بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب
العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله المرسلين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد
أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارق بين الهدى والضلال، والغي
والرشاد، والشك واليقين، أنزله لنقرأه تدبرًا، ونتأمله تبصرًا، ونسعد به تذكرًا
ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدق به ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتني
ثمار علومه النافعة الموصلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحين الحكم من بين
رياضه وأزهاره، فهو كتابه الدال عليه لمن أراد معرفته، وطريقه الموصلة لسالكها
إليه، ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع
المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي
منه الدخول، فلا يغلق إذا غلقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به
الآراء، والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنزل الكريم الذي لا يشبع منه
العلماء، لا تفنى عجائبه ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته،
كلما ازدادت
البصائر فيه تأملا
وتفكيرًا، زادها هداية وتبصيرًا، وكلما بجست([1]) معينه فجر
لها ينابيع الحكم تفجيرًا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصدور من أدوائها
وجواها، وحياة القلوب، ولذةُ النفوس ورياض القلوب، وحادي الأرواح إلى بلاد
الأفراح، والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح، حي على الفلاح، نادى منادي
الإيمان على رأس الصراط المستقيم: {يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ
اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]([2]).
وبعد، فلمَّا كان كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع، والعمل
الصالح، وهما الهدى ودين الحق، وبتكميله لغيره في هذين الأمرين، كما قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3] أقسم سبحانه أن كل أحدٍ خاسر إلا من كمل قوته العلمية
بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه،
فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما – كان
حقيقًا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية،
ويخلص به من الخسران المبين، وليس ذلك إلا بالإقبال
على القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه،
وصرف العناية إليه، والعكوف بالهمة عليه، فإنه الكفيل بمصالح العباد في المعاش
والمعاد والموصل لهم إلى سبيل الرشاد([3]).
وإن من أعظم
السبل التي أرشد إليها القرآن للهداية والثبات عليها اختيار الصحبة، ولقد تأملت
كتاب ربي جلَّ جلاله فوجدته عالج قضية الصحبة: أمرًا ونهيًا، وحثًّا وتحذيرًا،
وقصصًا وأمثالًا، وجعل لها أنواعًا وألفاظًا متنوعة.
فإن أعظم ما
يغير العبد من صلاح إلى فساد أو من فساد إلى صلاح هو الصحبة، بل إن الصحبة هي سبب
في رفع العبد حتى يكون في درجة النبيين([4]) والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، أو
خفضه حتى يكون مع المنافقين والكافرين([5]) والفاسقين،
وبئس أولئك رفيقًا! ولذا أنزل الله جلَّ جلاله سورًا ثلاثة: «المؤمنون»، و«المنافقون»،
و«الكافرون».
وتأمل في
أسمائها وفيها من التحذير من صحبة السوء والحثّ على الصحبة الصالحة ما يظهر لكل
متأمل، بل أول القرآن ووسطه وآخره دَلَّ
على الصحبة في
سورة الفاتحة والكهف والنَّاس، كما سيأتي بيانه إن شاء الله في مبحث خاص.
وأنزلت سورة «المُمتَحِنَة»
التي تًسمَّى سورة «المودَّة»([6]) وسورة «التوبة»
التي تُسمَّى سورة «براءة»؛ لبيان من يستحق المودَّة والموالاة والصحبة، ومن يستحق
البراءة والمعاداة والبغض.
وقد قال
تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}
[التوبة: 67].
وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71].
وقال: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
[الجاثية: 19] وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73].
فأحببتُ أن
أكتب في هذه القضية المهمة بحثًا يُذَكِّرُ كلَّ لبيب، وينبِّه كلَّ غِرٌّ كريم([7])؛ لئلا ينخدع
بسراب الصحبة الخادعة، ولا ينجرف مع سيولها المتلاحقة.
◄◄
11
►►
أسباب اختيار الموضوع وأهميته تظهر في عدة أمور منها:
أسباب اختيار الموضوع وأهميته تظهر في عدة أمور منها:
1 – تعلق
الموضوع بالمجتمع قبل الفرد.
