أشراط صغرى: وهي كثيرة جدًا؛ أولها بعثة الرسول r وتقع في أزمان متطاولة وقد يقع بعضها مصاحبًا للكبرى، وتكون في الجملة من نوع العوائد المألوفة عند الناس.
وأشراط كبرى: وهي عشرة أشراط، على الصحيح تدل على القرب الشديد ليوم القيامة، وهي أشراط عظام مخالفة للعوائد المألوفة للناس، وتقع في أزمان متقاربة جدًا، ومتتابعة؛ إذ إن بعضها يقع في أثناء وجود العلامة التي قبلها، كما يفهم من عموم النصوص، ولقوله rخروج الآيات بعضها على إثر بعض؛ يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام» ([13]).
والعلامات الكبرى هي: الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، ونار تخرج من اليمن تحشر الناس ([14]).
فخروج الدابة آخر الزمان أحد الأشراط العظام للساعة، والتي تدل على قرب وقت قيام القيامة؛ ذلك الوقت الذي اختص الله تعالى بعلمه.
قال القرطبي (ت671هـ): "قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط والأدلة للناس عليها: تنبيه الناس من رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم... ([15]).







المبحث الأول
تعريف الدابة لغة وشرعًا


الدابة لغة:
الدابة: مشتقة من الفعل: دبّ، يَدبُّ، دبيبًا، أي: مشي يمشي، مشيًا رويدًا، ودبَّ الشيءُ في الشيءِ، سري، كما يقال: دبَّ الشرابُ في الجسدِ، ودب البِلَى في الثوب، ودب السَّقَمُ في الجَسَدِ.
والدابةُ: كلُّ ما يدب على الأرض للمذكر والمؤنث، جمعه: دواب، وتصغيره: دُوَيْبِة ([16]).
فالدابة اسم لما دب من الحيوان؛ مميزة وغير مميزة، قال تعالى: }وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ{ [النور: 45] فلما كانت الدابة تطلق على ما يعقل، وما لا يعقل قال: }فَمِنْهُمْ{ ولو كانت لما لا يعقل لقال: (فمنها) أو (فمنهن) وكذلك قال: }مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ{ وإن كان أصلها لما لا يعقل، لأنه لما خلط الجماعة فقال: منهم، جعلت العبارة بمن والمعنى: كل نفس دابة ([17]).
وقوله تعالى: }وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ{ [فاطر: 45] قيل: من دابة من الإنس والجن، وكل ما يعقل، وقيل: إنما أراد العموم؛ ويدل على ذلك ما روي عن بعض الصحابة أنه قال: كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ([18]).
قال ابن فارس (ت 395هـ): "دبَّ : الدال والباء أصل واحد صحيح منقاس، وهو حركة على الأرض أخف من المشي؛ تقول: دب دبيبًا، وكل ما مشي على الأرض فهو دابة([19]).
وقد غلب اسم الدابة على ما يُركَبُ من الحيوان([20]).
وهل يدخل الطير في مسمى الدابة؟
لبعضهم كلام في إدخاله ([21]).
قال كمال الدين الدميري (ت808هـ): "الدابة ما دب من الحيوان كله، وقد أخرج بعض الناس منها الطير؛ لقوله تعالى }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ{ [الأنعام: 38] ([22]).
ولكن يرد على هذا الاستدلال بقوله تعالى: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [هود: 6].
وكذلك قوله r: «والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» ([23])
وأيضًا، فإن الطير يدب على الأرض برجليه في بعض الحالات، فلعل الصحيح إطلاق لفظ الدابة عليه كما يطلق لفظ الدابة على حيوان البحر أيضا([24]).
قال القرطبي (671هـ): "... ودابة تجمع الحيوان كله، وقد أخرج بعض الناس الطير، وهو مردود؛ قال الله تعالى: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا{فإن الطير يدب على رجليه في بعض حالات... ([25])
الدابة شرعًا:
هي الدابة التي يخرجها الله تعالى من الأرض في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق فتكلم الناس على ذلك ([26]).
وعرّفها بعضهم بأنها: دابة عظيمة يخرجها الله تعالى للناس في آخر الزمان، فتكون من أشراط الساعة، ويكون منها التكليم للناس، خارقًا للعوائد المألوفة وتكون من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه؛ وذلك حين يقع القول الذي حتمه الله وفرض وقته على الناس، وحين يمترون بآيات الله تعالى، فتكون حجة وبرهانًا للمؤمنين، وحجة على المعاندين ([27]).