2 – تشجيع
الصحوة الإسلامية على الثبات على صحوتهم وترابطهم.
3 – إيجاد
المنافسات في حلق القرآن والعلم بين الأقران والمؤاخاة بينهم.
4 – بذل
النصيحة للآباء وغيرهم من أولياء الأمور، لظن كثير منهم أن الصحبة الصالحة تولد
الإرهاب المذموم، وما عرفوا أن لازم ذلك رمي القرآن الكريم بالإرهاب.
5 – انتشار
الشبهات والأفكار الهدامة والمذاهب والفرق التي حذَّر منها النبي r، ودخول كثير
من المسلمين فيها؛ بسبب الصحبة، بل ردَّة بعضهم عن الإسلام بسببها.
6 – انتشار
الفواحش والشهوات وسهولة الوصول إليها، خاصةً عن طريق التقنية الحديثة، وتواصل
الأصحاب بها؛ حتى غرق بعضهم في حمأتها.
7 – ما حصل
لكثير من طلبة العلم الأقران، من هجران وتبديع أو تكفير بعضهم بعضًا لأمور يسع
فيها الخلاف ونسوا حقَّ الصحبة.
8 – حثَّ
الأسرة على مراقبة الأبناء والبنات، واختيار الصحبة الصالحة لها، وتحذيرها من
الصحبة السيئة بمواصفاتها الواردة في القرآن الكريم.
9 – حثّ كلّ
عاقل يريد الزواج أن يختار صاحبته الزوجة الصالحة، وكذا الزوجة أن تختار صاحبها
الزوج الصالح؛ حتى إذا ولد لهما وكانا أبوين، كان كل واحد خير صاحب لولده في
تربيته، وأبقى له لسان صدق في الآخرين، وصدقة جارية: «وَلَدٍ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ» فإن أعظم ما يُصلح أو يُفسد الزوجَ زوجُهُ، وأعظم ما يُصلح أو يُفسد
الأولادَ الأبوان.
10 – تعلق
الموضوع بما يسمى عند المفسرين المعاصرين بـ «التفسير الموضوعي»، الذي فيه
من الجمال والجلال ما يظهر لكل متأمل.
11 – إرجاع
الأمة إلى كتاب ربِّها جلَّ جلاله الذي به عزّها ومجدها، وحتى لا يكونوا ممن هجر
القرآن، ولا يدخلوا في شكوى الرسول r إلى ربِّه بقوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا
الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].
◄◄
11
►►
منهجية البحث
منهجية البحث
استقرأتُ بحسب جهدي القرآن الكريم، متأمِّلا في السياقات
وفي الألفاظ الدَّالة على الصحبة، سواء كانت في مادة الصاد والحاء والباء، أو كانت
قريبًا من معناها في السياق، كلفظ الخلَّة والصَّداقة والقَرِين والرَّفيق،
وحاولتُ جمعَ شتاتها من خلال المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، والرجوع إلى
سياق الآيات وسباقها، ثم نظرتُ في أسباب نزولها فإن كان لها سببُ نزولٍ صحيحٌ
أوردتُه، ثم عَنْوَنْتُ لكل سياق بعنوان مناسب، وحاولتُ أن يكون العنوانُ مناسبًا
لواقع مشاهد في الصحبة المعاصرة.
وقد التزمتُ في بحثي بالآتي:
1 – عزو الآيات إلى مواضعها.
2 – تخريج الأحاديث تخريجًا مختصرًا.
3 – الحكم على الأحاديث صحةٌ وضعفًا من خلال كلام بعض
أهل العلم فيها، إلا ما كان في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بذكر موضعه؛ للاتفاق على
صحة ما فيهما.
4 – شرحتُ ما يحتاج إلى شرحه من الغريب.
5 – عزوتُ أقوال أهل العلم إلى مواضعها.
6 – جعلتُ في آخر البحث: فهرسًا للمراجع والمصادر،
وفهرسًا للموضوعات.
وقد قسمت بحثي إلى مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة.
§
المبحث الأول: تعريف
الصحبة، وتنوع حروفها في القرآن.
§
المبحث الثاني: أنواع الصحبة في القرآن..
§
المبحث الثالث: صفات الصحبة
الصالحة في القرآن.
§
المبحث الرابع: صفات الصحبة
السيئة في القرآن.
§
المبحث الخامس: حال الصحبة
الصالحة والسيئة في الآخرة.
§
المبحث السادس: دلالة أول
القرآن وآخره على الصحبة.
§
المبحث السابع: دلالة وسط القرآن
على الصحبة..
§
الخاتمة.
المبحث الأول:
تعريف الصحبة وتنوع حروفها في القرآن
قال الراغب
الأصفهاني([8]): «الصَّاحِبُ:
الملازم، إنسانًا كان أو حيوانا([9]) أو مكانا([10]) أو زمانا([11]). ولا فرق بين أن تكون مُصاحَبَتُهُ بالبدن – وهو الأصل والأكثر – أو
بالعناية والهمة([12])، وعلى هذا قال:
......................................
|
|
لَئن غِبتَ عَن عَيني
لـَما غِبتَ عَن قَلبي
|
ولا يقال في العرف إلّا لمن كثرت ملازمته. ا.هـ
فقد قَسَّمَ
الصاحبَ إلى أربعة أقسام كما هو بيِّن.
قلت: ومرادي
في البحث هنا هو الأول، وهو الصاحب الملازم الإنسان، وأدرجتُ تحت هذا القسم صحبةَ
الربِّ سبحانه وتعالى، والملائكة والجن والشياطين، وإن كان أكثر البحث في صحبة
الإنسان.
وقد تنوعت
حروف الصحبة بهذا المعنى في القرآن:
o فتارةً تأتي بلفظ الصاحب، كقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
o وتارة بلفظ الصديق([13])، كقوله تعالى {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}
[الشعراء: 101].
o وتارة بلفظ الخليل([14])، كقوله تعالى: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28].
o وتارة بلفظ الحميم([15])، كقوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا
هُنَا حَمِيمٌ} [الحاقة: 35].
o وتارة بلفظ الأخوة([16])، كقوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
o وتارة بلفظ الرفيق([17])، كقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
وهذه الألفاظ
وإن لم تكن بمعنى الصحبة من كل وجه لكن بينها قدر مشترك وسياقاتها تدل على الصحبة.
◄◄
11
►►
المبحث
الثاني:
أنواع الصحبة في القرآن
تقدم في
المبحث السابق عن الراغب الأصفهاني تقسيمه الصحبة إلى: صحبة إنسان، أو حيوان، أو
مكان، أو زمان. وقصدي بهذا المبحث صحبة الإنسان، وكذا الجن أو الملائكة، أو الله I. وصحبة
الإنسان هي الأكثر ذِكْرًا في القرآن؛ فلذا كان لها النصيب الأوفر في البحث.
وجاءت الصحبة
في القرآن بهذا المعنى على أنواع:
1 أولًا: صحبة الله U لعبده:
وقد جاء هذا
في قوله تعالى: {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ}
[الأنبياء: 43].
قال قتادة: لا
يصحبون من الله بخير([18]). ومنه حديث: «أنت
الصَّاحب في السَّفر»([19]).
ويدخل تحت هذا
النوع نصوص المعية الكثيرة:
كقوله تعالى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}
[طه: 46]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}
[النحل: 128].
فهنيئًا لمن
صحبه رب العالمين وأيده ونصره! فاحرص أن تحقق معيته بالأوصاف الواردة معها كالتقوى
والإحسان!
1 ثانيًا: صحبة الإنسان، وهي أنواع منها: 1 – صحبة إحسان كصحبة الابن لوالديه، في قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف([20]).
2– صحبة ملازمة كصحبة الزوجة لزوجها في قوله تعالى: {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ}
[المعارج: 12]؛ لأنها تصاحب الزوج معظم أحواله([21]). ومنه قوله: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}
[النساء: 36]، على قول في الآية([22]).
3– صحبة
التجربة([23]) كقوله تعالى:
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}
[التكوير: 22]، وقوله: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}
[سبأ: 46].