المبحث الثاني
أدلة خروج الدابة


خروج الدابة آخر الزمان، وكونها من أشراط الساعة ثابت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله r؛ أما في كتاب الله تعالى فقد جاء التصريح بذكرها في قوله تعالى: }وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ{ [النمل: 82].
هذه الآية من كتاب الله تعالى دليل صريح على خروج دابة من الأرض، قرب يوم القيامة، تكلم الناس.
قال ابن كثير (ت774هـ) في تفسير هذه الآية: "هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق؛ يخرج الله لهم دابة من الأرض.. فتكلم الناس على ذلك"([28]).
وقال السعدي (ت1376 هـ): "وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان، وتكون من أشراط الساعة، كما تكاثرت بذلك الأحاديث" ([29]).
وقد يستدل على خروج الدابة بقوله تعالى: }هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ{ [الأنعام: 158].
فإن بعض أهل العلم حمل الآية على شرط واحد من أشراط الساعة، وهو طلوع الشمس من مغربها ، وذكروا أن المراد بالذي يأتي في قوله تعالى: }أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا{ هو طلوع الشمس من مغربها؛ إذ يسد باب التوبة حينئذ ([30])وهذا يقع في الدنيا قبل يوم القيامة مع اتفاق علماء السلف على أن المراد بقوله تعالى: }تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ{ هو إتيان حقيقي للملائكة والرب سبحانه وتعالى، وذلك كائن يوم القيامة ([31]).
واستدل من حمل الآية على طلوع الشمس من مغربها بأدلة، منها: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه: " أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها» ثم قرأ r الآية" ([32])، ونقل ابن حجر (ت852هـ) أن هذا قول الجمهور ([33])، ورجحه أبو جعفر الطبري في تفسيره ([34]).
وحمل بعض أهل العلم الآية على رؤية شيء من علامات الساعة أكثر من واحدة قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: }أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا{ "وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها، حين يرون شيئا من أشراط الساعة ([35]).
واستدل بعض من قال بهذا القول بما روي أبو هريرة أن رسول الله r قال:«ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة» ([36]).
وقال أبو جعفر الطبري بعد أن ذكر القول الأول: "وقال آخرون: بل ذلك بعض الآيات الثلاث: الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها"([37]).
فإذا قلنا بالرأي الثاني، وهو أن الآية مفسرة بحديث مسلم، السابق ذكره فإن الآية تدل بمفهومها على خروج الدابة. إلا أن أهل العلم يرجحون تخصيصها بطلوع الشمس من مغربها؛ إذ عند ذلك يغلق باب التوبة.
وأما الأدلة من السنة، فقد ورد ذكر خروج الدابة وأنه من أشراط الساعة في أحاديث منها ما يلي:
1- عن حذيفة بن أسيد الغفاري، رضي الله عنه، قال: اطلع النبي r علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات» فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
وفي رواية عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، قال: كان النبي r في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا قال: «ما تذكرون؟»قلنا: الساعة، قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن، ترحل الناس) ([38]).
قال النووي (ت676 هـ) "وأما الدابة المذكورة في هذا الحديث فهي المذكورة في قوله تعالى: }وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ{([39]).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال:«بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدجال، أو الدخان، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة».
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال: «بادروا بالأعمال ستًا: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم» ([40]).
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» ([41]).
4- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله r حديثًا لم أنسه بعد؛ سمعت رسول الله r يقول: «إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبًا) ([42]).



تحميل كتاب الدابة دراسة في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة PDF من هنا 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

download pdf books تحميل كتاب pdf

2016