4– صحبة
المحبة والموالاة، كقول الله تعالى عن نبيه
محمد r إذ كان مع
أبي بكر t في الغار: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا
تَحْزَنْ} [التوبة: 40].قال شيخ
الإسلام في رَدِّه على الرَّافضي: «وَقَد زعم بعض الرَّافضة أن قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
[التوبة: 40] لا يدلُّ على إيمان أبي بكرٍ،
فإنَّ الصُّحبة قد تكون من المؤمن والكافر كما قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا
جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا
زَرْعًا. كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا
وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا. وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ
وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا.وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ
أَبَدًا} [الكهف: 32 - 35] إلى قوله {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي
خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف:
37].
فيقال: معلومٌ
أنَّ لفظ «الصَّاحِب» في اللُّغة يتناول من صحب غيره ليس فيه دلالةٌ بمجرد هذا
اللفظ على أنَّه وليه، أو عدوه، أو مؤمن، أو كافر، إلا لما يقترن به.
وقد قال تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]، وهو
يتناول الرفيق في السفر والزوجة، وليس فيه دلالة على إيمان، أو كفر، وكذلك قوله
تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ
صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1-2] وقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}
[التكوير: 22]، المراد به محمد r؛ لكونه صحب البشر فإنَّه إذا
كان قد صحبهم كان بينه وبينهم من المشاركة ما يمكنهم أن ينقلوا عنه ما جاءه من
الوحي، وما يسمعون به كلامه ويفقهون معانيه بخلاف الملك الذي لم يصحبهم فإنَّه لا
يمكنهم الأخذ عنه.
وأيضًا قد تضمَّن ذلك أنَّه بشر من جنسهم، وأخص من ذلك أنه عربي بلسانهم
كما قال تعالى: {لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ} [التوبة: 128] وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4].
فإنه إذا كان
قد صحبهم كان قد تعلم لسانهم، وأمكنه أن يخاطبهم بلسانهم، فيرسل رسولا بلسانهم
ليتفقهوا عنه، فكان ذكر صحبته لهم هنا على اللطف بهم، والإحسان إليهم.
وهذا بخلاف
إضافة الصحبة إليه كقوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنَا} [التوبة: 40]، وقول النَّبيِّ:
r: «لا
تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحِدٍ ذَهبًا ما بلغ مُدَّ
أحدهم ولا نصيفه»([24])، وقوله: «هل
أنتم تاركي لي صاحبي!»([25])، وأمثال ذلك.
فإنَّ إضافة
الصحبة إليه في خطابه وخطاب المسلمين تتضمَّن صحبة موالاة له، وذلك لا يكون إلا
بالإيمان به فلا يطلق لفظ صاحبه على من صحبه في سفره وهو كافر به.
والقرآن يقول
فيه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
[التوبة: 40].
فأخبر الرسول
أن الله معه ومع صاحبه، وهذه المعية تتضمن النصر والتأييد، وهو إنما ينصره على
عدوه وكل كافر عدوه فيمتنع أن يكون الله مؤيدًا له ولعدوه معًا، ولو كان مع عدوه
لكان ذلك مما يوجب الحزن ويزيل السكينة؛ فعلم أن لفظ صاحبه تضمن صحبة ولاية ومحبة،
وتستلزم الإيمان له وبه.
وأيضًا فقوله:
{لا تَحْزَنْ} دليل على أنَّه
وليُّه، وأنه حزن خوفًا من عدوهما فقال له: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، ولو كان عدوه
لكان لم يحزن إلا حيث يتمكن من قهره فلا يقال له: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، لأن كون الله مع نبيه مما يسر النبي، وكونه مع عدوه مما
يسوءه فيمتنع أن يجمع بينهما لاسيما مع قوله: {لا تَحْزَنْ}،ثم قوله: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40].
ونصره لا يكون
بأن يقترن به عدوه وحده، وإنما يكون باقتران وليه ونجاته من عدوه([26]).
1 ثالثًا: صحبة الملائكة:
ومن ذلك قول
الله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}
[ق: 23]. قال
السعدي: أي: قرين هذا المكذب المعرض من الملائكة الذين وكلهم
الله على حفظه وحفظ أعماله، فيحضره يوم القيامة ويحضر عمله فيجازى بعمله([27]).
ومن هذا:
o قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ}
[الانفطار: 10].
o وقوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}
[الطارق: 4].
o وقوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
o وقول النبي r
لجبريل u: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؛
فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}
[مريم: 64]([28])، فحرص
النبي r أن يكون
عظيم الملائكة – جبريل u – مصاحبًا له كثيرًا لما يناله منه الوحي.
1 رابعًا:
صحبة الجن والشياطين:
ومن ذلك قوله
تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ
شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].([29])
◄◄
11 ►►
المبحث الثالث:
صفات الصحبة الصالحة في القرآن
لأهمية الصحبة
الصالحة وغفلة الناس عن معرفة أوصافها جاء القرآن ببيانها بيانًا شافيًا، ومن أهم
هذه الصفات:
1 – ملازمة
ذكر الله - عز وجل - إخلاصًا له، والتعاون على ذلك، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
[الكهف: 28]، قال ابن كثير: «أي: اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه
ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيًّا من عباد الله، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو
أقوياء أو ضعفاء»([30]).
وقال موسى u في دعائه: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي.
هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. كَيْ
نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 29-34].
قال الشعراوي:
«فهذه هي العلّة في مشاركة هارون لأخيه في مهمته، لا طلبًا لراحة نفسه، وإنما
لتتضافر جهودهما في طاعة الله، وتسبيحه وذكره»([31]).
2 – النصح عند
الخطأ وإزالة الحيرة، قال تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ
اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ
إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ
حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71]. وتأمل قصة صاحب الجنتين حين كفر بالله واغترَّ بجنتيه،
ونصحه صاحبه: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ
بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا.
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا. وَلَوْلا إِذْ
دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ
تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا. فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ
خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ
صَعِيدًا زَلَقًا. أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ
طَلَبًا} [الكهف: 37-41]. وقصة قارون حين اغترَّ بماله: {قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْفَرِحِينَ} [القصص: 76].
وقصة أصحاب
الجنة في سورة القلم حين مَنعوا حقَّ المساكين، قال المفسرون: بعث الله على جنتهم
نارًا بالليل، فاحترقت، فصارت سوداء([32]). قال أفضلهم
وأعقلهم: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ}
[القلم: 28].
وفي قصص
الأنبياء قبل ذلك ونصحهم لقومهم وصحابتهم ما يكفي في ذكره حكايته، كما في قصة نوح،
وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
3 – التثبيت
على الدين عند المخاوف والمواقف الصعبة، واعتبر بقصة نبينا محمد r مع صاحبه أبي بكر t، وقد خاف على قضاء مكة على الدعوة في حادثة
الهجرة، حين دخلا غار ثور وتبعتهم قريش ووقفوا عند الغار، وقال أبو بكر للنبي r: «لو أنَّ
أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا» فقال النبي r لصاحبه: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
[التوبة: 40]([33]).
4 – أخذ العلم
من الصاحب والقرين والتواضع في أخذه منه، ففي قصة موسى مع الخضر u من الدروس والفوائد ما لا يُقادر قدره، وتأمل
قول موسى u: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، وقوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69].
وحين لم يصبر
في القضيتين الأُوليين قال موسى للخضر: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ
بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76].
5 – إحسان
الصاحب لصاحبه؛ امتثالًا لقول الله عز
وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].
6 – التراحم
والتآلف، وقد وصف الله U خير القرون بذلك، وامتنَّ عليهم به، فقال: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
[الفتح: 29].
وقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
وقال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ
وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي
الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62-63].
وقد روى ابن أبي الدنيا بإسناد إلى عَبْدَةَ بن أبي
لُبَابَةَ، قال: حدثني مجاهد بن جبر، قال: «إذا تواخا المتحابان في الله U، فمشى
أحدهما إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر»، قلت:
إن هذا ليسير. قال: لا تقل ذلك، فإن الله U يقول لنبيه r: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي
الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63]([34]).
7 – عدم التحاسد، فقد أثنى الرب - تبارك وتعالى - على صحبة الأنصار للمهاجرين بقوله: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}
[الحشر: 9]، قال الواحدي: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً}
[الحشر: 9] غيظًا وحسدًا، {مِمَّا أُوتُوا}
[الحشر: 9]، ممَّا أُوتي المهاجرون من الفيء([35]).
8 – الإيثار؛ لقوله تعالى عن الأنصار في إيثارهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
[الحشر: 9].وفي سبب نزولها حديث أبي هريرة t «أن رجلًا أتى النَّبيَّ r، فبعث إلى
نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله r: «مَنْ يَضُمُّ أو يُضيف هذا»، فقال
رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله r. فقالت: ما
عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك، وأصبحي([36]) سراجك، ونومي
صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت
كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين ([37])، فلما أصبح
غَدَا إلى رسول الله r، فقال: «ضحك الله الليلة، أو عجب من
فعالكما!»؛ فأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]([38]).
9 – السماحة
بينهم وعدم التكلف؛ حتى سمح
الشارع الحكيم بالأكل من بيت الصديق بغير إذنه في قوله: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى
حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ
أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ
أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61].
قال القرطبي
في تفسير {أَوْ صَدِيقِكُمْ}: «والصَّديق من يصدقك في مودَّته وتصدقه في مودتك. قال: ذكر محمد بن ثور عن
معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبًا فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت
رطبًا في بيتك فأكلت، قال: أحسنت، قال الله تعال: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}. وذكر عبد الرَّزَّاق عن معمر عن قتادة في قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك
بأس. وقال معمر: قلت لقتادة: ألا أشرب من هذا الحُبِّ([39]) قال: أنت لي صديق! فما هذا
الاستئذان. وكان r يدخل حائط([40]) أبي طلحة
المُسمَّى بـ «بَيْرَحَا» ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ بغير
إذنه، على ما قاله علماؤنا، قالوا: والماء متملَّك
لأهله. وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه جاز الأكل من ثماره وطعامه إذا علم
أنَّ نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته، أو لما بينهما من المودة. ومن هذا
المعنى إطعام «أُمِّ حرام» له r إذ نام عندها([41])، لأن الأغلب
أن ما في البيت من الطعام هو للرجل، وأن يد زوجته في ذلك عارية. وهذا كله ما لم
يتخذ الأكل خبنة([42])، ولم يقصد
بذلك وقاية ماله، وكان تافهًا يسيرًا. وقال أيضًا: قرن الله U في هذه الآية الصَّديق بالقرابة المحضة
الوكيدة، لأن قرب المودَّة لصيق.
قال ابن عباس في كتاب النَّقَّاش: «الصَّديق أوكد من القرابة، ألا ترى
استغاثة الجهنَّميِّين»: قال تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ.
وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100-101].
قلت: ولهذا لا تجوز عندنا شهادة
الصَّديق لصديقه، كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه... وفي المثل: «أيُّهم أحبُّ
إليك: أخوك أم صديقك؟» قال: «أخي إذا كان صديقي»([43]).
10 – الحرص على أكل الحلال والحث عليه، ففي قصة أصحاب الكهف قال الله Y عنهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ
بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: 19].
قال الشنقيطي: في قوله في
هذه الآية {أَزْكَى} قولان للعلماء:
o أحدهما: أنَّ المراد بكونه {أَزْكَى} أطيب لكونه حلالًا ليس مما فيه حرام ولا شبهة.
o والثَّاني: أنَّ المراد بكونه أزكى أنه أكثر، كقولهم: زكا
الزَّرع: إذا كَثُر، وكقول الشاعر:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة
|
|
وللسبع أزكى من ثلاث وأطيبُ
|
أي: أكثر من ثلاثة. والقول الأول هو الذي يدل له القرآن؛ لأن أكل الحلال
والعمل الصالح أمر الله به المؤمنين كما أمر المرسلين، قال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحًا} [المؤمنون: 51] الآية، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]،
ويكثر في القرآن إطلاق مادة الزكاة على الطهارة؛ كقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}
[الأعلى: 14]، وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، وقوله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]، وقوله: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا
رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}
[الكهف: 81] وقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}
[الكهف: 74]، إلى غير ذلك من الآيات.
فالزكاة في
هذه الآيات ونحوها: يراد بها الطهارة من أدناس الذنوب والمعاصي، فاللائق بحال
هؤلاء الفتية الأخيار المتقين أن يكون مطلبهم في مأكلهم الحلية والطهارة، لا
الكثرة. وقد قال بعض العلماء: إنَّ عهدهم بالمدينة فيها مؤمنون يخفون إيمانهم،
وكافرون، وأنهم يريدون الشراء من طعام المؤمنين دون الكافرين، وأنَّ ذلك هو مرادهم
بالزكاة في قوله: أزكى طعامًا، وقيل: كان فيها أهل كتاب ومجوس، والعلم عند الله
تعالى([44]).
◄◄
11
►►
المبحث
الرابع:
صفات الصحبة السيئة في القرآن الكريم
ذكر الله -
سبحانه وتعالى - أصول صفات الصحبة السيئة في كتابه العظيم، ومن هذه الصفات:
1 – الغفلة عن
ذكر الله عز وجل، وإضلال العباد عن ذلك، ويدل لذلك أنه في الآخرة حين يندم ويتحسر الخليل في اتخاذ خليل غير صالح
يقول: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا.
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}
[الفرقان: 28-29].
وحين أمر الله - جل جلاله - نبيه r أن يصبر نفسه مع الذاكرين قال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]
قال في آخر الآية: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا
قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] ومن غفل عن ذكر الله صحبه شياطين الإنس والجن كما قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ
الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].قال الشنقيطي: «فترتيبه
قوله: {نُقَيِّضْ
لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. على قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ
الرَّحْمَنِ} [الزخرف: 36]. ترتيب الجزاء
على الشرط يدل على أنَّ سبب تقييضه له هو غفلته عن ذكر الرحمن.
ونظير ذلك
قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}
[الناس: 4]؛ لأن الوسواس هو
كثير الوسوسة ليضل بها الناس، والخناس هو كثير التأخر والرجوع عن إضلال الناس، من
قولهم: خَنَسَ – بالفتح – يَخْنُسُ – بالضم – إذا تأخر.
فهو وسواسٌ
عند الغفلة عن ذكر الرحمن، خنَّاس عند ذكر الرحمن، كما دلت عليه آية «الزخرف»
المذكورة، ودل عليه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ
مُشْرِكُونَ} [النحل: 99-100]؛ لأن الذين
يتولونه والذين هم به مشركون – غافلون عن ذكر الرحمن، وبسبب ذلك قيضه الله لهم
فأضلهم.
قال: وقد دلَّ
قوله في آية «الزُّخرف»: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ}
[الزخرف: 38] على أن قرناء الشياطين المذكورين في آية «فُصِّلَتْ» وآية
«الزخرف وغيرهما – جديرين بالذم الشديد، وقد صرح تعالى بذلك في سورة «النساء» في
قوله: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ
قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء: 38]؛ لأن قوله: {فَسَاءَ قَرِينًا} بمعنى {فَبِئْسَ الْقَرِينُ}؛ لأن كلا من «سَاءَ» و «بئْسَ» فعل
جامد لإنشاء الذم، كما ذكره في الخلاصة([45]) بقوله:
واجعل كبئس ساء واجعل فعلًا
|
|
من ذي ثلاثة كنعم مسجلا
|
واعلم أنَّ الله - تعالى - بيَّن أنَّ الكفار الذين
أضلهم قرناؤهم من الشياطين – يظنون أنهم على هدى، فهم يحسبون أشدَّ الضلال أحسن
الهدى، كما قال تعالى عنهم: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}
[الزخرف: 37]، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30].
وبَيَّنَ –
تعالى – أنَهم بسبب ذلك الظن الفاسد هم أخسر الناس أعمالًا، في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103-104].
وقوله – تعالى – في آية «الزخرف»: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}
[الزخرف: 36] من قولهم: عَشَا – بالفتح – عن الشَّيء يَعْشُو – بالضَّمِّ
– إذا ضعف بصره عن إدراكه؛ لأنَّ الكافر أعمى القلب، فبصيرته تضعف عن الاستنارة
بذكر الرحمن، وبسبب ذلك يقيِّض الله له قرناء الشياطين»([46]).
2 – الاستهزاء بالدين وأهله حتى بالرسل؛ ولذا قال U لرسوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ
قَبْلِكَ} [الأنعام: 10]، وقال لأهل النار: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي
يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ
تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:
109-110].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:
29-30].
وقال في
المنافقين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا
نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65].
روى الطبري
بإسناده إلى عبد الله بن عمر قال: «قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل
قرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في
المجلس: كذبتَ، ولكنك منافق! لأخبرنَّ رسول الله r، فبلغ ذلك النبي r ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا
رأيته متعلقًا بحقب([47]) ناقة رسول
الله r تنكبه([48]) الحجارة، وهو
يقول: «يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب!»، ورسول الله r يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
[التوبة: 65-66]([49]).
فانظر إلى
مجالسهم وكيف مُلِئت بالسخرية بالصحابة y، وكيف جعل الله تعالى السخرية بالصالحين
سخرية بالله وبآياته وبرسوله وذلك الكفر المبين، أعاذنا الله منه!
3 – العجب
بالدنيا والتفاخر بها، ففي قصة
صاحب الجنتين قال تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ
لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}
[الكهف: 34]. قال القرطبي: «قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا
رَجُلَيْنِ} [الكهف: 32] هذا مثل لمن
يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة المؤمنين، وهو متصل بقوله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: 28]([50]).
وقال السعدي: «فخر
بكثرة ماله، وعزة أنصاره من عبيد، وخدم، وأقارب.. وهذا جهل منه، وإلا فأي افتخار
بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية! وإنما هو بمنزلة فخر الصبي
بالأماني التي لا حقائق تحتها»([51]).
4 – الاستهانة
بالله U، وظن عدم
مراقبته للعباد، وظن عدم شهادة الأعضاء على أعمال العبد يوم القيامة، وهذا معنى قوله:
{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ
أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ
وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}
[فصلت: 22].
ففي الصحيحين([52])
من حديث عبد الله بن مسعود قال: «اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي،
كثيرة شحم بطونهم، قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟قال
الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه
يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ
أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ
وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: 22].
فتأمل إلى قول رفيق السوء «يسمع إن
جهرنا ولا يسمع إن أخفينا»، وكيف هوَّن على رفيقه سمع من وسع سمعه الأصوات سبحانه
وتعالى.
5 – تزيين الدنيا واستبعاد الآخرة وأنه
لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار، فقد قال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25].
قال الشوكاني:
«زيَّنو لهم ما بين أيديهم من أمور الدُّنيا وشهواتها، وحملوهم على الوقوع في
معاصي الله بانهماكهم فيها، وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة، فقالوا: لا بعث
ولا حساب، ولا جنة ولا نار»([53]).
6 – فتنة
العبد عن دينه وكتاب ربه بالتنازلات عن الثوابت ولذا حاول أعداء الدين أن يفتنوا رسول الله r كما قال تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}
[الإسراء: 73].
قال الشوكاني:
«ثم لما عَدَّدَ - سبحانه - في الآيات المتقدمة أقسام النِّعم على بني آدم أردفه
بما يجري مجرى التحذير من الاغترار بوساوس الأشقياء، فقال: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
[الإسراء: 73]»([54]).
وما أحسن ما
قاله صاحب الظلال في تفسيره لهذه الآية: «يعدد السياق محاولات المشركين مع الرسول r وأولها
محاولة فتنته عما أوحى الله إليه، ليفتري عليه غيره، وهو الصادق الأمين.
لقد حاولوا
هذه المحاولة في صور شتى:
o منها مساومتهم له أن يعبدواإلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم.
تحميل كتاب حديث القرآن الكريم عن الصحبة PDF من هنا